اليزيدية جذورها عراقية قديمة اسمها أموي وليس لها علاقة بالاكراد
(يمكن اعتبار اليزيدية أشبه بقصر تاريخي مظهره اسلامي مزين بنقوش عربية وعبارات كردية، لكن لو أزلنا هذه الأصباغ الخارجية عن الجدار لاكتشفنا تحتها طبقة من نقوش مسيحية بايقونات ملونة وصلبان منحوتة.
ولو تعمقنا اكثر بالحفريات لاكتشفنا طبقة ثالثة من جداريات آشورية ورسومات آلهة النهرين وكتابات مسمارية.
ولو تعمقنا في الحفريات سنصل اللا أعماق تاريخ المنطقة وجذورها البدائية المخفية.
ان اليزيدية من بين الكل هي أقل الطوائف التي نجحت باخفاء طبقاتها التاريخية، بحيث تبدو وكأنها موزاييك رائع للتراث الديني والأقوامي لبلاد النهرين).
ان هذا المقطع الوارد في كتاب (الذات الجريحة) للكاتب العراقي (سليم مطر) هو في اعتقادنا أفضل ما عبر عن تاريخ تطور اليزيدية وجذورها الدينية. ان تاريخ الطائفة اليزيدية يشبه كثيراً تاريخ باقي الطوائف الباطنية الموجودة في المنطقة، مثل الدروز والعلوية.
انها كانت في الأساس طوائف قديمة منعزلة في المناطق الجبلية. ومن أجل ن تحافظ على نفسها كانت تتقبل تأثيرات الثقافات واللغات والاديان الجديدة المهيمنة على مناطقها.
صحيح ان اليزيدية لها جذورها العراقية، الا انها اخذت طابعها واسمها (اليزيدي) الاموي المتميز بعدما دخل فيها الجنود الأمويون الشاميون (12 الف مقاتل) والذين استقروا في شمال العراق بعد هزيمتهم في معركة (الزاب الأعلى) بقيادة اخر خليفة أموي (مروان الثاني) في 750 م..
لكن هذا التأثير بقي من الناحية البشرية سببا لوجود العوائل الاموية في طائفتنا، لكن التأثير الأكبر حيثث بعد مجيء (عدي بن مسافر) (رض) في القرن 12 م، وهو متصرف شامي أصله من (بعلبك) في لبنان ومن السلالة الأموية.
قام هذا الشيخ الجليل بتحديث ديانتنا النابعة من شمال وطننا العراق يميراث الآشوري البابلي، وتأصيلها مع ديانة سيدنا (ابراهيم الخليل) (رض) .
- ان طائفتنا مثل كل الطوائف الباطنية المغلقة، كانت عرضة للتقولات والاشاعات المغرضة التي تبرر اضطهادها. تتمحور هذه التقولات المعادية حول فكرتين: اننا من عبدة الشيطان، واننا كذلك متعصبون للأصل الأموي معادون للشيعة.
بالحقيقة أن تهمة "عبادة الشيطان"، هي تهمة باطلة تم اصطناعها من قبل الاطراف العثمانية والكردية المجاورة التي ارادت تبرير اضطهاد اليزيدية والاستيلاء على قراهم. لقد تدعمت هذه التهمة الباطلة لدى كثير من الناس لانهم يشاهدون الانسان اليزيدي يتأفف ويغضب عندما يسمع عبارة (لعنة الله على الشيطان)، والسبب بغضب اليزيدية من هذه العبارة ليس له علاقة بتقديس الشيطان، بل لأنه يعرف بان الناس تقولها من أجل اغاظته.
فمن المعلوم اننا نحن اليزيدية نعبد الله الواحد الأحد ومن بعده جبرائيل (طاووس ملك) ونؤمن بالنبي ابراهيم الخليل الذي نعتبره جدنا الأكبر بعد آدم/ ونقدس أيضاً يزيد بن معاوية باعتباره رمز سلالتنا الأموية، وكذلك عدي بن مسافر باعتباره باني طريقتنا الروحية وجامع كتابنا المقدس (الجلوة والأسود)
أما بالنسبة لموقفنا السلبي من الشيعة، فهذه أيضاً فكرة ليس لها أساس من الصحة، واكبر دليل على احترامنا للامام علي وأبنائه، ان أسماء علي وحسن وحسين منتشرة بكثرة بين أبناء طائفتنا، حتى أن أسم جدي الرابع (الأمير علي بك) والذي منح اسمه لـ (شلال كلي علي بك) في شمال العراق. وأحد أبنائه اسمه حسن.
ونحن شخصياً تشرفنا بزيارة المراقد المقدسة في النجف وكربلاء ونعتبر السلالة العلوية أبناء عمومتنا وليس لنا علاقة بالمأساة التي حدثت للشهيد الحسين (ع). ونعتبر الصراع الذي دار هو خلاف بين عائلة واحدة.
وكما قال شيخنا عدي بن مسافر (رض): ان معاوية وعلي امامين مجتهدين، ولكن المصيب بينهما هو علي (رض).
-ان طائفتنا خلال القرون الطويلة قد تعرضت لحملات اضطهاد عديدة ادت الى تقليص وجودها في مناطق شمال العراق وعموم منطقة الجزيرة في سوريا وتركيا.
من المعروف ان منطقة شمال الرافدين هي واحدة من أكثر المناطق توترا في العالم طيلة التاريخ بسبب كونها مركز التقاء أربعة أقطاب حضارية جبارة ومتنافسة: العراق وسوريا وايران وتركيا..
ويبدو ان القبائل الكردية في القرون العثمانية مرت بموجة انفجار سكاني جعلها تهبط من جبال زاغاروس بحثاً عن الكلأ وللاستفادة من مغريات العثمانيين لمشاركتهم في حروبهم للسيطرة على المنطقة.
لهذا قام الأغوات الاكراد بتكوين الفرق الحربية (عرفت فيما بعد بالفرق الحميدية) المسلحة والممولة من قبل العثمانيين بشن حروب الابادة العرقية وفرض الديانة الاسلامية والمذهب السني العثماني على كل الجماعات المختلفة التي تعيش منذ قرون طويلة في المنطقة: الأرمن والسريان واليزيدية والتركمان العلوية..
طائفتنا مثل الطوائف الأخرى تعرضت دائماً لحملات ابادة وأسلمة وتكريد بحجة محاربة (أتباع الشيطان)، حتى تم القضاء على مناطق بكاملها كانت معروفة بطبيعتها اليزيدية.
من الأحداث المعروفة للمؤرخين تلك المذابح التي جرت في أواسط القرن الماضي والتي قام بها الأمير الكردي بدرخان في منطقة بوتان وحيكاري وشمال الموصل، ضد اليزيديين والسريان المسيحيين، كذلك مذابح أمير سوران الكردي (محمد باشا الرواندوزي) ضد القرى اليزيدية العزلاء في مناطق الشيخان ونهر دجلة وجبل القوش وسهول الموصل، حيث تم اغتيال جدي (علي بك) الذي منح أسمه لشلال كلي علي بك.
وقد نجحت حملات الاضطهاد هذه بالقضاء على الوجود اليزيدي بين كركوك والزاب الأعلى وتحويل المنطقة الى كردية.
كانت هنالك الكثير من القرى اليزيدية في داخل المناطق الكردية لكنها كلها انتهت إما هربا أو أجبرت على اعتناق الاسلام. ثم حقيقة ساطعة لا يمكن لأي انسان أن يتنكر لها: ان اليزيديين صمدوا وحافظوا على هويتهم الدينية في المناطق العراقية الخالية ن الأغلبية الكردية، مثل سنجار الواقعة على خط الحدود العراقي السوري!
يمكن التذكير بأنه في بداية القرن الماضي قد قام الأغوات الاكراد بعملية ذبح وتشريد أكثر من مليون أرمني ومئات الالاف من السريان واليزيدية.
ان الجزء الأكبر مما يسمى الان بكردستان تركيا وكردستان العراق لم يكن بأغلبية كردية حتى أواخر القرن 19، لكن استمرار التصفيات العرقية والدينية ضد الارمن والسريان واليزيدية وضد التركمان العلوية هي التي أدت الى تكريد هذه المناطق.
- هناك للأسف بعض الجهات الحزبية الكردية التي تحاول بشتى وسائل الاغراء والضغط وشراء الذمم من أجل فرض الهوية الكردية على طائفتنا وسلخنا من هويتنا العراقية، بحجة ان قسما من أبناء طائفتنا يتكلم الكردية.
من المعلوم ان طائفتنا تضم مؤمنين من مختلف الأقوام التي عاشت وتعيش في شمال الرافدين (منطقة الجزيرة) بقسمها العراقي خصوصاً (ولاية الموصل) وكذلك قسميها السوري والتركي.
هنالك في طائفتنا ذوي اصول كردية وعربية وسريانية وحتى أرمنية وتركمانية. ونحن نعتقد أنه من الخطأ الحكم على هوية طائفتنا من خلال اللغة وحدها، بل يتوجب الأخذ بنظر الاعتبار الشروط الأخرى، وهي التاريخ وطبيعة المكان وكذلك طبيعة ميراثنا وتقاليدنا.
فمثلاً ان تكلم بعض اليزيدية باللغة الكردية لا يعني ابدا انتمائهم "العرقي القومي" للاكراد، فليس كل الناطقين بالعربية هم عرقيا عرب. وهذه حالة عالمية معروفة فليس كل الناطقين باللغة الاسبانية هم اسبان ولا كل الناطقين بالانكليزية هم انكليز، لأن اللغة تفرض وتنتشر لعدة عوامل منها الهيمنة السياسية وعلاقات الجيرة والتزاوج.. هنالك مثلا في شمال العراق الكثير من المسيحيين الارمن والسريان من يتكلم الكردية، علما بان مناطق تواجدنا الحالية كلها تحمل تاريخا عراقيا واضحا ومعروفا، ولا زالت كلها تحمل أسماء ارامية مثل سنجار وشيخان وباعذري وبعشيقا.
في كل الأحوال نحن نعتز باخوتنا الاكراد ونفتخر بأن هنالك قسماً من أبناء طائفتنا يتكلمون الكردية، لكن هذا لا يمنعنا بأن نفتخر بانتمائنا العراقي وان طائفتنا تمثل خلاصة تاريخ شمال العراق وعموم منطقة الجزيرة من النواحي الدينية والحضارية واللغوية. لهذا فان الأغلبية من أبناء طائفتنا يرفضون هذه الضغوطات الحزبية الكردية من أجل اقحامنا في اللعبة السياسية الخطرة وزيادة عذابات طائفتنا وتعريضها لمخاطر المشروع الغربي الصهيوني الامريكي لبلقنة العراق وعموم منطقة الشرق الأوسط. ونحن نعتقد ان الحل الأفضل الذي نتمسك به، ان كل قسم من طائفتنا ينتمي للبلد الذي يعيش فيه، فنحن عراقيون في العراق، ونحن سوريون في سوريا، ونحن أتراك في تركيا، علما بأن هذا ليس موقفاً خاصا بنا، بل هو عموما موقف جميع الطوائف الدينية في أنحاء العالم.
- من المعلوم أنه في اوروبا وبالذات في المانيا هنالك جالية يزيدية كبيرة قد تبلغ عشرات الالاف، وهم باغلبيتهم الساحقة مهاجرون من تركيا، وهنالك الكثير منهم متعاطفون مع حزب العمال الكردي المدافع عن الاتجاه التكريدي لليزيدية.
بالحقيقة ان هذه ليست المرة الأولى التي يتعاطف بها بعض أبناء طائفتنا الى جانب حزب معين، علما بأن اليزيديين الذين هاجروا من تركيا هربوا أساسا من أضطهاد الاكراد لهم باعتبارهم خارج ملتهم.
ان هذا مثبت في افادات اليزيديين الهاربين من مناطقهم وفي سجلات المحاكم المختصة الالمانية.
لكن بسبب الحملات الاعلامية الجبارة المدعومة من شتى الجهات العالمية الغربية وحتى الصهيونية التي تدعي الحيادية والعلمية، بالاضافة الى سياسة الترغيب والترهيب التي تستخدمها بعض الأحزاب الكردية وبالاعتماد على حجة ان اللغة الكردية موجودة بين طائفتنا...
اضافة الى اننا عانينا من تجاهل الاحزاب العراقية لنا بسبب وضعنا الطائفي الخاص، ولم يتجه الينا في السنوات الأخيرة غير هذه الأطراف الكردية، كل هذا ادى للأسف ان تتغلغل بين شبابنا في الخارج هذه التيارات القومية الكردية المنافية لخصوصيتنا الدينية وانتمائنا الوطني.
لقد نجحت المؤسسات العالمية الاستشراقية والفضائيات الكردية ان تخلق لنا تاريخاً وتراثا اريا ايرانيا كرديا ونفي كل ما هو عراقي واموي في تاريخنا، بل انهم يصرون على جرح مشاعر أبناء طائفتنا وتغيير اسمهم من "يزيدية" الى "ازدية" لكي يتلائم مع ادعاءاتهم القومية.
لكننا نظل نقاوم مثل هذه الضغوطات والمنزلقات الخطرة، وبدعم الكثير من الشباب اليزيدية المثقف وخصوصا من المقيمين في الوطن، رغم محدودية امكانياتنا المادية لاننا لم نتلق الدعم من أية جهة، لا حزبية وحكومية ولا عالمية. اننا بالتدريج نحقق النجاحات بتدعيم الوعي بخصوصيتنا الطائفية واستقلاليتنا عن المشاريع القومية الكردية واصالة انتمائنا للأمة العراقية وتاريخها العريق.
ونأمل بهذه المناسبة ان تبادر الاحزاب العراقية والنخب الوطنية الواعية الى تفهم ابعاد ومخاطر هذه الحملة العالمية الجبارة من أجل تكريدنا وفصلنا عن عراقيتنا، نتمنى ان تبادر الجهات واالنخب المثقفة العراقية الى القيام بحملة وطنية مضادة من أجل التضامن معنا ومساعدتنا على التمسك بهويتنا الوطنية المهددة من كل الجهات.
- هنالك للأسف دعوة من قبل بعض القوميين ذوي الميول الارية الى رفض تسمية (يزيدية) لتحل محلها تسمية (ازيدية)، باعتبارها هي التسمية الايرانية الكردية الأفضل، رغم ما في هذا التحريف للتمسية من تجريح واستخفاف بمشاعر أبناء طائفتنا.
ان دعوة تسمية اليزيدية بتسمية جديدة (ازيدية) هو امر خاطئ ليس له أي أساس من الصحة. هذه الدعوة التحريفية نشأت منذ عدة أعوام اولا بدفع من الأحزاب الكردية الموالية ليران وللنزعة العرقية الارية الشاهنشاهية، ثم امتدت ثقافياً الى الأحزاب الكردية العراقية والتركية. وملخص هذه النزعة الارية المدعومة غربيا، هي محاولة ارجاع كل التاريخ والميراث الديني والحضاري للمنطقة الى أسس عنصرية آرية معادية للشعوب السامية والتركستانية..
مثلاً بخصوص ادعاء تشابهنا مع الزرداشتية، اجتمعنا نحن في دبي عام 1991 مع بعض شيوخ الديانة الزرداشتية (المجسية) القادمين من الهند، وبعد نقاش طويل اقتنعنا بأن ليس هنالك أية تشابهات ايمانية أو طقسية ونحن نختلف عن بعضنا مظهراً وجوهراً، وهذا يدحض كل ادعاءات التكريد التي تصر على ارجاعنا الى الديانات الايرانية والهندية الآرية.
ان كتاب (الذات الجريحة) يشرح بالتفصيل كيف ان هذه النزعة الآرية الغربية جعلت مثلاً كل مصادر الحضارة العربية (آرية، اغريقية، ايرانية، هندية)، كذلك تم اعتبار كل التاريخ الحضاري العراقي في العصر الاسلامي ومعه الشخصيات العراقية المعروفة، كلها أعجمية ايرانية، باعتبار الناطقين بالعربية عرب بدو منقطعين عرقياً وحضاريا عن الميراث والتاريخ العراقي السابق للفتح الاسلامي!
يبدو أن حملة التفريس والتعجيم والتكريد هذه قد شملت برحمتها في السنوات الأخيرة طائفتنا اليزيدية، ليس تاريخها وميراثها فحسب، بل حتى اسمها الذي تعتز به منذ قرون طويلة.
ان هؤلاء السادة القوميين يجب أن يعرفوا بأن اسم الطائفة ليس موضة معينة يمكنهم تبديلها حسب الأهواء ومصالح الاحزاب السياسية. فنحن (يزيدية) ونبقى (يزيدية)، ونعتز باصولنا الدينية العراقية. ان اليزيدية في كل أنحاء العالم مكان حجهم ومركز ديانتهم المقدس منذ الأمبراطورية الآشورية البابلية وجزء من منطقة نينوى، وان اليزيدية مرتبطة بأرض العراق دينا وأرضاً وشعباً.
ان جميع الاستكشافات الاثرية التي جرت في مناطق سنجار والشيخان، وكل الاثار والمسكوكات واللقى الاثرية التي تم العثور عليها في مناطقنا، جميعها بابلية آشورية ولم يعثر حتى الان على قطعة اثرية واحدة تدل على وجود ميديين او زرداشتية او مجوسية او أي شيء اخر يخص الحضارة الايرانية.
حتى الكتابة اليزيدية التي استخدمها اليزيديون لتدوين كتبهم المقدسة (الجلوا والكتاب الأسود)، مكتوبة بنوع من الخط الارامي، وهي موجودة في متاحف أوروبا.
علماً بأن هذا التوجه المتأخر نحو طائفتنا لم يكن بأسباب علمية ولا دينية، بل بأسباب استراتيجية تتعلق بالمشاريع الخطيرة التي يتم طبخها في الكواليس الغربية والصهيونية بخصوص بلدنا العراق وعموم منطقة الشرق الأوسط.
بهذه المناسبة نحن نتمنى وندعو جميع المثقفين العراقيين وجميع الجهات الحريصة على وحدة العراق وشعبه بكل فئاته، وبالتنسيق مع المثقفين اليزيديين، من أجل تكوين المؤسسات الثقافية واللجان الدراسية الجادة والوطنية التي تحترم خصوصيتنا اليزيدية وهويتنا العراقية، من دون مزاودات قومية مهما كانت كردوية او عروبية.. فنحن يزيديون عراقيون وكفى..
الأمير أنور معاوية الأموي- أمير الطائفة اليزيدية
المصدر: كلنا شركاء
إضافة تعليق جديد