القمة الخليجية: تهدئة مع إيران وتعاون مع فرنسا ضد سوريا واليمن
لم تنتظر دول الخليج «التطمينات» التي كانت تترقبها من قمة «كامب دايفيد» التي ستجمعهم مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، بل يبدو أنها حصلت على ما يكفي منها بحلول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كأول «ضيف شرف» على القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الرياض، أمس، قبيل أسبوع من القمة المرتقبة مع اوباما، حيث أكد هولاند على «الشراكة الاستراتيجية» مع الخليجيين.
التطمينات الفرنسية جاءت مبكرة على صعيد قمة الرياض، حيث استبق هولاند انعقادها ببيان مشترك صدر عن لقائه بالملك السعودي، مساء أمس الأول، حمل لهجة تعكس السعي الفرنسي إلى إراحة «جيران إيران»، علماً أن مصادر فرنسية كانت أكدت لوكالة الصحافة الفرنسية قبل أيام، أن زيارة الرئيس الفرنسي ستتضمن التوقيع على إعلان مشترك سعودي - فرنسي سيكون بمثابة «خريطة طريق» سياسية واقتصادية وإستراتيجية وعسكرية، في ظل تقدم المفاوضات حول الملف النووي بين ايران والدول الغربية.
اليوم الفرنسي الخليجي الطويل انتهى إلى بيان مشترك تضمن مواقف من مجمل أزمات المنطقة، متناولا الشأن اليمني والسوري والمصري والعراقي واللبناني والليبي، كما حمل موقفا قطريا جاء على لسان وزير الخارجية القطري خالد العطية دعا فيه إلى علاقات «حسن الجوار» مع إيران، وإلى كفالة حق الحصول على الطاقة النووية لدول المنطقة «دون استثناء»، وهو ما تضمنه أيضا سلسلة عقود وقعتها الرياض وباريس بمليارات الدولارات شملت دراسة لمشروع في مجال الطاقة النووية.
وحملت القمة خطوات عملية بدت وكأن الخليجيين حاولوا الاستناد فيها إلى زخم الحضور الفرنسي في القمة، خصوصا في الملفين السوري واليمني، حيث تضمنت الاعلان على لسان الملك السعودي عن ضرورة العودة إلى مقررات مؤتمر «جنيف 1» في ما يخص الأزمة السورية، تبعه إعلان وزير الخارجية القطري خالد العطية عن «مؤتمر مرتقب للمعارضة السورية في الرياض، من أجل وضع خطة لإدارة المرحلة الانتقالية لما بعد نظام بشار الأسد».
وأعلن سلمان عن خطوة موازية في الملف اليمني لاقت تأييدا من هولاند، حيث أكد على ترحيب دول مجلس التعاون «بانعقاد مؤتمر الرياض لكافة الأطراف اليمنية الراغبة في المحافظة على أمن اليمن واستقراره ، وذلك تحت مظلة مجلس التعاون، قريباً».
وانطلقت القمة التي تضمن جدول أعمالها مناقشة ملفات عدة مثل الوضع في اليمن وبرنامج إيران النووي واتفاق الإطار المبرم بين الدول الغربية وإيران في لوزان، الشهر الماضي، إضافة إلى محاربة تنظيم «داعش»، بحسب مصادر ديبلوماسية، بكلمة لكل من سلمان وهولاند، حيث افتتح الملك السعودي سلمان القمة بوصف مواقف فرنسا اتجاه المنطقة بـ «الإيجابية».
واعتبر سلمان أن اللقاء جاء «وسط ظروف صعبة وتحديات بالغة الدقة» تمر بها المنطقة، وقال إنها «تستوجب منا مضاعفة الجهود للمحافظة على مكتسبات شعوبنا ودولنا، ومواجهة ما تتعرض له منطقتنا العربية من أطماع خارجية ترتكز في سعيها لتوسيع نفوذها وبسط هيمنتها على زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وزرع الفتن الطائفية، وتهيئة البيئة الخصبة للتطرف والإرهاب».
وتطرق الملك السعودي إلى الوضع في سوريا داعيا إلى تطبيق مقررات مؤتمر «جنيف 1» رافضا «أي دور» لمن أسماهم «رموز النظام الحالي» دون أن يسمي الرئيس السوري بشار الأسد، قائلا: «إننا نرى أن ما تضمنه بيان جنيف1 يمثل مدخلاً لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا، مع تأكيدنا على أهمية أن لا يكون لرموز النظام الحالي دور في مستقبل سوريا».
من جهته، أكد هولاند دعم بلاده للعدوان السعودي على اليمن «بغية إعادة الاستقرار اليه»، مشيدا بـ «المبادرات» التي أطلقها سلمان لمواجهة «تحديات جديدة مرتبطة بالجماعات الارهابية مثل داعش والقاعدة والتحديات التي تمثلها في زعزعة استقرار عدد من الدول المجاورة»، إضافة إلى «أطماع عدد من الدول التي تتدخل في شؤون الاخرين».
وشدد هولاند على «أهمية تطبيق قرار مجلس الامن الدولي 2216» الذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من جميع المناطق التي سيطروا عليها منذ تموز العام الماضي، كما أيد موقف دول الخليج حيال ضرورة تنظيم مؤتمر للسلام لأطراف النزاع اليمني «في الرياض».
وذكر مصدر مقرب من هذا الملف أن فرنسا قدمت إلى «التحالف العربي» بقيادة السعودية معلومات عسكرية الطابع على غرار صور التقطتها أقمار اصطناعية في اليمن.
وتولى وزير الخارجية لوران فابيوس الإعلان عن أن السعودية وفرنسا تبحثان في 20 مشروعا اقتصاديا بقيمة «عشرات مليارات اليورو» قد توضع اللمسات الاخيرة على بعضها «سريعا»، وفي مجالات عدة من بينها الدفاع والطيران المدني والنقل والطاقة، وذلك غداة توقيع صفقات عسكرية بمليارات الدولارات مع قطر.
ولفت فابيوس إلى أن بلاده شعرت بأن «هناك رغبة لدى الفريق الجديد في المضي سريعا في اختياراته»، في إشارة إلى السعودية، وامتنع عن ذكر تفاصيل تتعلق بالشركات واكتفى بالقول إن المحادثات في مجال الدفاع بلغت مرحلة متقدمة، وأكد أن بعض الصفقات تركز على قطاع البحرية وأضاف «يتعين وضع اللمسات الأخيرة على عدد من مشروعات (التسليح) ومن المنتظر أن نرى نتائج ذلك في الأشهر القادمة».
وقال فابيوس إن القطاعات الأخرى تتضمن الطاقة حيث تهتم شركة «توتال» بصفقة في مجال الطاقة الشمسية، كما تشمل دراسة لمشروع في مجال الطاقة النووية، مؤكداً أنه يرأس لجنة توجيه مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للإشراف على العقود.
بدوره قال هولاند ان بعض العقود قد يتم تأكيدها بحلول حزيران وأن المنتظر الاعلان عن المزيد من العقود اثناء منتدى فرنسي - سعودي للاعمال في تشرين الاول المقبل، وقال في مؤتمر صحافي في الرياض «نريد ان نتحرك بسرعة... نحن هنا لاقامة شراكة استراتيجية تستمر طويلا».
وصدر بيان ختامي عن القمة، دعا فيه قادة الخليج والرئيس الفرنسي إيران إلى «اتخاذ القرارات الشجاعة والضرورية لطمأنة المجتمع الدولي بسلمية برنامجها النووي، والتأكيد على رغبتها في بناء علاقات تقوم على الثقة مع دول المنطقة، بناءً على مبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة التي تقوم على حسن الجوار وتمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو استخدام القوة أو التهديد بها».
وفي الشأن اليمني أكد البيان «مساندة جهود الحكومة الشرعية في اليمن لتحقيق عملية سياسية شاملة وإعادة السلام إليه بالتشاور مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمم المتحدة ومع أصدقاء اليمن، ومساندة المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد في جهوده كوسيط بين الأطراف اليمنية».
ودعا البيان إلى «إعداد مرحلة انتقال سياسي سلمية وفق مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والتنفيذ الكامل والدقيق لقرار مجلس الأمن الدولي 2216».
ونشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية «واس» البيان الختامي للقمة الفرنسية الخليجية، الذي أشار إلى أن قادة دول مجلس التعاون ورئيس فرنسا تناولوا في مباحثاتهم التدابير التي من شأنها «إعادة الاستقرار الإقليمي».
وأكدت دول مجلس التعاون وفرنسا «تصميمها على مكافحة الإرهاب، وعلى وضع كل ما يلزم من وسائل لتجفيف مصادر تمويل تنظيم داعش الإرهابي»، ودعت إيران إلى «اتخاذ القرارات الشجاعة والضرورية لطمأنة المجتمع الدولي بسلمية برنامجها النووي، والتأكيد على رغبتها في بناء علاقات تقوم على الثقة مع دول المنطقة، بناءً على مبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة التي تقوم على حسن الجوار وتمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو استخدام القوة أو التهديد بها».
ودعا المجتمعون المجتمع الدولي إلى «القيام بكل ما يلزم لتفادي الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط وخاصة تشجيع اتفاق قوي ومستدام وقابل للتحقق في إطار المفاوضات بين مجموعة 5 + 1 وإيران».
وفي الشان العراقي دعا المجتمعون إلى «مساندة جهود الحكومة العراقية من أجل المصالحة الوطنية، وتخليص العراق من تهديد تنظيم داعش، وتحقيق المشاركة الكاملة لجميع مكونات الشعب العراقي، عَبر التطبيق الكامل لبرنامج الإصلاحات الذي تم الاتفاق عليه في الصيف الماضي».
وتطرق البيان إلى ضرورة «تشجيع جهود تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي من خلال دعوة مجلس الأمن الدولي إلى تحديد الإطار الزمني للمفاوضات مع دعم مساهمة المجتمع الدولي في إطار ما نصت عليه مبادرة السلام العربية».
وفي الشأن الليبي أعرب الجانبان عن «القلق من تزايد أعمال العنف والإرهاب الذي يهدد أمن واستقرار ووحدة ليبيا»، وأكدوا «على دعم البرلمان المنتخب (دون تحديد أي برلمان يقصدون)»، ودعوا «كافة أطياف الشعب الليبي إلى تحمل مسؤولياتها الوطنية ومواصلة الحوار لإيجاد حل ينهي حالة الانقسام، ومساندة جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة لاستئناف الحوار الوطني الشامل بين مكونات الشعب الليبي بهدف التوصل إلى اتفاق شامل في أقرب فرصة ممكنة».
وتطرق البيان إلى كل من لبنان ومصر حيث أكد على ضرورة «تعزيز سيادة لبنان ووحدته واستقراره عبر دعم مؤسساته وبشكل خاص جيشه، ومناشدة الأطراف المعنية سرعة انتخاب رئيس للجمهورية»، وإلى «المساهمة في استقرار وتنمية مصر عبر متابعة التعاون وتوفير المساعدة لهذا البلد الكبير والضروري للاستقرار في المنطقة».
وحضر القمة، أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، وأمير قطر تميم بن حمد، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ونائب رئيس الامارات محمد بن راشد آل مكتوم، وشهاب بن طارق آل سعيد ممثلا سلطان عمان.
إلى ذلك، أكد وزير الخارجية القطري خالد العطية وجود «مؤتمر مرتقب للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض، من أجل وضع خطة لإدارة المرحلة لانتقالية لما بعد نظام بشار الأسد».
وقال العطية إنه تم خلال القمة الخليجية «بحث الملف النووي الإيراني»، وبين أن «القادة أكدوا على الموقف الخليجي الداعي لأهمية التوصل إلى اتفاق نهائي شامل يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني، مع ضمان حق دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها مع عدم استثناء اي دولة في المنطقة من الإجراءات والمعايير»، مؤكداً أن قادة مجلس التعاون عبروا عن تطلعهم «لتأسيس علاقة طبيعية مع إيران قوامها احترام مبادئ واسس حسن الجوار واحترام سيادة الدول».
وفي رد على سؤال حول أجندة القمة الخليجية الأميركية المرتقبة منتصف ايار الحالي، قال العطية إنها لقاء تشاوري بناء على طلب من الرئيس الأميركي باراك اوباما ، سيتم خلاله بحث الملف النووي الإيراني والأزمة السورية والقضية الفلسطينية .
وكالات
إضافة تعليق جديد