من الحملات الصليبية إلى الحروب الأمريكية: الهدف واحد
الجمل: المصالح الاقتصادية تقف دائماً وراء كل حرب، هكذا تقول وتؤكد معطيات الخبرة التاريخية، وقد أثبتت الدراسات والتحليلات أن الحروب والصراعات التي شهدها التاريخ العالمي، كانت تنطلق وإن تعددت شعاراتها، من ديناميكية محفزة واحدة رئيسية، هي: المصلحة الاقتصادية.
خلال الفترة من القرن الحادي عشر وحتى القرن الرابع عشر، تحدثنا كتب التاريخ بأن المسيحيين الغربيين قاموا بتسيير الحملات الصليبية العسكرية، وذلك من أجل تخليص الأرض المقدسة من قبضة المسلمين.. ولكن لاحقاً تبين أن الحملة المعلنة ما هي إلا غطاء لحملة غير معلنة، تهدف إلى القضاء على سيطرة وهيمنة المجتمعات التجارية الإسلامية على طريق ومسارات التجارة بين الشرق والغرب، ومن ثم فقد كان شعار تخليص الأرض المقدسة بمثابة (الذريعة العادلة) التي دفع أصحاب المصالح التجارية الأوروبية الكنيسة الكاثوليكية إلى تبنيها والترويج لها، بحيث تركز بروباغاندا الحرب على الخطاب المقدس، الأمر الذي أدى إلى تجنيد آلاف المتطوعين والمستعدين للتضحية بأرواحهم من أجل (تخليص الأرض المقدسة) آنذاك!!
• من الحملات الصليبية إلى الحملة الأمريكية:
لابدّ من إيجاد ذريعة عادلة من أجل تبرير عملية شن الحرب أمام الرأي العام المحلي والعالمي، وتكون الذريعة أكثر عدالة كلما كانت معبّرة عن مضمون أخلاقي أو ديني.. وعلى هذه الخلفية تجيء الحملة الأمريكية الجارية حالياً في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفغانستان والصومال والسودان وفنزويلا وكوريا الشمالية.
وبرغم سيولة وانفتاح مفهوم الحرب ضد الإرهاب، إلا أن الصيغة الذرائعية التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية تقول: (إن الحرب ضد الإرهاب تهدف إلى الدفاع عن الوطن الأمريكي وحماية العالم المتحضر).
ولكن إذا تمعنّا وتفحصنا هذه الذريعة جيداً، فإنه يتبين لنا أن الهدف الرئيسي لهذه الحرب هو تأمين السيطرة ووضع اليد على الثروات النفطية العالمية الموجود حصراً في مناطق الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، ودفع اقتصاديات العالم باتجاه مصيدة برامج البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، على النحو الذي يؤدي إلى خصخصة الملكيات العامة، وتحويلها إلى ملكيات خاصة بما يؤدي إلى وقوع كامل الاقتصاد العالمي تحت سيطرة وقبضة رأس المال الأجنبي.
• الهدف الحقيقي: النفط
أصدرت إدارة معلومات الطاقة النفطية، تقريرها الختامي، والذي أشار إلى الأرقام القياسية الآتية الخاصة بمخزونات النفط والغاز الطبيعي:
- إجمالي الاحتياطيات المثبتة للطاقة النفطية العالمية 1،29205 مليار وحدة قياسية.
- الموجودة من هذه الاحتياطيات في البلدان العربية والإسلامية 855،6 مليار وحدة قياسية.
- الموجودة في بقية العالم 436،9 مليار وحدة قياسية.
ولما كانت المخزونات التي توجد في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) تبلغ حوالي 200،2 مليار وحدة قياسية فإن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على احتياطيات البلدان العربية والإسلامية البالغة 855،6 معناه أن الولايات المتحدة قد أصبحت تسيطر على احتياطيات أمريكا الشمالية والبلدان العربية والإسلامية في آن معاً: أي على إجمالي احتياطي يبلغ 1055،8 ويطرح هذا الرقم من إجمالي الاحتياطي العالمي، أي إجمالي الاحتياطي العالمي 1292،5 مطروحاً منه إجمالي الاحتياطي الذي تسيطر عليه أمريكا 1055،8 يكون المتبقي لبقية دول العالم هو فقط 236،7.
إذاً الحرب ضد الإرهاب هي ذريعة تهدف أمريكا من ورائها إلى وضع يدها على أربعة أخماس (أي حوالي 80%) من احتياطي طاقة النفط العالمي.. وترك خمس واحد (حوالي 20%) لبقية دول العالم.
وأخيراً نقول: شن الحرب يقوم على ترتيب وبناء الأجندة الإنسانية، المستندة إلى المبررات الدينية والأخلاقية، وقد سبق أن قام منظمو الحملات الصليبية بتنميط صورة المسلمين في الغرب باعتبارهم يمثلون الشيطان الذي يسعى لنشر الشر في هذا العالم، وبالتالي فهم يستحقون اللعنة. ولكن برغم ذلك فقد فشلت الحملات الصليبية في تخليص طرق التجارة الاستراتيجية العالمية من أيدي العرب والمسلمين.
والآن تقوم الإدارة الأمريكية بعملية تنميط العرب والمسلمين باعتبارهم يمثلون الشرق في هذا العالم، بما يجعلهم يستحقون لعنة أمريكا وحلفاءها من قوى الخير، ولكن برغم ذلك فقد أصبح من الواضح أن تخليص مخزونات النفط العالمي الاستراتيجية من قبضة العرب والمسلمين بعد خمسة سنوات من الحرب الأمريكية ضد الإرهاب قد أصبح صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد