نايف حواتمة "اتفاق مكة أسّس للمأساة الفلسطينية"
قبل عودته المرتقبة إلى الضفة الغربية بعد أكثر من 40 عاماً من الغياب، رأى الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة، أن اتفاق مكة الذي جرى في شهر شباط الماضي بين حركة «حماس» و«فتح» هو الذي أسّس للحالة الفلسطينية المأساوية الراهنة. ويعتقد بوجود صيف ساخن للفلسطينيين، إلا أنه بارد في ما يخص الصراع بين سوريا وإسرائيل، من دون أن يستبعد إمكان توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ـــ أميركية إلى إيران أواخر هذا العام أو أوائل العام المقبل على الأرجح
كيف تقوّمون الوضع الفلسطيني الراهن وما هو تحليلكم لما جرى؟
ـــــ الحالة الفلسطينية مأساوية وفي نفق مظلم بفعل التداعيات التي نتجت من اتفاق المحاصصة بين «فتح» و«حماس» في الثامن من آذار 2007 في مكة. ذلك الاتفاق الثنائي قام على قاعدة احتكارية ثنائية في تأليف الحكومة واقتسام مؤسسات السلطة الفلسطينية الوظائفية والإدارية والمالية والأمنية والعسكرية. وعليه، فتح ذلك الاتفاق كل الأبواب أمام عودة الاقتتال بين «فتح» و«حماس»، والذي أنتج صوملة قطاع غزة من خلال فصله عن الضفة الغربية وعن القدس وحسم الصراع الثنائي في تقاسم النفوذ في مؤسسات السلطة لمصلحة «حماس» من خلال عملية انقلابية عسكرية كاملة جاءت تتويجاً لكل عمليات الاقتتال. وهذا الذي وضع مجموع الحالة الفلسطينية الآن في نفق مظلم.
تمّت صوملة قطاع غزة. وكلنا يتذكر أن الحرب الأهلية في الصومال بدأت عام 1991 ولا تزال تتوالى فصولاً حتى الآن وأدت إلى اقتسام وتقسيم الصومال إلى ثلاثة أجزاء لا رابط بينها. الآن غزة في حالة فصل عن الضفة، محاصرة ومعزولة و«حماس» تهيمن على مجتمع غزة بالقوة المسلحة وبسلسلة لا تتوقف من الإجراءات العسكرية والأمنية فضلاً عن المناخ الإيديولوجي والسياسي الذي يزرع الخوف والقلق والرعب في صفوف المجتمع وهو مناخ قائم على قاعدة تحويل الدين إلى سياسة وإيديولوجيا لا ترى سوى «حماس»، وما عداها يدخل في باب التكفير، وما يترتب على ذلك من إجراءات عنف شبه يومية جارية في قطاع غزة.
هذا الوضع في تداعياته الصعبة أنتج ردود فعل من رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) بإعلان حالة طوارئ وتأليف حكومة لإنفاذ حالة الطوارئ. وكل هذا أسهم أيضاً في تعميق الانقسام. ما جرى ويجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس بعيداً عن تدخلات العواصم العربية والإقليمية بمحاورها المتصارعة وليس بعيداً عن التدخلات الأميركية والإسرائيلية، وكل هذا ناتج من تراجع «حماس» و«فتح» عن وثيقة الوفاق الوطني، التي وقعناها جميعاً في 27 حزيران عام 2006، والتي دعت بعد حوار وطني شامل على امتداد سنوات بُني على وثيقة القوى الخمسة (فتح، حماس، الجبهة الديموقراطية، الجبهة الشعبية، الجهاد الإسلامي)، لكن كلاً من «فتح» و«حماس» لم تحترم تلك الوثيقة وارتدّت عنها واتجهت للبحث عن صفقة احتكارية ثنائية أدت إلى سلسلة من جولات الاقتتال إلى أن تم تتويجها بالاتفاق الاحتكاري الثنائي في مكة. وأُقصيت كل القوى الأخرى، وفي اليوم التالي لهذا الاتفاق، تجدد الاقتتال بأعنف مما كان وسقط حتى الآن ما يزيد على ألف قتيل في عمليات الاقتتال الثنائية وآلاف الجرحى وتم حرق جامعات ومعاهد عليا وهدم العديد العديد من بيوت الناس، إضافة إلى مقتل الكثير من الأبرياء. هذا كله يستدعي التصحيح والتصويب.
برأيكم ما المطلوب فعله لتصويب ما جرى؟
ـــــ نحن ندعو في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين إلى عودة الجميع للالتزام بوثيقة الوفاق الوطني والعمل على تطبيق آلياتها التنفيذية، وفي المقدمة وقف سياسة المحاصصة واقتسام النفوذ الاحتكاري الثنائي بين «فتح» و«حماس» والعودة إلى الحوار الوطني الشامل وهذا يشترط بالضرورة عودة الأوضاع في قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل العملية العسكرية الشاملة التي شنتها «حماس» على مؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية تلبية لموقف جميع الفصائل الفلسطينية. هذه الفصائل تدعو يومياً إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 14 حزيران من هذا العام وتستدعي استجابة الإخوة في «حماس» لقرار الإجماع لوزراء الخارجية الدول العربية في 19 حزيران هذا العام، والذي دعا نصاً وحرفياً إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عمليات الحسم العسكري «الحمساوية». هذا هو الذي يهيء المناخ للعودة إلى الحوار الوطني الشامل الاستناداً إلى وثيقة الوفاق الوطني وتطبيق آلياتها. وكذلك كشفت أحداث الصراع منذ سنوات، وخصوصاً منذ كانون الثاني 2006 وبعد العملية الانتخابية للمجلس التشريعي ونتائجها، ضرورة إعادة إصلاح وبناء كل النظام السياسي الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وكل النظام السياسي الفلسطيني خارج الأرض المحتلة وهذا ما أشارت إليه بنود وثيقة الوفاق الوطني وأخيراً قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الصادرة يوم 21 حزيران 2007 بإصلاح كل النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة ديموقراطية وقوانين ديموقراطية تقوم على التمثيل النسبي. فقد نصت وثيقة الاتفاق الوطني بوضوح، وهذا الذي استجابت له أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير، على هذا الإصلاح الشامل بقوانين انتخابية جديدة داخل الأرض المحتلة تقوم على انتخاب كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية للسلطة الفلسطينية بالتمثيل النسبي الكامل. وثانياً إعادة بناء وحدة المجتمع داخل الأرض المحتلة بتكويناته الإيديولوجية والسياسية والدينية والتعددية بإعادة بناء كل مؤسسات المجتمع النقابية والمهنية والجماهيرية والاجتماعية بقوانين التمثيل النسبي، حتى نؤمن الشراكة الاجتماعية والسياسية لكل الفصائل والقوى ولكل مكوّنات المجتمع المدني داخل الأرض المحتلة وخارجها.
كما نصت وثيقة الوفاق الوطني وقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير على ضرورة أن تضع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قانون انتخابات ديموقراطي تعددي جديد وموحد يقوم على التمثيل النسبي الكامل لانتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد لمنظمة التحرير داخل الوطن وفي أقطار اللجوء والشتات. وهذا المجلس الوطني الجديد المنتخب هو الذي يضع البرنامج السياسي الموحد للشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها، وهو الذي ينتخب اللجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير على قاعدة ائتلافية، وهي بدورها تنتخب رئيسها لأن لوائح منظمة التحرير تنص على نظام برلماني ديموقراطي لا على نظام رئاسي.
هذا هو الطريق للخلاص من الوضع المأساوي القائم ومن دونه ستتدهور الحالة الفلسطينية أكثر فأكثر والرابح الأوحد هو إسرائيل ومن يدعمها في الإدارة الأميركية، والخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها. والخاسر الآخر هو الدول العربية وشعوبها جميعاً لأن هذا يعطي الأسلحة التكتيكية للسياسة الأميركية والإسرائيلية إشارة إلى أن لا شريك فلسطينياً لاستئناف العملية السياسية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
باعتبار أنكم موجودون في دمشق وكذلك رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، ألم يحدث بينكما حوار في شأن هذه القضايا؟
ـــــ كل هذه القضايا أخذت حواراً شاملاً على مساحة 6 سنوات منذ اندلاع الانتفاضة الجديدة في 28 أيلول 2000 حتى 27 حزيران 2006. على امتداد هذه السنوات، أنجزنا ثلاث وثائق رئيسية لتصحيح الأوضاع الفلسطينية. ووقّعناها جميعاً باستثناء الوثيقة الأولى كانت في غزة في آب 2002 لكن كلاً من «حماس» و«فتح» لم تحترم هذه الوثيقة وارتدّت عنها، وكل منهما كان يجنح للهيمنة الاحتكارية الأحادية. والوثيقة الثانية كانت في القاهرة في آذار 2005 ووقّعناها جميعاً أيضاً. لم تحترمها «فتح». وبعد الانتخابات التشريعية في كانون الثاني 2006، لم تحترمها «حماس». والوثيقة الثالثة هي وثيقة الوفاق الوطني الإجماعية التي وقّعتها جميع الفصائل بلا استثناء، كما وُقّعت من مكتب محمود عباس ومن مكتب إسماعيل هنية ورئيس المجلس التشريعي بالإنابة أحمر بحر، إضافةً إلى العديد من مؤسسات المجتمع المدني والعديد من الشخصيات الوطنية.
