«شرق أوسط إسلامي جديد» تحت مظلة «الربيع العربي»
تبدو «مرونة» الولايات المتحدة في التعامل مع المتغيّرات في العالم العربي واضحة من خلال العلاقة التي تنسجها أميركا مع «الأنظمة الجديدة» في المنطقة... وهكذا فإنّ شيئا لم يتغير بعد ثورات «الربيع العربي»، على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة الساهرة على مصالح إسرائيل.
لم يعد الفكر الإخواني تحديدا يشكّل «فزّاعة» بالنسبة لـ«الدولة العظمى»، التي تطهو التحالفات الجديدة على نار خفيفة، والتي تعترف بشكل أو بآخر بحق «الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة»، والمقصود هنا «الإسلام السني» الذي يهدف إلى تحقيق توازن ما مع «الإسلام الشيعي» النافذ في المنطقة.
ولعل هذا الانفتاح ـ المتوقع ـ من قبل الولايات المتحدة تجاه إسلاميي المنطقة يعيد طرح الإشكالية القديمة ـ الجديدة: أين أصبح مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ وأي دور للأنظمة العربية «الجديدة ـ الحليفة» في تسهيل تطبيق هذا المشروع بعد تغير شكل وأدوات الأنظمة؟
في المقابل، يبدو انفتاح الولايات المتحدة على الإسلاميين «مبرراً»، في مقابل حماية مصالح إسرائيل، التي أعلنت عن تخوفها من «الربيع العربي» و«التهديد الديموغرافي»، بحسب المحلل السياسي إيتان هابر.
وفي هذا السياق، فإن «الربيع العربي» رسم الخطوط العريضة لـ«شرق أوسط إسلامي جديد» قد يكون الابن غير الشرعي لـ«الشرق الأوسط الجديد» الذي نادت به إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قبل ست سنوات.
التكهن بولادة «شرق أوسط إسلامي»
«لا شك أن هناك قلقاً من عقيدة الإسلاميين المناهضة للولايات المتحدة»، إلا أن «واشنطن تدعم سعي الإخوان المسلمين في بحثهم عن حقوقهم التي سعوا طويلا من أجلها». هكذا بدأت تصريحات الاستمالة من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما في أوائل العام الماضي حين رفض، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، نظرية الاختيار بين «الإخوان المسلمين» والنظام القمعي. وبالرغم من أن الخيار حينها كان افتراضيا إلا انه أصبح، في وقت لاحق، واقعا ملموسا.
في العام 2006 طرحت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي سيواجه «الراديكالية الإسلامية» المتمثلة بإيران وحركات المقاومة، وتنظيم «القاعدة»، وذهبت إلى القول إن لا مانع من أن يولد هذا الشرق الأوسط الجديد من رحم الفوضى الخلاقة، فالمهم، بنظرها، أن يكون «مسالما، ديموقراطيا، صديقا لإسرائيل وعدوا للراديكالية الإسلامية».
وفي آب من العام ذاته، رد الدكتور سعد الدين إبراهيم، وهو أستاذ في علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة، على الطرح الأميركي في مقال غاضب نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، وقال فيه إن «الشرق الأوسط الجديد الذي يولد هذه الأيام لن يكون شبيها لما حلم أو يحلم به جورج وكوندليسا. ولن يكون محبا أو حليفا للأميركيين. إنه سيولد عبوساً غاضباً، ولو إلى حين. ثم حين يهدأ صراخ هذا الوليد الجديد، وتنكشف ملامحه، سيتضح للجميع أنه (إسلامي)، وأن جيناته شرق أوسطية أصيلة، وليست هجينة من صلب جورج وكوندي. سيحمل الشرق الأوسط الجديد ملامح حزب الله اللبناني، وحماس الفلسطينية، والإخوان المسلمين المصرية، وحزب العدالة والتنمية التركي، وحزب العدالة والتنمية المغربي. فهذه الحركات والجماعات والأحزاب أثبتت جدارتها اجتماعيا واقتصاديا، قبل أن يعلو صوتها سياسياً، ويشتد ساعدها عسكريا».
وكتب رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» ريتشارد هاس، في العام ذاته، تقريراً بعنوان «الشرق الأوسط الجديد»، أبدى فيه تخوفه من أن يقع المصريون بين خيار السلطويين التقليديين أو «الإخوان المسلمين»، والخطورة تكمن، بحسب هاس، في أن يميل المصريون نحو الخيار الثاني «ليس لأنهم يؤيدونه بالمطلق ولكن لأنهم سئموا من الأول».
وبالعودة إلى العقد الماضي، يلاحظ أنه عقب هجمات 11 أيلول العام 2001 وغزو أفغانستان، حصلت سلسلة من الأحداث التي أدت تدريجيا إلى بلورة المخطط الأميركي للحرب على العراق واحتلاله ليكون مفتاحاً لتجسيد مشروع «الشرق الأوسط الجديد». وفي موازاة ذلك صُنعت فكرة محور الشر التي استخدمها بوش لوصف دول كالعراق وكوريا الشمالية، وكذلك نشأة المبدأ المثير للجدل المتمثل بـ«الهجوم مع سابق إصرار بغرض الدفاع عن النفس».
... وجد ليكون إسلاميا
«الشرق الأوسط وجد ليكون إسلاميا، فالدين الإسلامي هو دين الغالبية العظمى في هذه المنطقة». هذه ليست المشكلة يقول ماكس سينجر، أحد مؤسسي مركز «هادسون» الأميركي للأبحاث، موضحاً أن «الصراع الحقيقي الذي سيولد في المنطقة يتمثل باختلاف التيارات الإسلامية في التفكير والتوجه». يضيف «انطباعي هو أن الاتجاهات السلفية والإسلامية ستزداد قوة، ويعود جزء كبير من ذلك إلى الدعم الذي يقدمه أثرياء السعودية بشكل خاص لتعزيز السلفية والوهابية». ويرى أن ثمة فرصة جيدة للإسلاميين الممثلين بجماعة «الإخوان المسلمين»، «ليصبحوا القوة التي سترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد لفترة من الزمن».
ويلاحظ سينجر، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن «وجود هذه الأنظمة للسنوات المقبلة في السلطة سيعود بالسوء على شعوب البلدان العربية». ويرى أن هذه «الشمولية المتنامية» بحسب وصفه، «لن تكون كارثية على الأقليات فحسب وإنما ستضطهد حتى الغالبية بسبب عدم قدرتها على حل المشاكل الاقتصادية خاصة في الدول التي لا تمتلك ودائع كبيرة من النفط. فالظروف المعيشية ستتدهور ما سيؤدي إلى تراجع المنطقة سنوات إلى الوراء».
وإذا كانت توقعاته حول «الشرق الأوسط الجديد» صحيحة، يقول سينجر إن «هذه القوى لن تحكم لأكثر من جيل حتى يبدأ المسلمون برفض هذه القيادة، والبحث عن قيادة إسلامية بديلة وأكثر مرونة».
وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم العربي نحو الإسلام السياسي، يرجح سينجر أن تبدأ إيران بالابتعاد عنه، «ومرد ذلك ثلاثون عاما من التطرف وعدم الكفاءة والفساد. ما سيجعل إيران والعالم العربي على اختلاف متواز، الأمر الذي سيزيد من عزلتها وخاصة إذا تبلور مشروع الإسلاميين في السيطرة على المنطقة أو ما تبقى من المنطقة، فالرئيس السوري سيسقط عاجلا أم آجلا، ونفوذ إيران سينتهي مع سقوط آخر دولة ممانعة في المنطقة».
إسرائيل في «الشرق الأوسط الإسلامي الجديد»
وفي المعادلة الشكلية للشرق الأوسط بعد ازدحام الثورات تكثر التحليلات والرؤى الإستراتيجية «المتشائمة».
يقول المحلل السياسي الإسرائيلي ايتان هابر، وهو مدير مكتب رئيس الوزراء السابق إسحق رابين في النصف الأول من التسعينيات، إن «ثمة ثلاثة عوامل تشكل تهديدا وجوديا للدولة العبرية وتتطلب التعامل معها ليس بالقوة العسكرية إنما بالحكمة والتعقل السياسي، وهي: الربيع العربي، وجهود نزع الشرعية عن إسرائيل، والتهديد الديموغرافي».
وتوقع هابر في أواخر العام الماضي أن «تحكم البلدان العربية قوى إسلامية راديكالية مناهضة لإسرائيل، الأمر الذي يعني محاصرة إسرائيل بطوق من الدول المعادية، التي لا تعترف بحق الدولة العبرية في الوجود».
أما وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن اليعزر فحذر من «أن التطورات الأخيرة في مصر تدل على أنه مع الزمن ستجد إسرائيل نفسها في مواجهة جبهوية مع مصر، ولذا فمن المجدي لنا أن نبدأ بالاستعداد للمواجهة».
ويحذر بن اليعزر في هذا السياق من خطورة الأوضاع في مصر على مستقبل الأمن في المنطقة ومستقبل الدولة العبرية في ضوء اكتساح التيارات الإسلامية للانتخابات.
ويرى ماكس سينجر أن دور إسرائيل في «الشرق الأوسط الإسلامي الجديد» من المرجح أن يكون «كلاسيكياً». وإذ يدافع عن حق إسرائيل «في أن تستمر في أن تكون وطنا قوميا لليهود»، يؤكد أن «لديها القدرة والتصميم على حماية نفسها وسوف تستمر كدولة ديموقراطية حديثة».
ويشير سينجر إلى الصعوبة التي ستواجهها الأقليات في المنطقة، «حيث ستتضاءل أعدادها شيئا فشيئا، الأمر الذي قد يفسح المجال أمام الأكراد لإقامة دولة مستقلة». ومن المرجح، بحسب سينجر، أن تصبح معظم أنظمة دول العالم العربي «أكثر عدائية لإسرائيل من سياسات الحكومات السابقة».
فهل نحن أمام شرق أوسط أميركي اعتدنا عليه على مدى العقود الماضية؟ أم أنه شرق أوسط جديد بمضامين عربية ـ إسلامية هذه المرة... فتحالف أميركا والإسلاميين في الشرق الأوسط بنسخته الإسلامية قد يؤدي إلى رسم ملامح أو بلورة مشروع «الشرق الأوسط الجديد» جغرافيا وديموغرافيا وحتى عقائديا.
ملاك حمود
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد