إسرائيل تباشـر عملية الخروج من المفاوضات: غارات على غزة

بعد ايام فقط على انطلاق المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بمراسم احتفالية في واشنطن، سارعت الحكومة الاسرائيلية إلى وضع العراقيل في طريقها، مستبقة وصول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى شرم الشيخ للإشراف على ثانية جولات التفاوض في 14 أيلول الحالي، بسلسلة غارات على قطاع غزة أسفرت عن استشهاد فلسطينيَين، وإلغاء اجتماع كان مقررا عقده اليوم في أريحا بين رئيسي طاقمي المفاوضات، في وقت بدا أنّ الموقف الاسرائيلي من تمديد قرار تجميد الاستيطان قد حُسم سلباً، وهو ما أعرب عنه وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك الذي تحدث عن مساع لإقناع الفلسطينيين ببعض المشاريع الاستيطانية الجديدة، فيما استبعد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين «لا في العام المقبل، ولا في الجيل المقبل».
وبدا أن إسرائيل قد باشرت بتنفيذ تهديداتها ضد غزة التي سبقت وواكبت المراسم الاحتفالية في واشنطن، حيث استشهد فلسطينيان وجُرح ثلاثة آخرون، مساء أمس الأول، في ثلاث غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على جنوبي القطاع. وذكرت مصادر فلسطينية أنّ الغارات استهدفت أنفاقا للتهريب قرب رفح، لا سيما في منطقة حي السلام القريبة من الشريط الحدودي مع مصر. كما شنت الطائرات الإسرائيلية مساء امس غارة على شرقي مدينة خان يونس استهدفت قاعدة سابقة لحركة حماس.
وقررت إسرائيل، أمس، إلغاء لقاء كان مقررا عقده اليوم في أريحا بين رئيسي الطاقمين الإسرائيلي اسحق مولخو والفلسطيني صائب عريقات، وذلك رداً على قيام الفلسطينيين بتسريب أمر انعقاده لوسائل الإعلام، حيث أبدت إسرائيل غضبها على تجاهل الفلسطينيين التفاهمات السرية التي أبرمت بحضور الأميركيين.
وكانت الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية قد شهدت صراعا حول المفاوضات عموما، والموقف من قرار تجميد الاستيطان الذي ينتهي مفعوله في السادس والعشرين من الشهر الحالي. وبالرغم من أن نتنياهو كان قد وعد الوزراء بتقديم عرض موسع عن المفاوضات مع الفلسطينيين، إلا أنه تجنب الحديث عن الموضوع السياسي، لا بل حال دون تطور نقاش في الحكومة حول المفاوضات، إذ لم يتمكن سوى أربعة وزراء من الحديث في هذا الشأن، قبل أن يوقف نتنياهو هذا النقاش.

وقال نتنياهو، الذي كان أوّل من حاول إشاعة التفاؤل حول المفاوضات في الأيام الأخيرة، إن «هناك شعوراً بالنضج في العالم العربي للتوصل إلى السلام»، وحتى إذا كانت هناك دول مهمة لم تقف بعد إلى جانب المفاوضات السلمية «فإن الانطباع عندي هو أن لديها استعدادا للوصول رغم الهجمات، وهذا يعبر عن نضج في العالم العربي».
وأشار إلى أن «هذا هو الوقت للتقدم للسلام مع الفلسطينيين وتوسيع الدائرة أكثر. وهذا الشعور ينبع من فهمي مغزى البدائل الأخرى، وكذلك من تراكم اعتراف الدول العربية بوجوب التوصل إلى تسوية مع إسرائيل». ومع ذلك، شدد نتنياهو على أن الخلاف حول استمرار تجميد الاستيطان لا يزال على حاله.
واعتبر نتنياهو، أمام أعضاء حكومته، أن هناك حاجة إلى «تفكير إبداعي» في مفاوضات السلام، وأن على المفاوضين أن يتعلموا من إخفاقات الماضي إذا ما كانوا يرغبون في التوصل إلى حلول للمشاكل المعقدة التي يواجهها الشرق الأوسط. وأضاف «أعتقد أن بداية المفاوضات المباشرة في واشنطن كانت خطوة مهمة في الطريق باتجاه إطار عمل بيننا وبين الفلسطينيين»، مشدداً على أنّ هذه المفاوضات «يجب أن تظل مباشرة ومتواصلة وذات مصداقية إذا كان هناك أي أمل في تحقيق السلام». وشدد نتنياهو على أنّ أي اتفاق مع الفلسطينيين «يجب أن يضمن مصالح إسرائيل القومية، وفي مقدمتها الأمن».
وأبدى العديد من أعضاء حكومة نتنياهو معارضتهم تمديد قرار تجميد الاستيطان، حيث قال وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتس إن «الحوار مهم للجانبين، لكن هذا لا علاقة له بقراراتنا الأحادية لتجميد البناء في المستوطنات حتى نهاية أيلول»، مضيفاً «لقد كانت هذه لفتة أحادية.. ونحن لا نتفاوض بشأن لفتات أحادية»، فيما قال وزير البنى التحتية عوزي لانداو إنه «خلال ثلاثة اسابيع، فإن تجميد البناء في المستوطنات سينتهي. انه قرار حكومة. لقد فعلنا ذلك كلفتة ويتعين علينا أن نلتزم بمواقفنا».
بدوره، استبعد وزير الدفاع ايهود باراك أي تمديد لقرار التجميد، قائلاً «لا اعتقد أن (القرار) سيستمر، لكننا نبحث عن طريقة نضمن من خلالها عدم تأثير ذلك سلباً على المفاوضات». وأضاف انّ «إسرائيل ستسعى إلى إقناع عباس بالقبول ببعض الإنشاءات (الاستيطانية) الجديدة».
وبدا بالأمس، كأن نتنياهو يتقاسم الأدوار مع وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان الذي قال إنه «ينبغي أن ندرك أن التوقيع على اتفاقية سلام شامل هو هدف غير قابل للتحقيق، لا في العام المقبل، ولا في الجيل المقبل»، معتبراً أنه «لا فائدة أبدا، لا في التسويات التاريخية، ولا في التنازلات المؤلمة». وأضاف «يقولون ان (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبا مازن ضد الإرهاب. أنا أوافق على هذا القول، لكن ينبغي إدراك أنّ أبا مازن لن يوقع على اتفاق، وكحد أقصى فإنه سيهدد بالاستقالة. إنه لن يحارب، ولن يوقع، ولن يستقيل. لذلك يجب التركيز على المشكلتين الأساسيتين، وهما الأمن والاقتصاد». وطالب ليبرمان باستئناف الاستيطان، مشدداً على أن الحل الوحيد هو التسوية المرحلية.
وكانت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو نشرت أقوالا خطيرة منسوبة إليه، مفادها أن فلسطينيي الـ 48 سيكونون جزءاً من اتفاق التسوية النهائية. ويُعتبر هذا الموقف اقترابا من موقف ليبرمان، الذي طالما دعا إلى التبادل السكاني في كل تسوية نهائية. وأشارت الصحيفة إلى أن فلسطينيي الـ 48 «سيكونون جزءا من التسوية الدائمة بين إسرائيل والفلسطينيين. فهم سيبقون مواطنين إسرائيليين متساوي الحقوق، لكن لن يكون بوسعهم المطالبة بتقرير المصير والاستقلال، أو ان يصبحوا جزءا من الدولة الفلسطينية التي ستقوم».
وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذا الموقف أطلقه نتنياهو، الأسبوع الماضي، في أحاديث مغلقة أجراها في واشنطن. فقد سئل عمّا إذا كان سيطرح الاتفاق الدائم على استفتاء شعبي، فأجاب بأنه «سيكون هناك نقاش جماهيري واسع».
وعلى الجانب الفلسطيني، حذر رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات من أن السلطة الفلسطينية «ستزول» في حال فشل المفاوضات.
يذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قام خلال اليومين الماضيين بزيارتين لكل من تونس وليبيا، حيث التقى كلاً من الرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس التونسي زين العابدين من علي.
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي أن مدينة شرم الشيخ ستستضيف الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة في الرابع عشر من أيلول الحالي. وأوضح أن هذه المفاوضات ستجرى على مستوى عباس ونتنياهو، وبمشاركة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، الأمر الذي أكده مسؤول رسمي في الخارجية الأميركية.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية إن المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل سيرافق كلينتون وأنها ستزور القدس المحتلة بعد محادثات شرم الشيخ. وذكرت صحيفة «هآرتس» أنّ كلينتون تخطط لأن تكون الجولة الثالثة من المفاوضات في القدس. ووصفت الصحيفة هذه الخطوة بأنها «رمزية» وتستهدف «إظهار جدية مفاوضات السلام». 

المصدر: السفير + وكالات