محور آسيا المنتصر وتركيا الجديدة المهزومة
الجمل ـ حسين وودينالي ـ ترجمها عن التركية: محمد سلطان:
كان الألمان يطلقون فترة الحرب العالمية الثانية وما قبلها على الإمبراطورية العثمانية لقب "أنور لاند" (ENVERLAND) أي بلاد أنور. لأن عظمة بطل الحرية وزعيم حزب الاتحاد والترقي أنور باشا كانت كافية لأن يطلق على العثمانيون اسمه, على الأقل كلقب.
في تلك الفترة كان العالم يقسم إلى قسمين. دول التحالف ودول الاتفاق. أي إنكلترا وفرنسا وروسيا من جهة, وإمبراطوريات ألمانيا والنمسا والمجر والعثمانية من جهة أخرى. كانت إنكلترا هي الرابحة في الحرب. أما إمبراطوريات العثمانية والمجرية والنمساوية أصبحوا من التاريخ بعد خسارتهم لهذه الحرب. كذلك أنور باشا.
بعد معركة التحرير في تشاناك كالي التركية خلقت روسيا الاتحاد السوفيتي, كذلك خلق أنور باشا القائد مصطفى كمال أتاتورك.
عصر آسيا:
مرحلة الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة تشبه أيامنا هذه كثيراً. هناك محورين رئيسيين في العالم أحدهما يحاول فرض هيمنته على العالم والآخر يحاول منعه من ذلك. وهما الناتو بصفته أداة الإمبريالية الغربية يحاول فرض سيطرته على العالم. ويقف في وجهه محور ذو ثقل آسيوي ودول أميركا اللاتينية المتمثل بالبريكس وشنغهاي. الأول يمتلك خبرة أكثر ومنظم أكثر وواضح معالم تسلسله الهرمي ومن ناحية الميزانية والتكنولوجيا متطور أكثر. أما الثاني يبرز خطوة إلى الأمام من ناحية النفوذ العددي ومنطقة التأثير الكبيرة له. ووتيرة التطور تزداد بسرعة.
تعرّف الغرب في عصر الصناعة على مصطلح الرأسمالية وابنه البار الإمبريالية. وأهدى لأدب العالم في القرن الثامن عشر مصطلح Jeopolitik (الجغرافية السياسية).
في السياسة الكونية يعرفون كلاً من إنكلترا والولايات المتحدة الأميركية بأنهم "قوة بحرية" أما روسيا والصين والهند وألمانيا فيعرفون بأنهم "قوة برية". كان الهدف الرئيسي لأميركا وإنكلترا في الحربين العالميتين الأولى والثانية هي السيطرة على كافة الطرق البحرية في العالم وعلى الشواطئ البرية القريبة من هذه الطرق. ونجحوا في ذلك لفترة لا بأس فيها من الزمن.
النوتة الرديئة من الناتو الرديء:
ولكن الصورة العامة التي نراها في شهر آب من عام 2014 ليست كذلك. إن الناتو بصفته سلاح الحكم لدى الإمبريالية الغربية بات أشبه بآلة مصدأ تعيسة بقيت منذ أيام الحرب الأهلية الأميركية. أو هي أشبه ببارودة الـM1 التي كانت تستخدمها القوات البحرية الأميركية فترة الحرب العالمية الثانية.
اصطدم مشروع الناتو الذي هدف الانتشار في آسيا وشق القوى العظمى مثل السيف بفشل ذريع. إن أفغانستان التي أريد لها أن تكون الموقف الأول لهذا المشروع سوف تخرج قريباً في نهاية هذا العام من السيطرة الأميركة وستدخل ضمن نطاق التأثير الروسي والصيني. حتى أنه بدأت منظمة شانغهاي بالمناورات من أجل ذلك.
هناك الكثير (وأنا من ضمنهم) يتساءلون لماذا لا تقوم روسيا والصين بصفتهم قوى عظمى بالتدخل بشكل أكبر وربما تدخل مباشر بالشرق الأوسط الذي يشكل قلب الحروب الاستراتيجية العالمية. أساساً الأمر عكس ذلك, إنهم بدؤوا بدهس رأس تنظيم داعش ابتداءً من أفغانستان. وهم يعرفون حق المعرفة أن التنظيمات أمثال القاعدة وطالبان التي تخضع للحماية الأميركية تحت اسم تنظيمات إسلامية تشكلت لمواجهة روسيا والصين.
فقط لأن روسيا قامت بدعم بشار الأسد في الحرب الدائرة في سوريا فقد سحبت الأسلحة في وجهها عن طريق أوكرانيا. كذلك الصين في أي لحظة ممكن أن تواجه خطراً عن طريق البحر أو البر.
ولكن القوى الآسيوية التي توصف بـ"الدول النامية" باتت تكسب الأفضلية على دفة الشطرنج بفضل السياسة الماهرة والحنكة الدبلوماسية التي تقوم بها.
كيف ذلك؟
- الهزيمة النكراء للإمبريالية في سوريا. سقوط الإخوان ومجيء نظام مقرب من روسيا في مصر:
هذه التطورات حساسة جداً. جاءت بمثابة المسمار المغروز في تابوت "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي تعثر مع فشل احتلال العراق. إن منظمة شنغهاي التي تحارب ضد تنظيم داعش بشكل مباشر في الشرق الأوسط ستنتقل إلى مركز العمل في آسيا الوسطى. وسترون قريباً أنه لن يبقى تنظيم القاعدة إلا في الشرق الأوسط أو في أفريقيا. وإذا لاحظتم أنه في الآونة الأخيرة لا نسمع خبرهم سوى في هذه المناطق. أضيفوا إيران أيضاً إلى هذه التوازنات. فقد أظهرت من خلال التطورات الأخيرة أنها لن تسمح بانقسام العراق. كما أظهرت قابليتها في إمكانية مراقبة البرزاني. حتى أنها قامت بحماية تركمان العراق الذين طعنّاهم بأيدينا من الظهر. كذلك لعبت دوراً هي وروسيا في معارضة الرغبة الألمانية في تأسيس دولة كردية مستقلة. نجحت إيران في إجلاس الحليف الثاني لأميركا بعد إسرائيل على طاولة الحوار الدبلوماسي. هناك تغير ملحوظ في موقف الرياض بعد الفشل في سوريا ومصر.
- الي الذي نفذ عن طريق أوكرانيا:
أساساً الأستاذ الكبير في الجيوسياسة زبغنيو برزنسكي يشرح لنا كل شيء: "ناتو بدون روسيا محكوم عليها بالفشل". إن الأمين العام للناتو راسموسن قد أعلن عن إنتهاء الناتو بوضع روسيا في موضع العدو في اجتماع كالليري الأخير. لم يعد العالم يستوعب حرباً باردةً أخرى. بات قسم كبير من أوربا يتعاون مع روسيا في مجالات عمل مختلفة. يشترون الطاقة ويبيعون المواد. ويقومون باستثمارات ضخمة في الأراضي الروسية الشاسعة. حصل هناك انشقاق في الجيوسياسة بعد أزمة التنصت الأخيرة التي حصلت بين أميركا وألمانيا. وبعد هذه الساعة لن يكون بمقدور القوة الأميركية عزل روسيا ولا الصين الذي يقوم أكثر من 50% من بائعي المفرق بالاعتماد عليها.
تركيا المهزومة:
لا أعلم إن كانت العواصم الغربية تطلق على ما يدعى بـ"تركيا الجديدة" اسم (طيب لاند). ولكن من خلال هذه اللوحة العامة, أرى شبهاً كبيراً بين الدور التركي الأشبه بدور المهزوم الذي لعبته العثمانية (أو ما بقي منها) في الحرب العالمية الأولى. رغم أنه ليس هناك شيء ليفعله أنور باشا. فتذلله للإنكليز لم يمنع في وضعه على وجبة الغداء الرئيسية للإمبريالية. ولكن اليوم لم يفت الأوان. إن النظام الغريب الذي يدعى "تركيا الجديدة" والذي يقصد به العثمانية الجديدة لم يكتمل تأسيسه بعد. إن الجمهورية التركية التي أخذت العبر والدروس من التاريخ مازالت تقف على قدميها حتى لو أنها مجروحة. ولكن وتيرة المغامرة مرتفعة جداً. وهذه الوتيرة معروفة من قبل وزير الدفاع الأميركي تشك هيغل الذي سيزور تركيا بعد انقطاع دام طويلاً. هنا يجب الحذر والانتباه جيداً, حيث سيقوم الناتو بوضع أساسات الحرب الباردة الجديدة من خلال التخطيط لعمليات أميركية على العراق وسوريا انطلاقاً من الأراضي التركية بحجة محاربة تنظيم داعش. وإلا ستتحول الغرابة التي تدعى بتركيا الجديدة إلى تركيا المهزومة فعلياً.
إذا تشاركت تركيا بالهزيمة التي تتعرض لها أميركا وحلف الناتو سوف يدفع ثمن ذلك 75 مليون مواطن تركي. وستكون تركيا أشبه بالرجل المريض الذي تقاسمته الدول الإمبريالية على مائدة الطعام في الحرب العالمية الأولى.
موقع: أوضا تي في
إضافة تعليق جديد