زيارة أوباما ودبلوماسية واشنطن الجديدة تجاه أنقرة
الجمل: تعتبر زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى تركيا خلال يومي 6 و7 نيسان الحالي من الزيارات التي تندرج ضمن التحركات الدبلوماسية الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في العديد من مناطق العالم. هذا، وبرغم انتهاء فعاليات الزيارة فإن تداعياتها ستظل لفترة أطول موضوعاً للتحاليل والتوقعات.
* دبلوماسية واشنطن: لماذا تركيا؟
تتأثر عملية صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية بعاملين، الأول يتمثل في البيئة الموضوعية الخارجية والثاني يتمثل في معطيات البيئة الذاتية التي تتضمن القدرات الذاتية والإدراك الذاتي وبالتالي فعلى خلفية هذين العاملين يتم وضع تقديرات الموقف ومن ثم يأتي القرار.
وتأسيساً على ذلك، فالإجابة على السؤال القائل: لماذا تركيا؟ أو بالأحرى لماذا إصرار الإدارة الأمريكية أياً كانت توجهاتها على تركيا؟ هو سؤال تبدو الإجابة عليه أكثر وضوحاُ من خلال التعليق القائل إنه ولكل إدارة أمريكية لا بد من تركيا وإن تزايدت الخلافات وتصاعد تمرد النخبة التركية المسيطرة على أنقرة، وذلك لأن تركيا وبإجماع كل الخبراء الاستراتيجيين تمثل مفتاح النجاح والعصا السحرية الجيو-ستراتيجية والجيو-بوليتيكة لكافة مشروعات الهيمنة الأمريكية:
• التأثير الأمريكي على آسيا الوسطى يمر عبر تركيا.
• التأثير الأمريكي على روسيا والقوقاز يمر عبر تركيا.
• التأثير الأمريكي على العراق والخليج العربي يمر عبر تركيا.
• التأثير الأمريكي على جنوب أوروبا يمر عبر تركيا.
• التأثير الأمريكي على شرق المتوسط يمر عبر تركيا.
• التأثير الأمريكي على جنوب أوروبا يمر عبر تركيا.
• التأثير الأمريكي على البحر المتوسط والبحر الأسود يمر عبر تركيا.
بكلمات أخرى فإن نجاح التأثير الأمريكي في هذه المناطق يتميز بنتيجتين حاسمتين الأولى تقول أنه تأثير لا يمكن أن يتم إلا عن طريق تركيا والثانية تقول أنه تأثير لو نجح فإن مشروع الهيمنة الأمريكية على العالم سيصبح أمراً محققاً.
* جدول أعمال العلاقات الأمريكية – التركية:
سعت الإدارات الأمريكية في مرحلة ما قبل إدارة بوش إلى استخدام وتوظيف تركيا بشكل مستمر في تطبيق أجندة سياساتها الخارجية عندما سعت في الاتجاه نفسه وجدت القبول والموافقة من أنقرة ما قبل حزب العدالة والتنمية، صعود إدارة بوش الثانية كان متزامناً مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا وأدى ذلك إلى أن تصطدم توجهات الولايات المتحدة هذه المرة بـ"لا" تركية. وقد تزايد الخلاف على خط واشنطن – أنقرة حول الآتي:
• ملف النفوذ الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
• ملف النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
• ملف النفوذ الأمريكي في القوقاز.
• ملف الصراع اليوناني – التركي.
• ملف الاحتلال الأمريكي للعراق.
• ملف الاستهداف الأمريكي لإيران.
حاولت إدارة بوش استخدام سياسة العصا والجزرة لجهة القيام باحتواء أنقرة، وقد تمثلت هذه السياسة في الآتي:
• ترغيب أنقرة عن طريق الجزرة المتمثلة في:
- عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي.
- المساعدات الأمريكية.
- تمديد أنابيب النفط والغاز.
- دعم البرنامج النووي التركي.
• ترهيب أنقرة عن طريق العصا:
- دعم الحركات الكردية الانفصالية.
- دعم خصوم حزب العدالة والتنمية.
- بناء التحالفات الأمريكية – الإسرائيلية مع جورجيا وأذربيجان.
- الإضرار بعلاقات تركيا التجارية مع البلدان الخليجية.
- عرقلة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
- دعم اليونان.
- قطع المعونات والمساعدات.
لم تفلح سياسة العصا والجزرة لا في تغيير توازن القوى الداخلي التركي لمصلحة واشنطن ولا في ترويض حكومة حزب العدالة والتنمية لجهة الرد بالإيجاب على المطالب الأمريكية، وبدلاً من ذلك ظلت "لا" التركية في مكانها، إضافة إلى أنها لم تعد حصراً في مواجهة واشنطن، وإنما كذلك إسرائيل.
جاءت زيارة الرئيس أوباما إلى تركيا ضمن تأكيدات تقول أن دبلوماسية أمريكا الجديدة سيكون أمامها إما محاولة ترويض أنقرة بطرق دبلوماسية لكي تقول نعم، أو أن تقوم واشنطن بتكييف أجندتها بما يتطابق مع توجهات أنقرة، وفي هذا الخصوص تشير التأكيدات والتسريبات أن مجلس الأمن القومي الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية لم يكملا تقويم وضبط خطوط السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، وسبب التعطيل هو مواقف أنقرة، وبكلمات أخرى فإن تقويم السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة سيتوقف على نوعين من الحسابات الاستراتيجية، الأولى تتضمن التعامل مع البدائل المتاحة في حالة عدم تعاون أنقرة، وعلى هذه الخلفية، فإن زيارة الرئيس أوباما وإن كانت في الجانب المعلن منها تمثل زيارة من أجل تعزيز العلاقات والروابط الثنائية فهي في جانبها غير المعلن تمثل زيارة استطلاعية بما يتيح للإدارة الأمريكية التعرف عن قرب على النوايا التركية بدلاً من الاكتفاء بمجرد المراقبة عن كثب.
استطلاع النوايا التركية سيتوقف عليه قيام مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأمريكية بحسم الموقف المتعلق بالآتي:
• طبيعة العلاقات الروسية – الأمريكية خلال الفترة المقبلة، لأن تعاون أنقرة مع واشنطن سيعزز قدرة أمريكا في استهداف روسيا، ورفض أنقرة سيضعف قدرة واشنطن في ذلك، وبالتالي فمن الأفضل لواشنطن في هذه الحالة التعاون مع روسيا إلى حين تغير الظروف.
• طبيعة العلاقات التركية – السورية، لأن إصرار أنقرة على التعاون مع سوريا سوف لن يتيح لواشنطن سوى خيار التعامل مع دمشق.
• طبيعة العلاقات التركية – الأوروبية، لأن عدم قبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي سيدفعها ليس إلى الاندماج نهائياً في بيئتها الشرق أوسطية والتخلي عن علاقاتها الأوروبية وحسب، وإنما كذلك إلى معاقبة أمريكا باعتبارها الطرف القادر على فرض عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي.
• طبيعة الدور التركي في حلف الناتو، وذلك لأن تركيا سبق وتعاملت بفتور مع أجندة سياسة الدفاع والأمن الأوروبي على أساس اعتبارات جعل دول الاتحاد تفهم أن تركيا ليست مستعدة للدفاع عن دول الاتحاد الأوروبي طالما أن دول هذا الاتحاد ترفض منح تركيا عضويته.
• طبيعة العلاقات النفطية في المنطقة، لأن تركيا ستمثل مركز الثقل بالنسبة للمشروع النفطي الأمريكي والمشروع النفطي الروسي طالما أن كل واحد من الطرفين لن يستطيع الاستغناء عن استخدام الممر التركي لتمديد خطوط أنابيب النفط والغاز.
• طبيعة علاقات تركيا بالعالم الإسلامي حيث تركيا بلد إسلامي شرق أوسطي تم إلحاقه خلال القرن الماضي بالعالم الأوروبي الغربي وبلكن لاحقاً أدت التطورات إلى تراجع مشروع الهوية العلمانية – الأوروبية الغربية أمام تقدم وصعود الهوية الإسلامية الشرق أوسطية وبالتالي فإن مضي واشنطن قدماً في مخطط استهداف الهوية الإسلامية سيترتب عليه خسارة تركيا وتحولها إلى موقف الصراع ومن ثم فإن أمام إدارة أوباما الاستفادة من توجهات تركيا الجديدة لجهة إعادة ترميم وتحسين علاقات واشنطن مع العالم الإسلامي، وقد بدا ذلك واضحاً في تصريح أوباما الذي نفى فيه أمام الرأي العام التركي معاداة واشنطن للإسلام والمسلمين.
وتقول المعلومات أن أولى خطوات التعاون التركي – الأمريكي القادمة تتضمن ما يلي:
• في الملف الأوروبي: ستدعم واشنطن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بشكل معلن ولكن بشكل غير معلن ستقوم تركيا بإعاقة صعود النفوذ الفرنسي في حلف الناتو بما يؤدي إلى منع باريس من منافسة واشنطن في قيادة الحلف مستقبلاً.
• في الملف الأفغاني: ستدعم تركيا الجهود العسكرية الأمريكية مقابل أن تقوم واشنطن بالقبول بالوساطة التركية في أزمة الملف النووي الإيراني.
• في الملف القوقازي: ستدعم واشنطن جهود أنقرة الإقليمية المتعلقة بتثبيت استقرار القوقاز مقابل أن تدعم أنقرة الجهود النفطية الأمريكية.
• في الملف العراقي: ستدعم تركيا جهود واشنطن إزاء استقرار العراق مقابل أن ألا تقوم واشنطن بدعم الحركات الكردية الانفصالية.
• في الملف الشرق أوسطي: ستدعم واشنطن جهود الوساطة التركية في السلام بين سوريا وإسرائيل مقابل التزام تركيا بعدم توتير علاقاتها مع إسرائيل.
عموماً تقول المعلومات والتسريبات التي أوردتها التقارير والتحليلات التركية الصادرة بواسطة صحف زمان اليوم وميليت وتيركيش ويكلي، والموقع الإلكتروني لمركز دراسات توركزام، بأن تفكيك شفرة زيارة الرئيس أوباما الأخيرة لتركيا ينطوي على قدر كبير من الصفقات الفائقة الأهمية والحساسية وبرغم غموض وسرية ما تم التفاهم حوله فإن ردود أفعال بعض الأطراف الدولية كشفت عن بعض الخيوط والتفاصيل ومن أبرزها:
• تراجعت أنقرة قبل زيارة أوباما بقليل عن معارضتها لتولي الدنماركي راسموزين لمنصب أمين عام حلف الناتو وتقول التسريبات بأن التراجع التركي جاء مباشرة بعد تفاهم تركي – أمريكي على هامش قمة الـ20 التي عقدت الأسبوع الماضي في لندن.
• بدأت ردود الأفعال الفرنسية إزاء تركيا تأخذ أبعاداً أكثر حدة، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي كوشنير عن تخليه عن موقفه السابق المؤيد لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بما يشير إلى أن فرنسا ستتخذ موقفاً سافراً لمعارضة عضوية تركيا في الاتحاد وتقول المعلومات والتسريبات أن تفاهم واشنطن بشأن عودة فرنسا لقيادة حلف الناتو العسكرية قد أغضبت باريس التي لم تتردد في الرد والتلويح بعصاها في وجه أنقرة.
أما بالنسبة لموقف إسرائيل إزاء مساعي الإدارة الأمريكية الجديدة لجهة إعادة تفعيل دبلوماسية علاقات خط واشنطن – أنقرة فقد بدأت التحليلات الواردة في الصحف الإسرائيلية وتقارير مراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وبريطانيا واستراليا اهتماماً يجمع بين الرضا والانزعاج فالرضا لجهة احتمالات عودة أنقرة لتفعيل علاقات خط أنقرة – تل أبيب بما يلبي التصورات الإسرائيلية والانزعاج لجهة احتمالات أن يؤدي تفاهم أنقرة – واشنن لجهة الضغط على تل أبيب بما يرغمها على تديم التنازلات لسوريا والفلسطينيين، وعلى هذه الخلفية تشير المعلومات الواردة إلى أن زيارة أوباما لإسرائيل خلال الشهرين القادمين ستحدد بقدر كبير مستقبل علاقات مثلث أنقرة – واشنطن – تل أبيب. وتقول المعلومات والتسريبات أن مجلس الأمن القومي الأمريكي وتحديداً شابيرو المسؤول عن الشرق الأوسط، ووزارة الخارجية وتحديداً فيلتمان المسؤول عن الشرق الأوسط سيواجهان صعوبة كبيرة في رسم الخطوط والملامح العامة لنموذج السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية خلال الفترة القادمة لأن كل الحسابات تقول أن أنقرة ستشكل العقبة الرئيسية أمام استمرار نموذج السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية السابق والقائم على تفعيل مذهبية نظرية دواعي حماية أمن إسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد