تلفيق الأكاذيب حول سوريا
الجمل- ديڤيد سوانسن- ترجمة: د. مالك سلمان:
"الولايات المتحدة تحضر لضربة انتقامية محتملة ضد سوريا", يعلن عنوان عريض في صحيفة "لوس آنجيليس تايمز", على الرغم من أن سوريا لم تهاجم الولايات المتحدة أو أياً من أراضيها المحتلة أو قواتها الإمبريالية وليس لديها النية لتفعلَ ذلك.
تقول المقالة:
"لم يتخذ الرئيس أية قرارات, لكن المحادثات على مستوى رفيع جاءت مع اعتراف البنتاغون بأنه ينشر قواته في المنطقة."
سامحوني, ولكن من هو هذا العرصة الذي اتخذ ذلك القرار؟ هل لرئيس الأركان أي رأي في هذا الموضوع؟ هل يلقي الخطب التي يوضح فيها خطأ الهجوم على سوريا, ويلتقي القادة العسكريين الكبار الذين يغادرون الاجتماع للتحضير للهجمات على سوريا, ومن ثم يدخل التاريخ على أنه لم تكن له علاقة بسياساته, هذا إن لم يكن معارضاً لها؟
إن التهديد بمهاجمة سوريا, ونشر السفن الحربية للقيام بذلك, هي أعمال هامة وغير قانونية وغير أخلاقية. بمقدور الرئيس أن يزعم أنه لم يقرر الضغط على الأزرار, ولكن لا يمكنه التظاهر بأن كافة التحضيرات للقيام بذلك تحدث كما الطقس. أو أنه لا يستطيع إذا نقلت الصحف الأخبار.
(نعم, غير قانونية. اقرؤوا "ميثاق الأمم المتحدة":
"يجب على كافة الأعضاء أن يمتنعوا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السيادة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة, أو بأية طريقة أخرى تتعارض مع ‘أهداف الأمم المتحدة’.")
"تتحمل وزارة الدفاع المسؤولية عن تزويد الرئيس بخيارات لكافة الأوضاع الطارئة," قال ما يسمى ﺑ "وزير الدفاع", ولكن هل ينطوي أي من هذه الأوضاع على الدفاع عن الولايات المتحدة؟ وهل ينطوي أي منها على إحلال السلام؟ إن لم يكن الحال كذلك, هل من الدقة الحديث عن "كافة" الأوضاع الطارئة؟
في الحقيقة, تشك هيغل وحده يتحمل تلك "المسؤولية" لأن أوباما وجَهه بتقديم ليس جميع الخيارات, بل جميع الخيارات العسكرية.
يفهم المتمردون السوريون أنه في ظل كافة السياسات الأمريكية المحتملة, يمكن لادعاءات الهجوم الكيماوي أن يمكنهم من الحصول على الأسلحة, بينما لا يمكن للانتقال إلى المقاومة السلمية أن يقدمَ لهم سوى التجاهل الذي حصلت عليه المقاومة السلمية في البَحرين (البَح- شو ؟).
"اتصل أوباما أيضاً برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون," تقول "لوس آنجيليس تايمز", "لبحث التطورات في سوريا. إن الاثنين ‘متحدان’ في معارضتهما لاستخدام الأسلحة الكيماوية, قال البيت الأبيض في تصريح صدر بعد المكالمة." ولكن, باستثناء الفوسفور الأبيض والنابالم. فهذه أسلحة كيماوية جيدة, والولايات المتحدة ضد الأسلحة الكيماوية السيئة, ولذلك فإن صحيفتكم لا تكذب عليكم مطلقاً.
ما ذا قال أوباما لمحطة "سي إن إن" يوم الخميس؟
"الفكرة القائلة إن بمقدور الولايات المتحدة أن تحلَ مشكلة طائفية معقدة في سوريا مبالغ فيها."
هيك برأيك؟
كريس كومو (ابن ماريو) العامل في "سي إن إن" دفع باتجاه الحرب:
"لكن التأخر يمكن أن يكون قاتلاً, أليس صحيحاً, سيادة الرئيس؟"
أجاب أوباما أنه لا يزال يتأكد من الخراء الأخير المتعلق بالأسلحة الكيماوية. تجاهل كومو ذلك:
"مع أن هناك أدلة قوية على أنهم سبق واستخدموها في الماضي."
لم يرد أوباما على تلك الكذبة, لكنه تفوهَ ببعض العبارات الفارغة.
كومو, بتعطشه للدم السوري وشبقه للحم السوري المشوي, وبعد أن شعر بالإحباط, لجأ إلى اللهجة المكينية [نسبة إلى جون مكين]. قال كومو إن السيناتور مكين يعتقد أن "مصداقية" الولايات المتحدة سوف تضيع إن لم تتم مهاجمة سوريا. (وفي حال زعمت حكومة الولايات المتحدة بشكل مفاجىء أنها ليست مؤسسة لتنفيذ الجرائم الجماعية, وتصرفت بناءً على ذلك – عندها كيف ستكون مصداقيتها؟)
لكن أوباما أصرَ على الاستمرار في الحديث ضدَ ما كان على وشك أن يفعله. "أحياناً," قال أوباما, "ما رأيناه حتى الآن هو أن البعض سيطالبون برد فعل فوري, ويقفزون إلى استنتاجات لا تقود إلى نتائج جيدة, وتورطنا في أوضاع صعبة للغاية, ويمكن أن تقودنا إلى تدخلات مكلفة وصعبة تولد المزيدَ من الامتعاض في المنطقة."
لكنك وعدتَ, ناحَ كومو, بأن استخدام الأسلحة الكيماوية "خط أحمر"!
ردَ أوباما بأنه يجب احترام القانون الدولي. (لمن لا يعرفون, القانون الدولي يمنع مهاجمة البلدان الأخرى وقلب حكوماتها – حتى ليبيا.) كما أشار أوباما أن هناك خيارات غير الخيار العسكري.
حقاً؟!
وجدتُ أنه عندما يبدأ أوباما في التكلم بهذه العقلانية, فإنه يتحرك بسرعة إلى الاتجاه المعاكس. فكلما أطنبَ في الحديث عن خطأ وعدم شرعية وغباء وعدم أخلاقية مهاجمة سوريا, كلما تأكدتَ بأن هذا ما سيفعله بالضبط.
إليكم 10 أسباب رئيسة, نشرتها سابقاً, تستدعي عدم مهاجمة سوريا, حتى لو كانت أكاذيب استخدام الأسلحة الكيماوية الأخيرة صحيحة:
1. لا يمكن تبرير الحرب بناءً على مثل هذه الذرائع. إذ لا يمكن إيجادها في "معاهدة كيللوغ- براياند", ولا في "ميثاق الأمم المتحدة", ولا في الدستور الأمريكي. ولكن يمكن العثور عليها في الدعاية الحربية الأمريكية من طراز سنة 2002. (من يقول إن حكومتنا لا تشجع على "إعادة التدوير"؟)
2. الولايات المتحدة نفسها تملك وتستخدم الأسلحة المحرمة دولياً, بما في ذلك الفوسفور الأبيض, والنابالم, والقنابل العنقودية, واليورانيوم المنَضَب. فسواءً كنتم تباركون هذه الأفعال, أو تتجنبون التفكير فيها, أو تدينونها, فإنها ليست تبريراً قانونياً أو أخلاقياً لأية أمة أجنبية أن تقومَ بقصفنا, أو قصف بلد آخر يتمركز فيه الجيش الأمريكي. فقتل الناس بهدف منع قتلهم بواسطة النوع الخاطىء من الأسلحة هي سياسة لا بد أنها تنبع من عقلية مريضة. سموها "خلل الضغط ما قبل- الرَضي".
3. يمكن لحرب واسعة في سوريا أن تصبحَ إقليمية أو كونية بعواقب لا يمكن التحكم فيها. سوريا, لبنان, إيران, روسيا, الصين, الولايات المتحدة, دول الخليج, دول الناتو ... هل هذا هو النزاع الذي نريده حقاً؟ هل يبدو أنه نزاع سينجو منه أحد؟ فلماذا نخاطر بشيء مثل هذا؟
4. إن مجرد إقامة "منطقة حظر طيران" تستدعي قصف الأحياء المدنية وقتل عدد كبير من الناس. حدث ذلك في ليبيا وأشحنا بوجوهنا. لكنه سيحدث على نطاق أوسع بكثير في سوريا, إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد المواقع التي يتوجب قصفها. إن إقامة "منطقة حظر طيران" ليست مسألة إعلان, بل تعني إلقاء القنابل.
5. كلا الطرفان في سوريا استخدم أسلحة مخيفة وارتكبَ جرائم وحشية مروعة. حتى أولئك الذين يتخيلون أنه يجب قتل الناس لمنع قتلهم بأسلحة أخرى يمكنهم أن يدركوا الجنونَ الذي ينطوي عليه تسليح الطرفين لكي يحمي كل طرف الطرفَ التابع له. فلماذا لا يكون من الجنون تسليح طرف واحد في نزاع يتم فيه ارتكاب نفس الجرائم من قبل الطرفين؟
6. مع وقوف الولايات المتحدة إلى جانب المعارضة في سوريا, سيتم تحميل الولايات المتحدة مسؤولية جرائم المعارضة. معظم الناس في غرب آسيا يكرهون القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى. وقد بدؤوا يكرهون الولايات المتحدة وطائراتها الآلية ("درونز"), وصواريخَها, وقواعدَها, وغاراتها الليلية, ونفاقها. تخيلوا مدى الكراهية الذي يمكن أن تنشأ في حال تعاون القاعدة والولايات المتحدة على إسقاط الحكومة السورية وخلق جحيم أشبه بالعراق في مكانها.
7. إن تنصيبَ تمرد لا يتمتع بالشعبية في السلطة لا يخلق في العادة حكومة مستقرة. في الحقيقة, لا توجد حتى الآن أية حالة من الحرب الإنسانية الأمريكية أفادت الإنسانية أو ساعدت على بناء أية أمة. فلماذا تكون سوريا, التي يبدو فيها هذا المشروع أقلَ نجاحاً من أية أماكن مستهدفة أخرى, استثناءً لهذه القاعدة؟
8. هذه المعارضة ليست مهتمة بتأسيس نظام ديمقراطي, أو بتلقي التعليمات من الحكومة الأمريكية. فعلى العكس من ذلك, من المحتمل أن يكون هناك رد فعل من هؤلاء الحلفاء. وكما كان علينا أن نتعلم درس الأكاذيب حول الأسلحة, كان على حكومتنا أن تتعلمَ درس تسليح عدو العدو قبل هذه اللحظة بوقت طويل.
9. إن القيام بعمل مارق آخر من قبل الولايات المتحدة, سواء كان تسليح الوكلاء أو التورط بشكل مباشر, يضرب مثلاً خطيراً للعالم ولصناع القرار في واشنطن الذين ينظرون إلى إيران بصفتها الهدفَ التالي على لائحتهم.
10. إن الغالبية الساحقة من الأمريكيين, على الرغم من كل الجهود المسعورة التي يبذلها الإعلام حتى الآن, تعارض تسليحَ المتمردين أو التورط المباشر. وعلى النقيض من ذلك, تؤيد الأكثرية تقديمَ المساعدات الإنسانية.
باختصار, إن جعل وضع السوريين أكثرَ سوءاً ليس طريقة لمساعدتهم.
بَس احزروا شو؟ تشير الأدلة القوية إلى أن الادعاءات الأخيرة حول استخدام الأسلحة الكيماوية فارغة مثلها مثل سابقاتها.
من كان ليتوقعَ شيئاً مثل هذا؟
http://www.counterpunch.org/2013/08/26/lying-about-syria/
تُرجم عن ("كاونتر بنتش", 26 آب/أغسطس 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد