ما الغاية من جولة الرئيس الأسد العربية والدولية؟
الجمل: الإطار الإقليمي الذي يأتي على خلفية جولة الرئيس بشار الأسد، يتضمن العديد من المؤشرات، والتي من أبرزها:
• المهددات الإقليمية لأمن المنطقة:
وهي مهددات نشأت وتصاعدت وتبلورت بسبب التداعيات السلبية للتحركات الإسرائيلية- الأمريكية، الهادفة إلى نشر عملية الفوضى الخلاقة ودفع المنطقة إلى هاوية الحرب والتفكك، بما يؤدي إلى تقويض استقرارها وتدمير قدرات شعوبها، ثم إعادة تركيبها وتشكيلها على النحو الذي يجعلها سهلة الانقياد أمام إسرائيل.
وحالياً تنشط حركة التدخل الإسرائيلي- الأمريكي في لبنان بهدف تحويله إلى (بؤرة حرب أهلية)، يتم استخدامها بجانب (بؤرة الحرب الأهلية) العراقية في نقل عدوى الصراع والحرب الأهلية إلى سوريا وإيران، في المرحلة الأولى، ثم بعد ذلك إلى السعودية والأردن والخليج ليكتمل إشعال المنطقة بالكامل.
• المهددات الدولية لأمن المنطقة:
وتتمثل هذه المهددات في الدور الجديد لمجلس الأمن الدولي الذي تحاول الإدارة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل دفع المجلس إلى القيام به، بحيث يتحول المجتمع الدولي إلى أداه ضغط تعمل لخدمة المصالح الإسرائيلية في المنطقة، وحالياً تقوم إسرائيل المدعومة أمريكياً بتنفيذ المزيد من عمليات الحرب السرية في لبنان والعراق، وذلك تحقيقاً لهدفين هما: زعزعة استقرار العراق ولبنان من جهة، واستهداف سوريا من الجهة الأخرى عن طريق تلفيق الاتهامات ضدها، كما في حالة اغتيال الحريري والجميل وغيرهم. وأيضاً في حالة اتهام سوريا بالمسؤولية عن تسلل المقاتلين والمسلحين إلى العراق.. وهي اتهامات أضاف إليها السفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زادة مؤخراً اتهام سوريا بالمسؤولية عن فرق الموت الناشطة حالياً في قتل العراقيين.
تهدف المهددات الدولية ضمن ما تهدف إلى استخدام نموذج المحكمة الدولية كوسيلة لاستهداف سوريا وزعزعة استقرارها، وعن طريق استخدام الأدلة الجنائية المزورة بما يضع القيادة السورية في مواجهة المحكمة الدولية، وبالتالي في مواجهة المجتمع الدولي.
التغيرات والتبدلات الجارية، تشير إلى الوضع المتوتر الذي أصبح سائداً في البيئة الدولية المعاصرة، السريعة الحركة، المتقلبة الإيقاع، وكما هو معروف، فإن النظام الدولي، أي نظام دولي، يتكون من:
- كيانات دولية تتمثل في الدول والمنظمات الدولية.
- القيم التي تحكم المعاملات الدولية بين الدول والمنظمات.
- التفاعلات التي تجري في النظام الدولي ضمن ثلاثة مستويات، هي المستوى الدولي العام، المستوى الإقليمي، المستوى الفرعي دون الإقليمي.
السياسة الخارجية الأمريكية القائمة على اعتبارات التدخل السافر في الشؤون الداخلية الخاصة بالدول والمنظمات الدولية، أصبحت عاملاً فاعلاً في تهديد استقرار البيئة الدولية المعاصرة، وذلك على النحو الذي أصبح يلقي بتداعياته السالبة على الكيانات الدولية القائمة، وعلى القيم التي تحكم المعاملات، وعلى التفاعلات الدولية الجارية في مستوياتها الثلاث.
السياسة الخارجية السورية، شأنها شأن كل سياسة خارجية، ظلت تعتمد على وضع الأهداف السياسية الخارجية والعمل من أجل تحقيقها بالوسائل السلمية المشروعة في هذا العالم وفقاً للمواثيق التي يقرها المجتمع الدولي.. وعلى هذا الأساس، يمكن القول: إن السياسة الخارجية السورية، كانت وماتزال تعتمد الواقعية والمشروعية في كل شيء: تقدير ظروف البيئة السياسية العالمية الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط عموماً، وفي المنطقة الفرعية دون الإقليمية لشرق المتوسط.
كذلك التزمت السياسة الخارجية السورية بالواقعية في تحديد الأهداف، فلم يحدث أن تخطت نطاقها الإقليمي، وانخرطت ضمن الأجندة التدخلية للقوى الكبرى والعظمى الأخرى في هذا العالم، بل ظلت تركز على الحقوق العادلة المشروعة لسوريا والتي تتمثل في الحقوق الخاصة المتمثلة في استرداد الجولان المحتل، والحقوق العربية عامة. وعلى أساس هذه الاعتبارات، استمرت السياسة الخارجية السورية في اعتماد واقعية الاعتبارات، واقعية القرار، وواقعية الخيارات السياسية الخارجية.
تعتمد الوسائل النظامية الخاصة بالتفاعلات في البيئة السياسية الدولية المعاصرة، على العديد من الوسائط التدخلية، والتي من أبرزها:
• الدبلوماسية: لم يحدث أن لجأت سوريا إلى استخدام الدبلوماسية التدخلية ضد الآخرين، لذلك ظلت سوريا حريصة كل الحرص على رفض أن يمارس الآخرون تدخلاتهم الدبلوماسية ضدها. وما هو معتمد سورياً بشكل نهائي هو دبلوماسية القرار المستقل الذي يوازن بين المصالح في كافة المعاملات الدولية بين سوريا والآخرين وبين الآخرين وسوريا.
• العقوبات: لم يحدث أن فرضت سوريا عقوبات دولية تهدف إلى الاعتداء على الآخرين بشكل جائر وظالم، إلا في حالة الدفاع عن النفس. وعلى خلفية هذا الإطار تأتي قرارات خيار معاقبة ومقاطعة إسرائيل بسبب ارتكابها لجرائم الاحتلال والعدوان وعدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية.
• الحرب: تلتزم سوريا بكل المواثيق الدولية الخاصة بموضوع الحرب، حسب ما هو موجود في القوانين الدولية العامة والخاصة، والمعاهدات الدولية المعتمدة عالمياً. وظلت الدبلوماسية السورية تتبنى السلام كمبدأ أساسي في كل توجهاتها، مع التشديد على حق سوريا في الدفاع عن النفس بكافة الوسائل المشروعة.
• التعبئة الدولية: ظلت الدبلوماسية السورية بمنأى عن عمليات الحشر والتعبئة التي تقوم بها القوى الكبرى والعظمى في النظام الدولي، وذلك على النحو الذي جعل من سوريا بعيدة عن محاور الحرب الباردة، وينعكس هذا الأمر بوضوح على الانتشار الدبلوماسي المتنوع الذي تتميز به الدبلوماسية السورية، وحالياً تغطي شبكة البعثات الدبلوماسية السورية قارات العالم.
التحركات الدبلوماسية التدخلية في منطقة الشرق الأوسط عموما، وفي المنطقة الفرعية دون الإقليمية لشرق المتوسط، التي تقوم بها الإدارة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، ومن ورائهم إسرائيل، هي تحركات أدت بقدر كبير إلى تقويض الاستقرار في المنطقة، ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك:
- غزو واحتلال العراق.
- نشر القواعد العسكرية في المنطقة.
- العدوان الإسرائيلي على لبنان.
- العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
- الصراعات الداخلية في الصومال والسودان.
- محاولة شق الصف العربي، وبناء تحالف عربي يسير في ركب التبعية والذيلية الإسرائيلية- الأمريكية.
- ممارسة الضغوط والتهديد بفرض العقوبات ضد الدولة التي تدافع عن استقلالها وترفض أجندة مشروع التبعية الإسرائيلية- الأمريكية.
ضمن هذه البيئة الدولية والإقليمية المتغيرة، وغير المستقرة، والمعبأة بالشكوك والمخاوف واللايقين، ظلّ اللجوء للخيار الدبلوماسي هو السمة الأساسية للسياسة الخارجية السورية، وقد اعتمدت الدبلوماسية السورية على عدة مستويات من الحراك السياسي.
- دبلوماسية القمة.
- دبلوماسية المؤسسات.
- الدبلوماسية العامة البينية.
ومن هذه المستويات تأتي زيارات الرئيس السوري بشار الأسد، وقد غطّت جولة الرئيس الأخيرة: اليمن، الإمارات، وروسيا.
• اليمن: وتتمثل أهميتها بالآتي:
- من الناحية البنائية: تتميز اليمن بوجودها في منطقة فائقة الحساسية، ظلت القوى الكبرى تستخدمها مدخلاً خلفياً للاختراق والتغلغل في البيئة الإقليمية العربية، ومن ثم فإن استقلالية اليمن وحيادها إزاء صراعات القرن الافريقي –الصومال- وحماية الخاصرة الجنوبية للمنطقة العربية، هما أمران لن يتحققا إلا بالالتزام بالثوابت العربية، وعدم الانجرار ضمن ركب التبعية الخارجية وقطع الطريق أمام نشر القواعد الأمريكية.
- من الناحية القيمية: يشكل الشعب اليمني وتراثه التاريخي جزءاً هاماً من الرصيد الحضاري العربي، وتمتد أواصر القربى بين اليمن وكافة أرجاء الوطن العربي الحالي، وتشير الكثير من النظريات إلى أن اليمن تمثل بؤرة تاريخية لانطلاقات الحضارة العربية.
