كوشنير في دمشق اليوم تحضيراً لزيارة ساركوزي
يصل رئيس الدبلوماسية الفرنسية برنار كوشنير اليوم إلى دمشق قادماً من بيروت التي وصلها أمس.
وتهدف زيارة كوشنير لدمشق، وهي الأولى لوزير فرنسي منذ العام 2003، بالدرجة الأولى إلى التحضير لزيارة الرئيس نيكولا ساركوزي، المقررة قبل النصف الأول من الشهر المقبل.
مصادر فرنسية دبلوماسية تضع لمحطة كوشنير الدمشقية إطاراً أوسع جرت ضمنه عملية استئناف العلاقات السورية - الفرنسية على مستوى عال منذ أيار الماضي، فلا تتردد هذه المصادر بالإشارة إلى أهمية «البعد الإقليمي» لهذه العلاقات، إذ لا تنظر باريس ـ وفق ما تقول مصادرها - إلى علاقاتها مع دمشق بشكل معزول عن دور دمشق الإقليمي بما يخص مجمل ملفات المنطقة من لبنان إلى العراق وفلسطين إضافة إلى الملف الإيراني النووي. ومن جهة ثانية سيبحث كوشنير كيفية التقدم نحو التصديق على اتفاق الشراكة السورية الأوروبية.
فباريس مهتمة جداً بتطوير علاقات دمشق مع الاتحاد الأوروبي، وستعمل على تحريك الملف خلال رئاستها الحالية للاتحاد الأوروبي، بعد أن تطّلع على متطلبات السوريين في هذا المجال، لكون الاتفاق وقع بالأحرف الأولى عام 2004 والأمور تغيرت منذئذ، وخاصة على مستوى الإصلاح الاقتصادي في سورية.
وحرصت المصادر الدبلوماسية المواكبة لزيارة كوشنير على الرد بشكل واضح على من يتهمون باريس بـ«التسرع»، في انفتاحها على دمشق. واستعارت ربما من مفردات هؤلاء الذين وصفوا الإدارة الفرنسية بالسذاجة وقالت: «نحن لا نتسرع بل ننتهز الفرص المتاحة ولسنا ساذجين، بل نتعامل بواقعية ونذهب بعينين مفتوحتين على ما يجري ولا محرمات في علاقاتنا مع السوريين ونراقب التطورات المهمة التي طرأت في الأشهر الأخيرة ونريد مواكبتها»، وأضافت: «لقد تغيرت أمور كثيرة، ونحن لا نسير أسرع من اللازم مع دمشق، فمن كان يتصور قبل أشهر أنه سيتم انتخاب رئيس لبناني وأن هذا الأخير سيزور دمشق ويعلن من هناك مع نظيره السوري قيام علاقات دبلوماسية بين بيروت ودمشق».
وأشارت المصادر إلى جملة من التطورات في المنطقة، كان لسورية دور فيها، بدءاً من اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية وما تبعه من انتخاب الرئيس ميشال سليمان وتشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان.
وتوقفت بشكل خاص عند القمة السورية اللبنانية التي شهدت الإعلان عن قرار تبادل السفارات بين لبنان وسورية، ورأت أنها «استمرار لما تم الإعلان عنه في باريس»، عقب قمة الرئيسين بشار الأسد ونيكولا ساركوزي في 12 من الشهر الماضي.
ومن هذه الناحية تبدي باريس ارتياحاً لتطور الأمور ولا تريد الانتظار أكثر في خطواتها مع دمشق. وحرصت الأوساط الدبلوماسية في الوقت نفسه على توضيح مسألة سال الكثير من الحبر حولها، تتعلق بالحديث عن «رهن علاقات باريس بدمشق بما تفعله الأخيرة مع لبنان»، وردت على هذا الحديث قائلة: «يبقى الملف اللبناني مهماً في علاقتنا مع سورية ولكن هناك جوانب أخرى في علاقاتنا معها».
وذكرت بأن سورية معنية بملفات إقليمية أساسية، وأن هناك «المحادثات السورية الإسرائيلية غير المباشرة بوساطة تركيا، والملف الفلسطيني، وعلاقة سورية بإيران».
وتدرك باريس تماماً - وفق ما تقول مصادرها - الدور السوري على الصعيد الفلسطيني وخاصة من خلال علاقات دمشق مع مختلف الفصائل الفلسطينية. وكذلك الأمر بالنسبة للعراق، الذي تبدي باريس اهتماماً كبيراً بتطوراته وقد زار كوشنير العراق مرتين.
وبالنسبة للمفاوضات السورية الإسرائيلية فبات معروفاً اهتمام باريس بتفعيل دور الاتحاد الأوروبي الذي تترأسه حالياً في ملف السلام، ونص البيان السوري الفرنسي عقب قمة الرئيسين في باريس على مساهمة فرنسا وأوروبا في هذه المفاوضات عندما تصبح مباشرة.
أما على صعيد الملف الإيراني النووي فتعتبر فرنسا أنه يمكن استغلال علاقة دمشق الجيدة بطهران من أجل «إقناع القادة الإيرانيين بأن مصلحة إيران تكمن في الخروج من المأزق الحالي»، وفق ما تقول هذه المصادر. وهذا في الواقع عنصر جديد ظهر في رؤية باريس إلى علاقات دمشق بطهران خلال قمة الرئيسين الأسد وساركوزي، إذ لم تعد تترد على ألسنة الفرنسيين نغمة إبعاد دمشق عن طهران، وحلت مكانها فكرة «الاستفادة من هذه العلاقة من أجل الإسهام بحل الأزمة النووية».
بشكل عام تريد باريس، حسب المصادر، «مواكبة الديناميكية الجديدة التي انطلقت في المنطقة مع اتفاق الدوحة واستئناف المحادثات مع إسرائيل، فلا يمكن القول إنه لم يتغير شيء، كما لا يمكن أن نراوح مكاننا على حين الأمور تسير أمامنا». وترى باريس أنه لابد من «تشجيع دمشق على الإسهام أكثر في تهدئة في منطقة». وهذه هي «الرسالة العامة» التي يحملها كوشنير إلى السوريين اليوم.
كما استبقت المصادر الفرنسية الانتقادات التي يمكن أن تطول الدبلوماسية الفرنسية حول موضوعات حقوق الإنسان وغيرها، فقالت: «ليس هناك محرمات في حوارنا مع السوريين»، وذكرت بأن هذا الموضوع طرحه ساركوزي مع الرئيس الأسد وأن الوزير كوشنير سيلتقي ممثلين عن المجتمع المدني في دمشق. وأشارت في الوقت نفسه إلى «تقدم» على هذا الصعيد، ونوهت بأن «باريس تثمن خطوة الإفراج عن الأستاذ الجامعي عارف دليلة»، قبل أسابيع. وأكدت المصادر الفرنسية مجدداً عدم حماسة السعوديين للانفتاح على سورية.
ولكنها أوضحت أن «فرنسا لا تطلب موافقة شركائها من أجل القيام بمبادرة أو إحياء الحوار مع بلد ما». وذكرت أن الخلاف بين فرنسا والسعودية تركز على «الطريقة» التي اتبعها ساركوزي في انفتاحه على دمشق و«رزنامة» الخطوات التي تم اتخاذها بين العاصمتين السورية والفرنسية أكثر منه على المضمون، ونوهت بأن باريس تطلع السعودية على خطواتها نحو سورية. وعزت المصادر التشدد في موقف السعوديين إلى «فقدان الثقة» بين الرياض ودمشق. وبالمقابل اعتبرت المصادر أن «الحوار كان مثمراً» مع الرئيس المصري حسني مبارك حول العلاقة مع سورية، وأشارت إلى تقارب في وجهات النظر بين باريس والقاهرة.
وبدا واضحاً من حديث المصادر الفرنسية حرص فرنسا على عدم التدخل في الشؤون التي تخص علاقات سورية بالدول الأخرى، فلدى الحديث عن الملف اللبناني ومسألة ترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية، قالت: «هذا يتم في إطار لبناني سوري»، وعندما سئلت المصادر حول الزيارة الأخيرة للرئيس الأسد إلى موسكو وما أعلنته إسرائيل من مخاوف حول تسليح سورية، أجابت: «لسنا معنيين بالتدخل في علاقات موسكو بدمشق فهذا شأن يخص الدولتين، وغير مطروح على جدول أعمال الوزير كوشنير».
الواضح اليوم أن باريس باتت تتبنى «نظرة واقعية» في علاقاتها مع دمشق تقوم على المصالح المشتركة وعلى الدور الذي يمكن أن تلعبه كل من الدولتين في محيطهما ومن موقعهما الإقليمي والدولي، وخرجت السياسة الفرنسية من النظر إلى سورية عبر «المنظار اللبناني» وحده، كما كان يحدث سابقاً. وضمن هذه الرؤية العامة يمكن تصنيف زيارة كوشنير والقمة المرتقبة للرئيسين الأسد وساركوزي في دمشق.
وسيم الأحمر
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد