حراك أميركي لـ«صوملة» الحرب على «داعش»
يبدو أن ثمة سباقاً دولياً على النفوذ في المشرق العربي، عبر بوابة الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وبعد نجاحه في حشد الدعم العربي للمعركة الجديدة في اجتماع جدّة ، حرص رئيس الديبلوماسية الأميركية جون كيري على التوجه إلى انقرة، التي ما زالت بعض الأطراف تنظر بعين الريبة إلى موقفها من «داعش»، حيث اجرى محادثات شملت الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس مجلس الوزراء احمد داود اوغلو، ليبدي بعدها تفاؤله في إمكان تشكيل «تحالف عريض» ضد «الدولة الإسلامية»، عاكساً في الوقت ذاته رغبة أميركية في عزل ايران عن هذا التحرك.
وفي موازاة الجولة المكوكية التي يقوم بها كيري على خط بغداد - جدة - انقرة، حط الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، امس، في العراق، في زيارة مفاجئة، سبقت الاجتماع الدولي الذي تستضيفه باريس بعد غد الاثنين تحت شعار «من اجل السلام والامن في العراق»، وعكست رغبة فرنسية في اقتناص الفرصة التاريخية للعودة إلى الواجهة في الوطن العربي، على المستويين الديبلوماسي والعسكري، وذلك بعد 11 عاماً من رفض الرئيس الأسبق جاك شيراك اتباع خطى الولايات المتحدة وبريطانيا في غزو بلاد الرافدين.
وفيما وضع اجتماع جدة، الركائز الاساسية للتحالف الدولي ضد «داعش»، والتي ينتظر ان يتم تثبيتها في اجتماع باريس بعد غد، يبدو ان جهود الولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة ستنصب على انجاز البناء النهائي لهذا التحالف في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر تأمين مظلة دولية لحرب طويلة الامد وفق النموذج الصومالي.
وكان الرئيس باراك اوباما قال، في خطابه امس الاول، بشأن الاستراتيجية ضد «داعش» انه يريد ان يستلهم العمليات التي جرت في الصومال واليمن خلال الأعوام الماضية، وتوّجت بمقتل زعيم حركة «الشباب» الاسلامية احمد عبدي غودان في مطلع ايلول الحالي.
وشمل نموذج الصومال تنفيذ عمليات جوية في القسم الاكبر منها، بالإضافة إلى عمليات دقيقة للقوات الخاصة على الارض.
ويبدو أن الولايات المتحدة لم تنس «معركة مقديشو» التي ادت الى مقتل 18 جنديا اميركيا في العام 1993، ولذلك فإنها ترفض عمليات تقليدية على الارض، مع ان قوات خاصة اميركية، وخصوصاً من «المارينز»، شنت غارات عدّة في الاراضي الصومالية، من بينها واحدة لأسر مسؤول كبير من حركة الشباب في العام 2013.
والجدير ذكره ان نموذج الحرب على الارهاب في الصومال استدعى تفويض المجتمع الدولي قوة افريقية قوامها 22 الف عنصر للانتشار في هذا البلد الغارق في الفوضى، والقيام بالعمليات القتالية التقليدية التي اتاحت منذ سنتين طرد الاسلاميين من القسم الاكبر من معاقلهم، لكن الصوماليين ما زالوا غارقين في الانقسامات والفقر والنزاعات المسلحة.
وفي هذا الإطار، فإن تفويضاً مماثلاً لقوة عربية يمكن ان يكون خياراً متاحاً، خصوصاً بعد اعلان واشنطن عن ضم عشر دول عربية الى تحالفها ضد «داعش». ولكن دور تلك الدول العربية ما زال محاطاً بالضباب، وقد أضاف كيري مزيداً من الغموض على هذا الدور حين قال إن «اي دولة لا تتحدث عن ارسال قوات الى الارض، ونحن لا نعتقد انه ستكون هناك حاجة اليها».
وسواء اعتمدت الولايات المتحدة النموذج الصومالي أو النموذج اليمني (الذي تحدث عنه اوباما أيضاً في خطابه)، فإن الحرب على «داعش» لن تكون بالأمر السهل، خصوصاً ان التقارير الاستخباراتية ترجح اكتساب التنظيم المتشدد مهارات عالية، سبق ان اختبرها المتشددون الصوماليون خلال السنوات الماضية.
وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر في جهاز استخبارات اوروبي مطلع على ملفي «الشباب و«داعش» قوله إنه «في سوريا، كما في الصومال، سيتعين وضع بنية استخبارات وتحديد الحلفاء المحتملين وتحديد الاهداف الرئيسية والقضاء عليها الواحد تلو الآخر»، مضيفاً «سيتعلق الامر بعملية تتطلب نفساً طويلاً... إنها عملية طويلة».
وأشار إلى ان «الشباب اظهروا كيف يمكن التكيف والبقاء على قيد الحياة حتى عندما يقطع رأس التنظيم. ويفترض ان نتوقع ان يقوم تنظيم الدولة الاسلامية بالامر ذاته».
يأتي ذلك، في وقت رفعت أجهزة الاستخبارات الأميركية بشدة تقديراتها لأعداد مقاتلي «داعش» إلى ما بين 20000 و31500 عنصر، قياساً إلى تقديرات سابقة في حزيران الماضي بأن عددهم يبلغ نحو عشرة آلاف مقاتل.
وثمة تساؤلات إضافية تطرح في هذا الإطار عن دور تركيا، التي لم توقع على البيان المشترك الذي صدر عن اجتماع جدة، والذي التزمت فيه الولايات المتحدة والدول العربية العشر بمحاربة «داعش»، بما في ذلك «عبر المشاركة في حملة عسكرية منسقة».
لكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكد بعد لقائه كيري في انقرة استمرار بلديهما في «التعاون الاستخباراتي، وتقديم الدعم اللوجستي للمعارضة السورية، وتوفير المساعدات الإنسانية»، بحسب مصادر مقربة من الرئاسة التركية.
وأكد كيري، خلال مؤتمر صحافي، أن الولايات المتحدة وتركيا «شريكان مهمان وبالتأكيد داخل الحلف الأطلسي وإنما ليس فيه وحسب»، مشيراً بشكل خاص إلى التعاون «في مكافحة الإرهاب».
وأعرب كيري عن ثقته بالنجاح في تشكيل التحالف الدولي ضد «داعش»، قائلاً «أنا مرتاح: سيكون تحالفا كبيرا مع دول عربية ودول اوروبية والولايات المتحدة وآخرين يساهمون في كل اوجه الإستراتيجية التي عرضها الرئيس اوباما».
في المقابل، قال كيري إن مشاركة إيران في مؤتمر باريس «لن تكون في محلها»، عازياً موقفه هذا إلى «ضلوع ايران في سوريا».
وفي ما يعكس التباين الاميركي - التركي حول الحرب على «داعش»، قال داود أوغلو، في مقابلة مع محطة «كانال 24» التلفزيونية إن الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة ضد التنظيم المتشدد «ضرورية لكنها لا تكفي لإرساء النظام... اقصد لتحقيق الاستقرار السياسي».
ويتوجه كيري إلى القاهرة، اليوم، حيث يلتقي «كبار المسؤولين المصريين، ويبحث معهم القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك»، وفق بيان صدر عن وزارة الخارجية الأميركية.
وقبل ثلاثة ايام من انعقاد مؤتمر دولي في باريس حول «السلام والامن في العراق»، زار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بغداد، حيث اكد استعداد بلاده لتقديم «المزيد من المساعدات العسكرية» للعراق.
وقال هولاند، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، «جئت الى هنا الى بغداد لأعلن استعداد فرنسا لزيادة المساعدة العسكرية للعراق»، معرباً عن «دعم» فرنسا للحكومة العراقية التي «استطاعت جمع كل مكونات الشعب العراقي».
وفي إشارة إلى حديث العبادي عن اهمية الدعم الجوي من جانب الحلفاء لضرب المتطرفين، قال هولاند «سمعت طلب رئيس الوزراء العراقي. ونعمل مع الحلفاء على عدد من الفرضيات»، لكن هولاند تملص من الرد على سؤال حول احتمال توجيه ضربات جوية فرنسية، كما انه ابقى الغموض في ما يخص الوسائل العسكرية التي بإمكان فرنسا تقديمها.
وفي ما يتعلق باحتمال انتشار حاملة الطائرات «شارل ديغول»، اكتفى هولاند بالقول «نتخذ القرارات في الوقت المناسب... ليست هناك حالياً تفاصيل».
ورأى هولاند ان «التهديد الشامل» من قبل «داعش» يستدعي «رداً شاملاً». وأضاف ان «الارهاب يهددنا لأن المقاتلين يصلون من كل الدول وبإمكانهم الرجوع وارتكاب افعال اخرى». لافتاً إلى ان مؤتمر باريس المزمع عقده بعد غد يأتي في «وقت حساس مع المعركة التي تخاض ضد التنظيم المتطرف الذي بإمكانه ان يمتد الى ما يتجاوز العراق وسوريا».
ورداً على سؤال حول حضور ايران مؤتمر باريس، اجاب هولاند انه يتمنى «اوسع مشاركة ممكنة»، لكنه أشار إلى انه «لم يتم بعد تحديد لائحة المشاركين بالضبط»، لافتاً إلى أن «وزير الخارجية الفرنسي ونظيره العراقي شدَّدا على ان تكون المشاركة اوسع».
إلى ذلك، قال العبادي إن «هناك شبكة من المهربين تساعد تنظيم داعش وتشارك فيها بعض دول مجاورة للعراق للأسف». وطالب بضرورة «تجفيف كل منابع الدعم للإرهاب، ووقف عملية تجنيد الإرهابيين من دول مجاورة لسوريا وإرسالهم للعراق».
وأضاف أن «الإرهاب شبكة عالمية وتجنّد الإرهابيين من كل أنحاء العالم وتجلبهم عن طريق سوريا»، لافتا إلى أن «هناك تمويلاً كبيراً للإرهاب، وفي بعض المناطق سيطر داعش على آبار نفطية ويستثمرها في تمويل عملياته الإرهابية، وهذا مصدر آخر لتمويل الإرهاب».
وبعد محطته الاولى في بغداد، التي التقى خلالها الرئيس العراقي فؤاد معصوم ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، توجه هولاند الى اربيل، حيث التقى رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني.
وشدد هولاند على ان شحنات الاسلحة التي سلمتها فرنسا لقوات «البشمركة» كانت «حاسمة» لقلب موازين القوى، مضيفاً «لقد قررت ايصال الامكانات الضرورية، وأرى انكم استخدمتموها على النحو الافضل. هذه الشحنات كانت حاسمة لقلب موازين القوى».
وتفقد الرئيس الفرنسي لاجئين مسيحيين في احدى الكنائس في ضاحية عين كاوة قرب اربيل، وقد رُفعت في حديقتها لافتة كتب عليها «نطلب اللجوء في فرنسا انقذونا».
وفي هذا الإطار، قال هولاند «سنواصل مع اوروبا مساعدتنا للاجئين. وسنقيم جسراً إنسانياً فعلياً، وسنتعامل ايضاً مع الحالات الاكثر إيلاما لعائلات تربطها علاقات بفرنسا وتريد المجيء لوقت معين للجوء لدى اقربائها».
من جهته، قال وزير الخارجية لوران فابيوس، الذي يرافق هولاند، ان فرنسا سبق أن استضافت نحو «مئة من اللاجئين المسيحيين»، مضيفاً «سيكون هناك مئة غيرهم في الايام المقبلة»، لكنه أكد في المقابل عدم رغبة فرنسا في اخلاء العراق من الاقليات لان ذلك «يشكل انتصارا للارهاب».
في هذا الوقت، اعلنت وزارة الدفاع الفرنسية ان الوزير جان ايف لودريان، الذي رافق ايضاً هولاند في زيارته للعراق، سيتوجه يومي الاثنين والثلاثاء الى الامارات ومصر لاجراء مشاورات تتركز على الوضع في العراق وليبيا.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد