نصر سوريه قادم...
الجمل ـ * البروفيسور تيم أنديرسون ـ ترجمة رنده القاسم:
سوريه تنتصر... فرغم سفك الدماء المستمر و الضغط الاقتصادي الحاد ، إلا أن سوريه تتقدم بثبات نحو نصر عسكري و استراتيجي سيحول منطقة الشرق الأوسط. و هناك دليل واضح على فشل خطط واشنطن سواء المتعلقة بتغيير النظام أو عرقلة عمل الدولة أو تمزيق البلد وفقا لتقسيمات طائفية.
هذا الفشل سوف يقتل حلم الولايات المتحدة ، الذي أعلنه قبل عقد جورج بوش الأصغر، و هو شرق أوسط جديد خانع. انتصار سوريه مزيج من التأييد الشعبي المتماسك للجيش الوطني في وجه الإسلاميين الطائفيين الفاسدين (التكفيريين)، و الدعم الثابت من قبل حلفاء أساسيين مع تهشم القوى الدولية التي تصطف ضدهم.
الشدة الاقتصادية، و المتضمنة الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، أسوأ الآن و لكنها لم تحطم عزيمة الشعب السوري من أجل المقاومة. تؤمن الحكومة الغذاء الأساسي و التعليم و الصحة و الرياضة و الثقافة و خدمات أخرى. و تستعيد عدد من الدول المعادية رسميا لسوريه و وكالات تابعة للأمم المتحدة علاقاتها مع سوريه. و ما تحسن الوضع الأمني و الاتفاق الأخير بين القوى الكبرى و إيران و تحركات دبلوماسية أخرى سوى إشارات على أن محور المقاومة يغدو أقوى.
لن تعلم الكثير عن هذا من الإعلام الغربي، الذي يكذب بشكل مستمر حول طبيعة الصراع و تطورات الأزمة. و السمات الأساسية لهذا التضليل تتجلى بإخفاء دعم الناتو للجماعات التكفيرية، و مع ذلك الإعلان عن تقدمهم و تجاهل دحر الجيش السوري لهم.و في الواقع، هؤلاء الإرهابيون المدعومون من الغرب لم يحققوا أي تقدم استراتيجي حقيقي منذ تدفق المقاتلين الأجانب لمساعدتهم في الاستيلاء على أجزاء من شمال حلب في منتصف عام 2012
خلال زيارتي الثانية لسوريه في تموز 2015، كان بإمكاني رؤية تحسن الوضع الأمني حول المدن الرئيسية. ففي زيارتي الأولى عام 2013 ، و رغم طرد ضاربي الرقاب التابعين للناتو من أغلب حمص و القصير، فإنهم كانوا في مدينة معلولا القديمة و على امتداد جبال القلمون، و يقومون أيضا بمهاجمة الطريق الجنوبي إلى السويداء. أما هذه السنة فكنا قادرين على السفر بحرية عبر الطريق من السويداء إلى دمشق و حمص فاللاذقية، مع انعطاف صغير حول حرستا. في 2013 كان هناك إطلاق يومي لقذائف الهاون شرق دمشق، الأمر الذي أصبح أقل هذه السنه.و يبدو أن الجيش يسيطر على 90% من المناطق ذات التعداد السكاني الكثيف.
الحقيقة الأولى: لا يوجد متمردون معتدلون. و منذ آذار 2011 حل عوضا عن حركة الإصلاح السياسي الحقيقية عصيان إسلامي مدعوم من السعودية. في الأشهر القليلة الأولى من الأزمة، من درعا إلى حمص، كانت مجموعات مسلحة أساسية مثل لواء الفاروق عبارة عن متطرفين مدعومين من السعودية و قطر ، وقد ارتكبوا أعمالا وحشية و فجروا مشافي مطلقين نداءات قاتلة و ممارسين التطهير العرقي الطائفي. و السوريون اليوم يسمونهم جميعا "داعش" أو "مرتزقة" غير آبهين كثيرا بالأسماء المختلفة. و التصريح الأخير من قبل قائدة "المعارضة المعتدلة" لمياء نحاس و القائل أن : "الأقليات السورية شريرة و يجب التخلص منها"، تماما كما تخلص هتلر و العثمانيون من الأقليات ، تؤكد هذه الحقيقة. فسمة الصراع المسلح أنه مواجهة بين دولة، و إن كانت غير ديمقراطية ، غير أنها تتصف بالتعددية و تشمل كل المجتمع، و بين إسلاميين متطرفين من النمط السعودي يعملون كجيش وكيل عن قوى كبرى.
الحقيقة الثانية: تقريبا كل الفظاعات التي حُمِّل الجيش السوري مسؤوليتها قد ارتكبت على يد عصابات مدعومة من الغرب، كجزء من إستراتيجيتهم الرامية إلى الدفع نحو المزيد من التدخل الغربي. و هذا يشمل الادعاءات الكاذبة باستخدام الأسلحة الكيماوية، و المزاعم حول الأضرار الناتجة عما يسمى البراميل المتفجرة. و في عام 2012 كتب الصحفي الأميركي نير روزين : "في كل يوم تورد المعارضة أرقام وفيات دون أي شرح.. الكثير من هؤلاء المذكورين مقاتلي معارضين و لكنهم يوصفون في التقارير بالمدنيين الأبرياء المقتولين على يد قوات الأمن" و هذه التقارير المعارضة لا تزال معتمدة من قبل مجموعات منحازه مثل العفو الدولي و مراقبة حقوق الإنسان، من أجل دعم بروبوغندا الحرب. بالطبع قام الجيش السوري بإعدام إرهابيين أسرى، و لا تزال قوات الأمن تعتقل من يشتبه بتعاونهم مع هؤلاء الإرهابيين, و لكن الجيش يتمتع بشعبية قوية، بينما العصابات الإسلامية ، التي تتفاخر علنا بشرورها تلقى دعما شعبيا قليلا جدا.
الحقيقة الثالثة: صحيح أن الإرهابيين يتواجدون في مناطق كبيرة في سوريه، و لكن لا تملك داعش و لا أي مجموعة مسلحة أخرى السيطرة على الكثير من المناطق السورية المأهولة. و دائما تخلط الوكالات الغربية (مثل Janes و ISW) بين الوجود و السيطرة. و على الرغم من هجمات داعش في درعا و إدلب و شرق حمص، فان الأماكن السورية ذات الكثافة السكانية واقعة تحت سيطرة الجيش بشكل أقوى عما كانت عليه عام 2013. فقط بضعة مناطق احتلت لأشهر أو سنوات، و في أي مواجهة قوية غالبا ما يكون النصر حليف الجيش ، و لكنه واقع تحت الضغط و يقوم بانسحابات تكتيكية، لأنه يحارب على عشرات الجبهات.
الجيش السوري أحكم نطاق سيطرته حول شمال حلب و دوما و حرستا و مؤخرا حقق انتصارات في الحسكة و ادلب و درعا. و مع قوات حزب الله تمكن الجيش من القضاء على داعش و شركائها في جبال القلمون على طول الحدود مع لبنان.
رغم سنوات من الإرهاب و العقوبات الغربية ضدها فان الدولة السورية تعمل بشكل مدهش. في تموز 2015 زارت مجموعتنا مراكز رياضية كبيرة و مدارس و مستشفيات. يذهب ملايين الطلاب السوريون إلى المدارس و مئات الآلاف يدرسون في الجامعات شبه المجانية. تعاني البلد من البطالة و القلة و انقطاع الكهرباء، و يستهدف التكفيريون المستشفيات و يدمرونها منذ 2011 ، و يقومون دائما بمهاجمة محطات الطاقة ما يدفع الحكومة إلى تقنين الكهرباء حتى حين عودة استعادة الشبكة. هناك نقص كبير و انتشار للفقر، و لكن رغم الحرب الحياة اليومية مستمرة.
فعلى سبيل المثال، دار جدل كبير عام 2014 حول بناء مجمع "Uptown" في الشام الجديدة.و يضم مطاعم و محلات تجارية و مراكز رياضية و متنزهات للأطفال و تسليات أخرى. أحد أطراف الجدال كان يقول :" كيف للدولة إنفاق كل هذا المبلغ بينما يعاني الكثيرون من الحرب؟" ، بينما يرى الطرف الثاني أن الحياة مستمرة و يجب أن تعيش العائلات حياتها . و بعد رمضان، خلال العيد، شاهدنا آلاف العائلات في هذا المجمع.
أضحت الإجراءات الأمنية "مألوفه". و بصبر لافت يتم التعامل مع نقاط تفتيش الجيش، فالسوريون يعلمون أنها لأمنهم لاسيما ضد السيارات أو الشاحنات المتفجرة المستخدمة من قبل الإسلاميين. الجنود يعملون بفاعلية و لكنهم بشر و غالبا ما يتبادلون الأحاديث الودودة مع الناس. معظم العائلات لها أفرادا في الجيش و فقد الكثيرون أحبابهم.
في الشمال أخبرنا محافظ اللاذقية أن المحافظة التي كانت تضم 1,3 مليون يوجد فيها الآن أكثر من ثلاثة ملايين، إذ استوعبت المهجرين من حلب و ادلب و مناطق شمالية أخرى تأثرت بهجمات الإرهابيين الطائفيين. معظمهم في إيواء مجاني أو بمساعدة الحكومة، مع عائلات و أصدقاء، و يعملون أجيرين أو في أعمال صغيرة. رأينا مجموعة تضم حوالي خمسة آلاف من حماه في مجمع اللاذقية الرياضي الكبيرة.
في الجنوب ، استضافت السويداء مائة و ثلاثين ألف عائلة مهجرة من منطقة درعا ما ضاعف تعداد سكان المحافظة. و مع ذلك فان دمشق تحملت الحصة الأكبر من الستة ملايين مهجر داخليا، مع مساعدة قليلة من UNHCR. إن الحكومة و الجيش أساسيان في تنظيم العناية بهم. و يحدثك الإعلام الغربي فقط عن مخيمات اللاجئين في تركيا و الأردن و التي تسيطر عليها بشكل كبير المجموعات المسلحة.
و عبارات مثل :"الحكومة تهاجم المدنيين" أو تقصف بلا تمييز مناطق مدنية"،أساسها في بروبوغندا الإسلاميين و التي يعتمد عليها معظم الإعلام الغربي. و لكن الحقيقة أنه بعد ثلاث سنوات ، لم تقم الطائرات و لا المدفعية السورية بتسوية مناطق معارضة مثل جوبر و دوما و أجزاء من شمال حلب بالأرض، بحيث يفتح المجال لادعاءات ضد الجيش . و كن على ثقة بأنه عندما يقول الإعلام الغربي أن "مدنيين" قتلوا بقصف الحكومة السورية غير المميز ، فان المصادر الإسلامية ذاتها هي من يتعرض للهجوم.
هذه الحرب تخاض على الأرض ، من بناء لبناء، مع الكثير من الإصابات في الجيش. الكثير من السوريين الذين تحدثنا معهم يتمنون لو أن الحكومة تسوي بالأرض هذه المناطق المسكونة بالأشباح، و يقولون بأن المدنيين المتبقين هناك عائلات المجموعات المتطرفة أو المتعاونين معهم، غير أن الحكومة السورية تعمل بحذر شديد.
دول المنطقة ترى ما هو قادم، و بدأت إعادة بناء روابطها مع سوريه. واشنطن لا تزال تدفع بكذبها حول الأسلحة الكيماوية في وجه أدلة حقيقية، و لكنها فقدت شهيتها لأجل تصعيد أساسي كالذي كان عام 2013 بعد المواجهة مع روسيا. و لا تزال تسمع "صوت السيف" و لكن تجدر الإشارة إلى أن مصر و الإمارات العربية المتحدة ، عدوتي سورية منذ زمن قصير، تعملان الآن على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
ربما كانت الإمارات العربية المتحدة الأكثر ليونة بين الإمارات الخليجية، و لكنها أيضا كلفت من قبل نائب الرئيس جو بايدين بدعم داعش، و هي الآن تشعر بالقلق، إذ تم مؤخرا اعتقال عشرات الإسلاميين العاملين على خطة تهدف لتحويل الملكية الاستبدادية إلى خلافة استبدادية . و مصر التي عادت إلى يد الجيش ،بعد حكومة الأخوان المسلمين قصيرة العمر التي أرادت الانضمام إلى الهجوم على سوريه، تتعامل الآن مع الإرهاب المتعصب فيها و من قبل لأخوان المسلمين ذاتهم. أكبر الدول العربية تدافع الآن على وحدة الأراضي السورية و تدعم (على الأقل لفظيا) الحملة السورية ضد الإرهاب. قال المحلل المصري حسن أبو طالب أن هذا يدل على "شجب و رفض التحركات التركية الأحادية ضد سوريه".
حاولت حكومة أردوغان تنصيب تركيا لقيادة منطقة أخوان مسلمين، و لكنها فقدت حلفاءها، و هي على خلاف مستمر مع شركائها المعادين لسوريه و تواجه معارضة في الداخل. و حاولت واشنطن استخدام الأكراد المنشقين ضد كل من بغداد و دمشق ، بينما تراهم تركيا أعداء أساسيين ، و ذبحهم الإسلاميون المدعومون من السعودية على أساس أنهم مسلمون مرتدون. و من جهتها تنعم الجاليات الكردية باستقلالية و قبول أكبر في إيران و سوريه.
يشكل اتفاق واشنطن الأخير مع إيران تطورا هاما، مع بقاء الجمهورية الإسلامية الحليف الإقليمي الأكثر أهمية لسورية العلمانية و المعادي القوي للإسلاميين وفق النمط السعودي. و قد غضب السعوديون و الإسرائيليون من التأكيد على دور إيران في المنطقة، و لكن ذلك يبشر بالخير لسورية. كل المحللين يلاحظون السعي الدبلوماسي بعد اتفاق إيران، و رغم استبعاد إيران عن اللقاء بين وزراء خارجية روسيا و الولايات المتحدة و السعودية، إلا أن ما من شك أن يد إيران أضحت أقوى في شؤون المنطقة.
سوريه تنتصر لأن الشعب السوري دعم جيشه ضد التحريضات الطائفية، و خاض معاركه ضد الإرهاب متعدد القوميات برعاية الناتو و ممالك الخليج ...سوريه، التي تضم الكثير من المسلمين السنة الورعين، لن تقبل بضاربي الأعناق و التحريف الشرير و الطائفي للإسلام الذي تدعمه ممالك الخليج.
نصر سوريه سيكون له معاني أوسع. انه سيعلن النهاية لعمل واشنطن على تغيير الأنظمة في المنطقة من أفغانستان إلى العراق و ليبيا... و من الموت و البؤس الذي سببته هذه الحرب القذرة سنرى بزوغ محور مقاومة أقوى... نصر سوريه سيكون نصر إيران و المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله.... الصراع ساعد على بناء سبل تعاون هامة مع العراق،و دخول بغداد التدريجي في هذا المحور سيكون الهزيمة المهينة لخطط الولايات المتحدة و إسرائيل و السعودية من أجل السيطرة على شرق أوسط جديد.. هذه الوحدة الإقليمية كانت كلفتها رهيبة، و لكنها ستتحقق، رغم كل شيء...
*حاصل على شهادات دبلوم في الاقتصاد و السياسات الدولية و دكتوراه في الاقتصاد السياسي في استراليا.
الجمل ـ عن موقع Global Research
إضافة تعليق جديد