جبهة سورية الجنوبية: أتفعلها إسرائيل نيابة عن الأردن؟
الجمل ـ محمد صالح الفتيح: مع انطلاق القتال في يبرود واستعادة مناطق صغيرة هنا وهناك على يد الجيش العربي السوري وتواتر الأخبار عن بعض المصالحات في مناطق ريف دمشق المختلفة تعود الأخبار القديمة المتجددة عن عملية عسكرية يخطط لها لتنطلق من الأردن عبر الحدود السورية لفرض منطقة عازلة أو ربما لاستهداف دمشق نفسها. ربما يكون الكلام عن عملية لدخول العاصمة المنيعة أو لفرض منطقة عازلة والأزمة السورية على وشك إكمال عامها الثالث كلاماً حالماً وهذا طبعاً بسبب تكرار هذه النوايا وفشلها دائماً في أن تتبلور إلى شيء ملموس. إلا أن هذا الإنكار – المنطقي ربما – لفكرة حصول المنطقة العازلة أو دخول دمشق لايعني بحال من الأحوال استبعاد حصول عملية عسكرية تأخذ الحدود الجنوبية نقطة انطلاق لها.
فقد بات الكلام صريحاً منذ عدة أشهر عن معسكرات تدريب للمتمردين السوريين تخّرج شهرياً مابين 250 و 500 مقاتل وإن كان مصير هؤلاء غير معروف بدقة: هل يقومون، فور انتهاء فترة تدريبهم، بدخول الأراضي السورية والانضمام إلى الفصائل المقاتلة هناك أم يبقون في الأردن في انتظار شيء ما؟ لا جواب دقيق ولكن على كل حال فالعملية العسكرية المرتقبة – إن حصلت – فهي لن تشكل خرقاً لما أصبح أشبه مايكون بالقواعد غير المكتوبة للأزمة السورية وهي يمكن تلخيصها كما يلي.
أولاً، عدم استخدام أي جندي غربي في أي عملية عسكرية برية داخل الأراضي السورية وهذا المحظور يذكر صراحة كسقف لأي تدخل عسري وقد كرره مسؤولو الإدارة الأمريكية مؤخراً حين قالوا بأن كل الاحتمالات العسكرية تجاه سورية ماتزال مفتوحة باستنثاء ارسال قوات برية. ثانياً، عدم استخدام أي سلاح غربي حديث إلا ذاك الذي يمكن توفيره من السوق السوداء العالمية للسلاح. وهذا المحظور تم الالتزام به بشكل ملفت للنظر فالمجاهدون الأفغان مطلع الثمانينات حصلوا على صواريخ "ستنغر" الأمريكية المضادة للطائرات بعد ثلاث أو أربع سنوات فقط من إدخالها الخدمة في الجيش الأمريكي في مطلع الثمانينات أما في الحالة السورية فالستنغر – أو ما يقابله – لم يعرف طريقه إليها بعد وكل قطع السلاح "الغربية" الموجودة في أيدي مقاتلي المعارضة هي محصورة بمستوى البنادق الآلية والقناصات (مثل الإم 16 الأمريكية و FN FAL البلجيكية و Steyr AUG النمساوية) وهي من طرازات تعود إلى ثلاث أو أربع عقود مضت، وهي موجودة بوفرة في سوق السلاح السوداء ولاسيما في لبنان ومن مستودعات السلاح الخليجي. أما توريدات السلاح الممولة خليجياً مثل صفقات السلاح من بعض دول يوغسلافيا السابقة ودول أوربا الشرقية السابقة فهذه التوريدات تشمل عموماً أسلحة تعود للحقبة السوفيتية؛ وهذه الأسلحة هي مفضلة عموماً عند تمويل النزاعات والحروب الأهلية وذلك لانخفاض سعرها وسهولة التدريب عليها وقلة حاجتها للصيانة وأخيراً، وهو الأهم، انتشارها الواسع مما يجعل كشف مورديها أمراً صعباً. لعل الاستثناء الوحيد هنا هو السلاح الإسرائيلي الذي يحقق ثلاثة شروط: فهو سلاح نوعي إلى حد ما ومتوفر بكلفة معقولة ومتوفر أيضاً في سوق السلاح السوداء.
ثالثاً، يجب أن يحدث التدخل بدون أن يثبت تورط أي من دول الجوار وذلك من خلال تجنب الصدام بالقوات السورية عند حدود تلك الدول واختيار منفذ بري يكون نائياً نسبياً يتم من خلاله التسلل ثم الاشتباك مع القوات السورية كما حصل في الرقة منذ عام تقريباً عندما تسلل مقاتلوا القاعدة من الأراضي التركية وكما حصل في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 عندما دخل حوالي 5000 مسلح من الأراضي الأردنية بعرباتهم وساروا بشكل التفافي حوالي 80 كم في البادية السورية قبل أن يهاجموا الغوطة الشرقية عند العتيبة. هذا الشرط مهم جداً لكي تبقى الدولة التي أمنت التسلل بعيداً عن أي اتهام بالتدخل المباشر في الأزمة السورية. ولعل الاستثناء الوحيد هنا أيضاً هو إسرائيل التي انخرط جيشها بشكل صريح في تأمين العناية الطبية للمقاتلين وفي قصف بعض النقاط بين حين وآخر لتأمين جو معنوي لتحرك مقاتلي المعارضة ومؤخراً – في تشرين الثاني 2013 – عندما تدخل الإسرائيليون بشكل مباشر ومفضوح لتأمين عملية تشويش على اتصالات القطعات العسكرية السورية التي كانت تحمي مدخل دمشق عند الغوطة الشرقية عندما حاول المسلحون القادمون من الأردن السيطرة على العتيبة.
إذا ما أخذنا الشروط الثلاثة السابقة – مع الاستثناءات المذكورة – يصبح من الممكن تقدير حجم وطبيعة العملية العسكرية المرتقبة. هي عملية عسكرية قوامها غالباً بحدود 2000 إلى 3000 عسكري وذلك بحساب ماخرجته معسكرات التدريب في الأردن خلال الفترة الماضية منذ هجوم الغوطة الشرقية في تشرين الثاني 2013 إلى اليوم. طبعاً هذا العدد أقل من العدد الذي شارك بهجوم الغوطة وتفسير ذلك هو أن الهجوم، وخصوصاً من ناحية التقديم الإعلامي شبه الرسمي له وخصوصاً بعد فشل جولتي التفاوض في جنيف في تحقيق أي خرق، يأتي لأسباب معنوية بالدرجة الأولى وغالباً بدون أهمية عسكرية استراتيجية. وهذه القوة العسكرية يستبعد أن تكون قد حصلت على تدريب أو تسليح نوعي يختلف جذرياً عما حصل عليه من سبقوها. وأخيراً إن أراد مخططوا هذه العملية أن يلتزموا بعدم حصول اشتباك عند الحدود السورية الأردنية فسيقتصر تخطيطهم على استخدام قوة من الحجم المذكور أعلاه وذلك لأن عامل المفاجأة الذي أمن دخول القوة السابقة الأكبر حجماً قد زال ولم يعد من الممكن حصوله مرة أخرى.
المتغير الوحيد هذه المرة هو أن إسرائيل قد تنخرط بشكل أكبر وأكثر فعالية؛ كأن تقوم مثلاً بتقديم مساعدات لوجستية لتأمين تسلل قوات المعارضة من الأردن مروراً بالجولان أو بالمنطقة المنزوعة السلاح وصولاً إلى جنوب أو غرب دمشق. ما يدعم مثل هذا الاعتقاد هو المعارك التي اشتعلت مؤخراً وبشكل مفاجئ في محافظة القنيطرة السورية وهي المحافظة السورية الثالثة – إضافة إلى درعا والسويداء – التي تملك حدوداً مع الأردن والوحيدة بين الثلاثة التي تملك حدوداً مع الجولان السوري المحتل.
قد يتغير مسار الهجوم إذاً هذه المرة من شرق الحدود الجنوبية إلى غربها وقد يشهد استخدام تقنيات أكثر تقدماً من المرة الماضية ولاسيما في مجال التشويش على قدرات الاتصالات التابعة للجيش السوري ولكن هذا الهجوم غالباً سيكون كما سبقه من هجمات تهدف فقط إلى استمرار النزيف وخلق بؤر توتر جديدة لتطول الأزمة أكثر ولينتهي الهجوم نفسه بخسائر فادحة في صفوف المهاجمين يتم التستر عليها إعلامياً وتحويل الأنباء عن المعارك الجديدة إلى دفعة معنوية للمعارضة لكي تستمر في مواقفها الحالية المتعنتة منذ ثلاث سنوات والتي أعاقت وتعيق أي إمكانية للتسوية والتي ظهر من خلال التجربة الأوكرانية أن الجلوس إلى التفاوض ليس أمراً إعجازياً والوصول إلى اتفاق قد لايستغرق أكثر من يوم واحد مادام ليس هناك من ينفخ في النار.
الجمل
إضافة تعليق جديد