كواليس الأزمة اللبنانية ومستجدات القمة العربية
استمرّ فريقا الموالاة والمعارضة اللبنانية أمس في تبادل الاتهام بالسعي إلى نسف المبادرة العربية أو تعطيلها، فيما اتّجهت الأنظار الداخلية إلى قمّة الدول الإسلامية المنعقدة في داكار، مترقّبة ما سيعقد على هامشها من لقاءات تتصل بهذه المبادرة الهادفة الى حل الأزمة اللبنانية، ومنها ما هو متوقع من لقاءات سورية ـــــ سعودية تركّز الوساطة الإيرانية على عقدها لعلّها تحقق انفراجات في العلاقة بين دمشق والرياض تساعد على توفير حل لبناني قبل القمة العربية العادية المقررة في دمشق نهاية الشهر الجاري.
وذكرت مصادر واسعة الاطلاع أن المناخات السائدة الآن لدى العواصم المعنيّة لا تشير الى إمكان التوصّل الى حل قريب قبل موعد القمة، وأن المناقشات حول المبادرة العربية تحتاج الى ما هو جديد من جانب الاطراف اللبنانية، لا فقط الى تسويات عربية ـــــ عربية، وتحدثت عن تقدّم في الوساطة القطرية لإقناع السعودية برفع مستوى تمثيلها في القمة، وسط حديث عن نتائج إيجابية للمحادثات التي أجراها ولي العهد السعودي سلطان بن عبد العزيز في الدوحة، ولا سيما أن قطر تمنّت عليه أن يكون هو على رأس وفد بلاده الى دمشق.
ووردت مساء امس معلومات من داكار الى بعض المراجع المسؤولة مفادها أن لقاءً سورياً سعودياً إيرانياً انعقد على هامش الاجتماعات التحضيرية للقمة الاسلامية وتردد أنه ضمّ نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ووزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي. ولكن أي مصادر لم تؤكد هذه المعلومات أو تنفِها.
وذكرت مصادر مطلعة أن موفداً سورياً سيزور بيروت قريباً جداً لينقل دعوة الحكومة اللبنانية إلى حضور القمة العربية، وأن الامر سيتم مباشرة لا من خلال الامانة العامة للجامعة العربية.
ونُقل عن مدير مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، السفير هشام يوسف، أن هذا الأخير «ليس له مواعيد في بيروت» وقال: «ليس لدى الامين العام ترتيبات لزيارة قريبة الى بيروت حسبما توقعت أخبار منشورة في وسائل الاعلام...» وأضاف أن هذا «لا يعني أن عمرو موسى أغلق ملف المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية، بل إن الاتصالات ما زالت مستمرة»، وذلك في إشارة الى اتصالات قائمة بين الجامعة العربية وأطراف الازمة اللبنانية. وكشف أن موسى سيقابل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اليوم في داكار على هامش قمة الدول الاسلامية. وبناءً على ما سيتم في هذا اللقاء «سيتحدد ما إذا كان الامين العام سيزور بيروت ومتى».
وقال يوسف أيضاً إن موسى «سينقل الى السنيورة تطمينات من السوريين الى أن دعوة لبنان الى القمة العربية ستوجه على نحو يرضي فريقي الموالاة والمعارضة في لبنان».
والى ذلك، قالت مصادر مطلعة إن طروحات جديدة في شأن الأزمة يرجح أن تبرز بعد قمة دمشق، حيث تتوقع القيادة السورية انتهاء ما تتعرّض له حالياً من ابتزاز في موضوع القمة ومستوى الحضور فيها، ما سيجعلها تتعاطى وحلفاءها مع الأزمة برحابة وبغير خضوع لاعتبار التسوية أو لنظرية فريق الموالاة وبعض حلفائه العرب والقائلة بـ«انتخاب الرئيس الذي نريده أو نعطّل لكم القمة».
وأضافت هذه المصادر أنه بعد القمة أيضاً ينتظر أن يصبح «عرب الاعتدال» على بيّنة أكثر من تداعي الوضع الأميركي في المنطقة، الأمر الذي سيقنعهم بأن تمسكهم بالرغبة الأميركية بكاملها غير ممكن، وبأن عليهم إعادة النظر في «الضمان الأميركي» لأنه لم يعد كافياً، وأن التضامن العربي بات ضرورة لهم وسبيلاً الى إنتاج حل لبناني يلتزمه الجميع.
ورجحت المصادر أن تبرز بين «الرحابة السورية» والتحوّل في موقف «العرب المعتدلين»، مبادرة جديدة ذات روحية عربية ومتقاطعة مع بعض الرغبات الأوروبية.
وكان السنيورة قد وصل أمس الى داكار، والتقى في مقر إقامته الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتناول البحث على مدى ساعة «مختلف الأوضاع والتطورات في لبنان والمنطقة، إضافة إلى موضوع المحكمة الدولية»، حسبما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» مضيفة أن السنيورة التقى أيضاً الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين أوغلو يرافقه وزير الخارجية السنغالي الشيخ تجان غاجو. و«جرى البحث في الأوضاع اللبنانية والإقليمية، إضافة إلى ما يتوقع أن يصدر من مقررات عن القمة الإسلامية». كذلك التقى السنيورة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الذي تشارك بلاده في الوساطة الايرانية الجارية بين دمشق والرياض.
وكانت الفقرة المتعلقة بالتضامن مع لبنان في البيان الختامي، موضع خلاف أخّر الجلسة المسائية ساعة ونصف الساعة، حيث ذكرت المعلومات الإعلامية الموزعة من الوفد اللبناني أن الوفد «أحبط محاولة سورية لافتعال مشكلة مع لبنان، عبر التدخل في صياغة الفقرة»، فيما صرّح نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بأن السنيورة حاول «تسويق صيغة تحمل تغييرات للمبادرة العربية»، وقال إن وفد بلاده وعدداً من الوفود الأخرى تصدوا لهذه المحاولة، مضيفاً «هذا دليل على أن الجهات التي وافقت على المبادرة العربية لم تكن صادقة بل تعمل على نسف المبادرة بمختلف الوسائل المتاحة».
واتضح من كلمة ممثل لبنان في الجلسة المسائية، الأمين العام لوزارة الخارجية السفير بسام نعماني، وجود نص سابق لما اعتمد، حيث أشاد بالجهود التي أدّت «إلى لغة مشتركة»، ورأى أن «التضامن مع لبنان يكون وفق الأولويات التي تحددها حكومته، وهذا من بديهيات عمل المنظمات الدولية وقواعد الأخوة والتضامن والحرص».
واستخدم النعماني تصريح المقداد ليتوجه الى الحضور بالقول: «كل هذا وما سبقه هو بالضبط ما نشكو منه ونعانيه من تدخل في شؤوننا الداخلية واتهام لمسؤولينا بما يعقّد الحلول التي نعمل عليها صادقين، وفي هذا أساس النيل من المبادرة العربية وتعطيلها».
أما الفقرة التي اعتمدت وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أنها «اقترحت من اليمن كحل وسط، وكان الوفد السوري قد اعترض عليها»، فنصت على: «التأكيد على دعم المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية ودعوة القيادات السياسية اللبنانية إلى إنجاز انتخاب المرشح التوافقي في الموعد المقرر والاتفاق على أسس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بأسرع وقت ممكن، بما يمنع التداعيات الناجمة عن عدم انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وبما يمنع الانقسامات ويضمن وضع لبنان على طريق الوحدة والأمن والاستقرار».
ويتبيّن من ذلك، فك الارتباط بين الرئاسة والحكومة لمصلحة إجراء انتخابات الأولى «في الموعد المقرر»، بينما تُرك أمر الثانية الى الاتفاق على أسس تأليفها «في أسرع وقت ممكن».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد