أربعة سيناتورات استطلعوا الأجواء في دمشق بأقل من شهر
الجمل ـ سعاد جروس : أُقفل الشهر الأخير من العام المنصرم على تحرك أمريكي نشط باتجاه دمشق، ضمن إطار استطلاع الأجواء في ظل الاقتراحات المتزايدة بإجراء حوار مباشر بين الإدارة الأمريكية وسوريا وإيران بخصوص إيجاد حل للوضع المتأزم في العراق.
ورغم أن أربعة سيناتورات أمريكيين قاموا بزيارة دمشق في أقل من أسبوعين من الشهر الماضي إلا أن إدارة بوش أعلنت عدم رضاها عن تلك الزيارات، وبالتالي عدم استجابتها بعد لاقتراحات "لجنة دراسة العراق".
فهل كان حجيج السيناتورات الى دمشق انعكاساً لتخبط في السياسة الأمريكية، أم هو استطلاع للأجواء الساخنة في المنطقة قبل إعلان الاستراتيجية المرتقب تغييرها؟
خلال فترة أقل من أسبوعين في الشهر الماضي حلَّ السيناتورات الأربعة في دمشق ( بيل نيلسون وكريستوفر دود وجون كيري وآرلن سبكتر). بداية شكلت نتائج زيارة "الديمقراطي" بيل نيلسون مفاجئة كأولَ سيناتور أميركي يزور سوريا بعد أكثر من سنتين على انقطاع الحوار السوري ـ الأمريكي، إذ أدلى بتصريحات للصحافيين بعد مغادرته دمشق الى بيروت قال فيها بأنه تبادل كلاماً حاداً مع الرئيس السوري فيما يخص الشأن اللبناني. وعقب بعد لقائه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، أفاد بأنه أوضح للرئيس الأسد أن "حكومتنا الأميركية كما مجلس النواب يدعمان حكومة الرئيس السنيورة، وعليه أن يوقف التدخل في شؤون لبنان ومحاولة حكمه". وذكر أن الرئيس الأسد لم يوافقه الرأي وأكد انه لا يدعم حكومة الرئيس السنيورة "وكان لنا تبادل كلام حاد وتباين حاد في المواقف". وأكد أن "الولايات المتحدة لن تترك لبنان مقابل تعاون سوريا في الشأن العراقي". وكشف نيلسون أنه زار دمشق طلباً للتعاون السوري في العراق.
فوجئ السوريون بتصريحات نيلسون، وكتبت جريدة تشرين في تعليق لها على الزيارة تتساءل عن سبب الانقلاب المتكرر في مواقف المسؤولين الأمريكيين بعد مغادرتهم دمشق. وهذا ما جعل السوريون يتعاملون بقليل من التفاؤل مع الزيارات اللاحقة، مع أن زيارة كريستوفر دود وجون كيري أسفرت عن نتائج مبشرة، رغم تنصل الإدارة الأمريكية منها، وقد أوضح السناتوران اللذان أجريا محادثات على مستوى عال أن اهتمامهم بقضايا الشرق الأوسط بدأ منذ سيطر الديمقراطيون على الكونغرس في الانتخابات الأخيرة، وجهودهما تأتي تحت عنوان "تقصي الحقيقة" مما سيساعد على اتخاذ قرارات بخصوص السياسات الجديدة التي يتعين انتهاجها في العراق، خصوصاً في ضوء التقرير الأخير لـ"مجموعة دراسة العراق".
ورأى محللون أمريكيون أن كل من دود وكيري، يدرسان إمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2008. وهما يسعيان إلى صياغة مقترحات خاصة بهما حول كيفية إرساء الاستقرار بالعراق؛ الموضوع المتوقع أن يطغي على حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة. ورأى كيري أن "على الإدارة الأمريكية فتح حوار مع سورية لما لها من دور مؤثر في منطقة الشرق الاوسط" . وكتب في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الامريكية "ان واشنطن لا يمكنها ان تبقى على الهامش وتتمسك بعناد بقناعتها بعدم الحوار مع سورية" مشيراً إلى أنه لمس لدى السوريين إمكانية للتعاون لتجنب وقوع كارثة في العراق، وهي إمكانية يجب اختبارها. ومن جانبه أكد كريستوفر دود العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي على أهمية إجراء حوار مع سورية من اجل إيجاد حل لمشكلات منطقة الشرق الأوسط، لأن سورية قوة رئيسية ومن الخطأ الكبير تجاهلها. داعياً الإدارة الأمريكية إلى إجراء حوار مع الأطراف الإقليمية التي تختلف معها في إشارة الى سورية وإيران من اجل تحقيق الاستقرار في المنطقة.
لم تظهر إدارة بوش ارتياحها للقاء السيناتورات الديموقراطيين بالمسؤولين السوريين، واعتبر "توني سنو" المتحدث باسم البيت الأبيض في تعليقه على زيارة نيلسون بأنه "أمر غير مناسب" لأنه يضفي "المزيد من الشرعية على حكومة تُضعف قضية الديمقراطية في المنطقة". هذا الموقف لم يمنع كيري من تحدي الانتقادات والرد منتقداً سياسة بوش: "إن رفض التحدث مع هذه الأنظمة يعد خطأ، وسياسة من هذا النوع جلبت لنا المشاكل في المنطقة؛ وعليه، فإنه يتعين تغييرها". موضحاً دوافع زيارته بالقول: "الآن وقد سيطر الديمقراطيون على الكونغرس، فإن لدينا مسؤولية أكبر لتحديد اتجاه جديد".
تزامنت زيارات السيناتورات بتصريح هو الأول من نوعه لوزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، دعا من خلاله انطلاقاً من خبرته السياسية والعسكرية إلى الحوار مع سورية وإيران من اجل تسهيل التوصل الى حل في العراق، واعتبر أن من غير المقبول القول أننا لا نريد الحوار في حين ان العراقيين والسوريين قاموا بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد انقطاع طويل. وأشار إلى دور اللوبي الصهيوني في إعاقة أية جهود لحوار أمريكي مع سورية وإيران.
ورغم الأهمية التي أولاها السوريون للدعوات الأمريكية لإعادة فتح الحوار معهم، إلا أن تاريخاً من ضعف الثقة ظل مخيماً على الأجواء، طالما أن تلك الدعوات والزيارات لا تتجاوز استطلاع إمكانية التعاون السوري، بما يعني أن على سوريا القيام بخطوات تثبت فيها جديتها بالتعاون، فيما يصر السوريون وبحسب مصادر سورية مطلعة على أن تقوم أمريكا بإثبات جديتها أولاً، ولم تر في تحرك السيناتورات سوى مؤشر على احتمال تغيير إدارة بوش وسائل تطبيق إستراتيجيتها لا تبديلها، هذا على الأقل ما يقرأ في تصريحات بوش ووزير خارجيته كونداليزا رايس .
ورغم الحذر السوري قامت دمشق بخطوات واسعة الى الأمام، لدى زيارة السيناتور الجمهوري آرلين سبيكتر، على اعتبار أنها تختلف إلى حد ما عن زيارة سابقيه كونه مقرباً من البيت الأبيض، وكان لافتاً انتقاده لسياسة الإدارة الأمريكية "الجمهورية" حيث وصفها "بعديمة الفعالية" في المنطقة، وقد رفض طلب رايس بإلغاء زيارته الى دمشق. ورأى مراقبون أن زيارة سبكتر كانت أشد وضوحاً من غيرها كونه أعلن قناعته "بضرورة الحوار الأميركي مع سوريا واستعداده لمناقشة هذه المسألة مع الرئيس بوش، والثانية قناعته بخطورة تجاهل الدور السوري وقوله إنه «إذا استمر هذا التجاهل فلن يتغير شيء".
وقد توقف المراقبون عند ملاحظة عدم تعليق البيت الأبيض على مواقف سبكتر، ما يؤشر الى احتمالين إما موافقة ضمنية على ما قاله سبيكتر، وأن الصمت لا يعني سوى التأجيل كي لا تسجل نقطة لصالح فوز سوريا في مجال العلاقات العامة، أو أن مهاجمة سيناتور جمهوري أمر غير مجدي، وقد يرسل إشارات سلبية تعزز ما يقال عن تخبط الإدارة الأمريكية. ويرجح المراقبون الاحتمال الأول لأن سبيكتر حمل من دمشق رسالة الى المسؤولين في إسرائيل تؤكد جديتها في العودة الى مفاوضات السلام. وكان الرئيس السوري بشار الأسد في حوار مع صحيفة (لاريبوبليكا) الإيطالية تحدى أن توافق إسرائيل على العرض السوري ببدء مباحثات فيما بينهما، وخاطب الأسد رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت عبر الصحيفة "أعط نفسك فرصة واكتشف مدى جديتنا".
الجانب الإسرائيلي رفض فكرة الحوار مع دمشق إلا إذا قطعت الأخيرة علاقاتها بالجماعات التي تعمل ضد إسرائيل، مثل حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس وغيرها من الحركات الفلسطينية. لكنه عاد وأبدى تجاوباً مع ما حمله سبكتر إليها من دمشق، والذي تحدث أيضاً عن استعداد سوريا لرعاية مؤتمر للمصالحة العراقية.
ومع ذلك لم يتوقع السوريون حدوث انعطافة في السياسة الأمريكية، خاصة وقد أقدمت الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية على تنفيذ حكم الإعدام بصدام حسين، رغم ما تحمله هذه العملية من خطورة كبيرة على مستقبل الوضع في العراق، من حيث رفع وتيرة العنف والاقتتال الأهلي، ما يجعل الأمور تزداد تعقيداً، بالإضافة الى تأزيم الوضع في لبنان، ما يشير إلى ان إدارة بوش ما تزال تصر على إجبار سوريا وإيران على تقديم التنازلات والتعاون بأقل ثمن ممكن أو حتى دون مقابل. وقد قالت وزير الخارجية كوندوليزا رايس في حوار مع صحيفة "واشنطن بوست"، تريد سوريا تخفيف الضغوط الأميركية عليها على خلفية تدخلها في لبنان، في حين تريد إيران حرية أكبر من أجل مواصلة برنامجها النووي. وتساءلت رايس: "هل نرغب حقاً أن نضع أنفسنا في موقع يسمح للإيرانيين بالاستمرار في امتلاك التكنولوجيا النووية التي ستمكنهم من تطوير سلاح نووي وتجريبه والحصول على تأييد لهم في العراق؟"، مضيفة: "الواقع أنه إذا كانت لهم مصلحة في العراق، فسيقومون بذلك في جميع الأحوال".
تعتبر إدارة بوش أن مجرد الحوار مع سوريا مكافأة لها، في حين أن سوريا التي تمكنت في السنة الأخيرة من استعادة جزء كبير من دورها الإقليمي والصمود في وجه الحصار والعقوبات والتغلب على محاولات فرض العزلة، لن تقبل بتقديم أي تعاون دون مقابل. لاسيما بعدما ما حققته المقاومة على أرض لبنان في مواجهة إسرائيل، وصمود حماس، وتحدي إيران للعقوبات واستمرارها ببرنامجها النووي، جعل من الصعب جداً على سوريا العودة الى الوراء والقبول بتقديم تنازلات مقابل تخفيف الضغوط الأمريكية.
يبدو أن سورية تعول على السيناتورات الذين حجوا الى دمشق أن يقوموا بنقل هذه الحقيقة الى واشنطن، والتي سربت مؤخراً معلومات عن دعمها لجماعات سورية معارضة في الداخل والخارج، والإعداد لخطة سرية لمراقبة الانتخابات بهدف زعزعة الحكومة السورية وإضعاف النظام السوري. وهي الخطة التي أعتبرها جوشوا لاندس مدير مركز دراسات السلام في جامعة اوكلاهوما "مجرد محاولة للضغط على الحكومة السورية لتذعن لمطالب واشنطن". فيما رآها ادوارد ديجرجيان- السفير الأمريكي السابق لدى سوريا- الذي شارك في تقرير مجموعة دراسة العراق "مجرد مضيعة للوقت". فالمعارضة السورية مجزأة وضعيفة معتبراً "تمويل أحزاب معارضة هامشية تشكل خطوة تدميرية في أفضل الأحوال وتعرقل خيارات أفضل لإشراك سوريا في أمور أكثر أهمية وجوهرية مثل: الحالة في العراق، السلام مع إسرائيل، والوضع الخطير في لبنان"
حيال ذلك، وكلما تعمق التورط الأمريكي في العراق تظهر دمشق أنها غير مستعجلة، وحسب مصدر سوري " أن سوريا تجاوزت المرحلة الصعبة، التي أعقبت اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، وما تبعها من تهديدات وضغوط هائلة، إذ حافظ النظام على قوته وتماسكه رغم كل محاولات زعزعته من الداخل والخارج، كما تمكنت سوريا من الحفاظ على أمنها واستقرارها رغم التهاب المنطقة وتصدعها في العراق وفلسطين ولبنان، وهي اليوم خلاف الأمس تمتلك إمكانية الفعل والتأثير الإيجابي، في حال امتلكت كل من أمريكا وإسرائيل النيات الجدية في إرساء الاستقرار والأمن في المنطقة, والتي لا يمكن تحقيقها ما لم تتخل أمريكا عن سياسة الإكراه والقوة التي لن تجني منها سوى التخبط وتمديد زمن الصراع الى أجل غير مسمى".
الجمل
إضافة تعليق جديد