مهرجان السنديان الثقافي الحادي عشر: صامد و "الحب" عنوانه
الجمل – الملاجــة – حسان عمر القالش: لم يفلح طريق طرطوس دريكيش المقطوع في أوّله منذ أسابيع طويلة أن يمنع الناس من حضور مهرجان السنديان الثقافي المقام كعادته في قرية "الملاجة" ,التي أطفأ أهلها شمعته الحادية عشرة ليلة السبت 25-8-2007 , ثاني وآخر لياليه.
كان في استقبال "ضيوف الملاجة" مجموعة من الشباب والصبايا بابتسامات صادقة وعيون متحمسة وقد علـّقوا على قمصانهم بطاقات كتب عليها "شباب السنديان",بعضم وقف وراء طاولتي ضيافة احداها لتقديم مياه الشرب, والأخرى لتقديم القهوة والبيتيفور, وبعضم الآخر يجول في أنحاء المكان استكمالا للترتيبات الضرورية. ولن يسمح لك الوصول بالتقاط الأنفاس بعد أن يغريك المشي في محاذاة جدار طويل علـّقت عليه مجموعات من الصور الفوتوغرافية ولوحات الرسوم التشكيلية,التي تدلـّت من فوقها أغصان بلاستيكية سوداء تحمل أضواء كاشفة لرؤية الصور واللوحات في مناخ الليل الريفي.
لابد هنا من التوقف عند الاطلالة المسرحية/ الأثرية التي رسمها ونفذها أهالي الملاجة لمكان الاحتفال, بقعة من عشب أخضرفي نهايتها مسرح صغير, محاطة بأدراج حجرية عريضة ومنخفضة توصل اليها, وهذه يزنرها سور حجري قصير, ويحيط بها بقيـّة الشارع الذي لن يبقى شارعا اسفلتيا عاديا, بل ساحة عرض في الهواء الرحب انتصبت فيها أعمال النحت متعددة الرسوم والصور والمجسمات, ويحتضن المكان ويدوّره طبقات من الصخور الجبلية استلقت فوق بعضها كقطع البسكويت, ليشكل المكان مايشبه صالونا منزليا دافئا زادته جمالا لوحة كبيرة مكتوب فيها بالأحرف الفنية بعض من شعر الراحل محمد عمران:
يكتب على شفـة الملاجة
أعلمت قمحا وأدعوا الحمائم جميعا
وأقيم عيدا لبيدرك الذي يبتدئ فصل الحب
يكتب على جسد الملاجة
أيها الخـبـز الأشــهــى
أغـمـسـك بالحــــب
هذه اللوحة استوقفت الحضور بقياسها الكبير (8م × 2م ),وألوانها وخلفيتها الملونة بـ"ورق الذهب", والتي استغرق انجازها من 5- 6 أشهر من وقت مبدعها الفنان عماد صبري أحد أعضاء أسرة المهرجان الذي تحدث لـ"الجمل" وقال بأنها " هدية من محب الى محبوب, هدية حب لحالة الحب التي خلقها الناس هنا على حساب أوقاتهم وأشغالهم وأحوالهم المادية" وبأنها ستبقى معلقة هنا "الى حين يتم انجاز مشروع المتحف المزمع اقامته في الملاجة" والذي يحتاج مساعدة الجميع.
هذا المهرجان/اللقاء كان فكرة الشاعر الراحل محمد عمران وأقرانه من مثقفي الملاجة, وكونه المؤسس كانت ذكراه حاضرة في كل دوراته, وباسمه كانت البداية: " (سلاما الى الملاجة/ تشرع أجنحتها/ في جهات الحب الست) قالها الشاعر ذات يوم وغاب, غير أن حلمه مازال يقفز فوق جبال الملاجة وفي أوديتها معلنا أن العالم لن يتغير بغير الحب... " هكذا افتتحت ابنته الشاعرة رشا عمران مهرجان السنديان معلنة أن "تيمـة التغيير هي الحب..".
والبداية كانت مع الشعـر الذي بدا أن جمهوره بشكل عام قد بدأ يخفّ تعبيرا عن رغبته بثورة شعرية تجتاحه, هذه أيضا وجهة نظر رشا عمران في حديثها الاذاعي مع القديرة هيام حموي على "شام اف ام" مساء الخميس. رغم ذلك انتزع الشعر اصغاءا شغوفا وتصفيقا طروبا في كثير من لحظات المهرجان. هذا ما استحقه الشاعر العراقي علي الشـلاه الذي القى قصائده واقفا على قدميه, يقرأ من الورق في يديه تارة ومن عيون الجمهور تارة أخرى, وختم بقصيدة عنوانها "غداء مع النبي". وكان الأكثر وربما الوحيد في ليلة المهرجان الأولى الذي تفاعل مع الجمهور, فأنهى أمسية الشعر التي ضمت اليه عائشة أرناؤوط وخضر الآغا من سوريا, طارق الطيب من السودان, و اليزابيت فاندلر دك من سويسرا التي قرأت مقاطع شعرية بالألمانية تلت كل واحدة منها ترجمة بالقاء الفنانة حلا عمران.
وتابعت السهرة مع الموسيقا, فكان تقديم فرقة "ارتجال" السورية تنويعا على النشاط الفني السابق للمهرجان. صعد الى المسرح ست شباب وصبيـّة مع آلاتهم المختلفة, وبدؤوا عزف مقطوعات مختلفة من الموسيقا الممزوجة مابين الجاز الغربي واللحن الشرقي والموسيقا الشعبية لبلدان أوروبا الشرقية, علما بأن اثنين من هؤلاء الشباب يعزفون حاليا مع "زياد الرحباني" ويسجلون معه أسطوانته الجديدة. بدأ بعدها جـوّ من الصخب والمرح مع غناء ليندا بيطار وشادي علي بالاشتراك مع الفرقة.
قبل بداية العزف, تهامست سيدتان كبيرتان تجلسان في الصفوف الخلفية: "سيعزفوا الآن موسيقا أجنبية..بس حلوة". وحديث السيدتين يذهب بنا الى ملاحظة الطابع الأهلي المجتمعي للحضور, ومع أن كثيرا من الأزواج أحضروا معهم أطفالهم فارتبكوا بهم, بأصواتهم وتسربهم من بين أعينهم, فبحثا عنهم, كالسيدة التي نادت صديقتها "ابحثي لي عن أولادي", الا أن لهذا كله حجم من الفوائد والاشارات التي يرسيها المهرجان في لاوعي الأجياال الطالعة, التي تتربى على هذا الموسم الثقافي بكل مايقدمه.
بدأ اليوم الثاني برقصة فنية تعبيرية للثنائي الراقص "مع فرقة انانا" وعد أحمد وسامر فارس, اللذان كانا قدما في اليوم السابق رقصة أخرى أيضا, ثم استكمل بقية الشعراء القاء قصائدهم, فكانت زليخة أبو ريشة من الأردن, وحازم العظمة من سوريا, وفاطمة ناعوت من مصر التي شكرت هذا "المهرجان الرفيع المستوى.. والجهد الخرافي المبذول", وألقت قصائد جديدة. وحمزة عبود من لبنان, الذي تواصل مع الحضور برشاقة, وألقى فيما ألقى قصائد هو ذاته "مش عارف ليش كاتبها", وأثناءها خرج عن النص وتغزل بـ"هذه التلال" وبـ"حلا" عمران.
وبعد توزيع شهادات التقدير على المشاركين, اعتلى المسرح مروان عبادو الفنان والمغني الفلسطيني القادم من مهجره في فيينا, والذي كان مفاجأة المهرجان فيما ظهر من كيمياء بينه وبين من حضر, فقبل أن يعزف مقطوعة اسمها "رقصة فرح" قال ساخرا من الاعتقاد السائد عند الكثيرين بأن الفرح لا يليق بالفلسطينيين, أنه لدى الناس فكرة خاطئة عن فلسطينيي النمسا بأنهم لا يعرفون الفرح, وبأنهم غير فلسطينيي موزامبيق..وبعد أن قدم أغنية اسمها "ريشتان" من شعر "طارق الطيب" الذي كان موجودا, ألقى على الناس نكتة رمزية عن فلسطين والاحتلال, فأحد العمال الفلسطينيين كان عائدا من عمله في أراضي الـ48, توقف عند الحاجز الاسرائيلي, فارتاب جنود الحاجز من صغر حجم جسده وكبر حجم حذائه! قال لهم بأن الحذاء هدية من صاحب عمله الاسرائيلي ولأنه يكن له معـزّة يلبسه, فلم يصدق الجنود اللذين طلبوا منه خلعه والذهاب لاحضار الشاي لهم, فعاد بالشاي واذ بحذائه مبلول! سألوه هل يظن بأن سلاما ووئاما سيكون بين شعبيهم؟ فقال : لا, طالما تبولون في أحذيتكم ونبول نحن في شـايـِكـُم..
كان كل هذا يحصل بينما رشا عمران تتنقل بين الضيوف المشاركين والضيوف الحضور, تسير متوكـّأة على سيجارتها كلما وصلها صدى صوت مخـرّب من بعيد قد يفسد على الحاضرين أمسيتهم, كذلك كان أفراد أسرة المهرجان ومنهم الفنان والدكتور عصام عزالدين سليمان الذي شارك بتنظيم الحدث تاركا صفته العلمية على جنب كباقي المشاركين, فقدمت الملاجة, هذه الضيعة الصغيرة الاستثنائية بسكانها ومثقفيها نموذجا عمليا عن العمل الأهلي التطوعي, وهو ماأدى خلال السنوات السابقة الى انتشار عدوى الاحتفال الثقافي بين قرى طرطوس عامة, والقرى المحيطة بالملاجة بشكل خاص, والتي لم تؤدي بها غيرتها الايجابية بعد الى اللحاق بجارتهم الصغيرة. من هذا الجو التنافسي كان راقيا وجود باقة ورد كبيرة مقدمة من مهرجان حصين البحر الثقافي. كما قدم الجيل الشاب هنا صورة عن حضارته ووعيه واتساع أفقه الثقافي وبأنه لا يطرب ويستذوق فقط أغاني العتابا والفن الشعبي, كما أظهر المجتمع الريفي الساحلي عبر هذا الطقس الثقافي بأنه ليس كما يقدم عادة في درامانا مقتصرا على رموز رجل الأمن, وطالب الجامعة الفقير البسيط.
• الفنانون المشاركون في ملتقى النحت : ( نور الزيلع, نزار بلال, محمد بعجانو, كنانة اللكود, علي سليمان).
• الفنانون المشاركون في معرض التصوير الفوتوغرافي : ( عصام عزالدين سليمان, هشام زعويط, كمال أوغلي).
• الفنانون المشاركون في معرض الفن التشكيلي : (وائل دهان, همام السيد, نعيم شلش, نذير اسماعيل, موفق قات, مروان الكرجوسلي, محمد الوهيبي, فيصل حسن, فارس قره بت, عماد صبري, عبد العزيز دحدوح, زياد قات, باسم دحدوح, اياد بلال, أعمال الراحل وليد قارصلي).
الجمل
إضافة تعليق جديد