سميحة خريس: أعطني أسباباً لا تدفعني إلى المسخرة

05-04-2006

سميحة خريس: أعطني أسباباً لا تدفعني إلى المسخرة

الجمل ـ خاص
للروائية الأردنية سميحة خريس , نتاج أدبي لاقى ترحيبا نقديا على مستوى العالم العربي , فمن أعمالها رواية "القرمية" و"الصحن" و"دفاتر الطوفان" , و"الخشخاش" و"الفهود" الخ ... كما لها باعها الطويل في القصة القصيرة , والسيناريو الإذاعي .
ولدت الأديبة خريس في عمان منتصف خمسينات القرن الماضي , تحمل إجازة في علم الاجتماع من جامعة القاهرة .. مارست (وماتزال) الصحافة , فقد سبق أن قرأها المتابعون في الصحافة الإماراتية , وبعض الدوريات التي تصدر في القاهرة وباريس ولندن , تشغل الآن مديرة تحرير الدائرة الثقافية في جريدة "الرأي" الأردنية .
حازت على جائزة الشاعر "أبو القاسم الشابي" في تونس عام 2005 عن روايتها "دفاتر الطوفان" . كما كرمت في الأردن لاحقاً .
التقيتها في زيارتي إلى عمان , وكانت ثمرة لقائي بها هذا الحوار, والذي يدور حول المشهد الثقافي الأردني وبعض نتاجها الروائي .

 


* تتهم الحركة الثقافية الأردنية بالضعف مقارنة مع بعض الدول المنطقة؟ ماصحة هذا القول؟

** لست هنا في مجال تبادل الاتهامات ، ولكني أقول للحقيقة ، أن معظم الأوساط الثقافية العربية تعاني من انغلاق على ذاتها ، وهناك جسور لم تقم أصلاً وأخرى مقطوعة ، كما أن هناك وهناً في الإعلام ، كل هذه الأمور تقود إلى أحكام غير دقيقة حول هذه الساحة أو تلك ، والأردن ليس مختلفاً ، نحن لا نتمتع بآلية إعلامية لائقة تصدر العمل الثقافي الذي ينشط على قدم وساق دون الالتفات إليه عربياً وربما محلياً ، في عام 2002 كانت عمان عاصمة للثقافة العربية وتتبعت نشاطاتها وأذهلني أن الجهد الذي بذل فاق ما بدل في عواصم تروج أصلاً على أنها عواصم ثقافية ، أو مراكز في حين أن سواها مجرد هوامش ، وأحيلك إلى ملف المؤتمرات العربية والمهرجانات سواء في المسرح أو الأغنية أو السرد لترى حجم التواجد الأردني الذي قد يكون محدوداً ولكنه متميز نوعاً وكيفاً ، إذاً نحن لسنا إزاء حركة ثقافية فقيرة ، هي حركة شابة وولود وقادرة على إثبات ذاتها ، ولكن العالم العربي متقطع في الثقافة كما في السياسة ، ودعني أوضح الصورة على النحو التالي ، قبل عام دعيت إلى سوريا في نشاط ثقافي ، وكانت معلوماتي عن الكاتبات السوريات لا شيء تقريباً ، فلا تصلنا كتبهن ولا المجلات والجرائد التي تتناول أعمالهن كما أن إحداهن لم تصل إلى شهرة تتجاوز القطر السوري ، وشعرت بالخجل والمؤتمر يستعرض تلك التجارب الممتازة ، وإذا استمرت هذه القطيعة يمكن لأي مثقف أردني أو مصري أن يقول أن ليس هناك كاتبات في سوريا ، وهذه فكرة مغلوطة ، ولكنها تفرض نفسها في غياب ما يدحضها ، من هنا أقرأ سؤالك على أنه بعض ما يحدث لكل متتبع لا يجد الجسور التي تقوده إلى التتبع الصحيح للمعلومة ، ربما كنت محظوظة باجتياز المحلية لينتشر اسمي ، ولكني لست منقطعة عن حركة ناشطة ذات مستوى جيد ، منطقياً لا يمكن أن تخرج سميحة خريس أو مؤنس الرزاز أو تيسير السبول من فراغ ثقافي ، كما لا يمكن أن يخرج الغيطاني ورضوى عاشور ونبيل سليمان وممدوح عدوان ، فالمبدعين ليسوا طفرات في عمر الشعوب ولكنهم نتاج فكري وإبداعي لحراك موجود أساساً .                                                                        

* يلاحظ أن عناوين رواياتك تجمع التقليدية والغرابة اللفظية . هل العنوان لديك عبارة عن شيفرة تنطوي على لغز هو من بنية النص أم مجرد لافتة ترويجية للنص الإبداعي؟                                                            
** لا أعتقد أن أي من عناويني يمكن أن تصلح لافتة ترويجية ، بل أن البعض نبهني إلى ضرورة اتباع تلك التقليعة التي تروج للكتاب بذكاء ، ولكني لا أجيدها ، نظراً لأني غير مقتنعة بها ، كما أني أعتقد أن العنوان جزءً من النص ، أساس في لعبته اللغوية والفكرية ، وبقدر ما تحمل الرواية من تقليدية يأتي العنوان تقليدياً ، " شجرة الفهود مثلاُ " ، وبقدر ما تكون هناك غرائبية يكون العنوان كذلك " خشخاش مثلاً " ، وأنا لا أنتظر الانجاز في نهايته لأختار اسماً ، عادة يحضر الاسم في ذهني مثل "جينة" تحمل مواصفات النص وتقودني لاكتشافه ، ليس هناك ألغاز فأنا لا أدخل في مناورة مع القارئ أوفي غموض يحيره ، أحاول تحييره وإرباكه بالوضوح ، كذلك هو الاسم ، طبعاً بعض الأسماء قد تسبب صدمة أولية للقارئ العادي مثل " القرمية " فيقف حائراً أمام لفظة لم تعد مستخدمة ، أو بعيدة عن الذاكرة ، لتجد نفر من الفلاحين البسطاء يستخدمونها يومياً ، وما حدث أني أزلت عنها الغبار ، لا لمجرد الاستعراض اللغوي ، ولكن إيماناً بقدرتها وتقدمها في حمل المعنى الذي أريده من روايتي .                                                                 

* بدوت في روايتك الأخيرة "نارة" وكأنك تسخرين من الأشياء . ما الأسباب التي دفعتك لـ "المسخرة"؟                                                         
** بدون مسخرة ، أسألك ، أعطني أسباباً لا تدفعني إلى المسخرة ؟
الوضع العربي سريالي وكوميدي ، مرسوم بريشة "ناجي العلي" ، والوضع الاجتماعي مر ، وقد تمسكت طويلاً بأهداب الأحلام التي انكسرت ، راهنا على أن الجدية ستقود إلى الحلول ، في هذا النص لست معنية بالحلول ، فقط برفع القناع الجاد عن كافة الممثلين على خشبة المسرح ، ولا ألبسهم أقنعة ضاحكة ، الوجوه مضحكة دون هذه الواسطة ، المواقف والأحداث مضحكة حد البكاء ، وهذه ليست مسخرة عبثية ولكنها مسخرة كاشفة ، تهتم بحك الجراح جيداً حتى يمكن فهم وجعها ومبلغ الآه التي على العربي أن يطلقها من حنجرته قبل أن ينبري للتنظير والتصليح فوق بناء مثلوم وعود أعوج .        

* بالرغم مما سبق في السؤال سابق الذكر , تشكل "نارة" صدمة للمتلقي المتابع لأعمالك السابقة . سميحة خريس , أين هو الخيط اللامرئي الذي يربط "نارة" في ما سبقها من روايات كـ"الصحن" و "دفاتر الطوفان" الخ.....؟    
** لم أقم بتتبع مثل هذا الخيط ، رغم إيماني بوجوده ، لا شك أن شيئاً من نارة كان في معظم الأعمال السابقة ، لا يعقل أني كنت مسترخية أرى الدنيا وروداً وبالونات ، لا شك أني كنت أكشط وجه الحقيقة طبقة وراء طبقة ، لتكون نارة الغاضبة الساخرة في نهاية المطاف ، ولا شك أن طيفاً منها تجلى هنا أو هناك ، ودعني أقول أن نارة ليست ابنتي وحدي ، أعتقد أني أراها في كل عمل ونص عربي يذهب إلى كشف الواقع ، هي موجودة بمقدار ، وللصراحة أقول أن وجود نارة هو بعض من مهمة الكتاب والمبدعين في تعرية الباطل وتوجيه أصابع الاتهام لكل رداء تمثيلي قبيح نرتديه .                                     

* "نارة" سليطة اللسان , لاذعة في سخريتها أثناء تناولها للمشهد الثقافي والسياسي الأردني, ترى هل كان المجتمع الأردني البسيط هدفاً لسميحة خريس ؟                                                                               
** صادف أن سميحة خريس أردنية ، وتعيش الواقع العربي من مكان صغير اسمه الأردن ، وهي بلا شك تعرف عن مجتمعه أكثر ، لهذا كانت الكتابة من داخل هذا المجتمع الذي أحب في النهاية ، فهو شجرتي وبيتي ، لا يعني هذا أن أترك الدود يزحف إلى جذع الشجرة والشروخ تطال البنيان ، وفي النهاية إذا لم يشعر أي عربي أن نارة تتحدث عن مجتمعه ، تكون تلك النارة قد فشلت في استخدام العينة ، وهي الأردن " للتدليل على الخراب العام ، كانت نارة كل عربي في موقعه لمن يجيد القراءة .                                               

* في "الخشخاش" عمدت إلى خلط العالم , أما في "دفاتر الطوفان" تعددت الأصوات لديك, ولجأت إلى أنسنة الأشياء في "الصحن" ...إلام يرمز هذا التنويع في الاسلوب واللغة؟ إلى أي حد يخدم الأديب؟                            
** كان لا بد من اختلاف الأسلوب واللغة بين عمل وأخر ، فنحن لا نتكرر ، وهكذا وقعنا في التنميط صار لزاماً علينا الاعتزال ، أنا معنية دائماً بتقديم رواية مختلفة لا عن سواي فحسب ، ولكن عن نفسي ، لا أحب الأعمال الروائية التي يكفيك واحدها للحكم على كاتبها ، وتبدو باقي الأعمال تنويع بسيط على لحن واحد مكرور ، كل عمل له خصوصيته وليس هذا بإعجاز إذا تمكن المبدع من اقتفاء التحولات في نفسه ، إذا عامل تجربته على أساس أنها متنامية يضاف إليها كل يوم جديد ، لا بد أن تظهر هذه التحولات في الأسلوب والفكرة ، عدا عن وجود عامل حاسم ، إن الموضوع الذي يتم تناوله في النص يختار أسلوبه إلى حد بعيد ، الرواية التقليدية تختار لغتها ، ويمكن للفكرة النفسية أن تقتفي أسلوباً مغايراً ، هذا الإيمان يجعلني أتوقع في أي لحظة أن أكتب رواية تقليدية بعد أن عنيت برواية غرائبية أو حداثية ، لأني ببساطة لا أقيد نفسي بأسلوب وأسعى إلى أن تختلف نصوصي عن بعضها ، لا أصدر نسخاً من أعمالي بأسماء عدة .                                                    
                             
* ثمة نظرية مفادها : إن كل شخصية تحمل شيئاً من ذات كاتبها . سميحة خريس , ببساطة وصدق : هل "نارة" هي سميحة خريس؟                     
**هذه نظرية دقيقة للغاية ، عندما أرسم الشخصية لا شك أنها تحمل شيئاً مني ، بل أن كل من كتبت عنهم مثلوني بنسبة ما ، رجالاً ونساءً وأطفالاً ، أشراراً وأبراراً ، ملائكة وشياطين ، بل وحتى أشياء ، كتلك التي أنطقتها في " دفاتر الطوفان " كنت أنا في الحرير والحبال والسكر والحبر والأحذية ، فما بالك بنارة ، طبعاً تمتلك جيناتي وإن لم تكن أنا نفسي ، فهذه رواية وليست سيرة ذاتية ، وأنا عندما أكتب سيرتي ، لو حدث ذلك ، فسأكتب عن نفسي وما حدث معي حقاً ، بصورة واضحة ومباشرة ، أما ما أكتبه في شخوص رواياتي فهو تداعيات الحياة من حولي كما هي معارفي وأفكاري ، مزيج غريب قد تزيد فيه نسبة الأنا أو تقل حسب الحالة ، وبالطبع يشير كثيرون إلى اقتراب نارة بالتحديد مني ، ربما لأنها صحافية وأنا كذلك ، هناك نقاط مشتركة ولكنها في النهاية نارة وليست سميحة وإن حملت شيئاً منها .                                
                        
* قلّة هن الروائيات اللواتي أقدمن على تكسير الثوابت , ما السبب في ذلك؟ هل ثمة معوقات (حضارية وثقافية) تحول دون ذلك؟                           
** ليست لدي إحصائيات حول الكاتبات الروائيات اللواتي قمن بتكسير الثوابت ، ولكني أتساءل أي الثوابت تعني ، هل نتحدث عن التابوهات الثلاث المعروفة ، الدين والجنس والسياسة ، إذا كان الأمر كذلك فإن الكاتبات المرموقات قد تقدمن كثيراً في هذا المضمار ، مثل نجوى بركات ورضوى عاشور وهدى بركات وغادة السمان ورجاء عالم وأحلام مستغانمى وسواهن كثر قد لا تحضرني الأسماء الآن ، ولكني أعرف أن الكاتبة الحقيقة معنية بتكسير الثابت والقفز فوق المتعارف عليه ، وقد أحرزت المرأة عموماً تقدماً كبيراً في هذا الخصوص ، وأرى أن الإلحاح على المزيد يعني أننا ندفع بالكاتبة إلى الادعاء ، وهذا أمر ينتقص من الفن ولا يزيده ، يجب أن تتواصل المسيرة دون افتعال ، لأن تقمص حالة ما وادعائها يسيء للكاتب أو الكاتبة وللإبداع ، وإذا كانت المرأة قد شهدت في فترة من الفترات وضعاً اجتماعياً يحول بينها وبين البوح الحقيقي والمشاركة الفاعلة في النتاج الفكري فإن مجموعة كبيرة تخطت هذه المرحلة وأثبتت جدارتها واقتدارها ، على هذه الفئة نراهن .                     

حوار: أُبيّ حسن ـ عمان

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...