هواجس مسيحيي الشرق بالأرقام

24-11-2011

هواجس مسيحيي الشرق بالأرقام

يقف المسيحيون المشرقيون في زمن الثورات العربية على منعطف لا يدركون نهاية الطريق الموصل إليه، فهم من جهة، مواطنون عرب يطمحون الى الحرية والإصلاح والتغيير، ومن جهة ثانية، أقلية دينية تعيش في بحر إسلامي وعربي، ينتج الى جانب الثورات، ظواهر دينية متطرفة، ما يؤدي الى تأجيج مخاوفهم من أن يتوج «الربيع العربي» بأنظمة أصولية تتعامل معهم «كأهل ذمة»، وبالتالي تجعلهم يترحمون على أنظمة الاستبداد.
لا تلقى هذه الهواجس «المشرقية» الصدى المطلوب لدى «الغرب المسيحي» بحسب التوصيف الشائع، فالاتحاد الأوروبي مثلا لم تصل إليه لغاية اليوم الهواجس المشرقية، وإن وصلت فهي لا تلقى صداها. هذه الحقيقة يمكن رصدها من القنوات الدبلوماسية الأوروبية ومن مؤتمرات عدة، وآخرها مؤتمر الاتحاد الأوروبي ومستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط، الذي انعقد في جامعة الروح القدس الكسليك في الأسبوع الفائت.
في العقل الأوروبي «أن المسيحيين مساوون للعرب والعرب هم مسلمون»، بحسب كاهن بولوني، قال لـ«السفير» إن ما يهم الأوروبيين «هو ألا تتعرض هذه الأقلية المسيحية في الشرق إلى القتل أو الاضطهاد تجنباً لأي ضرر «معنوي» على دولهم»، أما دور المسيحيين السياسي «فتضمنه الأنظمة الديموقراطية، والأوروبيون على استعداد للتعامل معها مهما كان شكلها».
حتى الديموغرافيا المسيحية المتراجعة بشكل ملموس، لا يبدو أنها تهز وجدان مسيحيي أوروبا. في بيت لحم مثلا كان عدد الكاثوليك 700 فبلغ عددهم 100 بحسب بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، وفي سوريا لا تتعدى نسبتهم الـ6 في المئة، أما في العراق، فقد نقص العدد من مليون و350 ألفا عام 1988 إلى 450 ألفا اليوم، أما حال الأقباط في مصر، فمستمرة بالتدهور السريع بعد «ثورة يناير» بشهادة مطارنة وباحثين ومواطنين أقباط، ومنهم رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان نجيب جبرائيل الذي استدعيَ أثناء وجوده في لبنان يوم السبت الفائت، للتحقيق معه من قبل النيابة العامة في القاهرة في «حوادث ماسبيرو» التي وقعت في العاشر من الشهر الفائت.
يقول جبرائيل لـ«السفير» «يبدو أنه سيتم اتهامي بالمشاركة في تلك الحوادث على الرغم من أنني كرئيس لمنظمة حقوقية كنت أرصد ما يجري فحسب، لكن القصد من ذلك هو إسكات أي صوت قبطي مطالب بحقوق الأقباط».

الربيع العربي» شتاء المسيحيين؟»

أحوال أقباط مصر بعد الثورة، تثير أسئلة مسيحية حذرة في باقي الأقطار العربية، ويقول نجيب جبرائيل لـ«السفير» إن التيارات الدينية في مصر من «الإخوان» و«السلفيين» استطاعت أن تمتطي جواد الثورة محاولة إقصاء القوى الليبرالية وبينهم الأقباط، وقد تعرض هؤلاء منذ «ثورة يناير» ولغاية اليوم إلى أكثر من 16 حادثة، بينها هدم 6 كنائس وقتل أكثر من 20 قبطياً في إمبابة والمقطم، ولا ننسى ما حدث في مذبحة «ماسبيرو» في الشهر الماضي على يد الجيش المصري من هرس وقتل بالرصاص لـ28 قبطياً، ووقوع أكثر من 350 جريحاً برغم أنهم كانوا يقومون بتظاهرة سلمية مطالبين فقط بحرية بناء كنائسهم وعدم الاعتداء على مقدساتهم».
يضيف: «يشعر الأقباط أن الثورة المصرية ليست ثورتهم وأنهم غرباء في وطنهم، ما أدى إلى ازدياد هجرتهم، وقد رصدت منظمتنا الحقوقية هجرة أكثر من 100 ألف قبطي من خيرة الشباب إلى أوروبا وأميركا وأستراليا وكندا خوفاً من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم».
ويروي جبرائيل أن المتشددين السلفيين أعلنوا صراحة «أنه لن يُسمح ببناء أي كنيسة في مصر، وإذا هدمت لن يعاد بناؤها، وأن الأقباط لا بد أن يدفعوا الجزية، وأعلن «الإخوان» من جهتهم أنه لا يجوز لأي قبطي الترشح لرئاسة الجمهورية ولا للوظائف الحساسة في البلد، عملاً بالقاعدة الإسلامية أنه لا ولاية لغير المسلم على المسلم، وأيضاً لا توجد في مصر حرية عقيدة، فمن غير المسموح بالتحول الديني إلا إلى الإسلام فحسب».
وعن رأيه بهواجس المسيحيين في سوريا، يجيب «بصراحة أنا أخشى سقوط النظام في سوريا لأن المسيحيين سوف يُضطهدون أكثر».
إلا أن مدير تحرير صحيفة «العالم اليوم» سعد هجرس، وهو من المدافعين عن حقوق الأقباط المصريين، يرفض بحزم استقواء المسيحيين «بالأنظمة الاستبدادية»، كما يصفها، حتى لو كانت علمانية. يقول هجرس «ثبت أن الديكتاتورية والاستبداد هما أكبر العناصر الراعية للطائفية في البلدان العربية كلها، حتى في سوريا، بدليل أن أحد الأسلحة التي يستخدمها النظام هي التلويح بسلاح الطائفية والزعم بأنه إما يبقى هو أو تغرق البلاد في حرب طائفية، وهو الكلام ذاته الذي طالما ردده نظام حسني مبارك».
ويلفت هجرس الانتباه إلى أن الخوف يقع على المسيحيين والمسلمين العرب على حدّ سواء، لكن الخوف مضاعف على المسيحيين نتيجة ارتفاع النغمة الطائفية والعنصرية في العالم العربي بالتوازي مع انتشار المدّ الأصولي الإسلامي ومحاولات عرقلة أو إجهاض الربيع العربي، «والمسؤولية الأساسية، هنا، لا تقع على عاتق المسيحيين إنما على عاتق الأغلبية المسلمة، لأن الاضطهاد يقع من الأغلبية على الأقلية».
من جهته، يقول النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك المطران يوحنا كولتا لـ«السفير» إنه «يمكن للتيار الإسلامي أن ينال سلطة ما في المستقبل لكنه لن ينجح لأنه تاريخياً لا توجد دولة دينية نجحت في العالم لا في الشرق ولا في الغرب». ويتوجه للاتحاد الأوروبي قائلاً: «إذا أراد الاتحاد الأوروبي مساعدتنا فليساعد الفقراء المسلمين، تنمية الأقباط تبدأ بتنمية الطبقة الفقيرة المسلمة التي تشكل أكثر من 70 في المئة من المجتمع. المضطهدون من الفقراء المسلمين يفوقون الأقباط عدداً. الاهتمام بالأقباط فحسب هو خطر والاهتمام بالنظام فحسب خطر أيضا، فالاهتمام الأوروبي يجب أن ينصب على الشعب بأكمله من مسلمين ومسيحيين».

