إسرائيل تجمّل احتلالها
في الوقت الذي تتصاعد فيه العمليات الفدائية وعمليات الطعن التي ينفذها رجال ونساء فلسطين بالإضافة إلى المواجهات المباشرة مع الاحتلال والمستوطنين، وآخرها ليل أمس في محطة حافلات بئر السبع، رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الاقتراح الفرنسي لمجلس الأمن الدولي بنشر مراقبين في الحرم القدسي الذي كان الاحتلال سعى خلال الأسابيع الماضية إلى تغيير الوضع القائم فيه ما أدى الى انفجار الغضب الفلسطيني.
ويأتي الرفض الإسرائيلي لأول محاولة جدية من جانب الأسرة الدولية للتدخل في المواجهة المتفاقمة بين إسرائيل والفلسطينيين، ليشير إلى الوجهة التي تريدها حكومة اليمين. ومن المقرر أن يلتقي نتنياهو مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في برلين الذي أكد أنه سيلتقي بعدها بالرئيس الفلسطيني محمود عباس. ويبدو أن اللقاءات الأميركية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية ومع الرئيس الفلسطيني ترمي إلى محاولة نزع فتيل التفجير قبيل لقاء مقرر لنتنياهو مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.
في هذا الوقت، استشهد خمسة فلسطينيين، خلال اليومين الماضيين، برصاص قوات الاحتلال والمستوطنين في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة.
وأعلنت قوات الاحتلال، أمس، استشهاد فلسطيني بعد إطلاقه النار على جنود ومستوطنين في محطة حافلات في بئر السبع، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة 11، بعضهم من عناصر الشرطة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن الشاب الفلسطيني، الذي كان يحمل سكينا ومسدساً، أطلق النار على الجندي قبل أن يخطف سلاحه ويطلق النار منه على الباقين قبل أن يستشهد.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي ذكرت، في بيانات أمس الأول، أن فلسطينيا حاول طعن مستوطن إسرائيلي بسكين في الخليل، فقام الأخير بإطلاق النار عليه وقتله. وأكدت قوات الأمن الفلسطينية استشهاد المهاجم فضل القواسمي (18 عاما). واستشهدت فلسطينية في الـ16 من العمر بعد محاولتها طعن جندية إسرائيلية، كما استشهد فلسطيني خلال طعنه جنديا في الخليل أيضا. كما سقط شهيد عند معبر قلنديا بالضفة الغربية المحتلة. وفي قطاع غزة، ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن أربعة فلسطينيين على الأقل أصيبوا في مواجهات مع قوات الاحتلال في مناطق مختلفة من القطاع.
وأعلن نتنياهو، في مستهل اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأسبوعي أمس، أنه يرفض المقترح الفرنسي لإعلان من جانب مجلس الأمن الدولي يدعو لنشر مراقبين في الحرم القدسي، معتبراً «أنه لا يحوي أي ذكر للتحريض الفلسطيني والإرهاب الفلسطيني». وأضاف: «سبق ورأينا ما يجري في الأماكن المقدسة في الشرق الأوسط حيث يدمر متطرفون مسلمون المساجد واحدا تلو الآخر، ويدمرون مواقع مسيحية وأخرى تراثية ومواقع يهودية».
وأشار نتنياهو إلى أن «إسرائيل ليست المشكلة في الحرم القدسي وإنما هي الحل. فنحن نحافظ على الوضع القائم. ونحن الوحيدون الذين نفعل ذلك، ونواصل فعل ذلك بطريقة مسؤولة وجدية. لم يكن أي تغيير في الوضع القائم عدا محاولة أناس نظمتهم الحركة الإسلامية في إسرائيل وجهات متطرفة إدخال متفجرات للمساجد ومهاجمة يهود من داخل المساجد».
وكانت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية نشرت قبل يومين، نقلاً عن مصادر ديبلوماسية فرنسية، أن باريس تحث مجلس الأمن على إصدار «بيان رئاسي» يدعو لنشر مراقبين دوليين في الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، وعلى رأسها الحرم القدسي. وذكرت أن الهدف من ذلك هو ضمان بقاء الوضع القائم ومراقبة الانتهاكات. وقبلها أعلن السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة، أثناء نقاشات أجراها مجلس الأمن بشأن التصعيد في القدس، أن فرنسا بلورت مسودة بيان رئاسي يعنى بالحفاظ على الوضع القائم في الحرم، لكنه لم يشر إلى إرسال مراقبين دوليين.
وقد رد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون على المقترح، معلناً رفض تل أبيب لأي تدخل أو مراقبة دولية في الحرم القدسي. وقال: «نحن لا نعتقد أن التدخل الدولي في شؤون الحرم سيساعد أو يسهم في الاستقرار. فالتواجد الدولي في الحرم ينتهك الوضع القائم منذ عشرات السنين».
وواضح أن إسرائيل لا تكتفي بتصريحات رئيس حكومتها وسفيرها في الأمم المتحدة ضد المقترح الفرنسي، بل تعمل بطرق أخرى على وأده. وأشارت «هآرتس» إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى تعمل سوياً من أجل استبعاد مسودة البيان الرئاسي الذي بلورته وتقترحه فرنسا على مجلس الأمن. وقالت مصادر في رئاسة الحكومة الإسرائيلية إن «المقترح الفرنسي عديم الأساس، وهو إعلاني بحت». وحسب هذه المصادر، فإن نتنياهو وجه مستشار الأمن القومي يوسي كوهين ووزارة الخارجية للاحتجاج أمام فرنسا على الصيغة «المنحازة وعديمة الأساس» للمسودة، وأضافت: «إننا ننتظر من الفرنسيين إدانة عجز الأوقاف الإسلامية في الحرم، فالذين أدخلوا العبوات وأطلقوا الألعاب النارية هم الفلسطينيون الذين جعلوا الحرم مخزناً للإرهاب، وهم من حاولوا بذلك تغيير الوضع القائم».
وشددت رئاسة الحكومة الإسرائيلية على أن تل أبيب تحافظ على الوضع القائم وملتزمة به، وأنه مسموح لليهود زيارة الحرم وفق الوضع القائم. وأضافوا أنه بموجب اتفاقية الهدنة لعام 1949 كان تعهد دولي بالسماح لليهود بزيارة الحرم، وهذا الالتزام لم يتحقق إلا عام 1967، «فإسرائيل هي من يحافظ على حرية زيارة الحرم، وإحراق قبر يوسف يشهد على ما كان سيجري في الأماكن المقدسة لولا أنها تحت سيطرة إسرائيل: بالضبط كما يحدث في تدمر في سوريا وفي العراق».
في كل حال، فإن إسرائيل بموقفها من الاقتراح الفرنسي هذا تحاول منذ الآن وضع سد أمام مجموعة اقتراحات فرنسية أمام مجلس الأمن الدولي. ومعروف أن هناك اقتراحا فرنسيا بإدانة الاستيطان الإسرائيلي، وهو اقتراح عرضه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمام «الرباعية الدولية» في اجتماعها في نيويورك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتخيف الاقتراحات الفرنسية رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يقوم بين الحين والآخر باستخدامها كفزاعة لكبح اقتراحات يقدمها وزراء اليمين المتطرف لتوسيع الاستيطان. وهناك أيضاً مشروع القرار الفرنسي المتعلق بإعلان الدولة الفلسطينية وفق برنامج زمني محدد. وفي كل حال، تعمد الحكومة الإسرائيلية إلى تعزيز العلاقات مع الإدارة الأميركية بهدف التصدي للاقتراحات الفرنسية وسواها في الأمم المتحدة.
ومن المقرر أن يلتقي نتنياهو وكيري في برلين بعد أيام للبحث في سبل وقف التصعيد. ويعتقد أن اللقاء سيتم في برلين الأربعاء أو الخميس على هامش لقاء يعقد بين نتنياهو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وكان كيري أكد أنه سيلتقي بالرئيس عباس في موعد لم يحدد بعد، ولكن هناك إشارات كثيرة حول نية أميركا جمع عباس ونتنياهو والملك الأردني عبد الله الثاني في عمان بأمل تهدئة الخواطر.
من جانبه، عبّر الرئيس الأميركي باراك أوباما عن قلقه من تصاعد العنف في المنطقة، ودان ذلك بشدة، مضيفا أن «لإسرائيل الحق في الدفاع عن مواطنيها». ومع ذلك، طالب نتنياهو وعباس وزعماء المنطقة بالكف عن إطلاق التصريحات التي قد تغذي العنف. وأكد أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الذي يتيح لإسرائيل البقاء آمنة واعترف أن الجهود الأميركية لم تحقق نتائج على هذا الصعيد. ومعروف أن أوباما سيلتقي نتنياهو في التاسع من الشهر المقبل في واشنطن.
تجدر الإشارة إلى أن السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر أعلن أن الانسحاب من الضفة الغربية لن يمنع الإرهاب. وقال إن بوسع الأسرة الدولية المساعدة، ولكن عبر التدخل من أجل تقليص الكراهية في نفوس الفلسطينيين.
وحمل دريمر الفلسطينيين مسؤولية تدهور الوضع الأمني، مشيراً إلى أن «العمليات الإرهابية ضد اليهود تجري منذ أكثر من 100 عام»، وذلك قبل احتلال «يهودا والسامرة».
وكشف دريمر النقاب عن أن إسرائيل وأميركا عادتا إلى إجراء محادثات حول المساعدة الأمنية المستقبلية تعويضاً عن الاتفاق النووي مع إيران. ومعروف أنه في العام 2017 تنتهي المعاهدة التي تقدم أميركا لإسرائيل بموجبها مساعدات عسكرية سنوية بحوالي 3 مليارات دولار، ما يلزم الطرفين بالتفاوض حول معاهدة جديدة. وتأخذ المعاهدة الجديدة بالحسبان أساساً الاتفاق النووي مع إيران الذي يدخل هذه الأيام حيز التنفيذ بعد إقراره أيضا من البرلمان الإيراني. ويجري الحديث عن زيادة المساعدات لإسرائيل لتصل إلى 3.6 مليارات دولار سنوياً، رغم أن إسرائيل تطالب بمبلغ أكبر من ذلك.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد