المهاجرون من داعش إلى داعش
الجمل ـ * فينيان كانينغهام ـ ترجمة رنده القاسم:
خلال ما يوصف بأسوأ أزمة لجوء في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، يتدفق عشرات الآلاف من المهاجرين اليائسين عبر حدود الاتحاد الأوربي. إنهم يعرضون أرواحهم للخطر من أجل الوصول إلى هناك، ليجدوا أنفسهم عرضة لهجوم "شرطة الحدود" الأوروبية، أو هدفا لعنصرية رعاع الطريق.. أهلا بكم في أوروبا!!!
معدمين.. حاملين كل ممتلكاتهم الدنيوية في حقائب على ظهورهم، يتوجب على رجال و نساء و أطفال مراوغة صفوف الشرطة الملوحين بالهراوات في محاولتهم الوصول بسلام. هذا يحدث في الاتحاد الأوروبي، التي تحدثت اتفاقياته أمام بقية العالم عن قداسة حقوق الإنسان و كرامته. هنغاريا و رومانيا و اليونان أضحت نقاطا جديدة في الصراع، لتحل مكان ايطاليا التي كانت سابقا طريقا رئيسيا للجوء.
أمهات باكيات يهرعن بأولادهن الخائفين و يتدافعن إلى غابات أو خنادق هربا من شرطة مكافحة الشغب التي تطلق الغازات المسيلة للدموع. إحدى الأمهات الذاهلات أخبرت فرانس 24 كيف انفصلت عن أسرتها وسط الشجار، و لم تستطع العثور عليهم ، إذ توجب على زوجها و أولادها المفقودين الهرب قبل أن تلتقطهم الشرطة.
صبي صغير من سوريه قال لمراسل ال CNN أن أسرته و آخرين كثر أجبروا على العودة من قبل كتيبة من ضباط شرطة يرتدون الخوذ مع محاولاتهم عبور الحدود الهنغارية. و قال الصبي أن عائلته هربت من منطقة في سورية تحت سيطرة مجموعة الدولة الإسلامية الإرهابية (أو داعش)، و هي الميليشيات الجهادية التي نالت سمعتها السيئة من قطع الرؤوس. و لكن يبدو أن مراسلة ال CNN لم تلاحظ مفارقة أن القناة التي تعمل لحسابها نشرت سابقا تقاريرا كثيرة تتهم فيها الحكومة السورية لكونها من يقوم بإرهاب الشعب.
ما الذي يمكن قوله عن شرطة الحدود الهنغارية عندما ينكمش أمامهم خوفا لاجئون محاصرون؟ انه إدانة مصورة على كون حراس الحدود الأوربية أكثر رعبا من الإرهابيين المتعطشين للدماء..
في الشهر الماضي فقط عبر أكثر من مائة ألف لاجئ الحدود الأوربية. إنها أزمة إنسانية بسوية تلك التي أثارت مستثمري العذابات الذين سعوا لتصوير الجموع المشردة بعد الحرب العالمية الثانية.
غالبية اللاجئين إلى الاتحاد الأوربي قدموا من سوريه التي مزقتها الحرب، و ذلك وفقا لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة. أكثر من اثني عشر مليون من الشعب السوري، أي حوالي النصف، شرد بسبب أربع سنوات و نصف من الصراع في بلده.حرب كانت تغذى سريا من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا الساعين لتغيير النظام ضد الرئيس بشار الأسد. وقام بتذكية نار الحرب السورية حلفاء الغرب: السعودية و قطر و الأردن و تركيا و إسرائيل.
و مرارا و تكرارا قالت الحكومة السورية أنها ضحية مؤامرة مجرمة دولية تضم الدول الغربية و حلفائها المذكورين أعلاه، و العاملين مع ما يسمى مجموعة داعش الإرهابية و مرتزقة آخرين مرتبطين بالقاعدة من أجل إسقاط الرئيس الأسد حليف روسيا و إيران. الطفل الصغير في تقرير ال CNN قال بوضوح أن عائلته و جيرانهم هربوا من داعش لا من الأسد. و لكن كما هو ملاحظ فان الCNN و بقية الوسائل الإعلامية الغربية لم يشيروا إلى هذا الأمر.
مشردين و مذعورين يتوجه اللاجؤون السوريون إلى أوروبا سعيا لملجأ آمن. و آمالهم الساذجة بالمساعدة الإنسانية (و هو الالتزام الأساسي وفق القانون الدولي) قد تهشمت بقسوة. و من الملائم القول أن هؤلاء الناس يجلبون مشاكلهم معهم إلى أوروبا، المكان ذاته الذي يضم فرنسا و بريطانيا اللاعبين الأساسيين في حرب تغيير النظام التي تقودها الولايات المتحدة في سوريه.
رجالا يضعون صغارهم على أكتافهم، و نساء تحملن أطفالهن على ظهورهن، يشق اللاجؤون السوريون طريقهم عبر مناطق الحرب، شبكات داعش الإرهابية، ثم يمشون مئات الكيلومترات عبر تركيا( و يكونون فريسة المهربين الذين لا يرحمون) و يحشدون في قوارب خرقة ليشقوا البحر الغادر نحو أرض أوروبا. يقومون بهذا لأنهم يائسون من الحياة ، يموت الكثيرون في الطريق إما غرقا أو إنهاكا، و كثيرا ما فقدت نساء حوامل أجنتهن بسبب الإجهاد.
و بعد كل هذا و عندما يصل هؤلاء الناس إلى حدود الاتحاد الأوروبي، يواجهون بجيش من الشرطة. و مؤخرا أظهرت التقارير المصورة صورا رهيبة عن شرطة هنغاريا و مقدونيا (المتوقع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي) يطلقون غازات مسيلة للدموع و قنابل صاعقة لدفع آلاف اللاجئين . مشهد آخر يظهر حشودا من عائلات بثياب رثة تحشر في حافلات القطار لكي تنقل إلى دولة أوربية أخرى. و قالوا أنهم حرموا من ماء الشرب من قبل السلطات، و كذلك من المساعدات الطبية.
عضو الاتحاد الأوروبي هنغاريا تقوم بمد مئات الكيلومترات من الأسلاك الشائكة على طول حدودها مع صربيا لإبعاد اللاجئين.بعد خمسة و عشرين عاما من سقوط الستار الحديدي عبر أوروبا ، يرتفع الآن ستار من الأسلاك الشائكة الفولاذية. انه ليس الاتحاد السوفييتي ،الموصوف بالاستبدادي ، بل الاتحاد الأوروبي، المنظمة التي أعلنت أن حقوق الإنسان هي الأساس و لذلك حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2012.
و بارتباك و جبن تحدث وزير الخارجية الألماني عن ستار الأسلاك الشائكة الفولاذي الأوروبي الذي يمنع لاجئين مزقتهم الحرب، و قال مستعينا بعبارة ملطفة : "نحن ضد استخدام السياج" .هذا بينما كان مسؤولو الاتحاد الأوربي مجتمعين في فيينا لمناقشة الأزمة.
و للصدفة أن عاصمة النمسا بدت ملائمة في ضوء الحدث الكئيب الذي وقع الأسبوع الماضي ، حيث عثر على خمسين مهاجرا ميتين في شاحنة مهجورة على أحد طرقات النمسا السريعة ، و يعتقد بأن تجار البشر قاموا بتهريبهم من هنغاريا داخل شاحنة لتخزين اللحم.و قد ارتابت الشرطة النمساوية بشأن عربة مهجورة على كتف طريق سريع بعد أن لاحظت تسرب رائحة عفنة عبر بابها الخلفي. و كان الضحايا قد لقوا حتفهم قبل عدة أيام.
و عبرت المستشارة الألمانية ميركل عن صدمتها إزاء الاكتشاف البغيض في النمسا، و قالت بكلمات جوفاء أن على الاتحاد الأوربي العمل بتضامن لحل أزمة اللاجئين... تضامن؟؟ ما الذي تتحدث عنه؟؟ ثم أضافت ميركل: "العالم كله يراقبنا"... و بالتأكيد هذه المرة قالت شيئا صحيحا.
قبل أسبوع في ألمانيا، قام متطرفون من أقصى اليمين بمهاجمة مركز عناية من أجل الساعين إلى ملجأ في دريسدين. و أطلقت الحشود شعارات عنصرية، مطالبة المهاجرين بالعودة إلى أوطانهم.
عودوا إلى أوطانكم؟؟ نعم هذا صحيح.... انتم تعرفون مناطق الحرب التي قامت دول أوربية متغطرسة ،مثل بريطانيا و فرنسا، بإشعالها و تأجيج نارها في سوريه و ليبيا و أفغانستان و العراق و مناطق أخرى في إفريقيا
الأمر الذي يدفعك للتساؤل: من هم الفاشيون الحقيقيون؟ الرعاع المعادون للمهاجرين في الطرقات أم السياسيون في ملابس أنيقة و مكاتب حكومية مترفة؟؟
*صحفي و كاتب ايرلندي متخصص بالشؤون الدولية.
عن موقع Strategic Culture Foundation
الجمل
إضافة تعليق جديد