البغدادي يجول على أتباعه
متخفياً بالعباءة الأفغانية القصيرة، ومحاطاً بثلّة من أخلص رجاله المؤتمنين على حياته، قام زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) أبو بكر البغدادي بجولة نادرة لجهة الإعلان عنها، على بعض جبهات القتال الساخنة، وعدد من معسكرات التدريب التابعة له في كل من العراق والشام.
وعلى رغم أن المواقع الرسمية التابعة للتنظيم، مثل «الفرقان» أو «الاعتصام»، لم يصدر عنها حتى الآن أي خبر أو بيان حول هذه الجولة، إلا أن تواتر الحديث عنها من قبل بعض قيادات «داعش» وأنصاره الإعلاميين المعروفين، لا يدع مجالاً للشك في أن الجولة قد حدثت بالفعل، أو على الأقل تريد قيادة «داعش» تسريب خبر حصولها لإرسال رسائل إلى من يعنيه الأمر.
قد تكون الرسالة الأولى هي نفي ما أشيع مؤخراً على بعض وسائل الإعلام حول بتر ساق البغدادي بعد تعرضه لإصابة في إحدى المعارك مع الجيش العراقي في شمال بابل أوائل شباط الماضي، حيث التزم «داعش» الصمت حيال هذه الأنباء طوال الفترة الماضية. وقد يكون الإعلان عن جولة البغدادي مراداً منه نفي تلك الأنباء وتبيان عدم صحتها.
لكن الرسالة الأهم قد تكون موجهة إلى تنظيم «القاعدة» عموماً و«جبهة النصرة» وحلفائها في سوريا خصوصاً، وهي التأكيد على ما قاله المتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني منذ أيام، في تسجيله الصوتي الأخير، من أنه «دون الخروج من الشام قطع الرقاب وبقر البطون»، لاسيما أن الأنباء تشير إلى أن جولة البغدادي شملت عدداً من المواقع في سوريا، وخصوصاً في المنطقة الشرقية التي تشهد أعنف المعارك بين «النصرة» و«داعش» في منطقة المركدة بريف الحسكة، وسجل فيها مقاتلو «داعش» نقاطاً عديدة على خصومهم بعد أن أوقعوا الكثير من قيادات «النصرة» وبعض حلفائها مثل «جيش مؤتة» قتلى وجرحى.
يشار إلى أن وجود «داعش» في الشام يكاد يكون هو أبرز نقاط الخلاف المعلنة بينه وبين «القاعدة» بقيادة أيمن الظواهري، فالأخير ورغم إعلانه التبرؤ من «داعش»، وعدم وجود أي صلة بين «القاعدة» وبينه، إلا أنه كان حريصاً حتى الآن على عدم توجيه أي انتقاد يطال سلوك «داعش» في العراق، بل كان مطلبه الرئيسي هو أن يترك «داعش» الشام ويعود إلى حدود الولاية المكانية التي حددها له، أي العراق. وما زال رفض «داعش» لهذا المطلب، وإصراره على التمدد في الشام واستمرار وجوده فيها، سبباً لتصاعد الخلاف بينه وبين «القاعدة». حتى أن زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني (أمير فرع «القاعدة» في الشام) وفي تصريح نوعي هدد بنفي «داعش» من العراق أيضاً في حال لم يستجب لمطلب الخضوع الى «محكمة شرعية»، ما يشير إلى أن الورقة الأخيرة التي يملكها تنظيم «القاعدة» ضد «داعش» هو منافسته على النفوذ في عقر داره، وهو ما من شأنه، في حال حدوثه، أن ينقل الصراع بين الطرفين إلى سقفه الأعلى، ويجعل من الصعب التكهن بالنتائج التي يمكن أن تترتب عليه.
وأكد مصدر مقرب من «داعش»، أن البغدادي حضر شخصياً في «البيعات» الأخيرة التي حصل عليها من قبل بعض العشائر السورية، ولكن من دون أن يتم التعريف به أو الإشارة إلى وجوده. وكانت المواقع التابعة لـ«داعش» أعلنت عن عدة «بيعات» حصل عليها التنظيم من قبل بعض العشائر في الرقة وحلب، أهمها عشيرة الحويوات في الرقة، وعشيرة الشهابي في مدينة الباب بريف حلب التي يسيطر عليها «داعش». وقد احتفت هذه المواقع على نحو خاص ببيعة عشيرة الشهابي، مشيرة إلى أنها من أكبر العشائر في مدينة الباب، وينتمي إليها كبار التجار في المنطقة، بينما نوهت إلى أن عدد عشيرة الحويوات يبلغ حوالي ألف نسمة.
إلا أن أنصار «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» سخروا من الأنباء التي تتحدث عن هذه الجولة من دون وجود صورة تثبت قيام البغدادي بها، وهم الذين اعتادوا أن يطلقوا على البغدادي لقب «المُسَرْدَب» في إشارة إلى اختفائه عن الأنظار والعيش ضمن سرداب لا يجرؤ على الخروج منه. والغريب أن أنصار «النصرة» يمعنون في استخدام هذا التوصيف من دون الاكتراث بأن «أميرهم» الجولاني هو الآخر لا يجرؤ على إظهار صورته الحقيقية.
في المقابل، فإن أنصار «داعش» رأوا في هذه الجولة دليلاً على أن «أميرهم» يهتم برعاياه، ويسأل عن شؤونهم، وأنه «حريص على الإطلاع شخصيا على سير الجبهات وتلبية كافة الاحتياجات لأبنائه المجاهدين» كما قال أحد أنصاره على «تويتر»، بينما رد آخر على الانتقادات التي وجهها أنصار «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» قائلاً: «لطواغيتكم القصور ولأميرنا الخنادق والثغور، لأحباركم المنابر والقنوات ولمولانا الجهاد والصولات» في إشارة إلى ظهور الجولاني وقادة «الجبهة الإسلامية» على القنوات الفضائية، بينما البغدادي محظور عليه ذلك، وهو ما يعتبرونه دليلاً على وجود تنسيق بين هذه القيادات وبين الأنظمة الحاكمة في الخليج، لا سيما في قطر والسعودية.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد