رمضان سورية الساخن
الجمل: شهدت بعض المناطق السورية المضطربة ، وتحديداً مدن حماة ودير الزور، إضافة إلى بعض مناطق ريف دمشق، قيام السلطات السورية بالمزيد من الإجراءات الوقائية الفاعلة التي هدفت لإجهاض موجات العنف السياسي ـ الديني الرمضاني قبل وقوعها، وفي هذا الخصوص تبرز المزيد من الأسئلة: لماذا قيام السلطات السورية بهذه الحملة، وما هي ردود الأفعال الداخلية والخارجية، وما هو تأثير هذه العمليات على ملفات وسيناريوهات الأسابيع القادمة؟
* بيئة الصراع السوري: توصيف التطورات الجارية
سعت المعارضة السورية إلى إشعال الاحتجاجات السياسية، وبالمقابل سعت السلطات السورية إلى المطالبة بالتهدئة والجلوس على طاولة هيئة الحوار الوطني، من أجل التفاهم على الإصلاحات المطلوبة وكيفية إنفاذها، خاصة أنها مقبولة بواسطة الطرفين. ولكن المتشددون في المعارضة السياسية السورية سعوا لجهة التأكيد على الآتي:
• رفض الحوار تحت مزاعم أن وقته قد انقضى.
• التشكيك في مصداقية الإصلاحات تحت مزاعم أنها لن تحدث.
• التأكيد على ضرورة إسقاط النظام كحل وحيد.
• التأكيد على مواصلة التصعيد.
• تحديد شهر رمضان الحالي كإطار زمني لجولة المواجهة الحاسمة.
وبالمقابل لذلك، فقد سعت السلطات السورية لجهة القيام بالمزيد من الإجراءات الفاعلة، والتي كان من أبرزها:
• على مسار الإجراءات العلاجية: إصدار قانون الأحزاب ـ وقانون الانتخابات ـ وقانون الإعلام، إضافة إلى التأكيد على أن بقية الإصلاحات سوف تصدر قوانينها تباعاً بما في ذلك قانون الإدارة المحلية.
• على مسار الإجراءات الوقائية: نفذت السلطات السورية المزيد من عمليات التمشيط ومصادرة الأسلحة التي تم تهريبها مؤخراً إلى سوريا، إضافة إلى المزيد من عمليات تفكيك شبكات التهريب وتمرير الدعم الخارجي للخلايا النائمة والناشطة التابعة للمعارضة السورية وعلى وجه الخصوص المرتبطة بالأطراف الخارجية.
بسبب تهديدات المعارضة السياسية الواقعة تحت نفوذ وسيطرة جماعة الإخوان المسلمين السورية، القائلة بأن شهر رمضان سوف يكون الأكثر نشاطاً في تصعيد فعاليات حركياتها الاحتجاجية، فمن المتوقع أن تستمر السلطات السورية في انتهاج المزيد من الإجراءات الوقائية والعلاجية الرامية إلى احتواء مخاطر انفلات هذه الفعاليات الاحتجاجية على النحو الذي يمكن أن يستصعب معه التحول باتجاه الانتقال نحو المزيد من العنف السياسي المرتفع الشدة، والمصحوب بتسلل المسلحين وإنفاذ عمليات احتلال الشوارع واستهداف الممتلكات العامة والخاصة على غرار ما حدث في مناطق جسر الشغور ومعرة النعمان وغيرها.
* ردود الأفعال الخارجية: صورة المعارضة السورية بين الثبات والاضطراب
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مؤخراً تقريراً فائق الأهمية، سعت من خلاله الصحيفة إلى تحليل واقع ومضمون المعارضة السياسية السورية، وفي هذا الخصوص فقد وصف التقرير المعارضة السورية، بالعديد من النعوت السالبة، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن تلخيص أبرز النقاط الواردة في التحليل على النحو الآتي:
• ظلت المعارضة السورية على مدى أكثر من 18 أسبوعاً وهي تقوم بدفع بعض الناس من أجل التظاهر في الشوارع السورية.
• بدا واضحاً أن المعارضة السورية تفتقر إلى التنظيم والاستراتيجية إضافة إلى الافتقار للقيادة.
• تفتقر الاحتجاجات التي تدور حالياً في سوريا إلى الإجماع، وما بدا أكثر وضوحاً هو أن هذه الاحتجاجات لم تحدث بفعل كفاءة أو فعالية المعارضة، وإنما بفعل تأثير انتقال ضغوط عدوى الاحتجاجات التونسية والمصرية.
• لم يكن مطلب استهداف النظام مطروحاً في بدايات الاحتجاجات، والتي كان يغلب عليها الطابع المحلي أو الطابع العمومي، ولكن لاحقاً سعت المعارضة السورية إلى الدفع باتجاه إعادة تأطير الاحتجاجات ضمن نموذج استهداف النظام، الأمر الذي لم يكن مطروحاً بالأساس عند بدء الاحتجاجات.
• سعت المعارضة إلى تصعيد وتائر الصراع بشكل غير مسبوق، وفي هذا الخصوص فقد أدت المواجهات الدامية التي أشعلتها المعارضة في مدينة حمص ـ منطقة جسر الشغور ومعرة النعمان وإدلب إضافة إلى حماة ودير الزور ـ إلى تزايد مخاوف أغلبية المواطنين السوريين ـ وعلى وجه الخصوص في المراكز الحضرية الكبيرة مثل دمشق وحلب ـ لجهة أن تزايد فعاليات المعارضة السورية بهذه الطريقة سوف لن يترتب عليه سوى إدخال سوريا في نفق محرقة الحرب الأهلية.
هذا، وأضاف تقرير الواشنطن بوست قائلاً بأن أمريكا قد اتخذت موقفاً خاصاً بها، بحيث وإن كانت تصنف دمشق من بين خصومها، فإنها سعت إلى التخفيف من تورطها الكامل، واكتفت بالحديث عن دعم المعارضة وترك الأمر للسوريين لكي يقرروا ما يريدون ويرغبون. وإضافة لذلك أشار تقرير الواشنطن بوست إلى إدراك خصوم دمشق الرئيسيين في واشنطن، مستشهداً بما كتبه خبير اللوبي الإسرائيلي المعني بالشأن السوري في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أندرو تابلر، والذي بفعل رغبته الشديدة في إنفاذ سيناريو استهداف دمشق، وتحت وطأة إدراكه الشديد بمدى ضعف وتفكك المعارضة السورية، فقد كتب على الموقع الالكتروني الخاص بالمعهد مطالباً بضرورة أن تعمل المعارضة السورية على تجميع أطرافها وضمها إلى بعضها البعض.
كما تحدث تقرير الواشنطن بوست عن مدى نفور الأعداد الكبيرة من السوريين الموجودين في الخارج، إزاء تقديم الدعم والسند لرموز المعارضة السورية الخارجية، وفسر التقرير ذلك على أساس اعتبارات أن هؤلاء السوريين شاهدوا ما حدث في العراق وبالتالي فهم غير راغبين في دعم فعاليات هذه المعارضة طالما أن هناك شكوكاً كبيرة تسيطر عليهم إزاء احتمالات أن تقوم هذه المعارضة بدفع سوريا في نفق الاحتلال الأجنبي، على غرار ما فعلته المعارضة العراقية الخارجية.
تحدث تقرير الواشنطن بوست واصفاً المعارضة الخارجية السورية بأنها أدركت سبب نفور المهاجرين السوريين من دعمها، واكتفائهم بمتابعة التطورات الجارية في الداخل وترك الأمر للسوريين الموجودين في سوريا لكي يقرروا بيدهم وبنفسهم ما يريدون.. أما المعارضة الخارجية السورية فلكي تحصل على دعم السوريين الموجودين في الخارج، فقد لجأت ـ بالتعاون مع الأطراف الخارجية الراعية لها ـ إلى عقد مؤتمر اسطنبول، والسعي لربط فعاليات المؤتمر بشكل متزامن مع مؤتمر معارضة داخلي وذلك على النحو الذي يقضي على شكوك السوريين ويخلق انطباعاً قوياً في أذهانهم، بأن المعارضة السورية الداخلية والخارجية يمثلان شيئاً واحداً.
على خلفية أحداث الأمس وأول أمس، برزت المزيد من التصريحات الجديدة، والتي وإن كان من بينها تصريح وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، فقد كان أبزرها تصريح الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، الذي جاء متزامناً مع مطلع شهر رمضان الكريم، والذي قال فيه بأنه يؤيد ويساند شعار القضاء على دمشق، الأمر الذي يؤكد مدى اهتمام تل أبيب بفعاليات المواجهة الرمضانية التي ظلت وما زالت المعارضة السورية تنظر إليها باعتبارها سوف تمثل اللحظة الحاسمة!
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
معارضة غبية
نص الاتفاقية بين آلان جوبيه
إضافة تعليق جديد