مسيحيو سوريا والعراق

هل من مبرر لخوف المسيحيين من ربيع عربي إسلامي يقضي على التعايش، في حين نجحت الأنظمة العلمانية الطابع بالحفاظ على حقوق الأقليات؟ يجيب البطريرك غريغوريوس الثالث لحام ان المسيحيين «ليسوا هدفاً في هذه الثورات، فالهدف هو تبديل أنظمة من أجل حرية أفضل للإنسان العربي المسيحي والمسلم. أما إذا وجد خوف لدى البعض، فمرده الى الصراعات السياسية العربية والإسلامية الإسلامية». وينبه لحام الى أن «الخوف يكمن في حصول فوضى، وألا يكون بديل عربي صحيح عما هو قائم ومسألة الحريات تشغل المسلمين كما المسيحيين وبالتالي من غير المجدي وضع المسيحيين وكأنهم غاية أو كأنهم مستهدفون».
وينفي لحام ما تروجه وسائل إعلامية عربية أو غربية حول موجات تهجير للمسيحيين في بعض المناطق السورية، ويقول لـ«السفير» «هذا الكلام غير صحيح البتة، فبعض المسيحيين في حمص والقصير وبعض المناطق الأخرى انتقلوا الى مناطق أخرى لهم فيها اقارب وذلك بإرادتهم تحسباً منهم لما يمكن أن ينشأ من مناوشات بين الفئات المختلفة». يضيف: «لسان حال المسحيين السوريين أنهم مواطنون كسواهم، ليست لديهم قوة سياسية ولا اسلحة، وهم يقفون الى جانب الإنسان العربي السوري. لكن نحن لدينا أساليب مختلفة لمطالبة الرئيس بشار الأسد والحكومة بما يطالب به المواطنون الآخرون بالكتابة والحوار وما الى ذلك من أساليب سلمية». ويلفت البطريرك لحام النظر الى أن الهجرة المسيحية في سوريا هي أقل من هجرة لبنان، «كانت الهجرة اللبنانية بين العامين 2006 و2010 مليون لبناني أكثريتهم من المسيحيين، في حين أن هجرتهم هي الأقل في العالم العربي، ويبلغ عدد المسيحيين في سوريا زهاء مليون و750 ألفاً، وهم لم يزيدوا كثيراً عن السبعينيات لأن نسبة الإنجاب ضئيلة وكذلك الهجرة، ونسبة المسيحيين اليوم لا تزيد عن 6 في المئة في حين كانت 13 في المئة، لكن تضاؤل النسبة يعود فقط الى عدم الإنجاب وليس إلى أي شيء آخر». ويشير الأمين العام للحزب الديموقراطي الكلداني في العراق، عبد الأحد أفرام ساوار، إلى أن عدد المسيحيين في العراق «نقص بشكل مؤلم، ففي حين وصل الى مليون و350 ألفاً بحسب التعداد السكاني لعام 1988 بات اليوم نتيجة الهجرة 450 ألف نسمة متواجدين في بغداد والموصل والدهوك وأربيل والبصرة وبابل، والعديد من المدن العراقية».
كم هو الخوف مبرر من أنظمة إسلامية متطرفة؟ يقول عبد الأحد أفرام ساوار: «نظام صدام حسين كان مركزياً ومتشدداً وأصاب المسيحيين وغيرهم بالويلات والأذى، وبعد سقوطه جاء الجيش الأميركي وحُل الجيش العراقي وأصبح العراق أرضاً مفتوحة لتصفية الحسابات بين منظمة «القاعدة» والأميركيين، ودخلت العراق مجموعات إرهابية مختلفة استهدفت المسيحيين في شكل خاص لأنهم كانوا الحلقة الأضعف في المجتمع العراقي، وكذلك استهدفت فئات أخرى، لكن المسيحي بدا وكأنه لقمة سائغة»، ويختم «إذا كانت الثورات ستحمل الديموقراطية والحريات، نحن جزء لا يتجزأ منها، لكننا نخاف من إتيان أنظمة أكثر تطرفاً عندئذ تنقلب الآية وتتحول الأحلام الوردية الى كوابيس حالكة والى مآس».

مارلين خليفة

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...