المشكلة مرة أخرى ليست حواراً أو لا حوار. المشكلة في حقيقتها أن نتائج الحوار الإجماعي الوطني كانت كل من «حماس» و«فتح» ترتدّ عنها باحثاً عن احتكارية أحادية أو كما رست احتكارية ثنائية في اتفاق 8 آذار في مكة 2007. وهذا الاتفاق، كما ذكرت أيضاً، فتح الميدان للصراعات الدامية التي انتهت إلى الصوملة.
هل تربط ما جرى في غزة بما جرى في نهر البارد في لبنان؟
ـــــ يمكن أن يكون في جانب معين ثمة رابط وفي جانب آخر أن لا يكون هناك رابط. في ما يخص إمكان وجود رابط في ما جرى في غزة ونهر البارد هو المناخ الإيديولوجي التكفيري الذي نشأ في غزة، وهذا يتناغم مع الأفكار التكفيرية لمجموعة «فتح الإسلام»، التي جوبهت بإجماع فلسطيني في لبنان برفضها، كما جوبهت بإجماع لبناني وعربي أيضاً. يقع التقاطع بين ما جرى في غزة ونهر البارد في النزعة الإيديولوجية والسياسية التكفيرية بينهما. هذا هو المناخ الذي يتغذى بعضه من بعض. أما بشأن الرابط التنظيمي بمعنى علاقات منظمة بين ما جرى في غزة وما جرى مع «فتح الإسلام» في نهر البارد فلا أعتقد بوجود مثل هذه العلاقات.
هل تتوقع صيفاً ساخناً هذا العام؟
ــــ أتوقّع صيفاً ساخناً على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، نعم، أتوقّع صيفاً كهذا. أمّا الصيف الساخن في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد بين سوريا وإسرائيل فلا أتوقع ذلك لا في صيف هذا العام ولا في صيف العام المقبل. أتوقّع مع نهاية هذا العام وربما مع بداية العام المقبل أحداثاً درامية عسكرية في منطقة الخليج بعيداً عن الصراع العربي الإسرائيلي. وهذه كارثة جديدة لأن الأوضاع العربية والشرق أوسطية والعالمية غرقت في منطقة الخليج في الثلاثين عاماً الأخيرة بثلاث حروب بعيداً عن قضايا الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي. في حرب الخليج الأولى التي أخذت عنوان الحرب العراقية ــــــ الإيرانية، وحرب الخليج الثانية باحتلال قوات صدام حسين الكويت، وحرب الخليج الثالثة التي بدأت بحصار نظام صدام حسين وتوالت فصولاً إلى أن تم احتلال العراق أميركياً وحلّ الدولة العراقية. الآن الكثير من المؤشرات تحوم حول الشرق الأوسط باتجاه حشود عسكرية واسعة برية وبحرية وجوية أميركية نحو منطقة الخليج، وكذلك هناك تدريبات واسعة في صحراء النقب في جنوب فلسطين بين القوات الجوية الأميركية والإسرائيلية شارك فيها الشهر الماضي ما يزيد على أربعين ألف جندي من القوات الجويّة الأميركية والإسرائيلية بما فيه الطيران البعيد المدى والتزوّد بالوقود في الجو لهذا الطيران. هذا كله لماذا؟ هذا كله يشير إلى سخونة الأوضاع في منطقة الخليج وإمكانات اندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج. وهذا مرة أخرى، كارثة على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بل كل شعوب الشرق الأوسط، لأنه ينقل منطقة الخليج نحو عشرية أخرى من السنين بعيداً عن القضية المركزية، بعدما غرق الجميع في الخليج ثلاثين عاماً متواصلة بعيداً عن القضية، باعتبار أن الشرق الأوسط البؤرة الإقليمية الأكثر توتراً في هذا العالم بعيداً عن قضايا الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي.
أبيّ حسن
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد