غزة تحترق: 300 شهيد ربعهم أطفال واشتباك مصري ـ تركي حول «الوساطة»
وتدخل الحرب على غزة يومها الثاني عشر في ظل تصعيد القصف الإسرائيلي الجوي والبحري والبري، ورد المقاومة بصليات صواريخ إلى ما بعد تل أبيب.
لكن الأنظار تركزت أكثر من أي شيء آخر على العملية البرية الإسرائيلية التي شرعت بتنفيذها على طول القطاع، والتي يبدو أنها نالت دعماً أميركياً على وجه الخصوص، شرط أن تبقى «محدودة». وتحت دوي المدافع يبتعد النقاش عن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، لتظهر تحركات أوروبية جديدة للمساعدة في إعادتها إلى طاولة البحث.
وبعد مضي أكثر من يوم على إطلاق العملية البرية الإسرائيلية يتضح أن الحديث يدور على تغلغل، ومحاولات تغلغل من جانب قوات مدرعة ومشاة إسرائيلية بعمق يتراوح بين بضع عشرات الأمتار إلى بضع مئات في عدد من المواضع على طول حدود غزة.
وفيما يدور الحديث عن محاولات فاشلة تقريباً في المنطقة الشمالية لغزة، فإن اختراقات أوسع في المنطقة الجنوبية، التي تتسم بوجود مناطق مفتوحة يسهل على القوات المدرعة الإسرائيلية التحرك فيها. وركزت الدولة العبرية جهداً هائلاً في القصف على كل المناطق بشكل لم يسبق له مثيل، لترفع منسوب الدم في صفوف الفلسطينيين ليقترب من 300 شهيد، بينهم أكثر من 50 شهيداً أمس، فيما ارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من 2200. وأفاد المركز الفلسطيني لحقوق الانسان في غزة ان المدنيين يمثلون اكثر من 80 في المئة من الشهداء، وبينهم اكثر من 50 طفلا. وقد حافظت المقاومة على وتيرة إطلاقات صاروخية بحدود 150 صاروخاً وجهت أمس قسماً كبيراً منها إلى محيط تل أبيب.
واعتبر المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل أن «الدخول البري للقوات الإسرائيلية إلى قطاع غزة في هذه المرحلة محدود. وعديد القوات كله من الوحدات النظامية حتى الآن غير كبير مقارنة بالعملية البرية السابقة في غزة»، في إشارة إلى «الرصاص المسكوب» في العام 2009. وأوضح أن هدف العملية حتى الآن «ليس قمع الإطلاقات الصاروخية على إسرائيل، التي تشكل الخطر الأساس على معظم السكان المدنيين» ولكن نأمل استخدامها للضغط من أجل التوصل لوقف إطلاق النار.
ورغم أن التكتيك العسكري الإسرائيلي يقوم على أساس تحرك القوات البرية بعد تمهيد مدفعي وجوي وبحري مكثف، فإن التحركات الإسرائيلية تواجه مقاومة شرسة يعترف بها العدو. ولا تقف هذه المقاومة عند القوات التي تسللت إلى أراضي القطاع، وإنما تتعداها إلى استهداف المقاومة لآليات إسرائيلية تتحرك على طول الحدود في الجانب الإسرائيلي. وتستخدم المقاومة في التصدي خليطاً من القصف المدفعي بقذائف الهاون والعبوات والقذائف المضادة للدروع. وقد أصيبت عدة مركبات إسرائيلية وأصيب جنود، وأعلن الاحتلال عن مقتل جندي. واعترفت أوساط الجيش الإسرائيلي بأنه منذ بدء العملية هناك في مستشفى سوروكا في بئر السبع 13 جريحاً.
وتشكل هذه الإصابات مشكلة في الجيش الإسرائيلي الذي افترض أن القوات البرية تتقدم بعد أن يحوِّل القصف الجوي والبحري والمدفعي ميدان المعركة إلى أرض محروقة. كما أن المشكلة تزداد بسبب أن خليطاً كبيراً من المعدات الثقيلة، بينها جرافات ورافعات ضخمة، تستخدم لتمهيد الطريق أمام المدرعات قبل أن يخرج جنود المشاة لمهمات تفتيش المنطقة بحثاً عن المقاومين وعن الأنفاق.
وتدَّعي أجهزة الأمن الإسرائيلية أنها أفلحت في السيطرة على مناطق إطلاق صواريخ في شرقي خانيونس وأنها اعتقلت عدداً من المجاهدين. لكن مصادر إعلامية إسرائيلية أشارت إلى نقل جرحى فلسطينيين، بعضهم بإصابات خطيرة جداً، إلى مستشفيات داخل إسرائيل بهدف التحقيق معهم للإطلال على معطيات أفضل عن منظومة الإطلاق الصاروخي والأنفاق. ويقوم جهاز «الشاباك»، المسؤول حتى الآن عن الجانب الاستخباري الإسرائيلي في القطاع، بالتحقيق مع الجرحى بهدف توفير معلومات أكبر للقوات على الأرض.
وتدَّعي إسرائيل أنها ضبطت حتى الآن حوالي 21 فتحة أنفاق في العملية. ورغم أن هذا الرقم مبالغ فيه، ولا يدل كثيراً على شيء، إذ إن فتحة النفق قد لا تقود إلى أي مكان وقد تكون مخزناً أو تمويها. ويصعب على الإسرائيليين التأكد من هذه الفتحات حالياً بسبب الخوف من أن تكون متفجرة، أو تحتوي على كمائن كما حدث قبل ذلك أكثر من مرة. ومع ذلك، وتقليصاً للتوقعات اعترف ضابط رفيع المستوى أن قسماً من هذه الفتحات هي «أنفاق دفاعية»، أي تستخدم للاختباء عند القصف من جانب المقاومين المرابطين قريباً من الحدود.
ولتبرير ضرب المدنيين تدَّعي إسرائيل أن المقاومين يستخدمون الجمهور الفلسطيني كدروع بشرية. ويأتي هذا الادِّعاء بعد فشل الدعوة الإسرائيلية لسكان الشجاعية والزيتون وبيت لاهيا بمغادرة أحيائهم. وزعمت إسرائيل أمس أن صواريخ متطورة مضادة للدروع أطلقت من مستشفى الوفاء شرقي الشجاعية، وأن المقاومين استقلوا سيارة إسعاف للهروب. ويأتي هذا الزعم كنوع من التهديد بعد أن رفضت إدارة المستشفى والمرضى إخلاء المكان. وبات 70 في المئة من القطاع محروماً من الكهرباء جراء العدوان.
وترفض إسرائيل حتى الآن الحديث عن حجم القوات العاملة حالياً داخل أراضي القطاع، لكن من الواضح أنها ليست كبيرة، وغالبيتها وحدات هندسية ومدرعة وليست مشاة. وهذا يفسر محدودية التحركات وقلة الاشتباكات التي وقعت حتى الآن، واقتصار المواجهة على تبادل القصف والصواريخ. لكن معروف أن إسرائيل جندت 74 ألف جندي، وأنها حشدت تقريباً أهم قواتها النظامية من المشاة حول قطاع غزة، بعد أن سهل تجنيد الاحتياطي الحلول مكانها في الضفة الغربية وعلى الجبهات الأخرى.
وفي كل حال تقر القوات الإسرائيلية بأن المعركة في غزة ليست «ضربة واحدة وانتهينا»، وإنما هي معركة طويلة، وأنها «تحد يتطلب نمط عمل مركباً، والأمر يحتاج إلى صبر للوصول إلى الهدف مع حماس». ومعروف أن المقاومة كانت طوال الوقت تعتبر أن المعركة البرية توفر لها فرصة مواجهة العدو ومفاجأته في أكثر من جانب.
وقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في بداية اجتماع للحكومة الأمنية المصغرة، «تعليماتي هي التحضير لإمكانية توسيع ملحوظة للعملية البرية»، لكنه أشار إلى انه لا يوجد «ضمانات بالنجاح بنسبة 100 في المئة». وأضاف «بدأت قواتنا عملية برية لضرب الأنفاق الإرهابية الممتدة من غزة إلى أراضي إسرائيل»، مؤكداً انه «لا يمكن التعامل مع الأنفاق فقط من خلال الجو».
وقد تبين أن نتنياهو، وفور اتخاذ القرار ببدء العملية البرية في غزة، اتصل بوزير الخارجية الأميركي جون كيري. وحسب ما نشر فإن نتنياهو أبلغ كيري، خصوصاً بعد عملية النفق في صوفا، بمقدار الخطر الذي تستشعره إسرائيل من الأنفاق وأن هذا غدا خطراً استراتيجياً. وبرر العملية البرية بأنها ضرورية لمنع هجمات أخرى بالأنفاق على الداخل الإسرائيلي. وقد تفهم كيري الأمر، وأعلن تأييد واشنطن لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنه أكد وجوب «تجنب تصعيد آخر، والعودة بالسرعة الممكنة إلى تفاهمات وقف إطلاق النار من عمود السحاب عبر المبادرة المصرية».
وفي مؤتمر صحافي، أشار الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مكالمته مع نتنياهو. وقال «إننا قلقون من التصعيد وفقدان الأرواح، رغم أننا نؤيد الجهد العسكري لمنع إطلاق الصواريخ والعملية العسكرية المعدة لمكافحة الأنفاق»، مضيفاً «نحن ننتظر من إسرائيل مواصلة العمل بطريقة تقلص المساس بالمدنيين»، مشيراً الى انه مستعد لإرسال كيري الى المنطقة.
وقد نالت إسرائيل تقريباً مثل هذا التأييد من غالبية الدول الغربية التي أعلنت تفهمها لحق الدولة العبرية في الدفاع عن نفسها. ولكن إسرائيل نالت أيضاً تفهماً من قوى عربية لم تعلن موقفها، وربما دانت العدوان.
واندلع اشتباك بين القاهرة وأنقرة حول «الوساطة» التي تجري لوقف العدوان. ووصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بـ«الطاغية»، متهماً الإدارة المصرية بالعمل «إلى جانب إسرائيل» ضد «حماس».
وسارع وزير الخارجية المصري سامح شكري للرد عليه، معتبراً أن «هذه التصريحات ليس لها أي صلة بالأحداث في غزة ولا تساهم في حماية شعب غزة، ولا تؤدي إلى حفظ دماء شعب غزة»، لافتاً إلى أنه «كان الأحرى أن يعمل رئيس الوزراء (التركي) على التأثير الإيجابي على كل الأطراف للانضمام إلى المبادرة المصرية ووقف إطلاق النار والحفاظ على النساء والأطفال» في غزة.
وفي المقابل، فإن تركيا والأردن توجهتا إلى الأمم المتحدة بطلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لبحث وقف العدوان الإسرائيلي على غزة. أما رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي فأدان إطلاق الصواريخ على إسرائيل ومقتل وإصابة المدنيين في قطاع غزة، وأعرب عن قلقه من العملية العسكرية الإسرائيلية. وطالب الإسرائيليين والفلسطينيين باتخاذ قرار إستراتيجي وبناء السلام. وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي إن باريس طلبت من قطر أن تستخدم نفوذها لدى «حماس» للتوصل إلى وقف العدوان.
ولاحظت الصحافة الإسرائيلية أن العملية العسكرية أفادت إسرائيل، ووضعتها في دائرة الدول العربية المعادية لجماعة «الإخوان المسلمين» والتي توجه ضربة إلى حركة «حماس». لكن هذه العملية أضرت بعلاقات إسرائيل مع تركيا، حيث اضطرت تل أبيب إلى تقليص عديد طاقم سفارتها في أنقرة وإعادة عائلات الباقين.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد