جمعة دمشقية حزينة: 210 قتلى وجرحى بهجومين انتحاريين
شهدت الأزمة السورية تحولا بارزا، أمس، يوحي بأن تدهورا جديدا قد يصيب الأوضاع العامة، سواء كان تنظيم القاعدة وراء عملية التفجير أو جهات أخرى، خصوصا أن التفجيرين جريا بأسلوب «القاعدة» عبر انتحاريين، وفي ساعات صباح يوم الجمعة، وذلك بعد أخبار مكثفة الأسبوعين الماضيين عن اكتشاف عبوات معظمها في مناطق حماه وحمص وإدلب، كما توافقا مع ما جرى إعلانه في لبنان منذ يومين عن تسلل عناصر من «القاعدة» إلى سوريا.
وفي حين عكست مشاهد الأشلاء والدمار صور المعاناة العراقية المشابهة، والتي تكررت في بغداد قبل يومين فقط، فإن الانفجارين في حي كفرسوسة، بالتزامن مع بدء المهمة العربية في سوريا، خلقا حالة من الذهول بالنسبة للسوريين، خصوصا أنهما جريا في أحد مراكز العاصمة، وكان يمكن لأعداد الضحايا والجرحى التي بلغت 44 قتيلا، و166 جريحا، وفق مصدر رسمي، أن تكون أضعاف الرقم لو كانت في يوم عادي.
وفيما سجل موقف لافت لواشنطن التي ادانت الهجومين مؤكدة انه «من المهم ألا يعرقل الهجوم العمل الحيوي لبعثة المراقبين»، فإن غالبية شخصيات المعارضة سارعت الى تحميل السلطة مسؤولية العملية. إلا أن الانطباع العام الذي عكسته المواقف، سواء عبر الشارع أو مواقع الانترنت، كان معاكسا. وقد دعت بعض شخصيات المعارضة السوريين للتظاهر وملء الميادين (باعتبار أن الأمن مشغول بآثار التفجيرين!)، فيما ذهب بعض الدبلوماسيين إلى التحليل بأن الوضع في سوريا «دفع إلى هاوية» جديدة، وكان بعضهم جال في محيط الموقعين حيث أحيط الموقعان بإجراءات أمنية مكثفة للغاية، بشكل يستحيل الدخول من دون مرافق عسكري أو أمني.
وذكرت وكالة (سانا) في خبر مقتضب أن «عمليتين إرهابيتين نفذهما انتحاريان بسيارتين مفخختين أصابتا صباح اليوم (أمس) إدارة أمن الدولة وأحد الأفرع الأمنية في دمشق». وأضافت أن «التحقيقات الأولية تشير إلى أن العمليتين الإرهابيتين من أعمال تنظيم القاعدة».
وتابع الخبر أن مقدمة «بعثة مراقبي الجامعة العربية (برئاسة مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية سمير سيف اليزل وحضور نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد) زارت موقعي العمليتين الإرهابيتين واطلعت على آثارهما الفظيعة».
وجاء الهجومان غداة وصول طلائع بعثة المراقبين العرب إلى سوريا برئاسة المسؤول في الجامعة العربية سمير سيف اليزل لتسوية المسائل اللوجستية والتنظيمية تمهيدا لوصول بين 30 و50 مراقبا عربيا الاثنين المقبل.
وأدان اليزل الانفجارين، وأبدى أسفه للضحايا، لكنه رفض الإجابة عن سؤال عما إن كان هذا يغير من قناعة الجامعة العربية بوجود مجموعات مسلحة في سوريا. وأضاف إن المهمة بدأت بمحادثات مع السلطات ويفترض أن تلتقي البعثة اليوم وزير الخارجية السوري وليد المعلم، مشددا على أن «عمل البعثة سيتم بشكل عادي وكامل».
وقال نائب الأمين العام للجامعة أحمد بن حلي «بعثة مراقبي الجامعة العربية ستغادر الى سوريا الاثنين المقبل برئاسة محمد أحمد مصطفى الدابي وتضم أكثر من 50 شخصا جميعهم من العرب».
وقال المقداد، امام مقر الاستخبارات، ان «الإرهاب أراد منذ اليوم الأول لعمل الجامعة ان يكون دمويا ومأساويا»، مؤكدا أن «شعب سوريا سيواجه آلة القتل المدعومة أوروبيا وأميركيا ومن بعض الأطراف العربية». وأضاف «اليوم بعد وصول المراقبين هذه هدية الإرهاب الأولى، إرهاب وقتل وقاعدة. الإرهابيون مسؤولون عن مقتل أبناء سوريا الأبرياء». وأضاف «سنقوم بتسهيل عمل مراقبي الجامعة العربية الى أقصى حد»، مضيفا «هذه هي هوية الارهاب كي يظهر للعالم ما تعانيه سوريا من اعمال ارهابية».
وعن احتمال اتهام السلطات السورية من قبل معارضين بالوقوف وراء الانفجار، قال المقداد «هؤلاء مجرمون ومن سيقول ذلك سيكون مجرما وسيكون داعما أساسيا للإرهاب والقتل».
ولم يستبعد مدير الاستخبارات العسكرية في ريف دمشق العميد رستم غزالة حدوث تفجيرات أخرى. وقال ان الهجومين اثبات على تدخل خارجي لضرب سوريا. وأضاف «سنحارب هذا المشروع حتى آخر قطرة من دمنا».
واختلفت الرواية بين فرد وآخر، حيث تحدث شهود وجرحى لوسائل الإعلام أن قائد إحدى السيارات حاول القفز منها قبل تفجيرها، فيما جرى الحديث عن سيارة ثالثة تواجدت في موقع الحادث وضمت بداخلها امرأة، وقد تفحم من كان فيها بطبيعة الحال. وتحدث البعض الآخر عن سيارة سوداء وآخر عن شاحنة مغلقة بيضاء اللون.
وكان شهود عيان رووا أن سيارة حاولت اقتحام مقر أمن المنطقة المحاذي لوزارة التعليم العالي قبل أن تنفجر بمن فيها، فيما وقع الانفجار الثاني بعد دقيقة تقريبا من الأول، وعلى مسافة نصف كيلومتر تقريبا، وتبعته رشقات نارية كثيفة. وذكر بيان وزارة الداخلية السورية «أن طريقة تنفيذ العمليتين تشير إلى تصعيد نوعي في العمليات الإرهابية التي تتعرض لها سوريا منذ أكثر من تسعة أشهر». وأضاف أن إحدى السيارتين كانت سيارة دفع رباعية من نوع «جي أم سي». واستشهد في احد التفجيرين عميد متعاقد مع أمن الدولة هو نعيم موراني.
وأعلنت أن «حصيلة العمليتين الانتحاريتين اللتين شهدتهما دمشق بلغت 44 قتيلا، و166 جريحا». وأضافت إن «انتحاريا بسيارة مفخخة أقدم على اقتحام الباب الرئيسي لفرع أمن المنطقة بدمشق عند الساعة العاشرة و18 دقيقة صباحا»، مضيفة أنه «بعد دقيقة واحدة استهدف انتحاري آخر مبنى إدارة الاستخبارات العامة بسيارة مفخخة رباعية الدفع». وأكد أن «طريقة وأسلوب تنفيذ العمليتين، واختيار المكانين اللذين يتصفان بالازدحام بهدف قتل أكبر عدد ممكن من المواطنين تشير إلى بصمات تنظيم القاعدة». وطلبت الوزارة من المواطنين السوريين «التعاون مع الجهات المختصة في الابلاغ عن اي حالة مشبوهة».
وقال مسؤول عسكري ان زنة العبوة التي كانت في السيارة التي استهدفت مبنى الاستخبارات تزن حوالى 300 كيلوغرام.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي قال لوكالة «رويترز»، إن «السلطات اللبنانية حذرت سوريا قبل يومين من أن مجموعة من مقاتلي القاعدة تسللت إلى الأراضي السورية عبر بلدة عرسال» اللبنانية الشمالية. وأضاف أن «المطالبين بالحرية يجب أن يعلموا أن هذا ليس هو السبيل لتحقيق الديموقراطية».
من جهته، أكد وزير الصحة السوري وائل الحلقي أن العشرات من الأطفال والنساء والمسنين راجعوا المستشفيات لتلقي الخدمات الاسعافية والطبية جراء إصابتهم بالصدمة النفسية نتيجة الانفجارين اللذين سببهما العملان الإرهابيان. وذكرت «سانا» أن مبنى للأيتام تضرر، كما قتل طفل بالانفجار.
وتجمعت حشود من السوريين في دمشق وريفها والحسكة والسويداء واللاذقية استنكارا للتفجيرين وللجرائم وعمليات التخريب التي ترتكبها المجموعات المسلحة وتستهدف أمن سوريا وشعبها. كما تجمعت حشود من المواطنين أمام فندق الشام مقر إقامة بعثة مراقبي الجامعة العربية استنكارا للعملين الإرهابيين اللذين وقعا في دمشق.
واتهم «المجلس الوطني السوري» المعارض، في بيان، النظام بتدبير الهجومين. وقال «ان النظام السوري وحده يتحمل المسؤولية المباشرة عن التفجيرين الإرهابيين مع أجهزته الأمنية الدموية التي أرادت أن توجه رسالة تحذير للمراقبين (العرب) بعدم الاقتراب من المقرات الأمنية وأخرى للعالم بأن النظام يواجه خطرا خارجيا وليس ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة». واتهم النظام بالتخطيط «لارتكاب مزيد من عمليات التفجير في سوريا بهدف إشاعة أجواء من الرعب والفوضى، ومنع المراقبين العرب من الوصول إلى الحقائق التي باتت معروفة لدى الرأي العام في سوريا وفي العالم أجمع».
ووسط صمت مطبق من العواصم العربية عدا لبنان، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية محمد الكايد إن «الأردن ومن منطلق موقفه المبدئي برفض وإدانة الإرهاب بكل صوره، يدين بشدة العمليتين الإرهابيتين اللتين وقعتا في دمشق». وأضاف ان «الأردن يأمل بإخلاص أن يعود الاستقرار والوئام والأمان لسوريا والأمن لشعبها الشقيق وان يتوقف القتل ونزيف الدم هناك وأن يتم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة فورا».
وفي نيويورك، قال متحدث باسم الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، مارتن نسيركي ان الامين العام «يشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد العنف في سوريا». وأضاف «ان انفجارات اليوم في دمشق التي اوقعت اعدادا كبيرة من القتلى والمصابين، تؤكد مخاوفه المتنامية. وقد اكد ان العنف أيا كان غير مقبول ويجب ان يتوقف فورا».
وبرغم الهجمات التي وقعت مؤخرا شدد بان كي مون على الحاجة الى تغيير سياسي «شامل وموثوق به» في سوريا. وقال ان «على الحكومة السورية ان تنفذ تنفيذا كاملا وسريعا خطة الجامعة العربية مرحبا بوصول مراقبي الجامعة الى دمشق».
وأدانت موسكو التفجيرين. وأعربت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، عن «تعازيها لذوي الضحايا وأدانت بشدة هذا الهجوم الإرهابي البربري الذي أدى إلى مقتل عدد كبير من الأبرياء».
ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف («رويترز») إلى إنهاء العنف في سوريا، لكنه شدد ان على الغرب الا يتجاهل الخطر الذي تمثله جماعات متشددة في سوريا. وقال «اذا اغمضت عينيك عن هذا الجزء من الحقيقة فقد يتفكك الموقف إلى ما شاهدناه في ليبيا... لقد استخدمت الدول الغربية شعار حماية المدنيين في اطاحة نظام (معمر) القذافي». وأضاف «لا يمكننا الموافقة نهائيا على دعوات بعض شركائنا إلى استخدام السابقة الليبية في حل صراعات اخرى».
وقدم مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين نسخة معدلة من مشروع قرار روسي إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي، لكن ألمانيا اعتبرت انه لا يكفي لإزالة مخاوف الدول الغربية من «تصاعد العنف» في سوريا.
وقال دبلوماسيون غربيون إن مشروع القرار الروسي الجديد يدعو مجلس الأمن إلى الترحيب بقرار سوريا توقيع بروتوكول المراقبين، لكنه لا يتضمن دعما للعقوبات العربية ضد دمشق.
