انتصار إيران يمهد لانتصار سورية
الجمل ـ روبرت فيسك ـ ترجمة عبد المتين حميد: هذا الاتفاق يمثّل انتصار الشيعة السياسية في صراعهم المتصاعد مع السنة السياسية في الشرق الأوسط. كما يعطي أملاً كبيراً لـ "بشار الأسد" بأن يستمر في السلطة في سوريا. هذا الاتفاق يعزل إسرائيل, و يُغضب السعودية و قطر و الكويت و الدول الخليجية السنية الأخرى التي تتمنى سراً أن تنهار محادثات جنيف النووية لعلّ وعسى أن يؤدي ذلك إلى إذلال إيران الشيعية ويدعم جهودهم لخلع الأسد حليف إيران الوحيد في العالم العربي.
في سياسة الشرق الاوسط المتوحشة، فإن الاتفاق النووي الجزئي بين إيران و القوى الست الأهم في العالم يثبت أن الغرب لن يذهب إلى الحرب مع إيران و لا نيّة لديه −حتى في المستقبل− بالقيام بعمل عسكري في المنطقة. كلنا أدركنا ذلك خصوصاً عندما −بعد أن قاموا بوصف الأسد بأنه هتلر شرق أوسطي آخر− تراجعت الولايات المتحدة وبريطانيا و فرنسا عن الهجوم العسكري على سوريا و عن اسقاط النظام. الشعب الأمريكي والبريطاني −اللذان كانا سيدفعان ثمن هذه المغامرات التي كان مقدّراً لها أن تكون للذكرى، فالقادة السياسيون لم يعودوا يقودون رجالهم في المعركة− ليس لديهم الشجاعة لعراقٍ آخر أو أفغانستان أخرى.
إنّ عرض طهران المفاجئ بالتفاوض لأجل وضع نهاية سريعة لخطر انتشار الحرب تمّ تلقيّه بترحيبٍ صاخب من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي جنباً إلى جنب مع الحماسة المفتعلة من قبل الرجل الذي يدرك تماماً بأنّ بلاده حصلت على نفوذ أكبر في الشرق الأوسط: إنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. تم ضمان استمرار حكم الأسد في دمشق. و كذلك السلام في عصرنا. كونوا متأكدين من أننا سنسمع جملة تشامبرليون (1) "سلام مشرّف" يتلفظّها الاسرائيليون بشكل ساخر خلال الأسابيع المقبلة.
ولكن ليس هناك أدنى شك في أن جنيف استدعت صراحة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو. يمكنه أن يتأفف و يتذمر ولكن لو أراد ضرب إيران الآن −وفقاً لمبدأ أنّ اسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط− فسوف يتحمل لوحده النتيجة عندما تقلع الطائرات لقصف منشآت إيران النووية. من الممكن إرسال كلاب إيباك المفترسة إلى الكونغرس من قبل أسوأ جماعات الضغط الاسرائيلية-الأمريكية لمهاجمة الجمهوريين مدعومين بالمبدأ الليكودي، ولكن لأجل ماذا؟ هل اعتقد حقاً السيد نتنياهو أنّ الإيرانيين كانوا سيقومون بتفكيك كامل منظومتهم النووية الغير مفيدة أصلاً؟
عندما قال نتنياهو في الأمس إنّ "أخطر نظام في العالم قد اتخذ خطوة حاسمة نحو الحصول على أخطر سلاح في العالم"، فإنّ العديد من العرب −و الكثير غيرهم في العالم، بمن فيهم الغرب− سوف يتساءلون فيما إذا كانت اسرائيل− التي حصلت منذ فترة طويلة على أخطر سلاح في العالم, هي الآن –برفضها لاتفاق جنيف− أخطر حكومة في العالم. إذا كان السيد نتنياهو وزمرته في الحكومة قد قرروا لوم القوى العظمى في العالم و هي في غمرة شعورها بالبهجة، فإنّه سيسبب −حسبما حذر العديد من الكتاب الاسرائيليين− أعمق تغيير في علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة منذ تأسيس دولة اسرائيل. هذا التغيير لن يكون لصالح إسرائيل.
ولكن الستة أشهر –المدة الزمنية الممنوحة لإيران لتطبيق بنود الاتفاق النووي− هي فترة طويلة جداً. في الأيام القادمة سيطالب الجمهوريون في واشنطن و الجناح-اليميني −أعداء الرئيس روحاني− بمعرفة التفاصيل الحقيقية لهذه اللعبة في جنيف. يصرّ الأمريكيون على أن إيران لا تملك "الحق في تخصيب اليورانيوم". بينما تصر إيران على أنّ ذلك من حقها. يجب إعادة النظر في النسب المئوية لتخصيب اليورانيوم بشكل أكثر دقة من تلك التي تمّ الاتفاق عليها في الأمس.
السيد روحاني − أو آية الله خامنئي, المرشد الأعلى الذي تحوم أجنحته الداكنة فوق كل رئيس إيراني منتخب − يقول بأنّ الأجيال القادمة ستنظر إلى موضوع الخوف من السلاح النووى الإيراني على أنّه "نكتة تاريخية". بينما يصرّح نتنياهو بأنّه سيأتي يوم و يتثبّت العالم من أنّ هذه الخدع الماكرة التي مورست في جنيف ما هي إلا "خطأ تاريخي". السعوديون السنة, وكعادتهم دائماً ينتظرون معرفة الفائز قبل فتح أفواههم, جلسوا مع حلفائهم القطريين والكويتيين السنة ليَـْرثوا أنفسهم على النصر الجديد للإيرانيين الشيعة. أمّا في دمشق, فأنا أعتقد, بأنّ بشار سيضع أبناءه في أسرّتهم، و من ثم يتناول قدحاً من الشراب بصحبة زوجته أسماء, و بعدها سيحظى بنومٍ هانئٍ جداً في فراشه.
(1) نيفيل تشامبرلين رئيس وزراء انكلترا (أيار 1937- أيار 1940) و هو معروف بتبني سياسة التهدئة و الاسترضاء بهدف تجنب الصدام والحروب, و على هذا الأساس قام بزيارة هتلر خلال أزمة تشيكوسلوفاكيا عام 1938 و عاد من الاجتماع وهو يعلن بأنّه قد توصل إلى "سلامٍ مشرّف... سلام هذا الزمان". ولم يفلح تشامبرلين بإصراره على السلام إلا بتأجيل الصدام الذي حصل لاحقاً.
الجمل
إضافة تعليق جديد