من سيكسب الرهان في أوكرانيا؟
الجمل ـ عبد المتين حميد: الاحتجاجات المناوئة للحكومة الأوكرانية ليست جديدة, بل بدأت منذ أواخر العام 2013 وقت أن ترفّع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عن توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي كان يسعى فيه للتوقيع على اتفاق من أجل ضم أوكرانيا إلى المنطقة الجمركية الروسية.
المواجهة الفعلية الأمريكية-الروسية في أوكرانيا ستبدأ الآن بعد انتهاء فعاليات أولمبياد سوتشي, فقد كانت الإدارة الأمريكية تطمح لتكرار تجربتها مع الصين في أولمبياد بكين حيث كانت الصين تعارض فرض العقوبات على السودان منذ 2003 و 2004 لما لها من مصالح تجارية و عسكرية مميزة مع السودان, فكانت نتيجة الضغوط التي تعرضت لها الصين قبل الأولمبياد عبر إثارة الموضوع الإنساني في التيبيت من جديد – وقتها- فضغطت الصين على الخرطوم للقبول بنشر القوات الدولية في دارفور. بينما خلال أولمبياد سوتشي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على موسكو عبر إثارة التساؤل بشكل دائم عن سبب دعم موسكو للنظام السوري بينما حقيقة الأمر هي تطمح في سحب أوكرانيا من قبضة بوتين.
يُسجّل للرئيس بوتين أنه صمد حتى الآن, و ذلك لقيامه بالخطوة الأولى الصحيحة في مواجهة هذه الاحتجاجات ألا و هي "الهدوء", فهو يدرك جيداً بأنّ هذه التظاهرات يمكن أن ُتسقط الحكومة أو حتى الرئيس ولكنها لن تسقط النظام الموالى لروسيا.
كتب بول كرايغ روبرت في عموده يوم الأحد الفائت على موقع (برس تي في) [ ] : "إنّ خطة واشنطن لخلع الحكومة الأوكرانية المنتخبة و تنصيب أتباعها أصبحت مشكلة مضاعفة" و ذلك لأنّ "هذه الدمى التي اختارتها أمريكا قد فقدت السيطرة على المتظاهرين من العناصر الراديكالية المسلحة ذوي الميول النازية, و هذه هي أول مشكلة؛ بينما المشكلة الثانية تتجلى في أنّ روسيا تعتبر مسألة سيطرة الاتحاد الأوروبي و الناتو على أوكرانيا هي مسألة تهديد استراتيجي للاستقلال الروسي... فإذا ما أُطيح بالحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطياً فإنّ الأجزاء الشرقية و الجنوبية من أوكرانيا ستعود للانضمام إلى روسيا." و أضاف روبرت: "بعدها ستقوم البنوك و الشركات الغربية بنهب الجزء الغربي من أوكرانيا بينما ستنهمر الصواريخ الروسية على قواعد الناتو في أوكرانيا... ستكون هزيمة مدوّية لأمريكا و لأتباعها البسطاء المغفلين من الأوكرانيين أن تعود أوكرانيا إلى روسيا." ولكن في النهاية يرى روبرت بأنّ أمريكا خاسرة على جميع الاحتمالات لذا :"غالباً صار يتوجب على واشنطن إثارة المواجهة الكبرى كآخر محاولة لحفظ ماء وجهها."
من المهم الأخذ بعين الاعتبار أنّ أمريكا لا تهدف إلى كسب أوكرانيا و ضمها لأوروبا, بل إثارة الفوضى على الحدود الروسية, و أول الطريق هو تقسيم أوكرانيا إلى ثلاثة دول لا اثنتين؛ الأولى في الجزء الشرقي الأرثوذكسي المتحدث بالروسية، والثانية في الجزء الغربي الكاثوليكي المتحدث بالأوكرانية، أمّا الثالثة فهي جزيرة القرم في الجنوب ذات الأغلبية التترية المسلمة. فبعد التماهي التركي للمشيئة الإيرانية, و بعد أن أصبحت تركيا عازمة على استيراد النفط و الغاز من إيران, لم تعُد مشاريع الطاقة الروسية ترهّب أو ترغّب أوروبا. ما من شيء يمنع "المجاهدين" المتواجدين في المعسكرات في تركيا من الذهاب إلى جزيرة القرم لحماية "إخوانهم المسلمين" من بطش "المسيحيين" و إعادة أمجاد الدولة العثمانية, و قد يعود بعضهم الآخر إلى الشيشان.
إنّ إخراج رئيسة الوزراء السابقة يوليا تايموشينكو من سجنها, و هو من مطالب "الثوار"!, هو ضربة من تحت الحزام قام بها بوتين, فهي أيضاً موالية لروسيا، وإن خلافها مع الرئيس يانوكوفيتش هو خلاف حول أساليب التوجه إلى روسيا، حيث ترى تايموشينكو - رغم مشاركتها بدور فاعل في الثورة البرتقالية منذ عشر سنوات - إن الثورة كانت ضد الفساد وليس ضد أوكرانيا السوفيتية التي يجب أن يكون لها اتصالات قوية مع روسيا لأن فكرة موالاة أوكرانيا للغرب أو الولايات المتحدة الأمريكية هي فكرة ضد الجغرافيا وضد التاريخ.
تبقى المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا الاتحادية في أوكرانيا مفتوحة أمام العديد من الاحتمالات, فهل سوف تخسر أمريكا بسبب محاولاتها غير المحسوبة جيداً لعزل الحكومة في كييف, أم أن بوتين يتنبّه للموت القادم من الجنوب؟
الجمل
إضافة تعليق جديد