وقال تشوركين، الذي تترأس بلاده مجلس الامن لهذا الشهر، ان هناك حدودا لما يمكن ان تقبل به موسكو، مشيرا الى ان الدول الاوروبية والولايات المتحدة تريد تهديد دمشق بفرض عقوبات. وأضاف «اذا كان المطلوب هو الغاء كل الاشارات حول العنف الذي تقوم به المعارضة المتشددة، فإن هذا الامر لن يحصل. اذا كانوا يتوقعون منا حظرا للاسلحة، فإن هذا لن يحدث. نعرف ماذا يعني حظر السلاح هذه الايام. انه يعني، كما حصل في ليبيا، عدم اعطاء اسلحة للحكومة، لكن يمكن للجميع اعطاء اسلحة الى جميع الجماعات المعارضة».
وذكرت شركة «تات نفت» النفطية الروسية انها اوقفت عملياتها في ســوريا متعللة بانعدام الاستقرار في البلاد. وقال متحدث باسم الشركة «ننوي مواصلة عملياتنا إذا استقر الوضع».
كما ادانت الادارة الاميركية التفجيرين، لكنها اعتبرت انه لا ينبغي ان تتم اعاقة عمل بعثة المراقبين العرب. وقال المتحدث باسم وزارة الخــارجية مارك تونر ان «الولايات المتحدة تدين الاعتداءات بأقـــصى قوة حيث ان لا شيء علـى الاطلاق يبرر الارهاب».
وذكّر تونر بأن الادارة الاميركية ادانت العنف في سوريا ايا كان مصدره وكذلك «الاشهر التسعة الطويلة التي مارس فيها نظام (الرئيس السوري بشار) الاسد التعذيب والعنف لقمع تطلعات الشعب السوري الى تغيير سياسي سلمي».
وأضاف «من المهم ألا يعرقل الهجوم العمل الحيوي لبعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية لتوثيق ومنع انتهاكات حقوق الانسان بهدف حماية المدنيين. نأمل ان تواصل البعثة عملها بدون قيود في مناخ لا يشوبه العنف، وعلى النظام التعاون سريعا وبالكامل مع بعثة المراقبين».
وأدان وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت التفجيرين، وأسف للخسائر في الأرواح والإصابات الناجمة عنهما. وقال «ما زلت قلقاً إزاء الوضع في سوريا ومن أي شيء يفاقمه بصورة أكبر، وهناك حاجة إلى وضع حد فوري للعنف في سوريا من أجل الشعب السوري بعد وقوع الكثير من الوفيات والمعاناة».
ورفض وزير خارجية تركيا أحمد داود اوغلو الانتقادات الخاصة بتدهور العلاقات التركية مع سوريا. وقال، أمام تجمع السفراء الأتراك في أنقرة، «أشعر حقيقة بالأسف لأولئك الذين يقولون إننا أضحينا فجأة أعداء لسوريا، كما لو أنهم لا يدركون ما يجري على يد النظام وكم عدد من قتلوا على مدى الشهور العشرة الماضية». وأضاف «الأسد فشل في الاستماع لنصائحنا. لقد دكوا حماه في شهر رمضان، لقد دمروا المساجد في دير الزور وقصفوا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في اللاذقية، ونحن لم نقف صامتين إزاء ما حدث من وحشية في البوسنة، ولم نلتزم الصمت أيضا إزاء القمع الإسرائيلي في قطاع غزة، لذا لن نصمت في وجه النظام السوري لمجرد إننا كنا أصدقاء».
و قالت «سانا» «أصيب أربعة عناصر من قوات حفظ النظام بجروح جراء انفجار عبوة زرعتها مجموعة إرهابية مسلحة وذلك أثناء مرور دورية في حماه». وأضافت «اشتبكت الجهات المختصة مع مجموعة إرهابية مسلحة كانت تروع المواطنين وتعتدي على الأملاك الخاصة في حي الإنشاءات بحمص، ما أسفر عن قتل وإصابة هذه المجموعة من دون وقوع أي إصابات بين عناصر الجهات المختصة».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد