68 سنة جامعة بلا مجامعة
بشار بشير: هل من ضرورة للحديث عن جامعة الدول العربية ؟ لاضرورة للحديث ولكن لا ضرر منه فالحديث ممكن عن أموات أو عن أشخاص أو جهات هامشية أو عن أحداث غابرة بغض النظر عن أهميتها هو حديث وكفى .
الحديث عن جامعة الدول العربية يجب أن يبدأ بالحديث عن الأمة العربية التي تحاول هذه الجامعة جمعها؛ هذه الأمة لم تذكر في التاريخ ولم توجد في أي لحظة من لحظاته حتى في أوج الأمبراطورية الإسلامية القائمة أو المعتمدة ( ببداياتها ) على العرب لم يوجد مفهوم أسمه الأمة العربية لا سياسياً ولا واقعياً , كان هناك أمة أو أمم أسلامية ممتدة على جغرافيا واسعة لا تجمعها أي قومية أو توجه سياسي أو أجتماعي بإستثناء الدين الأسلامي حيناً والسيف الأسلامي أحياناً .ولا يمكن القول أنه كان هناك وحدة عربية أو أسلامية عبر كل ذلك التاريخ فحتى أقوى الحكام ( الخلفاء ) كان يتمتع بسلطة شكلية أو أسمية فقط على مساحات شاسعة من الأراضي التي من المفترض أن تكون تحت سلطته والتي كانت فعلياً تحت سلطة الحكام المحليين أو المعينين من قبل الخليفة والذين كانوا يدينون له بولاء ضعيف تمليه المصالح . ويمكن تشبيه ذلك الوضع بوضع أميركا أو الرئيس الأميركي الآن وحلفاءه , فهو يسيطر على الكثير من الدول والحكام وربما يعينهم ويدينون له بالولاء ولكن هذا لا يجعل كل هذه الدول أمة أمريكية واحدة ممتدة من أميركا لأسيا لأفريقيا وحتى أستراليا . ولا حاجة للتذكير أن ما ندعوه اليوم بالوطن العربي ( وهي تسمية صرت نادراً جداً ما أسمعها أو أقرأها ) كان بأغلبية مساحته وسكانه لأربعمئة سنة حتى بداية القرن العشرين جزء من الأمبراطورية ( الأمة ) العثمانية وأن مفهوم الأمة العربية لم يظهر إلا في نهاية حياة الأمبراطورية العثمانية على يد ضابط المخابرات البريطاني في منطقة الحجاز وبلاد الشام توماس لورانس ( لورانس العرب ) وتلقف المفهوم المثقفين والمناضلين العرب في بلاد الشام نظراً لجاذبيته التاريخية ( لا لصدقيته التاريخية ) كمعيد لأمجاد الأمبراطورية الأموية والعباسية , وجاذبيته السياسية كمحرك جماهيري لتحشيدها للنضال ضد الأمة التركية ( العثمانية ) . لامانع من التذكير أن رجل الخابرات البريطانية في منطقة الجزيرة العربية بيرسي كوكس لم يروج إطلاقاً لمثل هذا المفهوم بل انغمس فقط بدعم آل سعود وآل الشيخ دون أن يربطهم على الأطلاق بمفهوم الأمة العربية رغم أن لورنس وكوكس عملا في نفس الفترة ولنفس الجهة وهذا يوضح ( ما ليس بحاجة لتوضيح ) أن فكرة لورنس عن الأمة العربية وجدت لخدمة بريطانيا ضد تركيا وليست خدمة للعرب وإيقاظاً لأمجادهم الغابرة أو الحاضرة .
على كل هذه الفكرة مغرية و تَعد إن نجحت بخلق أمة كبيرة يمكن أن ترث أمجاد أبو بكر وعمر و الأمويين والعباسيين و سيف الدولة و..... وكذلك هي أفضل من يملأ فراغ إنهيار الأمة الأسلامية والأمبراطورية الأسلامية التي أسدل الستار عليها بإنهيار الأمبراطورية العثمانية . وهذه الفكرة تخلق مجالاً حيوياً أقليمياً واسعاً للطموحين من الزعماء الذين لا يكفيهم إطلاقاً أن يكونو زعماء محليين ينادون بأمة فينيقية أو فرعونية أو أمازيغية أوما شابه , و هكذا عشنا في مفهوم الأمة العربية منذ العقد الثاني من القرن العشرين وحتى .... أغلب الظن حتى 1976 وهو تاريخ وفاة أو غياب أو تغييب فكرة الأمة العربية بعد حياة عليلة غير منتجة . لماذا 1976 لا برهان قوي على نهاية الفكرة في هذا التاريخ يمكنكم أختيار أي تاريخ أو أي حادثة لأعتبارهم المؤشر على النهاية فمن دخل في الكوما لحظة ولادته لا يمكن أن يَحكم على موته فعلياً إلا إختصاصي قريب جداً منه أما لبقية الناس فهو ميت منذ ولادته .
لسبب أو لأسباب لا أعرف هل هي معروفة جداً أم أنها لا تزال مجهولة قام أنتوني إيدن وزير خارجية أكبر عدو عبر التاريخ للعرب أي بريطانيا بالتمني أن يتجه العرب نحو مزيد من التوحد ونحو التحرك بأي طريقة لزيادة وتمتين وحدتهم الأقتصادية والثقافية والسياسية ( كذا )
لمن نسي أنتوني إيدن كان رئيس وزراء بريطانيا أثناء العدوان الثلاثي على مصر ( ويقال أنه هو مهندس هذا العدوان ) .
أمنية إيدن تلقفها مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر ( عندما كانت بريطانيا تحتل مصر ) وسوقها لجميل مردم بيك رئيس الوزراء السوري و بشارة الخوري الزعيم اللبناني وهي فكرة ملبسة بالسكر وحلوة المذاق وليست بحاجة للتسويق ولا يمكن أصلاً رفضها , وهكذا بناءً على أمنية إيدن ولدت الجامعة العربية المرحلة الثانية من خطة ولادة أمة العرب الموحدة أو الوطن العربي الواحد .
كنت أنوي الخوض عميقاً في تاريخ الجامعة العربية ولكني وجدت أن الإيجاز أبلغ ,هي مؤسسة فاشلة بكل معنى الكلمة , وأكثر من ذلك عندما تريد أن تمنع شخص ما عن طعام دسم مفيد فالأفضل من منعه بالقوة هو تقديم طعام غث فقير له ليأكل فيملأ بطنه و لا يعود قادراً على أكل الطعام الدسم المفيد إن وصل له . هذه دور الجامعة العربية الذي رسمه البريطانيون لها وهو الدور الذي لم تحيد عنه لا في حرب ولا في نزاع ولا في مشكلة ولا في سلم , لا يتضمن تاريخ هذه الجامعة أي إنجاز مفيد للدول المنتمية لها ولكنه يتضمن الكثير من الأضرار . هذا عندما كانت دول عربية عظمى مسيطرة على الجامعة وقادة عرب كبار لهم رأيهم وشعوب تؤمن بالوحدة العربية والقومية العربية فما بالك اليوم وقد أصبحت الجامعة تحت سيطرة صغرى الدول العربية والرأي فيها لصغار شيوخ العشائر و من ورائهم شعوب تؤمن بفائدة بول الأبل. جامعة هذا تاريخها أما حاضرها فهو التالي : هناك من قال من العرب في الجامعة العربية أن دولة إسرائيل تضم عدداً كبيراً من العرب و أن اللغة العربية لغة رسمية فيها وأنها تقع في قلب العالم العربي فما المانع من أن تكون عضواً في الجامعة العربية ؟ هل هي حالة الحرب أو العداوة التي بينها وبين بعض الدول العربية ؟ لا بأس فكثير من الدول العربية في حالة عداء بين بعضها والبعض يتقاتل عسكرياً بشكل فعلي أي لا عذر لرافضي إسرائيل . نفس القائل أو المطبل لإسرائيل ( وهو من المطبلين أيضاً للديموقراطية الحديثة ) قال بتعليق عضوية سورية ( طرد مهذب ) في الجامعة ثم قال بإلغائها تماماً ومنح مقعدها لأشخاص يكاد لا يعرفهم السوريون و لم يختارهم أو ينتخبهم أحد في سورية ,هي أميركا فقط من عينتهم بمواقعهم الوهمية , قبلت مواقعهم وقبلتهم الجامعة العربية وقامت بسابقة في تاريخ المؤسسات تجاوزت المنطق والحق ورأي بعض أعضائها وتجاهلت قانونها الخاص وتجاهلت المشكلة التي تخلقها لنفسها حاضراً ومستقبلاً و أعطت مقعد سورية في الجامعة لما أسمته "المعارضة السورية " ( أخيراً أعلن العرب الريادة رسمياً وعلنياً في أمر ما وهو التخبيص والتخبط و تجاوز كل القوانين طاعة لسيدهم الآمر ونكاية ببعضهم ) هذه هي البراغماتية السياسية العربية الجديدة لامانع من وجود أسرائيل في الجامعة ولا مانع من طرد سورية من الجامعة . هل ستغار الأمم المتحدة ياترى من الجامعة العربية أو هل ستبني على قرارها و ستقوم هي أيضاً بإعطاء مقعد سورية في الأمم المتحدة " للمعارضة السورية " . وهل ستلحق جهات دولية أخرى بهذه الموضة وما موقف "المعارضة " إذا قرر الأتحاد الدولي لكرة القدم إعطائها مقعد سورية هل يجب أن تبادر لتشكيل منتخب لكرة القدم حتى تكون مستعدة لمواكبة المنح الدولية وحتى لا تفوتها الفرصة ولعل هناك الكثير من الفرص غيرها فيجب الأستعداد بمنتخب من المثقفين لليونسكو ومنتخب من الفلاحين للفاو و منتخب من السياسيين العدول لمنظمة عدم الأنحياز و ... عندما يمسك برسن بهيمة كبيرة ( الجامعة العربية ) من هو أبهم منهاهكذا تكون النتيجة .
وأما بيت القصيد أي سورية التي حملت عن طيب نية راية الأمة العربية التي حاكها ( الراية ) لورنس و دفعت ثمن ذلك أحتلالاً وتقسيماً على يد سايكس – بيكو ثم حملت الراية كرمى لفلسطين فدفعت ثمن ذلك هزائم الثمانية وأربعين و السبعة وستين ثم طعن أصحاب القضية في ظهرها من عرفات في أوسلو وغيرأوسلو إلى مشعل , وحملت الراية مع عبد الناصر فحصلت على وحدة بطعم الأحتلال و على نكران لكل شهدائها و تضحياتها لأجل مصر ولم ينوبها إلا مرسي , حملت الراية لكل العرب فأستعملها كل العرب مطية يبتزون منها ما يريدون بأسم العروبة وحين يحين موعد السداد للعروبة ولسورية يتهرب الكل و يغدر الكل .
ما فائدة الجامعة العربية لسورية وما فائدة وجود سورية في الجامعة العربية ؟ والإجابة لا يجب أن تكون مرتبطة بالظروف الحالية التي تضغط فيها الأزمة السورية على كل سوري ليكفر بالعرب وجامعتهم , الإجابة يجب أن تكون عبر رؤية تاريخية شاملة للعروبة وللجامعة العربية وما مساوئ إنسحاب سورية من الجامعة العربية ( بغض النظر عن تجميد عضويتها حالياً ) هل نبقى بالجامعة نكاية بالأعداء الذين يريدون إخراجنا منها وهل نسعى للحفاظ على بقاء الجامعة إفشالاً لخطط الأعداء الذين يريدون فرط عقدها (صدقوني لا خطط عند الأعداء لفرط عقد الجامعة فهم حريصون على بقائها أكثر من حرصنا لأنهم لن يجدوا مؤسسة تخدمهم مثلها )
وما إمكانية تمني سورية هذه المرة وليس بريطانيا , تمنيها وتحركها لإنشاء تجمع أو تحالف أو أتحاد أو سمه ما شئت يضم بضعة دول متجانسة يمكنها أن تتعاون و تدعم بعضها دون أن يكون سبب تجمعها وأجتماعها أنتظار أوامر الأسياد للغدر والأضرار ببعضها .
هل لازال لهذه الجامعة حظوة عند سورية ؟ هل لا زال ( إن وجد أصلاً ) أمل بإصلاح هذه الجامعة والأستفادة منها ؟ هل الموضوع هو محاولة رد إعتبار عبر الإنتظارحتى عودة سورية منتصرة إلى الجامعة و رد كيد كل الكائدين إلى نحرهم ؟ هل الموضوع هو تمسك حنيني بفكرة أثبتت عبر 68 سنة ضررها وإن لم يكن ضررها ففشلها .
في ميثاق الجامعة يحق لأي دولة الأنسحاب من الجامعة شرط إبلاغ الجامعة بسنة قبل الأنسحاب أو يحق لأي دولة الأنسحاب بحال تغيير أو تعديل ميثاق الجامعة إذا لم توافق هذه الدولة على ذلك . إذاً موضوع الإنسحاب بسيط ومأخوذ بعين الأعتبار ضمن قوانين الجامعة التي ضُرب بها ( الجامعة والقوانين ) الحائط . من مساخر الجامعة أن هناك نوعين للعضوية فيها : عضوية أصلية وهي للدول السبع المستقلة ( لاأستطيع إلا أن أضع إشارة أستفهام وإشارة تعجب على المستقلة ) الموقعة على الميثاق وعضوية بالإنضمام . ويأتي على رأس الدول الوقعة للميثاق مصر وسورية , ثم يأتي من يلغي بشطبة قلم هذا الميثاق ( الذي لا يبدوا أبداً أنه مقدس ) ويلغي الأسبقية التأسيسة ويلغي قانون الجامعة ويضع سورية خارجاً . جامعة الدول العربية تضم جيبوتي وهي دولة غير ناطقة بالعربية ولا نعرف إن كان أهلها عرباً أم أفارقة تقبل عضوية الكويت عام 1961 رغم أعتراض العراق لأعتباره الكويت جزأً منه ( قد يُبنى على هذه السابقة لقبول عضوية بنش وكفر نبل في الجامعة ). جامعة الدول العربية تعتبر فلسطين عضواً من أول يوم في الجامعة رغم أن الميثاق يقول أن الجامعة للدول المستقلة فقط لا إعتراض على عضوية فلسطين طبعاً والتي أتت دعماً لفلسطين وللحقوق العربية ولكن الأعتراض على التجاوز المستمر لميثاق الجامعة منذ تأسيسها . هذه الجامعة التي لم أجد مؤسسة دولية مهلهلة أكثر منها أما آن الآوان لكي تنفضها سورية عن كاهلها , إن لم يكن عبر عمل مباشر كالأنسحاب فعبر تجاهلها عبر ركنها في زوايا النسيان عبر التعتيم عليها حتى تتلاشى . في وقت ما قام الأتحاد الثلاثي أو الرباعي لا أذكر بين سورية ومصر وليبيا و السودان و وضع لهذا الأتحاد علمه وقوانينه و مؤسساته ... ورويداً رويداً ( أو سريعاً ) دخل هذا الأتحاد عالم النسيان وتلاشى , لم يُلغه أحد لم ينسحب منه أحد ببساطة أنتهى .
هذه أسئلة و أقتراحات تنتظر أجوبة هي ليست آراء و ليست طلبات وليست تمنيات هي بحث عن أجوبة و تفسيرات لماذا لا تزال سورية عضواً بالجامعة العربية و هل من الأفضل أن تبقى أم أن تنسحب ؟
إضافة تعليق جديد