بوتين في الرياض: «شراكة استراتيجية» قيد التشكيل
في زيارة هي الأولى من نوعها منذ ما يزيد على عشر سنوات، وصل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى السعودية ساعياً إلى تطوير العلاقات بين بلاده والمملكة. الزيارة التي تُسلّط الضوء على حضور موسكو المتنامي في المنطقة، جاءت في وقت يُعاد فيه خلط الأوراق إقليمياً، بدءاً بالعملية العسكرية التركية شمال شرق سوريا بموازاة سحب الولايات المتحدة قواتها من هذا البلد، ووسط تصاعد التوتّر في منطقة الخليج، مترافقاً مع حراك باكستاني للتوسّط بين الرياض وطهران، وإعلان بوتين أن في وسعه أيضاً أداء دور إيجابي في تخفيف التوتر بين الجانبين، نظراً إلى «علاقاته الطيبة» معهما.
التقارب بين موسكو والرياض بدا لافتاً خلال السنوات الأخيرة، بعد زيارة للملك سلمان إلى روسيا في تشرين الأول/أكتوبر 2017، وكانت الأولى من نوعها. بعدها بعام، وتحديداً حين واجه وليّ العهد، محمد بن سلمان، حملة تنديد وانتقادات دولية إثر جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، اندفع بوتين إلى مصافحته أمام قادة العالم في قمة «مجموعة العشرين» في بيونس آيرس (تشرين الثاني/نوفمبر 2018). وآنذاك، أُعلنت زيارة بوتين للمملكة.
لدى وصوله إلى الرياض (الزيارة الثانية له إلى السعودية عموماً)، قال الرئيس الروسي إنّ بلاده مهتمّة بـ«تطوير العلاقات» مع المملكة، مشيراً بعد لقاء جمعه بالملك إلى أن العلاقات الثنائية «مهمّة لأمن المنطقة واستقرارها». وفي بداية جلسة المحادثات، قال سلمان إن بلاده تتطلّع «للعمل دوماً في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والسلام ومواجهة التطرف والإرهاب وتعزيز النمو الاقتصادي». وبعد مباحثات تركّزت خصوصاً على الاستثمارات المشتركة والحربَين في سوريا واليمن، قال ولي العهد، ابن سلمان، إن التعاون بين البلدين في مجال الطاقة سيحقّق الاستقرار.
هذا التقارب تُوّج بالتوقيع رسمياً على ميثاق التعاون بين «أوبك» والدول المنتجة خارجها، إذ وقّع الجانبان رسمياً على «ميثاق التعاون بين الدول المنتجة للنفط»، الذي تم التوصل إليه في تموز/يوليو الماضي خلال اجتماع في فيينا. وقال وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، ابن الملك، خلال حفل التوقيع الرسمي في الرياض، إن الميثاق أساسي «لترسيخ التعاون ودعم استقرار أسواق النفط». ويعود تاريخ التحالف الذي لم يكن رسمياً حتى الآن إلى نهاية 2016، حين اتفقت «أوبك» مع مجموعة من المنتجين من خارجها على الحد من المعروض في الأسواق، لمواجهة انهيار أسعار النفط الخام آنذاك.
كذلك، جرى تبادل عشرين اتفاقاً ومذكرة تفاهم في مجالات الفضاء والثقافة والسياحة والتجارة والصحة وغيرها، بحضور بوتين وسلمان وابنه. كذلك، عُقد في الرياض أمس الاجتماع الأول لـ«المجلس الاقتصادي الروسي ــــ السعودي»، وترأسه الضيف وولي العهد. وقال الأول إن المملكة واحد من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لروسيا، وإن «المجلس الاقتصادي... يمثّل فرصة ممتازة للحوار المباشر بين ممثلي قطاع الأعمال» من كلا البلدين. وفيما أشار إلى «التعاون المثمر» في مجالات الطاقة والصناعة والنقل والخدمات المصرفية والتكنولوجيا الرقمية واستكشاف الفضاء، دعا إلى تعزيز التعاون في مجال الزراعة، مشيراً إلى أن العلاقات بين موسكو والرياض شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات الماضية في عدد من المجالات، خصوصاً التجاري والاقتصادي.
وأضاف بوتين أن التبادل التجاري زاد العام الماضي بنسبة 15% مقارنة بعام 2017، كما أنه في الفترة من كانون الثاني/يناير حتى تموز/ يوليو من العام الجاري ارتفع بنسبة 38% مقارنة بالفترة نفسها من 2018. كذلك، قال إن هناك فرصاً كبيرة لبناء التعاون في مختلف المجالات، مثل الصناعة والنقل والمصارف والبنية التحتية والتقنيات الرقمية واستكشاف الفضاء... «واليوم شهدنا توقيع وثائق ذات صلة في جميع هذه المجالات». أيضاًَ ذكر الرئيس الروسي أن شركَتي الطاقة «غازبروم» و«أرامكو» مستعدّتان لإطلاق مشروع رائد حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الاستكشاف الجيولوجي، وأن الخطط تتضمّن إنشاء معهد روسي ــــ سعودي للتعاون في مجال الطاقة. ولفت إلى أن مؤسسة «روس آتوم» مستعدة للمساعدة في بناء محطات كهروذرية في المملكة بتقنيات عالية وعلى أساس أعلى معايير السلامة.
أما وليّ العهد السعودي، فعاد وشدّد على أهمية استمرار التعاون وبناء الشراكة الاستراتيجية بين موسكو والرياض، وبحث الفرص المتاحة وتنميتها، مع المزيد من المشروعات الاستثمارية والإنتاجية المشتركة، بما يتوافق مع رؤية «المملكة 2030».
الأخبار
إضافة تعليق جديد