تسريبات جديدة حول الحوار الأمريكي – الإيراني
الجمل: حتى الآن برغم الحوار والتفاهم الإيراني – الأمريكي الجاري داخل أسوار المنطقة الخضراء ببغداد، فإن كل الخيارات ما تزال مدرجة على طاولة البيت الأبيض الأمريكي وإن كان الخيار العسكري قد أصبح أقل احتمالاً.
* المنظور الأمريكي للملف الإيراني:
يقول الخبراء الإستراتيجيون بأن السياسة الأمريكية إزاء إيران أصبحت تتضمن سرديتين، الأولى تتمثل فيما يقوله كبار المسؤولين الأمريكيين، والثانية تتمثل فيما تحمله التسريبات ويعكسه الأداء السلوكي الأمريكي إزاء طهران، ويجسد الفرق بين السرديتين الفرق بين الوهم المعلن بواسطة كبار المسؤولين والواقع غير المعلن الذي أصبح يتضح أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم.
يشير الخبراء الأمريكيون إلى وجود ستة ملفات أساسية تلعب دوراً كبيراً في تشكيل مستقبل علاقات واشنطن – طهران وهي:
• ملف التوترات ومحاولة كل طرف تجريم الآخر.
• ملف أسلوب تغيير النظام الإيراني الذي تؤكد واشنطن عليه باعتباره الوسيلة الوحيدة للقضاء على تطرف أحمدي نجاد الذي يقف عائقاً أمام تعامل واشنطن مع طهران.
• ملف الدعم الإيراني لسوريا والدور الإيراني في لبنان.
• ملف الممارسات الإيرانية في العراق وأفغانستان.
• ملف الدور الإيراني في الخليج.
• ملف البرنامج النووي الإيراني.
* تفاهم طهران – واشنطن: إلى أين؟
يقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي أنطوني كورديسمان في تقريره الذي نشره مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية الأمريكي، بأن الحوار بين الولايات المتحدة وإيران يوجد قلة من المعارضين له من الجانبين الإيراني والأمريكي وبرغم ذلك فقد أظهر الحوار الآتي:
• أهمية استخدام الدبلوماسية "غير الرسمية".
• أهمية تداخل الدبلوماسية غير الرسمية مع الدبلوماسية "الرسمية" في بعض المستويات.
• أهمية المضي قدماً في خيار المسار الدبلوماسي لجهة التقليل من احتمالات اندلاع الحرب.
• القضاء على عمليات سوء الفهم.
• تهدئة التوترات.
ويضيف كورديسمان قائلاً بأن الحوار ليس غاية في ذاته ولا يمكن أن يتجاوز أو يتخطى خلافات طهران – واشنطن العقائدية والإستراتيجية. ولكن يمكن للحوار أن يؤدي لجمع الأطراف وتبادل التوضيحات حول القضايا الرئيسية الخلافية العالقة بين الطرفين بلا حل.
* أبرز الملاحظات حول حوار طهران – واشنطن الجاري حالياً:
حتى الآن فإن حوار واشنطن – طهران ما زال يتميز بالتالي:
• يوجد تباعد كبير بين الطرفين إزاء القضايا الرئيسية.
• النظام الإيراني الحالي غير مستعد لتقديم التنازلات الرئيسية لواشنطن.
• الإدارة الأمريكية الحالية غير مستعدة لتقديم التنازلات الرئيسية لطهران.
• ليس لدى طهران تصوّر واضح موحد حول كيفية البدء والدخول في المفاوضات المباشرة مع واشنطن.
• ليس لواشنطن تصور واضح موحد حول كيفية البدء والدخول في المفاوضات المباشرة مع طهران.
• التفاؤل بمستقبل الحوار الإيراني - الأمريكي يستند إلى حالة هدوء التوترات بين الطرفين التي أعقبت بدء الحوار، وفي نفس الوقت يستند التشاؤم على عدم قدرة الطرفين في المضي قدماً والانتقال من مرحلة الحوار إلى مرحلة التفاوض.
• حالياً لم يبد أي من الطرفين الاستعداد والقابلية للطرف الآخر برغبته في المساومة.
أزمة الحوار الأمريكي – الإيراني ترتبط في العمق بأزمة المنظور الأمريكي الذي يعتمد على الإملاءات الوحيدة الاتجاه ويمكن توضيح ذلك عن طريق استعراض مكونات المنظور الأمريكي:
• ملف التوترات ومحاولة كل طرف تجريم الآخر: يقول الكاتب الأمريكي جاستن رايموندو بأن حادثة مضيق هرمز الأخيرة بين السفن الحربية الأمريكية والزوارق الحربية الإيرانية لو جرت وقائعها في خليج المكسيك المقابل لولاية فلوريدا الأمريكية لكان موقف الإدارة الأمريكية إزاءها مختلفاً للغاية!! والآن فقد حشدت الولايات المتحدة قواتها على حدود إيران وهو ما لا تسمح أمريكا لأي جهة القيام به على حدودها البرية أو البحرية. والآن ما الذي سوف يطلبه الأمريكيون من الإيرانيين لتخفيض التوترات خاصة وأن القوات الإيرانية تعمل وتنتشر وتتواجد ضمن نطاق وجودها الشرعي الذي كفله لها القانون الدولي، أما القوات الأمريكي فهي على العكس من ذلك، فهل سيطلب الأمريكيون من الإيرانيين سحب قواتهم، ولكن إلى أين؟ أليست القوات الإيرانية موجودة ضمن نطاق السيادة الإيرانية!!؟ وما هي التنازلات التي سوف تقدمها طهران لواشنطن في هذه الحالية؟ لا توجد سوى إجابة واحدة وهي ضرورة سحب القوات الأمريكية المحتشدة حول إيران وهو ما لن تفعله الإدارة الأمريكية الحالية بأي حال من الأحوال.
• ملف تغيير النظام الإيراني: هل من المعقول أن تجلس مع نظام وتطلب منه أن يلغي نفسه؟ وماذا نتوقع من طهران إذا طلبت منها واشنطن تنفيذ شرط تغيير النظام لكي تدخل في مفاوضات دبلوماسية معها؟ بالتأكيد سوف يكون علينا أن نتوقع من طهران رداً متشدداً على النحو الذي يثير الشكوك بأن واشنطن قد اختارت طرح هذا الملف "كوسيلة استباقية" لاستفزاز إيران وعرقلة الحوار والتفاهم معها.
• ملف الدعم الإيراني لسوريا والدور الإيراني في لبنان: ما الذي تريده واشنطن من طهران في هذا الملف؟ فقد حشدت دول المنطقة ونشرت ترسانتها العسكرية في كل دول الجوار الإيراني وبعد كل ذلك فإن مطالبة واشنطن لطهران بوقف علاقاتها مع سوريا ولبنان هي مطالبة للنظام الإيراني بأن يكمل طوق حلقات العزلة على نفسه، ولما كانت واشنطن قد فشلت في دفع سوريا ولبنان إلى قطع روابطهما مع إيران فإنه يتوجب على إيران أن تساعد الولايات المتحدة في إكمال إجراءاتها الهادفة إلى عزل وحصار إيران، وهو ما لا يمكن لأي نظام في الدنيا أن يقوم به.
• ملف الممارسات الإيرانية في العراق وأفغانستان: وهو الملف الذي يمكن أن يدور حوله حوار أمريكي – إيراني، وإذا سلمنا افتراضاً بأن إيران تستطيع الضغط على الشيعة العراقيين، فكيف تستطيع إيران الضغط على السنة العراقيين؟ هل بإرسال القوات الإيرانية لمحاربتهم!؟ أم بدفع الفصائل الشيعية المسلحة إلى القيام بذلك؟ وما الذي يمكن لإيران أن تقدمه للأكراد الذين يطالبون بفصل منطقة شمال غرب إيران؟ أما بالنسبة لأفغانستان، فإن الأوضاع على الحدود الإيرانية – الأفغانية هادئة، والمنطقة المضطربة هي حصراً الأجزاء المتاخمة لباكستان، فما الذي يمكن لإيران الشيعية أن تفعله في جنوب أفغانستان السني.
• ملف الدور الإيراني في الخليج: كل دول الخليج واقعة حالياً تحت السيطرة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية الأمريكية، ولا يوجد في دول الخليج سوى الجماعات السكانية الشيعية التي تمثل الأغلبية في البحرين وسلطنة عمان وغرب السعودية، إضافة إلى تميزها بالوجود المعتبر في الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر. فما هو مطلوب أمريكياً من إيران لكي تقوم بتنفيذه إزاء الخليج؟ لقد ضغطت الإدارة الأمريكية على دول الخليج وعملت على حشدها ضد إيران، وإذا كانت الإدارة الأمريكية قد فشلت في دفع دول الخليج إلى قطع علاقاتها نهائياً مع إيران. فهل المطلوب من إيران إكمال ما عجزت الولايات المتحدة عن القيام به وهو المبادرة بقطع علاقاتها مع دول الخليج؟؟
• ملف البرنامج النووي الإيراني: اتهمت الإدارة الأمريكية إيران بتطوير الأسلحة النووية، والآن أصدرت المخابرات الأمريكية تقريرها الأخير الذي أشار بوضوح وثبات على أن إيران لا تقوم بأي أنشطة تهدف إلى الحصول على الأسلحة النووية. كذلك، أكدت إيران على استعدادها للتعاون مع وكالة الطاقة الذرية. فما هي المشكلة؟ هل هي مشكلة تتعلق بإيران التي لا تسعى لامتلاك الأسلحة النووية أم مشكلة الإدارة الأمريكية التي لا تريد تصديق تقرير أجهزة مخابراتها!؟
وبرغم ذلك، يبقى العراق حقل الرهان الأساس لحوار طهران – واشنطن، فالإدارة الأمريكية تريد تهدئة الأوضاع العراقية على المحو الذي يعزز قدرة أمريكا على البقاء في العراق، أما إيران، فتريد الاستفادة من استمرار الوجود الأمريكي في العراق لجهة أنه يجعل الإدارة الأمريكية في حاجة متزايدة لمساعدة طهران.
• يقول البعض بأن خروج أمريكا من العراق وقطع روابط إيران مع سوريا وحزب الله اللبناني معناه ضرب إيران لأنها باتت مكشوفة بسبب العزلة.
• يقول بعض آخر بأن بقاء أمريكا في العراق وتصعيد روابط إيران مع سوريا وحزب الله معناه احتمالات ضرب إيران لجهة التأمين النهائي لاستمرارية الوجود الأمريكي في العراق والمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط.
وبين البقاء والخروج تبقى كل الاعتبارات مطروحة على طاولة الإدارة الأمريكية والتي برغم اقتراب أجلها على يد الديمقراطيين إلا أن احتمالات التدهور والمغامرة ما تزال واردة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد