المكاسب السياسية التركية جراء غزوها العسكري لشمال العراق
الجمل: باشرت القوات التركية عملية اقتحام عسكري تعتبر الأكبر من نوعها لشمال العراق منذ آخر اقتحام قامت به في حقبة تسعينات القرن الماضي، وبرغم أن العملية الحالية كانت متوقعة الحدوث منذ بضعة أشهر إلا أن الجديد في الأمر يتمثل في بعض الملاحظات الجديدة التي من أبرزها الملاحظة القائلة بأن عملية الاقتحام البري هذه قد جاءت قبل موعدها المحدد.
* أبز التساؤلات:
من المعلوم أن تركيا تستهدف من الناحية المعلنة الرسمية عناصر وقواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، ومن المعلوم أيضاً أن حزب العمال قد قلل وجوده في الشمال العراقي ضمن الحدود الدنيا، فهل حقاً تستهدف هذه العملية قواعد حزب العمال أم أنها تستهدف شيئاً آخر؟ وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التركية قد أعلنت بأنها أخبرت واشنطن وبغداد مسبقاً بهذه العملية، فلماذا طلبت واشنطن من أنقرة عدم التوغل عميقاً في عمق شمال العراق؟ ولماذا دعت تركيا هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي الكردي ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى أنقرة للبحث والتفاهم؟ بكلمات أخرى، هل لأنقرة هدف آخر غير معلن؟ وهل هناك صفقة عراقية – تركية وصفقة أخرى بين أربيل الكردية وأنقرة التركية؟ وهل هناك اتفاق على خط أنقرة – واشنطن – تل أبيب حول الملف الكردي خاصة وأن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك كان حاضراً في أنقرة خلال الأيام القليلة الماضية وصرح مؤكداً للصحفيين بأن تل أبيب تقف إلى جانب أنقرة في حربها ضد الإرهاب؟
* الاقتحام العسكري التركي:النطاق الحالي والمحتمل:
تقول المعلومات بأن أنقرة قد سبق وحشدت حوالي 140 ألف جندي على خط الحدود التركية – العراقية، وحالياً تشير المعلومات إلى حجم القوات التركية التي نفذت عملية الاقتحام العسكري الحالي هو في حدود 10 آلاف جندي منها 3 آلاف من القوات الخاصة. أما بالنسبة للغارات الجوية التركية فتقول المعلومات بأنها قد بدأت بالأساس في 16 كانون الأول الماضي واستمرت بفضل الدعم الاستخباراتي الأمريكي – الإسرائيلي، ولكنها برغم ذلك، كما يرى العسكريون الأتراك، لم تحقق النجاح المطلوب في تدمير بنيات حزب العمال الكردستاني التحتية وتقويض قدراته القتالية. وتقول بعض التحليلات العسكرية – الأمنية بأن عملية الاقتحام العسكري التركي الحالي قد تهدف إلى الآتي:
• القضاء على حزب العمال الكردستاني.
• ردع أربيل من مغبة التمادي في دعم حزب العمال.
• توجيه ضربة وقائية ضد حزب العمال بما يؤدي إلى شل قدراته ويمنعه من القيام بأي عمليات ضد تركيا خلال فصل الصيف القادم الذي أصبح على الأبواب.
ولكن هناك تحليلات أخرى تحاول الجمع بين ما هو سياسي وما هو عسكري وتقول:
• إن حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي يسعى في هذه الفترة إلى تمرير التعديلات الدستورية كقرار السماح بارتداء الحجاب وغيرها من القضايا التي تثير حفيظة القوى العلمانية والمعارضة والمؤسسة العسكرية التركية، وبالتالي فإن شن العمليات العسكرية ضد حزب العمال سيترتب عليه توحيد الرأي العام التركي ومساندة المؤسسة العسكرية لحكومة حزب العدالة والتنمية على النحو الذي يتيح المزيد من الهدوء السياسي في أنقرة لجهة تمرير التعديلات الدستورية التي تردد حزب العدالة والتنمية طويلاً في تمريرها.
• إن الهدف من العملية العسكرية الحالية يتخطى الأهداف المعلنة ومن ثم فإن القوات التركية التي تقدمت لن تعود مرة أخرى إلى تركيا، وسوف تعقبها موجة أخرى. بكلمات أخرى، إذا كان حجم القوات التركية الحالية التي نفذت العملية في حدود فرقة واحدة فإن الفرق والقطعات العسكرية التركية سوف يتوالى دخولها إلى شمال العراق تدريجياً من أجل:
* إقامة منطقة عازلة داخل شمال العراق تمتد بعمق 20 كيلومتراً على طول خط الحدود العراقية التركية.
* إضعاف قدرات أربيل السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وحرمانها من السيطرة على المنطقة.
إسقاط مشروع مخطط ضم كركوك إلى إقليم كردستان العراقي.
* إفشال المخطط الأمريكي الساعي للتواجد في منطقة الموصل فالقوات الأمريكية قد أكملت استعداداتها لتنفيذ عملية الموصل العسكرية بالتواطؤ مع قوات البشمركة على النحو الذي يترتب عليه تطهير منطقة الموصل من الوجود العربي السني والشيعي بما يمهد أو يفسح المجال لأربيل من أجل مد سيطرتها على الموصل ثم إلى منطقة كركوك دون حاجة لاستفتاء وفقط على أساس اعتبارات "الأمر الواقع".
* القضاء على روابط خط أربيل – واشنطن – تل أبيب لأن تأييد واشنطن وتل أبيب لأنقرة في هذه العملية سوف يؤدي إلى دفع أربيل إلى إدراك عدم جدوى روابط خط أربيل – واشنطن – تل أبيب في مواجهة روابط خط أنقرة – واشنطن – تل أبيب.
* بث الإشارات إلى عواصم الشرق الأدنى الأخرى، التي بدأت الانخراط في بناء الروابط مع أربيل ومن أبرزها خط أربيل – يوريفان (عاصمة أرمينيا)، وتقول المعلومات بأن تحالف اللوبي الكردي مع اللوبي الأرمني الذي تم بخصوص قرار المذبحة الأرمنية تطور إلى روابط وثيقة بين أرمينيا والحركات الكردية وتشير التسريبات الواردة في صحيفة تيركش ويكلي إلى أن حزب العمال الكردستاني نجح في نقل بعض وحداته إلى أرمينيا، ولكي يتم إخفاء الأمر عن المخابرات التركية المتواجدة في أرمينيا تواطأت السلطات الأرمنية ودعمت تواجد الوحدات الكردية ولكن حصراً في إقليم ناغورنو – كرباخ الذي تقطنه أغلبية أرمنية والموجود داخل جمهورية أذربيجان.
عموماً، على خلفية الطريقة التي أعلن بها زعماء إقليم كوسوفو الاستقلال عن صربيا فقد تزايدت مخاوف أنقرة من قيام الزعماء الأكراد بسيناريو مماثل بالإعلان عن استقلال كردستان العراق وإقامة دولة كردية عاصمتها أربيل. وتقول التكهنات بأن الاقتحام العسكري التركي قد جاء بمثابة الضربة الاستباقية الضرورية لإجهاض احتمالات حدوث مثل هذا السيناريو. ويتخوف الأتراك من احتمالات أن تؤدي عملية استقلال كردستان من طرف واحد إلى قيام أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول الغربية بالاعتراف الفوري بهذا الاستقلال، وعندها سيكون من الصعب على تركيا معالجة التطورات خاصة وأن روسيا والصين لن تقفا إلى جانب تركيا باعتبارها حليفة واشنطن في المنطقة. تشير التوقعات إلى أن القوات التركية ستظل موجودة بطريقة أو بأخرى داخل أراضي شمال العراق إلى حين التأكد تماماً من مصير أزمة كوسوفو والحصول على ضمانات بعدم إعلان أربيل للاستقلال من طرف واحد وعلى ضمانات بعد اعتراف الغرب وأمريكا باستقلال أربيل إن تجرأت على إعلانه، هذا وعلى خلفية التسريبات القائلة بأن سيناريو انفصال واستقلال كوسوفو من المتوقع حدوثه في العراق فإن أنقرة تخطط وتسعى حالياً لوضع يدها على شمال العراق وفرض الأمر الواقع حتى لا يحدث سيناريو "استقلال كوسوفو" في العراق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد