داعش و السعي إلى حلب
الجمل- عبد المتين حميد: اعتادت قوات الجيش العربي السوري و داعش الطواف حول بعضهما البعض متوجّسين بحرص و حذر, دون أي اشتباك فعلي, إلى أن هاجمت داعش حقل الغاز الأسبوع الماضي و الفرقة 17 في الرقة البارحة و لمّا تحسم هاتين المعركتين بعد. تكمن حرفية قيادة الجيش السوري في التلاعب بداعش طوال هذه الفترة بطريقة مشابهة لتلاعب "اسرائيل" بحماس, أي الاستفادة من هذه المجموعة الصغيرة الهائجة في إزعاج منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة كما في استخدامها لتعطيل اتفاقية المصالحة و حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية, فالجيش السوري استغلّ داعش لتقاتل مجموعات متشددة كجبهة النصرة و الجبهة الإسلامية و إمارة الجولاني و جيش الإسلام عوضاً عنه. تنشأ المشكلة عندما تتحوّل المجموعة الصغيرة الهائجة إلى مجموعة كبيرة ثائرة مشكّلةً خطراً داهماً على محيطها, هكذا أصبحت داعش الآن. لا بدّ و أنّ قيادة الجيش السوري غير غافلة عن تطور داعش خصوصاً مع توافد نخبة المقاتلين الأجانب من غير السوريين إليها.
تلوح في الأفق ملامح المعركة الأكبر في سورية: معركة حلب. حلب واسطة العقد و جوهرة التاج السوري, حلب المركز الاقتصادي لسورية. هذه المغامرة الحلبية سوف تقضي على داعش نهائياً إن خسرتها, وقد تمنحها المجد و الثروة و المزيد من التابعين إن كسبتها, و لن تكسبها. تنتظر داعش اللحظة الملائمة للانقضاض على مواقع الجيش السوري في حلب؛ إما بعد أن يتخلص الجيش السوري من فلول المسلحين هناك أو حين ترتاح داعش على جبهات أخرى (كما في الرقة) مما سيمكنها من إرسال تعزيزات ضخمة إلى حلب. المواجهة قادمة لا محالة. قد لا تكون غداً, و لكنها قريبة جداً, و الجيش السوري مستعدٌّ لهذه لمواجهة.
بلا شك فإنّ حلب هي الهدف الأسمى لداعش, و الاستيلاء عليها سيوسّع الجغرافيا التي تسيطر عليها و ستغنم المزيد من الثروات المالية و الموارد البشرية. إن سقوط حلب بيد داعش سيكون له ارتدادات كبيرة في الشرق الأوسط, عندها ستكون داعش قد وضعت في جيبها مدينتان من أقدم مدن الشرق. بالنسبة للغرب لا أحد يهتم بهذه الأمور, و لكن في الشرق الوضع مختلف. الشعوب هنا متعلّقة بالتاريخ, و "المجاهدون" يتبعون المنتصر, و حيازة داعش على حلب إلى جانب الموصل هي نقطة جذب كبيرة لتطوّع المقاتلين. ستجذب داعش جميع الراغبين بقضم قطعة من الكعكة السورية: المنشقون من العصابات الأخرى, و بعض العشائر المحلية الذين يدافعون عن أماكن تواجدهم, و الجهاديون الباحثون عن الإثارة الدموية.
ستكون داعش خصماً عنيداً أشد من عصابات المسلحين المتفرّقة التي اعتاد الجيش السوري محاربتها, فمقاتلوا داعش مدربين بشكل جيد و مسلحين بأسلحة أمريكية حديثة و مدفوعين بإيديولوجية دينية متطرفة و منهج عقائدي متشدد مما أتاح لهم اكتساح عصابات المسلحين الغوغائيين الفاسدين, كما منحهم اليد العليا فوق بعض المجموعات المتطرفة الأخرى على الأرض مثل جبهة النصرة و الجبهة الإسلامية, و مكّنهم من القيام بعمليات خاطفة ضدها. وحدها المواجهات الشرسة التي واجَهت داعش كانت في التحامها مع الأكراد في الشمال السوري في محاولتها السيطرة على منطقة الحدود الاستراتيجية.
لن تكون مواجهة داعش مع الجيش السوري شبيهة بمواجهتها مع الجيش العراقي؛ فالمواجهة المتوقّعة تميل لصالح الجيش السوري. داعش و إن كانت أكثر تمويلاً و أكثر شراسة فإنها لا تملك العديد البشري و القوة النارية اللازمة لاحتلال المدينة. تحاول داعش زيادة قوتها لتصبح نداً للجيش السوري, و الدعم المتزايد الذي تتلقاه سيجعلها خصماً عنيداً في مواجهته أقوى مما كان يتوقعه, فلا يجب الاستخفاف بها, و إلا فالثمن سيكون مرتفعاً جداً. كما لا يجب المغالاة في تقدير قوة داعش في مواجهة النظام السوري, فالرئيس السوري بشار الأسد يحظى بتأييد غالبية الشعب السوري و خصوصاً الأقليات التي تخشى أن تنقل داعش تجربتها في التطهير العرقي و الديني من العراق إلى سورية. كما يجب على المناوئين لنظام الرئيس الأسد تقديم الدعم اللازم لحكومته للقضاء على داعش و إلا تمددت إلى عقر ديارهم خصوصاً في الخليج.
الجمل
إضافة تعليق جديد