بوتين ينقل «عاصفة السوخوي» إلى المرحلة الثانية
هل يذهب الروس إلى عملية برية في سوريا، وهل المناورات البحرية الروسية هي واجهة لعمليات أوسع تمهد لإرسال قوات برية؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يجد أن ما تم إنجازه في المرحلة الأولى من العملية الروسية كان كافياً لمكافحة الإرهاب.
وبرغم ما قاله متحدث الكرملين، في الساعات الماضية، من أنه لم «تتم أي نقاشات بشأن عملية برية للقوات الروسية في سوريا»، إلا أن نافذة «برية» بدأت بالاتساع مع انفتاح بوابة المرحلة الثانية من العمليات العسكرية الروسية في سوريا.
إذ يبدو أن التردد الروسي في إرسال قوات تقوم بعمليات برية، لا تكتفي بدور الدعم اللوجستي، قد دخل مرحلة ثانية من المواجهات، فضلاً عن وجود مؤشرات على الأرض تذهب في اتجاه نقاش روسي بتغيير وجهة العملية الروسية. فخلال اجتماع متلفز مع الضباط الروس، رأى بوتين أن ما تم إنجازه منذ الثلاثين من أيلول الماضي «لا يزال غير كاف لتطهير سوريا من المسلحين والإرهابيين وحماية روسيا من هجمات إرهابية محتملة». وأضاف «أمامنا عمل كبير، وأنا آمل أن تكون المراحل اللاحقة على المستوى نفسه من الجودة والمهنية وتؤتي ثمارها».
ويقول مصدر واسع الاطلاع إن طلب البحرية الروسية إغلاق خطوط الطيران يعني أنهم سوف ينفذون عمليات قصف من البحر المتوسط باتجاه سوريا أو العراق، خاصة انهم سمحوا لخط الطيران الوحيد من فوق صيدا الصرفند، ما يعني أن المنطقة من الدامور شمالا سوف تكون على تماس مع مدى المناورات ومرور الصواريخ. ورجح المصدر ان تقوم القوات الروسية بعملية تشويش تتولاها البوارج الحربية الروسية في المتوسط.
ويتجه الروس إلى إرسال المزيد من قوات النخبة، الذين قد يتضاعف عددهم من أربعة آلاف حاليا إلى ثمانية آلاف، من بينهم مستشارون وخبراء عسكريون وفنيون. ويواكب هذا العديد 50 طائرة مقاتلة وطوافة، وهو عدد سيرتفع إلى أكثر من 80 طائرة وطوافة مقاتلة، مع وصول 36 مقاتلة «سوخوي» إضافية في الأيام المقبلة إلى القواعد الجوية السورية التي لن تقتصر على مطار حميميم، وقد تشمل مطارات أخرى في الشمال السوري، وقرب دمشق في قاعدة «الضمير»، فيما كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يتوقع أن يصل عدد المقاتلات وحدها إلى 69 مع بدء المرحلة الثانية من العملية الروسية.
ويملك الروس فرصة جدية للذهاب نحو عملية عسكرية برية، تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، للاستفادة من زخم الانقلاب في المزاج «الغربي» تجاه العملية الروسية، خصوصا الفرنسي، مع التوقف عن اعتبارها موجهة ضد المعارضة السورية، لا ضد «داعش»، بعد الهجمات التي نفذها التنظيم في قلب باريس. ويواجه الاتحاد الأوروبي تهديدات غير مسبوقة منذ أن وضع 13 تشرين الثاني في فرنسا حداً نسبياً للإقرار بأن «داعش» هو الخطر والعدو الذي ينبغي مواجهته، كما قال أخيرا الرئيس فرانسوا هولاند، والتوقف عن استنزاف الجيش السوري، قوة الارتكاز الأساسية الروسية في العملية الجارية، والبحث عن تحالف مع الروس في سوريا.
كما أن التدخل البري يبدو أكثر احتمالاً، مع تباطؤ تنفيذ جزء مهم من خطط المرحلة الأولى، التي حققت تقدماً كبيراً بنقل الجيش السوري إلى حالة الهجوم على معظم الجبهات التي يقاتل فيها، باستثناء ريف حماه الشمالي، الذي أصيب فيه بنكسة رغم التغطية الجوية للطوافات الروسية واضطراره إلى التراجع إلى خطوط ما قبل 30 أيلول في تلك المنطقة، وخسارة مدينة مورك. وتتضافر المناورات البحرية، مع تصعيد الهجمات الجوية خلال الساعات الماضية التي تجاوزت أكثر من 200 طلعة.
ونفذ الروس أكثر من 50 غارة على محيط مدينة دير الزور، التي يحاصر فيها «داعش» وحدات من الجيش السوري. ويبدو أن تصعيد إيقاع العمليات ليس مؤقتاً، بل يتمدد بحشد الصواريخ الجوالة، وإطلاق 18 منها من بحر قزوين نحو أهداف لـ «داعش» في الرقة وإدلب ودير الزور. ويندرج التركيز الكثيف على توجيه الضربات لتنظيم «داعش»، أكثر من المعتاد، لإعطاء الحملة الروسية طابع الحرب على الإرهاب «الداعشي»، الذي ينطوي على تسهيل التحالف الذي يطالب به الفرنسيون وتلبية شروطهم من دون الإعلان عنها، إذ لم تتوقف لا الصواريخ الجوالة ولا الطائرات ولا القاذفات الإستراتيجية من نوع «توبوليف»، التي شاركت فيها لليوم الثاني على التوالي ما يقارب الثلاثين منها، عن توجيه ضرباتها خاصة للبنية التحتية لـ «داعش»، وتحطيم موارده النفطية. علما أن تدمير هذه البنى يلحق أضراراً بالدولة السورية ومواردها المقبلة وعملية إعادة الإعمار، من دون أن يكون أثرها كبيراً على موارد «داعش»، لأن التمويل الفعلي للتنظيم والجماعات الإرهابية لا يأتي من حقول النفط المنهوبة، والتي يتم بيعها إلى تركيا، والآثار السورية المهربة وحدها، بل يأتي أساساً من تمويل شبكة الجمعيات السلفية التي تنتشر في دول الخليج، وفي السعودية خاصة، والتي موّلت «داعش» في العراق، قبل أن يتحول إلى «دولة».
وتندرج زيارة بوتين إلى طهران، ولقاؤه فيها الاثنين المقبل، مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، في إطار التحضير على الأرجح، لرفع وتيرة الانخراط الروسي في سوريا، والتوجه براً، بعد التغطيات الجوية. إذ إن طلب المزيد من الانخراط الإيراني في سوريا وإرسال المزيد من القوات البرية، بعد وصول قاسم سليماني إلى حلب مع أكثر من ستة آلاف مقاتل، لا يتطابق مع التوجه الحالي لمحاولة بناء تحالف مع الغربيين، لا سيما الفرنسيين، أو تحييدهم، في إطار السياسة نفسها التي نجحت بتحييد الأردن، وتجميع الأوراق الإقليمية والدولية، كما سيزيد من حفيظة السعودية التي يبحث الروس عن وسيلة لتحييدها، لأنهم يدركون أن الخلاف مع السعودية ليس في بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه بقدر ما هو في تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وتقنينه. وفي ظل تراجع هامش اللجوء إلى الإيرانيين، يبدو الانخراط البري الروسي أكثر احتمالاً، خصوصا أن عملية بناء الفيلق الرابع السوري لزيادة قدرته على تثبيت خطوط الإسناد، بعد اقتحام مواقع المعارضة، وهي إحدى نقاط الضعف السورية، قد تدفع للاستعجال في تنفيذ المرحلة الثانية، أي تمدد الجيش السوري نحو الشمال، بإرسال وحدات من قوات النخبة الروسية.
إن إطالة أمد الحرب لن يكون من مصلحة الروس، وسيؤدي إلى استنزافهم، وهو سبب إضافي في العبور بسرعة إلى مرحلة ثانية أكثر ديناميكية والعمل على تحييد الخصوم الإقليميين في المنطقة، وفي أوروبا. كما أن نقص الاستجابة في العمليات البرية السورية للأهداف الروسية، قد يدفعهم لإرسال قوات برية. كما أن الرهان على الانتصار في سوريا، ليس رهاناً عابراً، إذ عبر الانتصار في سوريا وإعادة تثبيت الموقع السوري، بعملية سياسية متوازنة، واحتواء الأتراك أيضا، وكل القوى الإقليمية الطامحة للعب دور في سوريا ضعيفة، يمكن للروس استعادة مكاسبهم وتثبيتها في المنطقة بأسرها، والتمدد نحو العراق ولبنان والأردن ومصر. إن الهدف الحقيقي للمعركة التي تتطلب ربما إرسال قوات برية، والمزيد من المقاتلات، قد يكون ترميم النظام الإقليمي العربي، في المشرق، تحت وصاية روسية، وإقصاء خصوم المشرق وروسيا.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد