سوريا على حافة "مبدأ الصدمة"
الجمل- روب برينس- ترجمة: مالك سلمان:
بعد خيبة أملهم في ضرب أوباما لسوريا السنة الفائتة، يعمل المحافظون الجدد وصقور الحرب الآخرون على استغلال الاحباطات التي ولدتها محادثات السلام الأولية في جنيف للضغط من أجل هجوم عسكري "إنساني" الآن.
في الوقت الذي يبدو فيه أن الطريق الوحيد إلى حل النزاع السوري يتمثل في تسوية تفاوضية بين حكومة الأسد والمعارضة الشرعية، أطلق اثنان من زملائي في "كلية كوربل للدراسات الدولية" في جامعة دنفر – نادر هاشمي و داني بوستل - دعوة عاطفية ومغلوطة للتدخل العسكري لحل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في سوريا.
يعتمد الاثنان على منطق مشوب بفكر الحرب الباردة (إلقاء اللوم على الروس موضة قديمة نوعاً ما) وعلى أمثلة رديئة (الصومال – 1993؟) لتدعيم مقولتهما التي يطرحانها في مقالة منشورة في "نيويورك تايمز" بعنوان "استخدموا القوة لإنقاذ السوريين الجائعين". فانطلاقاً من منطق منحاز، يحملان حكومة الأسد المسؤولية عن الماساة الإنسانية السورية والعنف الدائر في البلاد.
وفي الوقت نفسه، يتم تقليص بل تجاهل دور المقاتلين الإسلامويين السلفيين (الذين تدربهم وتمولهم السعودية وقطر وتركيا، وتدعمهم وتستغلهم واشنطن). لكن هذه العناصر هي التي اختطفت حركة المعارضة السورية، وأممت الصراع، ولا تزال مستمرة في نشر الفوضى والموت في سعيها لإحلال قانون الشريعة في سوريا وغيرها من البلدان.
تتعرض روسيا للانتقاد لعدم الحد من العمليات العسكرية الحكومية، دون الطلب من الولايات المتحدة والسعودية، بأي شكل من الأشكال، الهيمنة على "حلفائهما" الذين يقاتلون في الميدان. كما لا يتم إعطاء أية أهمية للضرر الكبير الذي يلحقه هؤلاء الأصوليون الإسلامويون من الناحية الإنسانية والثقافية، ناهيك عن البنى التحتية، أو لعنفهم الشديد وقسوتهم وطبيعتهم السياسية الرجعية.
إن الدعوة إلى التدخل العسكري كطريقة لإنهاء، أو على الأقل للحد من، سفك الدماء في سوريا يلعب على بعض الأوتار العاطفية. لكنها، في أفضل حالاتها، دعوة يائسة، وفي أسوأ حالاتها – بصراحة تامة – دعوة ساخرة تهدف إلى التغطية على الاعتبارات الجيوسياسية بعيدة المدى والتي لا تنطوي على أي بعد إنساني.
وفي الحقيقة، ربما يتمثل الافتراض الأسوأ في هذه الدعوة في أن بمقدور الولايات المتحدة إنقاذ الوضع وإنهاء المأساة الإنسانية في سوريا من خلال امتطاء خيولها البيض الملائكية المحملة بصواريخ كروز والطائرات الآلية ("درونز"). فهل نسيا سجلَ واشنطن الطويل في دعم الأنظمة الشمولية مقابل النفط في الشرق الأوسط وأماكنَ أخرى، والتي لا يبدو أن تورطها في المأساة الإنسانية السورية بريء؟
على المرء أن يميز بين "التدخل الإنساني" في زمن الحرب، و التدخل العسكري باستخدام الذرائع الإنسانية. ويتمتع هذا النوع الأخير بماض طويل وبائس يعود إلى مئات السنوات حيث اتكأت عليه كافة التدخلات العسكرية الكولونيالية والكولونيالية الجديدة في ارتكاب مجازرها. فهو ليس بجديد، على الرغم من إعطائه في الآونة الأخيرة – عبر بعض المثقفين الأمريكيين (من أمثال السفيرة الأمريكية إلى الأمم المتحدة سامانثا باور) – مسحة فكرية جديدة تحت صيغة "مسؤولية الحماية".
أصبح استخدام الذريعة "الإنسانية" رائجاً في حقبة ما بعد الحرب الباردة بعد أن أصبحت الولايات المتحدة عاجزة عن القول إن مواجهة "الخطر السوفييتي" هي ذريعة للتدخل السياسي والعسكري. وحتى أثناء الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة غالباً تستحضر ذريعة إنسانية ما (ممزوجة بمعاداة الشيوعية) لتدخلاتها في "العالم الثالث"، والانقلابات التي كانت تنفذها "سي آي إيه"، وما شابه. إن أجسادَ مئات الآلاف من التشيليين والأرجنتينيين والبرازيليين والغواتيماليين والنيكاراغويين والسلفادوريين تملأ الحقول والمحيطات كشاهد على نتائج هذه السياسة.
مؤخراً تم تطوير أغنية البجعة "إنقاذ السكان من الكارثة الإنسانية" إلى فن جميل من قبل الفرنسيين في أفريقيا في محاولتهم لإعادة التموضع لضمان حصتهم في الأصول الاستراتيجية لهذه القارة، كما حصل منذ فترة في مالي ثم الآن في جمهورية أفريقيا الوسطى. [لاحق التدخل العسكري الفرنسي في مالي، بدعوى محاربة الإسلامويين المتطرفين، أولئك المسلحين الذين توسع نفوذهم في شمال أفريقيا نتيجة للتدخل "الإنساني" بقيادة فرنسا والولايات المتحدة لإسقاط وقتل معمر القذافي في ليبيا في سنة 2011.]
إن واشنطن تتعلم من باريس فنَ الارتقاء بهذه المحاججة. ما يتم إسقاطه أو نكرانه (في حالة الفرنسيين في مالي والولايات المتحدة في سوريا) هو الدرجة التي تساهم فيها الخطط الخفية في إذكاء الأزمات المتفجرة بالدرجة الأولى. وينسحب ذلك بالتأكيد على الأنشطة السياسية الأمريكية في سوريا – من حيث المطالبة العلنية "بتنحي" الرئيس بشار الأسد عبر التنازل عن السلطة "لحكومة انتقالية"، في الوقت نفسه الذي تعمل الولايات المتحدة، بعلنية أقل، على تدريب وتسليح وتمويل بعض أشنع المجموعات في الشرق الأوسط بهدف إسقاط نظام الأسد (أو الاعتماد على حلفائها الإقليميين لتحقيق هذا الغرض).
ينطبق "مبدأ الصدمة" الذي جاءت به ناؤومي كلاين على ما فعلته الولايات المتحدة في ليبيا (حيث قامت واشنطن برسم الخطط مع أن الفرنسيين قادوا حملة القصف) وعلى ما حاولت تنفيذه، بنجاح أقل، في سوريا: استخدام ذريعة التدخل الإنساني لحشد الدعم الشعبي لتغيير النظام بالوسائل العسكرية. يلي ذلك دعم "مجلس الأمن" في الأمم المتحدة لأعمال عسكرية محدودة لتأمين شرعية دولية للعملية. ثم الانتهاك الفوري لتفويض الأمم المتحدة عبر توسيع نطاق العملية المشرعة من جانب واحد. يترافق ذلك مع حشد أكبر عدد ممكن من "الحلفاء" للانخراط في القتال بهدف زيادة ثقل "ائتلاف الراغبين".
وحالما يتم تغيير النظام، تتم إعادة بناء المجتمعات على أسس ليبرالية جديدة مما يسهل عملية الاختراق والاستغلال الاقتصادي، حيث يتم تفكيك الحكومات المركزية السابقة بطريقة أو بأخرى. وحالما ينتهي القتال، يتقدم "البنك الدولي"/أو "صندوق النقد الدولي" بمساعدات تهدف إلى إعادة بناء الاقتصادات والبنى التحتية المدمرة على أسس ليبرالية جديدة.
من خلال المطالبة بالتدخل العسكري – وهو شيء لم يتحمس له حتى الجيش الأمريكي – يتكاتف هاشمي وبوستل، كما فعلا قبل ذلك بشأن إيران في سنة 2009 وليبيا في سنة 2011، مع منظمات مثل "إيباك" وحوقة المحافظين الجدد المأفونة في الولايات المتحدة. وهذه هي العناصر نفسها التي دفعت بالولايات المتحدة إلى غزو العراق وتستمر في تحريض إدارة أوباما على التدخل عسكرياً في سوريا.
فما هو أسوأ الآن من تدخل عسكري بقيادة الولايات المتحدة في سوريا، تدخل من المحتمل أن يفاقم الأوضاعَ في منطقة تفتقر الآن إلى الاستقرار ويجر لاعبين آخرين مثل العراق وإيران وربما روسيا؟ لقد تطور الوضع العسكري على الأرض خلال السنة الأخيرة لصالح حكومة الأسد وحلفائها مما قلص آمال واشنطن في تغيير النظام في سوريا بشكل كبير.
إن الآليات التي قادت إلى قرار إدارة أوباما بعدم مهاجمة سوريا في أيلول/سبتمبر الماضي تبقى غامضة ومشوشة. وربما يأتي يوم يتوضح فيه منطق القرار بالابتعاد عن حافة الهاوية. إذ يبدو أن هذه الآليات تشمل اعتبارات إقليمية إضافة إلى رغبة واشنطن، التي يجب عدم المبالغة فيها، في توجيه اهتمامها الاستراتيجي نحو آسيا. كما أن القلق من أن تقود العمليات العسكرية في سوريا إلى ورطة أشبه بالعراق أو أفغانستان بالنسبة إلى السياسة الأمريكية ربما ساهم في اتخاذ هذا القرار.
إضافة إلى المعارضة شبه الكونية لحملة قصف ضد سوريا في أيلول/سبتمبر الماضي، فإن عبثية مثل هذه الخطة، وربما النتائج السلبية التي ستولدها، قد لعبت دوراً في قرار إدارة أوباما بعدم اللجوء إلى الخيار العسكري. ولكن مهما كانت الأسباب فإن القرار بعدم اللجوء إلى الخيار العسكري ضد سوريا، والذي تبعته مفاوضات واشنطن مع سوريا وإيران، يمثل أحد القرارات (القليلة) الحكيمة التي اتخذها الرئيس باراك أوباما حول الشرق الأوسط منذ وصوله إلى سدة الرئاسة في سنة 2009.
أما بخصوص سوريا، فهناك حقيقة صعبة أخرى، حتى بالنسبة إلى دعاة التدخل الإنساني الصادقين، هي أن التدخل العسكري الأمريكي (أو بقيادة أمريكا) لن يحسنَ من المأساة الإنسانية المتكشفة هناك، بل يمكن أن يزيد من مأساوية الواقع المرير على الأرض. فعلى الرغم من حتمية قتل القصف لأعداد كبيرة من السوريين، بما في ذلك المدنيين، ليس هناك أي ضمانة على الإطلاق من أنه سيحل النزاع.
فبدلاً من مفاقمة مخاطر النزاع في سوريا، ألم يحن الوقت للقيام بعكس ذلك؟ وعلى الرغم من الإحباطات المتوقعة، أليس من واجبنا أن نضغط من أجل حل سياسي تفاوضي لنزاع ثبت أن لا حل عسكري له؟ صحيح أن مفاوضات جنيف حول سوريا حتى الآن لم تتعدَ كونها نوعاً من المهزلة، ولكن أليس من المطلوب منا – من العالم – أن نتجادل حول الطرق المتاحة لحل الأزمة السورية سياسياً بدلاً من الخلاف حول الأهداف التي يجب على الطائرات الآلية وصواريخ كروز الأمريكية أن تستهدفها؟
لا يمكن تحميل الروس مسؤولية فشل هذه الجولة من "جنيف 2" – كما يسمونه – كما يفعل زميلاي المذكوران أعلاه. فعلى العكس من ذلك، تبدو روسيا، وخاصة وزير خارجيتها سيرغي لافروف، صانعة سلام في الأزمة السورية أكثر من واشنطن. إذ يدرك الرأي العام الكوني بوضوح أن الروس قد لعبوا دوراً إيجابياً، إن لم يكن حاسماً، في تحويل الأزمة السورية من مواجهة عسكرية بين القوى الكبرى إلى المفاوضات، بينما تبقى مقاربة إدارة أوباما أكثر تشوشاً وتناقضاً.
بعد التراجع عن المواجهة العسكرية السنة الفائتة عبر الموافقة على مفاوضات أطراف عديدة حول سوريا، يبدو أن إدارة أوباما قد فقدت الاهتمام بمتابعة عملية جنيف بشكل جدي. لكن حقيقة الأمر هي أنه ليست هناك أية وسيلة على الإطلاق تمكن واشنطن من "حل" الأزمة السورية بشكل مستقل بالاعتماد على نفسها فقط، أو على هواها. إذ تبدو خطة إدارة أوباما حول "تغيير النظام" في سوريا – والتي تعمل عليها منذ سنوات – ميتة سلفاً.
ما هي الرؤية البديلة لإنهاء الكارثة الإنسانية في سوريا؟ وما الذي يمكن فعله لوقف نزيف الدم؟ هذه بعض الخطوات التي أقترحها والتي يمكن أن تبدو أكثر عقلانية من قصف دمشق أو إرسال الجنود الأمريكيين لكي يُقتلوا في حرب شرق أوسطية أخرى. المطلوب هو حملة سلام كونية، وليس التدخل العسكري.
1. يجب على المجتمع الدولي أن يدعو كافة الأطراف لوقف فوري لإطلاق النار من الطرفين. وبالطبع فإن الضغط من قبل الحلفاء الخارجيين حيوي في هذا المجال. فإذا كان متوقعاً من الروس والإيرانيين الضغط على الحكومة السورية، يجب أن نتوقع أن تقوم الولايات المتحدة والسعوديون بضبط حلفائهما على الأرض بالطريقة نفسها.
2. يجب أن ينتهي تجنيد وتدريب وتسليح كافة المرتزقة الأجانب.
3. إذا افترضنا إمكانية وقف إطلاق النار، يجب تطبيق برنامج مساعدة إنسانية على الفور، تديره الأمم المتحدة ويكون مدعوماً بقرار من "مجلس الأمن".
4. يجب دعم عملية السلام في جنيف بشكل فعال. وبصراحة، كما قلت أنا وإبراهيم كازروني في برنامجنا الإذاعي، وفي مقالاتنا الصحفية خلال السنوات الثلاث الماضية، وفي المنتديات العامة وأماكن أخرى، ليس هناك أي حل عسكري للأزمة السورية. إذ لا يمكن حلها إلا سياسياً ودبلوماسياً (وهو رأي قال الرئيس أوباما إنه يتفق معه).
5. يجب أن تتركز مفاوضات جنيف على المباحثات بين حكومة الأسد و المعارضة السورية الشرعية. والمقصود من ذلك هو معارضة الداخل المناوئة للنظام، هذه المعارضة التي تتمتع بتاريخ طويل (وصادق) وتتجذر في المجتمع السوري بشكل عضوي لا يداخله الشك. ويجب أن تبدأ هذه المفاوضات دون أي شرط مسبق باستثناء الالتزام بوقف إطلاق النار.
6. يجب على إدارة أوباما الانخراط بشكل أكبر في مفاوضات السلام متعددة الأطراف في جنيف. فبينما اتخذت واشنطن قراراً هاماً في عدم الذهاب إلى الحرب في أيلول/سبتمبر الماضي، تبدو وكأنها عاجزة عن دفع عملية المفاوضات إلى الأمام. ومرة أخرى، آن الآوان لكي يتحلى أوباما بالشجاعة السياسية التي أظهرها للعالم في أيلول/سبتمبر عبر الضغط على الولايات المتحدة للتفاوض بشكل جدي في جنيف، وألا يسمحَ للمعارضين السياسيين الداخليين لسياسته السورية (المحافظين الجدد، "إيباك"، إلخ) بالهيمنة على قراره مرة أخرى.
http://www.globalresearch.ca/syria-at-the-edge-of-shock-doctrine/5369461
تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 18 شباط/فبراير 2014)
الجمل
إضافة تعليق جديد