تدريس الإسلام في الغرب
من المعروف ما أثارته تفجيرات نيويورك في أيلول (سبتمبر) 2001 من اهتمام غربي بالإسلام والمسلمين لمعرفة مصدر هذا العداء للغرب من ناحية، ومن عداء غربي ظاهر وخفي للمسلمين الموجودين في الغرب من ناحية أخرى. ولكن المقارنة بين تفجيرات نيويورك (2001) وتفجيرات مدريد (2004) ولندن (2005) مهمة هنا لأنها تكشف عن الفارق بين الجهة المنظمة لهذه الأعمال الإرهابية في الحالة الأولى (القادمة من الخارج) وفي الحالة الثانية (المقيمة في الداخل).
وفي هذا الاطار يأتي الكتاب الصادر حديثاً عن معهد آل مكتوم في دندي ببريطانيا «حان الوقت للتغيير» للباحثين عبدالفتاح العويسي ومالوري ناي (الأول مدير المعهد والثاني نائب المدير للشؤون الأكاديمية) ليثير موضوعاً على قدر كبير من الأهمية: ما هو واقع تدريس الإسلام ثقافة المسلمين في الجامعات البريطانية (كنموذج لما هو موجود في الغرب) والى أي حد تسهم دراسة الإسلام في تعريف الأوروبيين بالإسلام والمسلمين في شكل عام وتؤثر في الانفتاح على المسلمين في بريطانيا نفسها بما يساعد على قبول واندماج هؤلاء المسلمين في المجتمع البريطاني؟
وتجدر الإشارة هنا الى أن معهد آل مكتوم قد تأسس في دندي في سكوتلاندا بمنحة من آل مكتوم ليساعد على فهم أفضل للإسلام وثقافة المسلمين. وفي اطار هذا المعهد تم في 2002 تأسيس «مركز الأبحاث حول التعددية الثقافية والإسلام والمسلمين» في سكوتلاندا الذي عقد في ربيع 2006 مؤتمراً دولياً حول «تحديات الثقافة المتعددة»، كما أن المعهد كان قد عقد في 2004 مؤتمراً علمياً حول التطور المستقبلي للدراسات الإسلامية تمخض عنه «اعلان دندي».
ويمثل هذا الكتاب الصادر حديثاً (2006) أحد أوجه نشاط هذا المركز، وهو كما يشير العنوان في الأسفل «تقرير حول مستقبل دراسات الإسلام والمسلمين في جامعات وكليات بريطانيا متعددة الثقافات» قام به الباحثان مع فريق عمل بالإستناد الى ما يدرس في 55 قسماً أو وحدة أكاديمية في الجامعات البريطانية ضمن مسميات مختلفة (الاستشراق، الدراسات العربية والإسلامية، الدراسات الشرق أوسطية، الدراسات الدينية... الخ).
ومع أن الكتاب يتألف من 162 صفحة الا أن القسم الأول منه النظري والتنظيري هو الأهم (ص1-48)، بينما يحتوي القسم الثاني (ص49-162) على ملاحق متنوعة تفيد الباحثين في هذا المجال. ويركز الباحثان في القسم الأول على أمور عدة تفيد في معرفة المنطلقات الأساسية النظرية والمنهجية التي أوصلتهما الى النتائج، وبالتحديد الى التوصيات المهمة في النهاية التي تعبر أيضاً عن خبرتهما النظرية (البحث)، والعملية (التدريس) في هذا المجال.
ومن هذه المنطلقات الأساسية لدينا التأكيد على أن الحاجة الى دراسة الإسلام والمسلمين في بريطانيا لا تقتصر أهميتها فقط على توفير معرفة جيدة للشباب البريطانيين بالعالم المعاصر، وانما يجب أن تفيد أيضاً في فهم المجتمع البريطاني المتعدد الثقافات الذي أصبح المسلمون أحد مكوناته. ويربط الباحثان ذلك بما حدث في بريطانيا بعد تفجيرات 2005، إذ يعتبران أن الحاجة أصبحت ملحة للانفتاح على الآخر/ المسلم في المجتمع البريطاني، وبالتحديد نحو فهم أفضل لهذا الحاضر/الغائب، وهو ما يمكن أن تساعد عليه دراسة الإسلام والمسلمين في الجامعات البريطانية، ومن المنطلقات الأساسية للتقرير، التي هي في صلب اهتمامات المعهد والمركز الذي انبثق عنه، مما يمكن تسميته بـ «الثقافوية المتعددة» Multiculturism. والمقصود هنا الاعتراف بأن المجتمع البريطاني لم يعد مجتمع ثقافة واحدة بل ثقافة متعددة تعبر عن المكونات الثقافية الجديدة التي دخلت البلاد مع الجماعات اللاتينية والدينية التي نوعت المجتمع البريطاني في القرن العشرين. وفي ما يتعلق بالمسلمين، على سبيل المثال، فقد كشف احصاء 2001 عن وجود مليون ونصف مليون أقروا بهويتهم كمسلمين، في حين أن التقديرات الأخرى ترفع عدد المسلمين الموجودين في بريطانيا الى مليونين وحتى الى ثلاثة ملايين، وهم بذلك يشكلون أكبر تجمع غير مسيحي في بريطانيا حيث يأتي بعدهم الهندوس والسيخ واليهود. ومع ذلك يقر الباحثان بأن غالبية المجتمع البريطاني (من غير المسلمين) لا تزال تحت تأثير الاستشراق المؤدلج والصور النمطية والاسلاموفوبيا عن الإسلام والمسلمين، الذي يؤثر بطبيعة الحال على العلاقة مع الأخر/المسلم، الموجود في جوارها.
وفي استعراضهما للخبرة التاريخية في الدراسات العربية الاسلامية في بريطانيا التي تمتد الى حوالى 250 سنه (في جامعة اوكسفورد منذ 1640 وفي جامعة كامبردج منذ 1660) يلاحظ الباحثان أن التوسع في هذا المجال خلال القرنين التاسع عشر والعشرين كان نتيجة للمرحلة الكولونيالية، حيث أن افتتاح بعض الأقسام كان بتوجيه من لجان حكومية، كما أن هذه الأقسام أصبحت تخرّج الطلاب لحاجات الإدارة الكولونيالية في أرجاء مختلفة من العالم.
وإذا كان هذا مفهوماً ومقبولاً حتى منتصف القرن العشرين، حيث كان المسلمون لا يتجاوزون 23 ألف مسلم في 1951، فإنه لم يعد الآن من المفهوم أو من المقبول أن تستمر هذه الأقسام التي تدرس الإسلام وثقافة المسلمين على وضعها السابق/الحالي الذي لا يأخذ في الاعتبار ما تغير ويتغير في المجتمع البريطاني.
ومن هنا يخلص الباحثان مع خبرتهما العلمية والعملية في هذا المجال، ومع هذه الدراسة الميدانية التي شملت كتب ومناهج تدرس الإسلام في 55 قسماً أكاديمياً في الكليات والجامعات البريطانية، الى جملة من التوصيات التي يفترض أن تؤخذ في الاعتبار في تطوير دراسة الإسلام والمسلمين. وإذا أمكن القول أن النتيجة المهمة للبحث / الكتاب هي ضرورة تطوير ما هو موجود لفهم أفضل للإسلام والمسلمين في العالم وفي بريطانيا بالذات، فإن التوصيات الواردة قد توضح الأمل في مستقبل أفضل للعلاقات بين أطراف المجتمع البريطاني وبين أطراف العالم المعاصر.
وهكذا نجد بين التوصيات الحاجة الى مشاركة كل عناصر المجتمع البريطاني في النقاش حول هذا الموضوع وضرورة أن تعمل سياسة التعليم العالي على أن يكون الهدف من دراسة الإسلام والمسلمين دمج الناس من مختلف الخلفيات في هذا المجال (توصية الرقم 1)، والحاجة الى أن تكون دراسة الإسلام والمسلمين في بريطانيا من المواضيع ذات الأولوية في النظام التعليمي البريطاني (الرقم 2)، والتنبية الى خطأ اقحام الدراسات الإسلامية في الدراسات الشرق أوسطية والعمل على فصلها في المستقبل (الرقم 3)، والتنبيه الى أن عدم وجود متخصصين في الدراسات الإسلامية يقود الى أهمية وضع أجندة لذلك (الرقم 5) والاعتراف بأن ارتباط بعض الأقسام التي تدرس الإسلام بمراكز خارج بريطانيا (تعمل على نموذجها وبتمويل منها) يؤدي الى أن تعزل نفسها عن غالبية المجتمع البريطاني وعن النظام التعليمي في البلاد (الرقم 6)، والاقرار بأن «الأزمة» الموجودة في دراسة الإسلام والمسلمين ليست ناجمة عن «التمويل»، بل هي ناشئة عن الحاجة الى وضع أجندة جادة للدراسات الإسلامية في بريطانيا (الرقم 7)، ورفض ما يقال أن العمل في هذه الأقسام التي تدرس الإسلام وثقافة المسلمين يجب أن يركز على تخريج عارفين باللغة العربية، لأن هذه المعرفة يمكن أن تحصل في مستويات دنيا من الدراسة أو حتى خارج الجامعة (الرقم 8)، والاعتراف بالانحدار في بعض الأقسام التي تدرس الإسلام والمسلمين يجب أن يقود الى أولوية التدريس للجيل الجديد من المواطنين البريطانيين (في كل الخلفيات) لكي يكون لهم معرفتهم في المستقبل في الجامعات البريطانية (الرقم 9).
ومع الاعتراف بخصوصية بريطانيا في هذا المجال الاّ أن هذا الكتاب يفتح الملف الكبير المتعلق بخبرة الغرب في دراسة وتدريس الإسلام وثقافة المسلمين في الجامعات، ومدى تأثير ذلك في العلاقة مع المسلمين في العالم عموماً ومع المسلمين في الغرب /الاتحاد الأوربي بالذات حيث أصبحوا من مكونات هذا الاتحاد بعد توسعه الكبير. والمهم هنا مع عنوان الكتاب «حان الوقت للتغيير» السؤال الكبير : هل من مستجيب؟
محمد م. الأناؤوط
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد