الملل عند الشباب..يخلق مجتمعاً ضعيف الإنتاجيةوالمنظمات الشعبيةغائبة
(مللت الحياة.. أشعر بالقرف من كل شيء في هذه الحياة..) وعبارات أخرى يرددها الناس.
ويبدو الأمر اكثر سوءاً عندما نجد أن هذا الشعور يتسلل الى شريحة الشباب لاسيما طلاب الجامعات إذ من المفترض أن تكون مفعمة بالحيوية والنشاط والأمل والعمل.
ترى لماذا يمل الشباب؟ وماذا يفعل عندما تأتيه هذه النوبة..؟
وما آثار الملل على الفرد والمجتمع؟ ومن المسؤول عن ملل الشباب؟
- رغم أن مارسيل /22/ عاماً ـ كلية الاقتصاد يقوم بأنشطة متعددة كاتباع دورات اللغة الانكليزية والجلوس طويلاً أمام النت واشتراكه بناد رياضي إضافة الى دوام الجامعة إلا أنه يشعر دوماً بالملل والكآبة ويقول أحس بالروتين.. لاجديد في الحياة الأمس كاليوم واليوم كالغد فسحتي الوحيدة هي صديقتي في الجامعة التي أسعد كثيراً بالحديث معها وأحسها الحافز الوحيد للذهاب الى الجامعة.
وتوقفنا أمام (شلة) من طالبات السنة الثالثة ـ كلية التربية يجلسن على الادراج وتحدثت كل منهن عن معاناتها لنوع من الروتين والملل اليومي: تقول لبنى: أحس أن منفذي الوحيد في التسلية هو المجيء الى الجامعة حيث أجلس مع صديقاتي ونراقب من ترتدي أجمل ملابس ومن هو أوسم شاب... وتضيف: إن المتعة الاساسية هي البلوتوث.
أما ميرنا فملخص حياتها أنها تخرج الى الجامعة يومياً الساعة /12/ وتعود السادسة مساءً وعندما تصل الى البيت تنام حتى صباح اليوم الثاني ولا تحب الجلوس مع أهلها حيث أفكارها لا تنسجم مع أفكارهم وتحس بالغربة داخل بيتها.
وتقول أنها تحس بالسعادة اكثر كون همومها وأفكارها منسجمة اكثر من زميلاتها والصيف بالنسبة لها قمة الملل.
وتحدثت ديانا عن مللها من المقررات فكلها حشو والمعلومات مكررة في جميع الكتب ما يختلف فقط هو العنوان بين مقرر وآخر، إذ يأتي بعض الاساتذة ليتلو عليهم المحاضرة من المقرر ويخرج والبعض الآخر يلقي المحاضرة وعند العودة للكتاب لاتجد كلمة واحدة مما قيل في المحاضرة... في حين ترى ريما أن أهم أسباب الملل لدى جيل الشباب هو الفراغ العاطفي وحتى لوكان هناك شريك فالفتاة تفكر أينما وجدت (متى ستراه؟ متى يتصل؟ هل هو جاد أم أنه يمضي وقته...؟؟؟!!!)
- ولدى السؤال عن عدم التفكير بالعمل ولاسيما في أوقات العطلة الصيفية أجابوا بالإجماع: وأين العمل...؟ الخريجون لا يجدون فرصاً حتى نجدها نحن.
إذاً نحن أمام نماذج محبطة ومكتئبة تارة ولامبالية تارة أخرى فحين يهاجم الملل شخصاً يعتريه فتور الهمة والإرهاق والكآبة والخمول.
والملل يمكن مقاومته كبقية التحديات بملاحظة الأحداث الصغيرة والتفاعل معها بدلاً من إهمالها وممارسة الهوايات فالملل عدو يجب أن نهزمه قبل أن ينتصر علينا.
هذا ما أكده د. جمال جرمقاني الاستاذ في كلية التربية ـ قسم علم النفس في حديثه عن أسباب الملل، ونتائجه على الفرد والمجتمع، ومن المسؤول عن وصول هذه الفئة الى مرحلة الاحباط والروتين.
- إذ يرى اسباب الملل لدى جيل الشباب لاسيما طلاب الجامعات من الصعب حصرها لكن أهمها تعقد الحياة المعاصرة ومتطلباتها ورتابة الحياة النمطية حيث إن الشباب يعيشون تبعية اقتصادية إضافة لعدم وجود وسائل ترفيه كافية تنسجم مع هوايات كل شاب وفي مقارنة بين الشباب الغربي والشباب في مجتمعنا لفت الى أن الشباب في الغرب يقوم بعشرات الأنشطة التي تعزز روح الجماعة والمغامرة والاستكشاف كالمخيمات والكشافة عن طريق رحلات في الغابات والبحار والصحراء.
منوهاً أن ثقافة العمل التطوعي في مجتمعنا معدومة وهذا يعود للتربية بالاساس التي لا تنمي هذا النوع من العمل ففي كثير من الدول نرى الشباب يتطوعون لتنظيف الشوارع أوشاطئ البحر.
ولكل هذه الاسباب يجد الشاب نفسه أمام نمطية متكررة فالجميع يستيقظ صباحاً يأتي الى الجامعة ويرى الاصدقاء ويحضر المحاضرات ثم يذهب الى البيت.
وأوضح د. جرمقاني أن انتشار الانترنيت والفيديو والفضائيات تجعل الشباب يهتمون بقضايا ثانوية تساهم في عزلتهم وتقتل روح الجماعة والفريق ولاسيما بين فئة الشباب التي يكون طموحها غير متبلور فهم يجهلون مستقبلهم فلا يدري الطالب عندما يتخرج ماذا سيعمل؟ هل يسافر؟ أم يبقى في بلده..؟ الامر الذي يؤدي لمضيعة الوقت في أشياء غير هادفة لافتاً الي أن الاختلاف الطبقي والبيئي والفكري بين ابناء الجامعات يلعب دوراً لابأس به في تنمية روح المبادرة لملء الوقت بأشياء هادفة، فالطالب الذي يملك سيارة ويستطيع ارتياد أفخم المطاعم قد لا ينسجم في تفكيره واسلوب حياته مع ابن الطبقة البسيطة.
أما النتائج السلبية التي يحصدها المجتمع من ملل شبابه برأي د. جرمقاني فتجلت بعدم استغلال قدرة الشباب وطاقاتهم وزجها في الاكتشاف والإبداع والأعمال الخيرية والتطوعية وتنمية روح المبادرة إضافة الى الانفلات الاجتماعي لهؤلاء وانحرافهم بسبب التفكير بأشياء سطحية وثانوية.
أما انعكاسات الملل على الفرد فهي الشعور بالكآبة والإحباط واجترار الأفكار واحلام اليقظة والخيال..
ويؤكد أن المسؤول عن وصول الشباب الى هذه المرحلة من الملل والفراغ هي المنظمات الشعبية ممثلة بالاتحاد الوطني لطلبة سورية واتحاد شبيبة الثورة إذ لا تقوم بالحد الأدنى من دورها تجاه نشاطات الشباب وأنه يجب اعادة النظر بدور هذه المنظمات وإتاحة الفرصة لتشكيل نواد اجتماعية تتناسب مع اهتمامات وهوايات الشباب.
من جهة اخرى أشار الى أن المجتمع يعاني حالة من الفوضى العارمة وعدم احترام القوانين في جميع مناحي الحياة (كالحفاظ على نظافة الشوارع... والالتزام بقانون السير... على سبيل المثال) وهذا يقع على عاتق الاسرة بالدرجة الأولى ودورها في تنمية العمل الجماعي والتطوعي.
إذاً النداء الى مؤسسات المجتمع للالتفات الى هذه الفئة العمرية فمن المؤسف أن يهاجمها هذا الشعور في هذه الفترة التي تمتاز بالطاقة والحيوية وضرورة توفير البيئة المناسبة لقضاء الوقت المفيد واستيعاب هذه الطاقات سواء في العمل التطوعي أو الترفيهي الذي يصقل الشخصية وينمي الوعي حيث إن ملل الشباب الناتج عن نقص الاماكن والمرافق يؤدي لخلق مجتمع إنتاجيته ضعيفة.
منال صافي
المصدر: تشرين
التعليقات
من منا لايحتفظ
إضافة تعليق جديد