الجيش العربي السوري تجسيد للـ "الحكومة الشامله"
الجمل- توني كارتالوتشي- ترجمة: رندة القاسم:
في الأسابيع الأخيرة بدأت خلايا التفكير( think thanks)) الأميركية ،ذات التمويل المشترك ،باإطلاق رواية مفادها أن الخطوة المنطقية لايقاف ما يسمى إرهابيي الدولة الاسلاميه (داعش) تكمن في ابعاد الحكومة السوريه عن السلطه ، رغم حقيقة أن القوة الوحيدة المنظمة و المتماسكة القادرة على محاربة ارهابيي داعش هي الحكومة السورية و الجيش العربي السوري.
كينيث م.بولاك كاتب سياسي في مؤسسة Brookings ، و الموقع على تقرير أصدرته المؤسسة عام 2009 تحت عنوان" ما السبيل الى فارس؟" و يحمل اقتراحا بتسليح و تمويل منظمات تعتبر ارهابية من أجل قتال ايران تحت غطاء احتجاجات الشارع ( تماما كما فعلت الولايات المتحدة من أجل اغراق سوريه في أزمتها الحاليه). مؤخرا عبر بولاك عن أفكارة حول سوريه في تقرير تحت عنوان "جيش لهزيمة الأسد: كيف تحول المعارضة السوريه الى قوة قتال حقيقية) ورد فيه:
" في الواقع هناك طريقة تتمكن فيها الولايات المتحدة ن تحقيق ما تريده في سوريه ، وفي العراق بشكل أساسي، دون ارسال قوات أميركيه، وذلك عبر بناء جيش معارضة قادر على هزيمة كل من الرئيس بشار الأسد و الميليشيات الاسلاميه".
و بشكل صحيح ذكر بولاك أن هدف الولايات المتحدة الحقيقي، منذ عام 2011 عندما أثارت حشود الشارع كغطاء للارهابيين التابعين للقاعده، هو ابعاد الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطه، ويمكن للادارة الأميركية الاعلان صراحة أنها تستخدم داعش كذريعة غامضة لاسقاط الحكومة السوريه ، اذ جاء في مقال نشرته The Hill تحت عنوان "الادارة: يجب ان يرحل الأسد حتى تهزم داعش" :
"يوم الجمعة قالت المتحدثة باسم الادارة الأميركية ماري هارف بأنه لا يمكن هزيمة الدولة الاسلامية في العراق و الشام (داعش) طالما الرئيس السوري بشار الأسد في السلطه". و تابعت هارف قائلة: "أفضل شيء يمكن أن يحصل عليه الشعب السوري ليس داعش و لا نظام الأسد، و لكن حكومة انتقاليه جديدة تقودهم نحو مستقبل أفضل ينهي سفك الدماء الذي نشهده منذ ثلاث سنوات".
و بالطبع ، لا يوجد "حكومة انتقاليه"، و لم يكلف أي من بولاك و هارف نفسيهما عناء شرح كيف يمهد اسقاط الحكومة السوريه للقضاء على داعش. و تشير التعليقات أن القيام بذلك، يعني نوعا ما أن سوريه ستشهد صعود حكومة أكثر شموليه و أكثر قدرة على توحيد المجتمع السوري و بالتالي مواجهة داعش.و تجدر الاشارة الى أن الجيش العربي السوري يقاتل فعليا داعش و مجموعات ارهابية أخرى مدعومه من الغرب منذ عام 2011، و يضم الجيش مسيحيين و سنه و شيعة و علويين و دروز، و كل الطوائف في المجتمع السوري، و كلهم متحدون لأجل الدفاع عن سيادة الجمهورية العربية السوريه. و بينما يدعي الغرب رغبته باسقاط الحكومة السوريه لتحل عوضا عنها "حكومة شامله" من أجل المساعدة في القضاء على داعش، يبدو واضحا بأن تغيير النظام هو هدفه قبل خلق داعش و اظهاره على منصة العالم.
لقد استخدمت نفس الافتراضات المخادعة من أجل تسويق إسقاط الحكومة الليبية عام 2011 ، ما أدى الى ما هو مناقض تماما للسلام و الاستقرار و الحكم الشامل المتماسك. فليبيا تعيش وسط دمار مع وجود متطرفين طائفيين سلحهم الناتو عن عمد و مدهم بالقوة ليحكموا أمة مقسمة و محطمه.
و في العراق ، المجاور لسوريه، و في أعقاب غزو داعش الأولي لشمال العراق ،أيدت الولايات المتحدة تغيير النظام و حققت ذلك فورا ، و أبعد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن السلطة ممهدا الطريق لما وصفه الغرب بالحكومة الشاملة التي أدعى أنها أقدر على مواجهة داعش و التخلص من الخلافات الطائفية في المجتمع العراقي.
و مع استمرار سقوط القواعد العراقية بيد ارهابيي داعش و ازدياد العنف، يبدو أن الغرب قد قلص خطبه الطنانه ، مدعيا أن الحل الآن لأجل ايقاف سفك الدماء السوريه و العراقيه يكمن ،لا في قطع تمويل داعش من قبل حلفاء الولايات المتحده مثل السعوديه و قطر و لا في حرمانهم من الملاجئ الآمنه في الأردن و تركيا، و انما في اسقاط الحكومة السوريه للوصول أخيرا الى "الحكومة الشاملة" الأسطوريه التي لم تحقق أبدا في ليبيا و لا في العراق.
تغيير النظام لم يجدِ في ليبيا و العراق كما انه لن يؤدي للقضاء على داعش في سوريه. و المأزق الذي تشكله داعش لصناع السياسه الغربيين يعود الى سوء فهم دولي لحقيقة داعش في المقام الأول. انهم ذات "المعتدلون" الذين قامت الولايات المتحده و أوروبا و شركاؤهم المتوسطون بتسليحهم و تمويلهم لسنوات. داعش يمثلون المتطرفين الطائفيين الذين أشار اليهم الصحفي العريق سيمور هيرش، الحاصل على جائزة بوليتزار، منذ عام 2007 في مقاله الذي نشرته New Yorker تحت عنوان "اعادة التوجيه هو السياسة الجديدة للادارة" و جاء فيه:
"لاضعاف ايران ، ذات الغالبية الشيعيه، قررت ادارة بوش أعادة صياغة أولوياتها في الشرق الأوسط.ففي لبنان تعاونت الادارة مع حكومة السعوديه ، السنيه، في عمليات سريه تهدف لاضعاف حزب الله ، المنظمة الشيعيه المدعومة من ايران. كما و شاركت الولايات المتحده في عمليات سريه تستهدف ايران و حليفتها سوريه.و من النتائج الجانبيه لهذه النشاطات دعم مجموعات سنيه متطرفه تعتنق الرؤية العسكريه للاسلام و معادية للولايات المتحدة و متعاطفه مع القاعده".
داعش مجموعة متطرفه تعتنق الرؤية العسكريه للاسلام و يبدو أنها معادية للولايات المتحده و مؤيدة للقاعدة ، انها "الوعل المعدني"(آلة معدنية كان القدماء يستخدمونها لدك أسوار المدن المحاصره) الذي استخدمته الولايات المتحده أولا في محاولاتها العنيفة لاسقاط الحكومة السوريه، و فشلت في تحقيق ذلك، ليغدو ذريعة للتدخل بشكل مباشر و تحقيق هدف تغيير النظام. و رغم أن القاعدة كانت تعمل تحت مسميات مختلفه في سوريه منذ اندلاع الفوضى هناك بتخطيط أميركي عام 2011، الا ان الاعلام الغربي لم يقم الا مؤخرا بذم المتطرفين الطائفيين الذين قامت واشنطن و لندن و الرياض و الدوحه و أنقره و تل أبيب بدعمهم و توجيههم لسنوات. انه ببساطه تحول في السيناريو لكي يصبح المرتزقة الغربيون الآن ذريعة مناسبه من أجل التدخل العسكري المباشر.
و اذا كان تغيير النظام يخلق أية فرصة لايقاف داعش، عندها يجب ان يكون في عواصم المدن التي تدرب و تمول داعش (واشنطن و لندن و الرياض و الدوحه و أنقره و تل أبيب). كما و يجب أن تشهد دول مثل البحرين و الأردن و الكويت و الامارات العربية المتحده اسقاط أنظمتها الاستبداديه غير المنتخبه و اجتثاث قدرتها على تمويل الارهاب العالمي.
و اي شيء أقل من هذا ليس سوى عمل ماكر و اعتداء عسكري يختبئ وراء حجة ايقاف نهر الدماء الذي سببه الغرب نفسه.
*باحث و كاتب جيوسياسي
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه
الجمل
إضافة تعليق جديد