- من الناحية التفاعلية: العلاقات العربية البينية (بين الدول)، والعلاقات العربية النظامية (ضمن الجامعة العربية والتكتلات العربية الإقليمية)، تلعب دوراً هاماً في تعزيز قوة واستقلالية القرار العربية، ومن ثم فإن العلاقات اليمنية- السوري على هذه الخلفية تلعب دوراً هاماً في تماسك القوام السياسي الإقليمي العربي.
• الإمارات العربية المتحدة:
- من الناحية البنائية: تتكون دولة الإمارات من اتحاد سبع إمارات خليجية هي (دبي، أبو ظبي، الشارقة، رأس الخيمة، أم القيوين، عجمان، ديرة) وتمتد طولياً على امتداد ساحل الخليج العربي الغربية، في مواجهة إيران ومجاورة السعودية.
- من الناحية القيمية: يمثل الخليجيون بمختلف انتماءاتهم القبلية أحد المكونات والركائز الاجتماعية العربية الأساسية.
- من الناحية التفاعلية: تلعب منطقة الخليج دوراً هاماً في العلاقات والاستثمارات الاقتصادية العربية البينية، وحالياً أصبحت منطقة الخليج مركزاً لحركة الاستقطاب الدولي، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، على النحو الذي أصبح يهدد بانكشاف الأمن القومي العربي أمام القوى الخارجية. وعلى هذه الخلفية فإن اهتمام السياسية ال خارجية السورية بالخليج يهدف ضمن ما يهدف إلى تعزيز الاستقلال الوطني والقومي العربي لهذه المنطقة.
• روسيا:
- من الناحية البنائية: تمثل واحدة من مثلث القوى العالمية الكبرى ذات النفوذ الهائل في البيئة الدولية المعاصرة، كذلك تمثل روسيا قوة عسكرية هامة تلعب دوراً كبيراً في حفظ توازن النظام العسكرية الاستراتيجي الدولي.
- من الناحية القيمية: تعتمد السياسة الخارجية الروسية مبدأ الاستقلال وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلدان منطقة الشرق الأوسط. إضافة إلى دعم وتأييد الحقوق العادلة لسوريا وللشعب الفلسطيني واللبناني ومساندة حق شعوب هذه البلدان في الدفاع عن النفس ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكياً.
- من الناحية التفاعلية: تربط روسيا علاقات وثيقة بسوريا، وبمعظم الدول العربية، وبمعظم الدول العربية، وذلك منذ أيام الاتحاد السوفييتي السابق. وقد لعبت العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الروسية- العربية دوراً هاماً في دعم القدرات العربية في عملية مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وفي الحدّ من التأثيرات السالبة للسياسة الخارجية التدخلية الأمريكية الهادفة إلى الانفراد بالمنطقة العربية لخدمة المصالح الإسرائيلية.
الخيار الاستراتيجي:
العلاقات الدولية تمثل في حقيقة الأمر ظاهرة سلوكية تقوم على الإدراك المتبادل بين الكيانات الدولية، وهي إدراكات تشكل وفقاً للعديد من النظريات والمذهبيات، فهناك نظرة مثالية تهدف إلى فرض النماذج الذاتية على الآخرين، كما في محاولة إسرائيل فرض إدراكها الخاص على حكومات وشعوب المنطقة، وهناك نظرة واقعية تقوم على تقييم الأوضاع وفقاً للمعطيات القائمة، وتوازن بين الحقوق والواجبات، وغير ذلك من النظريات.
إن جولة الرئيس بشار الأسد في هذا الوقت بالذات تؤكد الدور الهام الوقائي الذي تعتمده القيادة السورية، على أساس اعتبارات استخدام دبلوماسية القمة كوسيلة أساسية لدرء الصراعات والنزاعات وتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة، على الصعيدين الدولي والإقليمي.
كذلك بجانب دبلوماسية القمة، نجد أن السياسة الخارجية السورية، تعمل بشكل متماسك ومنسجم على النحو الذي يحقق التناغم والمساندة والمؤازرة بين أطراف الهرم الذي توجد على رأسه دبلوماسية القمة التي ينفذها رئيس الجمهورية، وفي الوسط دبلوماسية الخارجية السورية، وفي القاعدة دبلوماسية المؤسسات والهيئات الهادفة إلى تعزيز العلاقات البينية السورية العربية، السورية الإقليمية، والسورية الدولية.. وهو مبدأ لم تتخلَّ عنه السياسة الخارجية السورية، ومن أمثلة ذلك: أنه برغم اتهامات الحكومة العراقية المدعومة أمريكياً لسوريا، وبرغم اتهامات أمريكا وبريطانيا، فإن السياسة الخارجية السورية مازالت على موقفها الهادف إلى تعزيز أمن واستقرار وتحرير العراق، ولم تمنعها كل هذه الاتهامات من إعادة العلاقات الدبلوماسية مع العراق، وتوقيع المزيد من البروتوكولات الهادفة إلى عودة السلام والاستقرار في العراق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد