مندوب سـوريا لوزراء الجامعـة العربيـة: مـن يطالبـنا بالإصـلاح لا يمـلك دسـتوراً
لم يمض اجتماع المجلس الوزاري العربي بهدوء كما أوحى البيان الذي استخلص منه، وانتهى إلى دعوة لقيام الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي بزيارة عاجلة لدمشق، طلبها قبل موعد عيد الفطر، لكن من دون أن يلقى جوابا من القيادة السورية بعد.
ونقل دبلوماسيون عرب ان عددا من الوزراء مندوبي الدول العربية دخلوا وفي تصورهم ورقة محددة بخصوص سوريا، اصطلح على تسميتها إعلاميا بالمبادرة، وكانت في الأصل مجموعة من الأفكار التي وضعها الجانب القطري، وحازت قبولا مبدئيا من الدول الخليجية، كما من بعض الدول العربية الأخرى التي تنتمي تقليديا لـ«معسكر» واحد. وقالت مصادر حضرت الاجتماع ان الورقة تضمنت أفكارا أسوأ من تلك التي تضمنها مشروع قرار مجلس الأمن المعد أوروبيا، وشكلت أفكارها «تدخلا سافرا في الشأن الداخلي السوري»، مضيفة انها بدت كأنها معدة «لتنال رضا طرف معين فقط دون حتى الاعتراف بوجود طرفين» ومن بين أفكارها التي رفض المصدر ذكرها كلها العمل لانتخاب برلمان انتقالي يتعهد بنقل السلطة «سلميا» كما الاعتراف «بالتنسيقيات» المجهولة الهوية والتركيب حتى اللحظة، اعترافا رسميا. . وهو الأمر الذي استدعى ردا عنيفا من المندوب السوري يوسف الأحمد، الذي سخر من دعوة بعض الدول للإصلاح في سوريا وهي لا تسمح بمناقشة فكرة وجود دستور بحد ذاتها.
وقدم الأحمد في مداخلته توضيحا لما شهدته سوريا خلال الفترة الماضية وقال «حين انطلقت الأزمة الحالية في سوريا في منتصف شهر آذار الماضي، كان تقييم القيادة وأجهزة الدولة السورية لها أنها تحركات احتجاجية شعبية تعكس مطالب المواطنين في توفير مناخ أوسع من الحريات الأساسية وتحسين واقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية وقد تجاوبت القيادة والحكومة في سوريا مع المطالب الشعبية المحقة من خلال سلسلة من الإجراءات وعبر إصدار حزمة من القوانين والإعداد لحزمة أخرى كانت ولا تزال تسعى بمجملها إلى تحسين ظروف الحياة، وفتح الباب أمام حوار وطني حقيقي يجمع أطياف ومكونات المجتمع السوري، وإلى ترسيخ المزيد من الحريات السياسية والاقتصادية والإعلامية والحزبية، وتوفير فرص عمل جديدة وتحسين ظروف العمل والأجور، ومحاربة الفساد، وتعزيز مبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين جميع فئات وأطياف المجتمع السوري».
واضاف الأحمد «في البداية، أسهمت هذه الخطوات والإجراءات الإصلاحية في توقف موجة التحركات الشعبية في العديد من المدن وتراجعها الملحوظ في مناطق أخرى، لكن ذلك تزامن مع ظهور مريب لنشاط أشخاص خارجين عن القانون وجماعات ذات خلفيات دينية وحزبية معروفة تمركزت في المدن والمناطق السورية الحدودية، وحرضت على الدخول في مواجهات عنيفة ومسلحة مع الشرطة والمؤسسات الوطنية المسؤولة عن حماية أمن البلاد وهي مواجهات لا تندرج على الإطلاق تحت تصنيف التظاهرات والاحتجاجات السلمية، بل كانت استغلالاً بشعاً ووحشياً لشعارات التظاهر السلمي والمطالب المشروعة تختفي وراءه جماعات إرهابية وعصابات مسلحة والكثير من الخارجين عن القانون، في سعي إلى خلط الأوراق واستغلال الأجواء السائدة في المنطقة، والعمل على تأجيج الفتنة وإشعال الفوضى في البلاد، واستهداف المدنيين وقوات الأمن والجيش بالقتل والتعذيب والتمثيل بالجثث، وتخريب الأملاك العامة والخاصة، وترهيب الناس وابتزازهم وإجبارهم على عصيان الدولة وعلى إغلاق محالهم ومصالحهم التجارية