مؤتمر القمة وخارطة التحالفات
الجمل: يعتبر مصطلح خارطة الطريق من المصطلحات الجديدة الاستخدام نسبياً في حقل العلوم السياسية، وعادة ما يستخدم بشكل مواز لمصطلح سيناريو، وتأسيساً على ذلك، بعد ما شهدته الحالة العربية من تطورات وتبدلات بدأت بلحظة مواجهة رجال حزب الله اللبناني للقوات الإسرائيلية، وحتى عشية انعقاد قمة الرياض العربية، يمكن القول: إن المشهد العربي قد حفل خلال فترة ما بين الحدثين بالكثير من الوقائع الدراماتيكية العاصفة، ومن أبرزها:
- لأول مرة تدين أطراف عربية قيام مقاومة عربية مسلحة بالتصدي للقوات الإسرائيلية المعتدية.
- لأول مرة تطالب أطراف عربية ببقاء واستمرار الاحتلال الأمريكي للعراق.
- لأول مرة يتم الإعلان –بلا وجل أو حياء- عن انعقاد مؤتمرات تضم قادة الموساد الإسرائيلي وقادة بعض الأجهزة الأمنية العربية من أجل التنسيق والتعاون.
- لأول مرة يحاول جهاز مخابرات عربي تصفية زعيم مقاوم ألحق الهزيمة بإسرائيل.
- لأول مرة يتم الإعلان عن أن أموال الدعم العربي الخليجي يتم استخدامها لتمويل الوجود العسكري الأمريكي، وأيضاً يتم استخدامها في دعم الحركات والفصائل التي توافق أمريكا حصراً على دعمها.
- لأول مرة تقف بعض الأطراف العربية الإسلامية مؤيدة لإسرائيل وأمريكا في مواجهة قوى إسلامية أخرى.
خارطة التحالفات قبل قمة الرياض العربية، كانت تضم ثلاثة معسكرات: (معسكر المعتدلين، معسكر المطالبين بحقوقهم العادلة، ومعسكر اللامبالي).
كانت التوقعات تقول: إن القمة العربية سوف تنظر في موضوع تعديل مبادرة سلام قمة بيروت عام 2000م، والتي طرحتها آنذاك المملكة العربية السعودية، ووافقت القمة على تبنيها بالإجماع.
- رفضت إسرائيل المبادرة.
- أيدت الولايات المتحدة الرفض الإسرائيلي عن طريق التواطؤ.
- اندلعت الحرب الأمريكية في فترة ما بعد الحادي عشر من أيلول.
* تم غزو واحتلال أفغانستان.
* تم غزو واحتلال دارفور.
- حدثت بعض التطورات في المنطقة العربية.
* اغتيال الحريري.
* خروج القوات السورية من لبنان.
* قانون محاسبة سوريا.
* قرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان.
* هزيمة القوات الإسرائيلية على يد رجال حزب الله.
* اتفاقية السلام في السودان.
* حرب دارفور.
* قرارات الكونغرس الأمريكية ومجلس الأمن الدولي الخاصة بالسودان.
* استراتيجية بوش الجديدة في العراق، واستهداف إيران.
برغم اتساع خارطة الشرق الأوسط، فقد ظل التركيز الرئيسي يتمثل في منطقة شرق المتوسط، وفي هذه المنطقة نلاحظ الآتي:
- مثلث الصراع: العراق، لبنان، فلسطين.
- بؤرة المثلث: سوريا.
وتشير كل الاعتبارات إلى أن سوريا تمثل المرحلة أو الخطوة القادمة المحتملة من كل صراع:
• الصراع اللبناني: تحاول الأطراف الخارجية وحلفاؤها اللبنانيين الإشارة إلى أن سوريا باعتبارها مصدر الصراع، وتعمل هذه الأطراف من أجل تحريك القرارات الدولية والإقليمية بهدف نقل المواجهة (ضد سوريا!!).
• الصراع العراقي: تحاول الأطراف الخارجية وحلفاؤها العراقيين الإشارة إلى سوريا باعتبارها أحد مصادر الصراع العراقي، وتعمل هذه الأطراف من أجل تحريك القرارات المحلية والإقليمية والدولية بهدف نقل وتصعيد المواجهة (ضد سوريا!!).
• الصراع الفلسطيني: تحاول الأطراف الخارجية وحلفاؤها الفلسطينيين الإشارة إلى سوريا بشكل مباشر أو غير مباشر باعتبارها أحد مصادر الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والفلسطيني- الفلسطيني، وتعمل هذه الأطراف من أجل تحريك القرارات المحلية والإقليمية والدولية بهدف نقل وتصعيد المواجهة (ضد سوريا!!).
وهكذا فإذا حاولنا على خلفية ما بعد قمة الرياض أن تقرأ جيوبولوتيكيا، وجيوستراتيجياً، وجيوسياساً، في أطروحة (ضد سوريا!!) هذه، فإنه يتبين لنا الآتي:
• المعطيات الهيكلية البنائية: تقع سوريا (جيوستراتيجياً) في منطقة تربط بين ثلاث قارات: آسيا، أوروبا، وأفريقيا، ولن يستطيع خصوم سوريا إلغاء أو إزالة هذه الميزة إلا إذا استطاعوا زحزحة القارات من مكانها.. وتقع سوريا (جيوبوليتيكياً) في منطقة تمثل (سرة) العالم، اقتصادياً، ودينياً، وثقافياً، وسياسياً، وعلى غرار مقولة كل الطرق تؤدي إلى روما.. فإن أمريكا وإسرائيل والصين والجميع يعرف أن كل الطرق المؤدية إلى روما، بالضرورة لابدّ أن تمر بسوريا.. وإلا فلن يستطيع أحد الوصول إلى روما. أما (جيوسياسياً) فتقع سوريا ضمن بيئة سياسية جغرافية، تضم كل دول العالم القديم الرئيسية، وامتداداتها القائمة حالياً، وما يترتب على هذه الامتدادات من حراك وتداخل وتفاعل سكاني ديموغرافي اقتصادي سياسي.
• المعطيات القيمية: تتميز السياسة بالثابت والمتحول.. وتركز سوريا دائماً على الموازنة بين المواقف حسب طبيعتها، فحدود وسيادة سوريا هي من الثوابت التي لا تتغير أمام القضايا الخلافية المتعلقة بالتفاهم والتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، فهي قضايا تتسم بالتغير والتبدل، وذلك بسبب طبيعتها الحركية، وبالتالي فإن حقوق سوريا العادلة في وحدة أراضيها، ووحدة شعبها وهويته القومية، غير ممكن المساس بها، وعلى الذين يريدون بناء علاقات التعاون الآمن والسلام مع سوريا أن يفهموا تماماً بأن الخطوة الأولى في طريق العلاقة والسلام مع سوريا تتمثل في احترام الثوابت السورية الراسخة والتي تقرّها كل الشرائع والمواثيق الدولية.
• المعطيات التفاعلية: في وسط بحر الخلافات والصراعات العربية، وما يترتب عليها من استقطابات ومحاور تقوم بها بعض دول المنطقة بالدخول تحت مظلات حماية القوة الكبرى الدولية والإقليمية، ظلت سوريا أكثر حرصاً على الانخراط في أي معسكر أو حتى الدعوة إلى بناء المعسكرات الفرعية خارج وحدة الصف العربي.. وكل التسميات التي وصفت بها سوريا ومن يتبنون موقفها مثل (دول الرفض)، (الدول المتطرفة).. وغير ذلك، أطلقها من كانوا في المعسكر الآخر، والذي ظل دائماً يطلق على نفسه مختلف التسميات والنعوت، والتي من آخرها معسكر (المعتدلين العرب).. علماً بأن مطابقة التسمية بالواقع العملي، تؤكد أن صفة (المعتدلين) لا تنطبق على هذا المعسكر، بل التسمية الأكثر دقة تتمثل بكل وضوح في (معسكر المتنازلين العرب)، أي الذين يطالبون بالتنازل عن الحقوق العربية بلا مقابل.
ومن سخرية القدر أن هذا المعسكر يضم قوى لا تعاني من الاحتلال الإسرائيلي، مثل مصر والتي أخذت سيناء، والسعودية التي ترفض الاعتراف بأنها تعاني من الاحتلال الإسرائيلي لبعض الجزر السعودية الصغيرة الموجودة على خليج العقبة، والتي احتلتها البحرية الإسرائيلية، وحتى الآن يرفض السعوديون إثارة هذا الموضوع.
إن خارطة الطريق السعودية في مرحلة ما بعد القمة واضحة جداً.. ومن ابرز معالمها:
- الإيجابية: وذلك بالإعلان عن الانفتاح الدائم أمام الحوار والنقاش.
- الحقوق الشرعية: وهي الحقوق المنصوص عليها في كافة المواثيق الإقليمية والدولية.
- عدم التدخل: وذلك عن طريق احترام سيادة الغير وفقاً لاعتبارات الشرعية الدولية.
- الانتماء: ويتمثل في العروبة باعتبارها الصفة القومية التي يتسم بها الفرد والجماعة في سوريا وأيضاً في كامل المنطقة الإقليمية العربية.
وعموماً نقول: لقد انتهت القمة العربية بالتأكيد على مبادرة قمة بيروت عام 2000م.. وتقول التوقعات بأن هذه القمة سوف تكون بمثابة نقطة الانطلاق للكثير من التحركات والجولات المكوكية التي سوف يحاول القيام بها مستشار الأمن القومي السعودي (الأمير بندر بن سلطان) (أو بندر بوش) كما يطلق عليه البعض، وذلك من أجل القيام بدور الـ(لوبي الأمريكي) الذي يتحرك نيابة عن الـ(لوبي الإسرائيلي) بين وزارات الخارجية العربية، وبين الزعماء العرب، وذلك من أجل دفع الأطراف لكي تقوم بقبول التعديلات الجديدة التي حددتها إسرائيل وجماعة المحافظين الجدد، وتم تسليمها لمستشار الأمن القومي السعودي.
ويتوقع أن تتزامن جولات بندر بن سلطان مع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، فمثلاً يتم تشديد الخناق على الفلسطينيين بحيث يكون أمامهم إما المزيد من الضغوط أو القبول بالتنازل عن حق العودة.. ونفس الشيء بالنسبة لسوريا إزاء الجولان.. ونفس الشيء بالنسبة للدول العربية الأخرى التي ليس لها حدود مع إسرائيل بحيث تقبل الانخراط في اتفاقيات سلام ثنائية مع إسرائيل، أو تواجه الحرمان من المعونات الأمريكية والسعودية.
وعلى هذا النحو فإن خارطة طريق بندر بوش أصبحت معروفة، ولا يعتقد بأن الشعوب العربية سوف تقوم بتمرير هذه الخارطة على عواهنها، ومن يفكر في جدوى تطبيق مثل هذه الخارطة، يتوجب عليه أولاً وقبل كل شيء أن يعيد الدراسة والتأمل في معطيات الخبرة التاريخية للصراع العربي- الإسرائيلي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد