هل تعوّض إسرائيل فشلها بضرب سوريا وإيران؟

18-08-2006

هل تعوّض إسرائيل فشلها بضرب سوريا وإيران؟

الجمل ـ سعاد جروس : خطاب الرئيس السوري بعد وقف العمليات العسكرية في لبنان اثار عاصفة هجاء عربية, كما اثار ردود فعل لبنانية صاخبة, وقد اعتبره المراقبون محاولة لاستكمال تصفية الحساب مع قوى 14 آذار في لبنان, كما مع مصر والسعودية. ماذا ايضا في خطاب الاسد؟

في اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار ألقى الرئيس بشار الأسد كلمته في قصر المؤتمرات بمناسبة افتتاح أعمال المؤتمر الرابع للصحفيين الأسبوع الماضي, وافتتحه بالسخرية من «الشرق الأوسط الجديد» الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في الليلة التي أعملت فيها إسرائيل آلة العدوان على أرض لبنان لتعيث فيه تدميراً وخراباً. وبالتزامن مع خطاب الأسد, كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في اردبيل شمال شرق إيران, يعلن أمام حشود غفيرة: «إن «حزب الله» أحبط خططا لإقامة شرق أوسط جديد, تسيطر عليه الولايات المتحدة وبريطانيا والصهاينة».
وصباح الثلاثاء 15 آب €اغسطس€ الحالي, كانت المراسم في القصر الجمهوري ووزارة الخارجية تستعد لاستقبال وفود دبلوماسية, أولها وزير خارجية ألمانيا, ووفد يمثل منظمة المؤتمر الإسلامي للبلدان التي تنوي إرسال قوات للمشاركة في تشكيل قوات «اليونيفيل» تنفيذاً لقرار 1701, وكان متوقعاً أن يتم بحث نوع المساهمة السورية لمساعدة قوات «اليونيفيل» على منع وصول السلاح والدعم للمقاومة اللبنانية, إلا أنه وقبيل بدء عجلة الدبلوماسية بالتحرك في دمشق, ألقى الرئيس بشار الأسد خطابه محدداً فيه الخطوط العريضة لتوجه السياسة السورية بعد الهدنة, معلناً أن «القرار الوطني هو دائما أعلى من أي قرار دولى», حتى لو أدى هذا إلى القتال والحرب, مؤكداً أن «أي قرار سيصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع أو أي فصل آخر لا يهم وسيكون أمامه مصيران: إما عدم التنفيذ أو عدم الاستقرار».
وما يفهم من كلام الرئيس السوري ان سوريا لن تدخل في مساومات للمساعدة في نزع سلاح المقاومة في لبنان, فقد كان هذا الأمر مرفوضاً قبل بدء الحرب, وطوال سنتين ماضيتين منذ إصدار القرار 1559 بقي هذا العرض مرفوضاً. وحتى حين كانت سوريا واقعة تحت ضغط شديد شهد ذروته مع تصاعد تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري, وطغيان موجة العداء المتصاعدة في لبنان في اتجاه سوريا, فكيف ستقبله الآن بعد أن حققت المقاومة نصراً عسكرياً بشهادة الإسرائيليين, وبعد أن سجلت العلاقات الشعبية السورية­ اللبنانية تلاحماً كبيراً أثناء الحرب تمثل في استضافة الشعب السوري لأكثر من 300 ألف لبناني نزحوا من تحت القصف الإسرائيلي الوحشي؟ وقد أشاد اللبنانيون النازحون بكثير من عرفان الجميل بالموقف القومي لسوريا التي استنفرت كامل مؤسساتها وهيئاتها وجمعياتها وفعالياتها الحكومية والأهلية, للوقوف معهم في محنتهم. ومن زار سوريا في تلك الفترة القريبة لا يمكن إلا أن يعترف بالجهد الكبير المبذول رسمياً وشعبياً والحماس البالغ لاحتواء العدد الكبير للوافدين خلال فترة قصيرة, وتأمين حاجاتهم, الأمر الذي شكل اختباراً لقدرات سوريا على مواجهة أزمات من هذا النوع. بعدما أحرزت نجاحاً باهراً في هذه التعبئة عكست انسجاماً شبه مطلق بين الموقف الرسمي والشعبي, ما أعطى دفعاً قوياً وضع سوريا في موقع لا يقبل المساومة على دعم المقاومة, خصوصا وقد ثبت أنها كانت على صواب في موقفها. وقد اوضح الأسد ذلك بتعرضه للنقاشات السورية المتبادلة مع أطراف عربية كانت تحاول إقناعه بعدم جدوى دعم المقاومة ومما قاله: «كنا نقول لهم ان هذه المقاومة ستحرر لبنان, وكانوا يقولون انها لا تشكل أكثر من خرمشة قط... وفي العام 2000 تحرر لبنان بفضل المقاومة, وثبت بأنهم كانوا على خطأ وبأننا كنا على حق. وتكرر النقاش خلال الضغوط على سوريا في الشأن نفسه... فكان جوابنا بأن المقاومة هي قوة رادعة لأي عدوان, وكنا على حق, فالمقاومة ليست نقيض السلام ولا بديلا عنه بل هي على الأقل في ظروفنا الحالية ضرورية من أجل تحقيقه, وإلا النتيجة ستكون خسارتنا معركة الحرب وخسارتنا معركة السلام».
خطاب الأسد أثار عاصفة هجاء عربية, لم تكن أقل حدة من الخطاب ذاته, فعدا التحدي الكبير الذي أظهره الأسد لأميركا وإسرائيل والمراهنين على المشروع الأميركي, وجه نقداً لاذعاً للدول والقوى العربية التي وقفت في الخندق الأميركي في مواجهة المقاومة, وفيما قرأ كثير من المحللين الهجوم على أنه تصفية حساب مع قوى 14 آذار في لبنان والسعودية ومصر, قرأه آخرون على أنه رسالة تستند إلى الماضي لكنها ترسم ملامح المستقبل, وهي ليست تصفية حسابات بقدر ما هي وضع صيغ جديدة للحسابات السورية. وقد عقب مصدر سوري على من قال انه حاول سرقة نصر المقاومة واستغلاله سياسياً, فسوريا لم تختطف النصر, بل خرجت منتصرة في رهانها على المقاومة, من خلال محور الممانعة €إيران € سوريا€ المقاومة اللبنانية «حزب الله» €أمل € فصائل الرفض الفلسطينية€ وهذا المحور كان مستهدفاً أميركياً وعربياً, أميركياً كأحد ضرورات تنفيذ المشروع الأميركي, وعربياً خشية التمدد الإيراني في المنطقة, وكانت سوريا بإمساكها العصا من الوسط تحاول الموازنة بين محورين, محور ممانعة إقليمي, ومحور دبلوماسي عربي, ايماناً منها بأهمية الحفاظ على الالتحام بمحيطها العربي, لكن في المعركة الأخيرة, وبعد عملية الاصطفاف الحاصلة, وقيام الدول العربية بعزل سوريا, وترك المقاومة وحيدة في مواجهة أميركا وإسرائيل وحتى المجتمع الدولي, أدركت سوريا أن ساعة الحرب عليها قد حانت, ولن تجد أياً من العرب في جانبها, وسيتكرر معها الأمر ذاته الذي حدث أثناء احتلال العراق, ما جعل الرئيس الأسد يعلن الطلاق مع المحور الدبلوماسي العربي فاتحاً عليه النار, فتحدث عن «انصاف مواقف» و«انصاف رجال», محذراً من الافتراق المستمر بين المواقف الرسمية والمواقف الشعبية ومما قاله: «الشعب العربي انحاز الى جانب المقاومة وتحدانا كمواقف رسمية», وقال إن هذا الافتراق يكرس حالة اللااستقرار, فإذا أراد الحكام الاستقرار لبلدانهم عليهم الانحياز للشعب المنحاز للمقاومة كأساس للاستقرار في هذه الظروف, وخصوصا بعد «الحرب على العراق ومخططات التفتيت المطروحة في المنطقة».
هذا الكلام الذي يعيده الأسد على مسامع العرب اليوم, سبق وقاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة عشية الحرب على لبنان, وقوبل بانتقادات لاذعة من الوزراء العرب وصل حد الشتيمة, وتكرر على نحو أقل حدة في اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت عشية إعلان الهدنة, عندما طلب المعلم أن يتم توجيه تحية للمقاومة, وكانت حجة الرفض, لماذا تدعم سوريا المقاومة في لبنان, ولا تنشئ مقاومة في سوريا لتحرير الجولان؟ المأخذ الذي أخذه منتقدو سوريا من المعارضة والعرب في الأردن والسعودية ومصر وحتى أبعد دولة عربية, فالسؤال المحير دائماً, لماذا جبهة الجولان باردة؟
محلل سياسي سوري طلب عدم ذكر اسمه قال لـ«الكفاح العربي» في هذا الخصوص, إن سوريا ربما تكون أخطأت في تصديق الوعود الغربية سواء قبل مدريد أو بعدها, وإخضاع استرجاعها إلى مفاوضات ترعاها أميركا, ما أدى إلى تبريد جبهة الجولان وإخراجها من الحلول العسكرية, وهي تدفع ثمن ذلك الآن, مما دفعها إلى الإبقاء على جبهات أخرى مفتوحة عبر ربط قضايا الأراضي المحتلة في فلسطين ولبنان وسوريا ضمن ملف واحد, وهو ما حاولت إسرائيل دائماً تفكيكه لتتوصل الى أكبر قدر من المكاسب بأقل قدر من الأثمان. ومشكلة سوريا أن الأطراف العربية ذات الصلة تجاوبت مع إسرائيل ورضيت بشروط مجحفة لاتفاقيات سلام منفردة مع إسرائيل, فيما ساعدت سوريا على دعم المقاومة لتحرير جنوب لبنان, توقعت أن يبادلها لبنان بالمثل ويساعدها في تحرير الجولان, ولو عن طريق الدبلوماسية والالتزام بوحدة المصير, لكن قوى 14 آذار وقفت في وجه هذا التوجه في محاولة دائبة للتحلل من هذا الاستحقاق.
وبالعودة إلى موضوع الجولان, يبدو من الصعب على سوريا إنشاء مقاومة هناك لأن ذلك قد يؤدي الى حرب مواجهة نظامية بين سوريا وإسرائيل, غير مضمونة النتائج, بل قد تكون خطرة, بعدما ثبت أن نمط حرب العصابات هو النموذج الوحيد الفعال والناجح في خوض المعركة مع جيوش قوية كالجيش الإسرائيلي, كما ان حرب العصابات لا يمكن خوضها من الأراضي السورية. من هنا يعتبر المسؤولون السوريون دعوات فتح جبهة الجولان هو جر سوريا الى معركة خاسرة, تتمناها أطراف دولية وحتى عربية كثيرة لإضعاف سوريا, أو حتى للتخلص منها, كما جرى مع العراق. لذا فإن البدائل السورية تتمثل في الأهداف المشتركة بين سوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين بتحرير الأراضي المحتلة والتوصل الى سلام عادل وشامل, وهو ما يلقى رفضاً رسمياً عربياً, كان في السابق مكتوماً إلا أنه ظهر للعلن وبشكل سافر في المعركة الأخيرة.
من هنا يمكن فهم قول الأسد «بعد كشف هذه المواقف والفرز الذي حصل بدأت المعركة الحقيقية وبكل تأكيد الآن بدأت المعركة من لبنان», فـ«حزب الله» انتصر في المعركة العسكرية مع اسرائيل و«ينبغي علينا أن نربح المعركة السياسية». وهو ما اعتبره الصحفي البريطاني روبرت فيسك «الحقيقة التي لم يقلها أي من الحكام العرب خلال الاسابيع الخمسة الماضية».
والمعركة مع سوريا بدأت, أو ربما استؤنفت, مع إلغاء وزير الخارجية الألماني زيارته إلى دمشق في اللحظات الأخيرة, ومن بعدها توالت ردود الفعل الدولية بدءاً من واشنطن وإعلان الرئيس الأميركي جورج بوش أن الولايات المتحدة لن تسمح لسوريا وإيران المتهمتين بتقديم الدعم العسكري لـ«حزب الله» بتقويض عملية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط, داعياً إلى أن تتوقف الدولتان عن «تقديم الدعم للإرهابيين», ومن ثم قيام الخزانة الأميركية بتجميد الأصول المالية لاثنين من مسؤولي الاستخبارات السورية في الولايات المتحدة, رئيس مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية لحزب البعث هشام الاختيار واللواء جامع جامع, بتهمة قيامهما بدور رئيسي في سياسات دمشق الداعمة للإرهاب وزعزعة استقرار الشرق الأوسط. كما طالبت فرنسا على لسان وزير خارجيتها دوست بلازي سوريا بالالتزام بتنفيذ القرار 1595 الخاص بالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري, إلى جانب انطلاق حملة إعلامية شعواء ضد سوريا في السعودية ومصر والأردن ولبنان, تستعيد زخم الضغط الدولي الشديد الذي تعرضت له سوريا خلال العامين الماضيين إثر اغتيال الحريري.
في هذه الأجواء لم يمنع الارتياح الكبير للنتائج التي حققتها المقاومة على الأرض, الحسابات السورية من زيادة احتمالات قيام إسرائيل وأميركا بتوجيه ضربة الى سوريا وإيران لتعويض الفشل في لبنان, ونقلت وكالة الأنباء الروسية عن عمداء في الجيش السوري, عدم استبعادهم إمكانية بدء العمليات العسكرية بين سوريا وإسرائيل, فالحرب دائرة في المنطقة قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان, ولكن بأساليب أخرى سياسية ودبلوماسية. وفي هذا الإطار نقلت قناة «المنار» ان سير عمليات الحرب على لبنان وفشل إسرائيل في تحقيق انتصارات فعلية على «حزب الله», دفع الى قيام أوساط أميركية وإسرائيلية بتداول الخطة التي جرى إعدادها لتوجيه ضربة لسوريا وإيران, مع تقارير وصور ادعت واشنطن وتل أبيب إنهما حصلتا عليها عبر الأقمار التجسسية تظهر بوضوح تغييرات تكتيكية عسكرية في مناطق حدودية مع إسرائيل, إضافة الى معلومات تحدثت عن زيارات سرية قام بها خلال الأسابيع الأخيرة ضباط كبار في مختلف أسلحة الجيش الإيراني إلى سوريا, وأيضا في ضوء المعلومات المتحدثة عن تمكن ايران من تزويد سوريا بنظام إطلاق صاروخي متطور من تطوير الصناعات العسكرية الإيرانية, وان فرقاً من الجيش السوري تلقت تدريبات على النظام الدفاعي الصاروخي في الأراضي الإيرانية.
ويبدو طبيعياً والحال هذه اتهام إسرائيل سوريا في ردها على خطاب الأسد بأنها اختارت الانضمام إلى معسكر التطرف الذي يشمل ايران و«حزب الله» وحركتي «حماس» و«الجهاد» بعد الفشل الذي منيت به إسرائيل في لبنان يشير هذا الاتهام الى أن إسرائيل ما زالت تستبعد العودة الى عملية السلام, على الرغم من تصاعد أصوات إسرائيلية عدة بالعودة إليه, بعدما ثبت عقم الحلول العسكرية.
في ضوء ما يجري, تشكلت قناعة سورية بأن مخططاً معداً سلفاً يتم تنفيذه, حدده الأسد في ثلاثة مسارات؛ المسار الأول: القرار 1559 واغتيال الرئيس الحريرى والضغوط على سوريا والمقاومة من أجل الاذعان. المسار الثاني: فشل الاحتلال الاميركي في العراق. المسار الثالث: دفن عملية السلام والانتقال الى الخيار العسكري لاخضاع العرب ,ومن ثم كنتيجة طبيعية إعفاء إسرائيل من كل التزاماتها تجاه العرب. استناداً إلى هذا الواقع, لا يبقى أي خيار أمام العرب سوى طريق المقاومة, والتمسك بمحور الممانعة, والتحالف الاستراتيجي مع إيران. واختيار سوريا هذا الطريق لم يأت بعد فشل إسرائيل في لبنان مؤخراً, لكنه تعزز أكثر ولم يعد في حاجة الى غطاء عربي, بعد وصول سوريا الى قناعة بأن الدبلوماسية العربية ليس لها أي وزن في المحافل الدولية, وأنه لولا منجزات المقاومة على الأرض, لما تم تعديل القرار 1701 الذي خرج بشكل أقل سوءاً مما أرادته إسرائيل وأميركا.
 

بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...