والصناعية والخدمية تحت طائلة التهديد بحرقها وتخريبها، وإرهاب العائلات ومنعها من ممارسة الحياة الطبيعية واستهداف أمنها وشعورها بالطمأنينة، وإقحام الأطفال والمراهقين من الفئات العمرية الصغيرة في تظاهرات كانت تشهد استخدام هذه الجماعات للأسلحة النارية بشكل عشوائي بحق المدنيين وعناصر الأمن والجيش. هذا إلى جانب التخطيط والتنفيذ لعمليات إرهابية تخريبية تستهدف خطوط الغاز والنفط والكهرباء والسكك الحديدية، وقطع الطرق الدولية والطرق الرئيسية داخل المدن لشل الحياة فيها وقطع أوصال البلاد ومنع الناس من ممارسة أعمالهم وحياتهم الطبيعية. أما الأخطر فكان رفع شعارات وبث أخبار كاذبة تحرض كلها على الفتنة الطائفية البغيضة، وكذلك استخدام دور العبادة للتحريض الطائفي والمذهبي وإطلاق الدعوات التكفيرية ودعوات الجهاد تستهدف الدولة ومن يؤيدها، ودعوات إقامة الإمارات الإسلامية في بعض المناطق، وقد كانت هذه الجماعات الإرهابية المسلحة ولا تزال تتلقى توجيهات وفتاوى خارجية بضرورة استثارة مشاعر الرأي العام في الداخل والخارج حتى لو كان الثمن سقوط الضحايا الأبرياء من المدنيين والعسكريين ورجال الشرطة. وأشير في هذا السياق إلى أن عدد الضحايا في صفوف الجيش وقوى الأمن قد بلغ حتى الآن 600 شهيد و2000 جريح ما زال معظمهم في المستشفيات وقد أصيب ثلثهم بعاهات دائمة».
وتابع الأحمد قائلا إنه «في هذا السياق أود التأكيد رداً على الحملات الإعلامية المغرضة التي استهدفت الدور الوطني والقومي للجيش العربي السوري في حماية أمن الحدود والأرض والوطن والمواطن، أن القطع العسكرية التي تدخلت لحماية أمن المواطنين وفرض الاستقرار في المدن والمناطق التي شهدت بعض الاضطرابات إنما كانت متمركزة في جوارها أصلاً، لكونها مدناً ومناطق حدودية بعضها على تماس مباشر مع قوات العدو الإسرائيلي، إضافة إلى كونها مناطق استغلتها تلك الجماعات لتهريب السلاح والأفراد وتسهيل الاتصال والتنسيق وتلقي الأوامر عبر الحدود مع جهات تحرض وتمول وتخطط من الخارج. وفي النهاية، فإن الجيش العربي السوري هو جيش وطني يتحرك ويمارس مهامه داخل الأراضي السورية من أجل حماية الأمن والاستقرار وسلامة الحدود والأرض».
وأوضح السفير الأحمد أن «السلطات السورية باتت تملك اليوم معلومات موثقة عن التمويلات التي تتلقاها هذه الجماعات داخل سوريا وخارجها من جهات ومؤسسات وشخصيات وقطاعات اقتصادية وتجارية البعض منها موجود في بلاد عربية شقيقة». وتابع قائلا «رغم كل ذلك فإننا في سوريا ماضون في طريق الإصلاح الذي أعلنته القيادة السورية وفي تلبية المطالب المشروعة لمواطنينا».
ودعا الأحمد جامعة الدول العربية إلى أن» تتمثل وترتفع إلى مستوى موقف روسيا الاتحادية التي تتصدى داخل مجلس الأمن الدولي لسعي الولايات المتحدة والقوى الغربية من أجل جعل ذلك المجلس مجرد أداة للتدخل في شؤون الدول واستهداف سيادتها وقرارها الوطنيين... لكننا في المقابل، كنا نتوقع من بعض الأشقاء العرب أن ينظر إلى ما تشهده البلاد من أحداث مؤسفة بعينين اثنتين وليس بعين واحدة موجهة، وأن يسمع بأذنين وليس بأذن واحدة منحازة، وأن ينطق بشهادة الحق والعدل والميزان، وأن يمارس دوراً إيجابياً وبناء ينصب على تشجيع الحوار والحل السياسي وإطلاق خطوات الإصلاح على الأرض، وأن يعكس الحرص على استقرار سوريا وأمنها ووحدتها الوطنية... لا أن يسعى إلى توظيف الحالة السورية لخدمة مصالح ضيقة وقصيرة المدى ظنا خطأ أنها مصالح حقيقية، أو ليستدعي ويدعم تدخلاً خارجياً سافراً».
وقال رئيس الوفد السوري «كنا خلال الأشهر الفائتة ولا نزال نراقب الأداء التحريضي الرخيص والمبتذل لبعض أجهزة الإعلام العربية في التعامل مع ما تشهده سوريا من أحداث مؤسفة. وكانت هذه الأجهزة الإعلامية تعمل تحت ستار الاستقلالية السياسية والفكرية والمبدئية والمالية، وهي كانت بعيدة عن هذه الاستقلالية بل بعيدة كل البعد عن المهنية والأخلاقية والمصداقية وعن ميثاق شرف الإعلام العربي. وقد جندت هذه الأجهزة الإعلامية جميع أسلحتها غير المهنية للتحريض على الموقف الرسمي السوري، فتجاهلت الضحايا من مدنيين ومن ضباط وجنود الجيش وقوى الأمن الذين سقطوا برصاص مجموعات إرهابية مسلحة، وغضّت النظر عن أعمال التخريب والإرهاب التي ارتكبتها هذه المجموعات التي كانت في نظر أجهزة الإعلام الموجهة هذه، مجرد تظاهرات سلمية تدعو إلى الحرية والإصلاح، ثم تبنت روايات طرفٍ واحد حتى لو كان سندها مجرد شريطٍ مصور ومركب وغير واضح مدته عشر ثوان على موقع إلكتروني، أو أشباح مجهولة الهوية والمكان وتحمل صفة شاهد عيان أو ناشط حقوقي، وذلك لتلفيق الروايات عن مجازر يرتكبها الجيش والأمن في سوريا... وصولاً إلى الهدف الأخطر، وهو استدعاء أي شكلٍ من أشكال التدخل الخارجي في الشأن السوري». وقال الأحمد « لدينا سجل حافل وموثق عن أداء هذه القنوات ومن يمولها ويقف وراءها... وذلك لمن أراد الاطلاع وأخذ العبر عما يحاك لهذه الأمة وليس لسوريا فقط».
وتابع السفير الأحمد مشيرا إلى دعوات الاصلاح التي تأتي من دول الخليج بالقول «لقد كنا لنقبل التعامل مع نصائح وخبرات تأتينا من دول شقيقة أو صديقة تحرص فعلاً على أمن واستقرار سوريا، وتملك في ذات الوقت تجربة عملية ودستورية وقانونية عريقة في مجال الحريات العامة والأساسية والإعلامية وفي مجال الممارسة الانتخابية الشفافة والنزيهة والحياة البرلمانية الفاعلة، لكننا وجدناها بكل أسف محاولة من دول لا يملك بعضها دستوراً إلى الآن وبعضها أصدر فتاوى شرعية بتحريم التظاهر والاحتجاج، وذلك لاستغلال الوضع المتأزم في سوريا في خدمة أهداف ومصالح بعيدة كل البعد عن غاية دعم أمن واستقرار وحرية سوريا وشعبها».
وطالب الأحمد بتحديد الخيار بين أن نتعامل مع هذه الأحداث بعقلية وخلفية تتجاهل عامدة متعمدة الحقائق والملابسات والتداعيات الحقيقية التي ستطول الأمة العربية جمعاء وليس سوريا فحسب، وأن نُعمل العقل والحكمة وننحي جانباً الاعتبارات والأجندات التي يسعى الآخر لفرضها علينا في تقييمنا وتعاملنا مع ما تشهده سوريا والمنطقة العربية بأسرها من أحداث وتداعيات»، متسائلا إن كانت «البوصلة» انحرفت عن العدو والخطر الحقيقيين وبات الشقيق العربي أو الأخ المسلم أكثر عداءً من الإسرائيلي أو ممن يستهدف أمنـنا واستقرارنا ووجودنا جميعاً كعرب دون استثناء، حتى انطبق علينا قــوله تعالى: «إن الذيــن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون».
وقالت المصادر إن كلمة الأحمد ووقوف وفود دول عربية إلى جانب وجهة نظر الحكومة السورية أضعف الورقة القطرية التي حاول تسويقها رئيس الجلسة وزير خارجية عمان يوسف بن علوي، والتي تضمنت أيضا تشكيل لجنة وزارية تسافر إلى دمشق لطرح هذه الأفكار. وأكدت المصادر أن وفودا كالوفد اللبناني والعراقي والسوداني واليمني والصومالي «وقفت بشكل جيد» إلى جانب الموقف السوري، كما كانت مواقف كل من البحرين والإمارات والجزائر معتدلة بالمقارنة مع الموقفين السعودي والقطري اللذين «يبدو أنهما ملتقيان هذه المرة على سوريا».
كما أشارت المصادر إلى أن ختام الاجتماع لم يرق للقطري الذي طلب من الجميع أن «يجيبوا الناس التي في الخارج عن موقفهم» في إشارة لعشرات الشبان من مصريين وسوريين طالبوا الاجتماع بموقف «حاد» من سوريا، فكان أن رد أحد المندوبين على الوزير القطري مشيرا إلى أنه سبق «أن خرجتم صامتين حين كانت غزة تُدك بالقنابل الإسرائيلية!!».
زياد حيدر
المصدر: السفير
التعليقات
كلام جميل وعاقل ومنطقي
الثورة العربية الكبرى بقيادة بريطانيا
إضافة تعليق جديد