تركيا: تحوّلات سياسيّة تنعكس نموّاً اقتصاديّاً
الرحلة إلى«تركيا الحديثة» براً من ناحية سوريا، توفّر للزائر رؤية الجزء الأكبر الممكن من هذا البلد المقبل على تحولات كبيرة، حيث يمكن السائح أن يرصد تطورات البلاد بدءاً من ترتيب مقارّ الأمن العام الحديثة، وصولاً إلى التنظيم المدني والتخطيط العمراني البالغ الدقة، مروراً طبعاً بالمساحات الخضراء الشاسعة والمناطق الصناعية الكبيرة.
مسافات طويلة تقطعها الحافلة من لواء الإسكندرون، مروراً بأضنة وجبال طوروس وقونيا وضواحي أنقرة، وصولاً حتى حدود الاتحاد الأوروبي، حيث عاصمة السلاطين، إسطنبول.
■ تضاريس متنوعة
تضاريس متنوّعة من جبال ووهاد وسهول وأنهار وبحيرات، خضرة كثيفة ومزروعات تشمل القطن والتبغ والفواكه والخضار (36,3 في المئة من المساحة الكلية للزراعة)؛ إضافة إلى الغابات التي تغطّي 26,2 في المئة من الأراضي.
■ سيّدة محجّبة
منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002، شهدت تركيا نمواً اقتصادياً لافتاً وصل إلى حدود 9 في المئة، إلى جانب تقدم محاولات محاربة الفساد. تطور واضح يمثّل انعكاساً للحراك السياسي الذي تشهده البلاد باستمرار، رغم سلطة المؤسسة العسكرية. حراك تمثّل بوصول حزب ذي جذور دينية أوصل معه سيدة محجّبة للمرة الأولى في تاريخ «تركيا الحديثة» إلى القصر الرئاسي. حصل ذلك رغم كل القيود التي وضعها النظام العلماني، على مدى ثمانين عاماً أو أكثر.
وبات حزب العدالة والتنمية (47 في المئة من أعضاء مجلس النواب) هو المسيطر على مقاليد الحكومة، فيما يتألّف البرلمان من غالبية إسلامية وأحزاب علمانية وقومية: حزب الحركة القومية اليميني وحزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي أسّسه مصطفى كمال أتاتورك. وحزب المجتمع الديموقراطي الكردي وحزب اليسار الديموقراطي.
■ إصلاحات وطموحات
لا يمكن فصل الإصلاحات والتطورات التي طالت المؤسسات الدستورية والسياسية والقطاعات الإنتاجية والسياحية والإنمائية، عن طموحات أنقرة بدخول الاتحاد الأوروبي في محاولة لتلبية بعض الشروط التي تؤهلها لبدء مفاوضات جديّة بهذا الخصوص. إذ تمثّل تركيا بعدد سكانها الذي يتعدى 70 مليون نسمة، عنصراً ديموغرافياً مهماً لتعديل آليات الإنتاج في الاتحاد الأوروبي؛ الأتراك أكبر نسبة عرقية (نحو 70 في المئة)، والأكراد (25 في المئة)، والعرب (2 في المئة).
■ بين الشرق والغرب
مما لا شكّ فيه أن موقع تركيا الجيو ـــــ استراتيجي بين آسيا وأوروبا، بين الشرق والغرب، هو الموقع الذي يجعلها بلداً سياحيّاً بامتياز. إذ تمتد وريثة الدولة الطورانية على مساحة تبلغ 779,452 كيلومتراً؛ الجزء الآسيوي منها يدعى الأناضول، ويمثّل حوالى 97 في المئة من مجموع أراضيها، بينما يمثّل الجزء الأوروبي 3 في المئة (23,623 كيلومتراً) ويدعى تراقيا.
الممتع في زيارة هذه البلاد هو طول الحدود البحريّة التي تتميّز بجمال مناظرها وخضرتها ومنتجعاتها التي يقصدها السياح من الشرق والغرب. ( طول الحدود حوالى 9,848 كيلومتراً، 7,200 كيلومتر منها شواطـئ بحرية).
تركيا شبه جزيرة واقعة بين ثلاثة بحار: بحر إيجة في الغرب، والبحر الأبيض المتوسط من الجنوب والبحر الأسود من الشمال. كذلك تتقاسم حدودها البريّة ثماني دول: جورجيا وأرمينيا (شمال شرق) وإيران وأذربيجان (جنوب شرق)، سوريا والعراق (جنوباً)، واليونان وبلغاريا (غرباً) والبحر الأسود (شمالاً).
هذه المساحات الشاسعة المتنوعة في تضاريسها وعادات مجتمعاتها وتقاليدها، تمتد على مدى سبعة مناطق هي: منطقة إيجة ومنطقة البحر الأسود، ومنطقة وسط الأناضول ومنطقة شرق الأناضول ومنطقة مرمره، ومنطقة البحر المتوسط، ومنطقة جنوب شرق الأناضول. أمّا الجبال العالية فهي جزء أساسي من المشهد التركي؛ تحتوي على سلسلة من الجبال الشاهقة، منها: أرارات (5137 متراً) وأولودوروك وبوزول وغيرها.
كذلك هي غنية بمصادر المياه كالأنهار والبحيرات؛ أهم الأنهار كيزيليرماك والفرات ومراد ودجلة وجيهان.
أما أكبر بحيرات البلاد، فهي: بحيرة فان (3713 كيلومتراً) ثم تأتي في المرتبة الثانية توز أو بحيرة الملح (1500 كيلومتر) ثم بحيرة بيشيهير (656 كيلومتراً).
قد تكون بحيرة الملح التي تمثّل ما يقارب 1/7 من مساحة لبنان، من أهم المعالم في منطقة قونيا الواقعة وسط تركيا، والتي تعطي 30 في المئة من إنتاج تركيا من الملح. على هذه البحيرة يمكن المشي سيراً حيث تتجمّد في أماكن واسعة قريبة من اليابسة وتصبح صلبة مثل التربة.
المفارقة في هذا البلد العلماني الذي يمثّل مؤسسه مصطفى كمال أتاتورك أحد الأقانيم «المقدسة» الممنوع تناولها بأي سوء، أن ثمانين عاماً من الحكم العلماني الصارم، لم تستطع سلب تركيا هويتها الإسلامية، فبقيت محافظة على تراثها الديني، حيث ينتشر الحجاب بين الفتيات رغم التضييق والحظر في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية.
ويمكن ملاحظة كثرة عدد المساجد في القرى والمدن المستحدثة، وكأنه تحدٍّ واضح للنظام العلماني المدعوم من العسكر. في غمار الرحلة إلى تركيا تفاصيل كثيرة يمكن متابعتها في المشاهدات.
- ولد مصطفى علي رضا الملقب بـ«أتاتورك» أي «أبو الأتراك» عام 1881 في مدينة سالونيك اليونانية (كانت عثمانية). لقّبه أحد مدرسيه في الكليّة العسكرية، بكمال لنبوغه الدراسي، فأصبح اسمه مصطفى كمال. توّج بطلاً قوميّاً لبطولاته في الحروب، وخصوصاً في مضيق الدردنيل. في عام 1921، انتخب بالإجماع رئيساً للجمهورية «الحديثة». وفي 3 آذار 1924، ألغى الخلافة العثمانية، وطرد الخليفة وأسرته من البلاد، وأعلن أن تركيا دولة علمانية.
معمر عطوي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد