خمسة وزراءخارجية سابقين:إجماع على الحاجة لمحاورة سوريا وإيران
اجتمع التاريخ على مسرح جامعة جورج واشنطن ليعطي النصائح الى الرئيس الاميركي المنتظر في تشرين الثاني المقبل، مذكرا باولوية السياسة الخارجية وتحدياتها الرئيسية. هو لقاء بين وزراء خارجية الولايات المتحدة على مدى ثلاثة عقود، تجاوز الخطوط الحزبية ادراكا لاهمية تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم.
جلس كولن باول وجيمس بايكر ومادلين اولبرايت وهنري كيسينجر ووارن كريستوفر، وهم اسلاف وزيرة الخارجية الحالية كوندليسا رايس، جنبا الى جنب لتقييم موقع بلادهم في عالم متغير يتخبط في حربين في بغداد وكابول، وتحدي روسيا في القوقاز، وصعود الصين والهند الى الشرق.
اعتبر باول، الذي عمل مع الرئيس الحالي جورج بوش بين عامي ٢٠٠١ و،٢٠٠٥ ان على الرئيس المقبل ان »يبدأ باستعادة شعور الثقة بالولايات المتحدة« لان حلفاء واشنطن »يجب ان يعلموا اننا نستمع اليهم وندرك اهميتهم«، داعيا الى تغيير نظرة العالم التي تقول ان الولايات المتحدة »تعمل بشكل احادي«. وتابع ان »عناصر القوة الوطنية تتغير« وعلى واشنطن التأقلم مع صعود قوى جديدة على المسرح الدولي.
من جهتها، اكدت اولبرايت، التي عملت مع بيل كلينتون بين عامي ١٩٩٧ و،٢٠٠١ ان تعاون الولايات المتحدة مع بلدان اخرى لحل القضايا الدولية »علامة قوة«. هذه المرأة من جذور تشيكية تعرف الامور الباطنية اكثر من غيرها، يهودية تربت كاثوليكية هربا من اضطهاد اوروبا، قبل ان تعود بعد ٦٠ عاما كأول امرأة تقود الخارجية الاميركية لتقصف شوارع بلغراد، المدينة التي عاشت فيها يوما، لتصبح كوسوفو اهم انجازاتها السياسية.
وقال كريستوفر »السياسة الخارجية ليست انت إما معنا او ضدنا« داعيا الرئيس الجديد الى التعامل مع حربين في العراق وافغانستان »يستنزفان الاقتصاد الاميركي«، فيما دعا بايكر، الذي عمل مع الرئيس جورج بوش الاب بين عامي ١٩٨٩ و،١٩٩٢ »الى استخدام كل عناصر القوة الوطنية« لا سيما »القوة الناعمة« من اجل استعادة احترام الولايات المتحدة حول العالم.
كيسينجر كالعادة، غرد خارج سربه. تحدث قليلا وبتروّ. هذا الالماني المكيافيلي الذي يفهم العالم على طريقته، شؤون السياسة عنده نظريات معقدة، لكن عالمه بكل بساطة صفقة بين اقوياء. هذا المغامر السياسي المحافظ الذي فتح سور الصين واحترف التسويات الهامشية في الحرب الباردة ورسم خطوط المواجهة في بيروت وعناوين النظام في دمشق.
لا يرى كيسينجر ان غاية الولايات المتحدة هي تحسين صورتها او العمل على قضايا دولية فقط لانها »شعبية« ولا ترضي بالضرورة المصالح الاميركية. اعتبر ان اولويات الرئيس المقبل هي في استدعاء مستشاريه ليرى مدى الاجماع بينهم حول القضايا الخارجية قبل التشاور مع سائر قيادات العالم. وتابع »ما يهم هو معرفة نوع العالم الذي نحن فيه واي اتجاه نحتاج الى اخذه«، لكن اولبرايت ردت عليه بان الولايات المتحدة في نهاية المطاف »جزء من النظام العالمي، هي ليست مسألة شعبية، انها الصورة والاحترام«.
وقال كيسينجر، الذي عمل مع ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد بين عامي ١٩٧٣ و،١٩٧٧ ان كل رئيس يصل الى البيت الابيض يأتي معه مستشارون لديهم »آراء قوية« في العالم، ما يولد نزاعا داخل الادارة.
واجمع الدبلوماسيون الخمسة على ضرورة ان تحظر الولايات المتحدة التعذيب وتغلق معتقل غوانتانامو وتؤدي دورا قياديا في الاحتباس الحراري، وعلى ضرورة الانخراط الدبلوماسي مع طهران ودمشق.
وقال كريستوفر، الذي عمل مع كلينتون بين عامي ١٩٩٣ و،١٩٩٧ »علاقتنا مع اسرائيل يجب ان تكون قوية كفاية لنقول لها انه لا يمكننا ان نتحمل وجود علاقة سيئة مع ايران«، متحفظا على توجيه اي ضربة عسكرية لطهران. واكد كيسينجر »انا مع التفاوض مع ايران ووضع امامها رؤيتنا الى الشرق الاوسط على مستوى وزراء الخارجية« فيما دعا باول الى »حوار شامل على مستوى منخفض«.
واعتبر بايكر ان بوسع الولايات المتحدة ابعاد سوريا عن ايران لان التحالف بينهما »زواج متعة« ودمشق تفضل علاقة متينة مع واشنطن. ورأى ان لا تسوية في الشرق الاوسط قبل انتهاء ولاية بوش لكن بوسع الرئيس المقبل التوصل الى اتقاق سلام بين سوريا واسرائيل »لانه اسهل من المسار الفلسطيني الاسرائيلي«.
هذا الثعلب السياسي فيه عناد يحمله من ارياف تكساس، يرحل اليه الجمهوريون في كل ازمة، وهو من انقذ بوش من ورطة انتخابات ولاية فلوريدا في العام ٢٠٠٠ وورطة العراق في العام .٢٠٠٦ وهو منسق تحرير الكويت في حرب الخليج ومؤتمر مدريد للسلام. وقد انتقد بشدة وزير الخارجية الاسرائيلية اسحق شامير، ليدفع الرئيس جورج بوش الاب ثمنا انتخابيا بعد تناقض المصالح الاميركية والاسرائيلية في الشرق الاوسط.
رأى بايكر ان الولايات المتحدة يمكنها ان تعيش مع ايران نووية، مشيرا الى ان واشنطن تعاملت مع الحرب البادرة لعقود وتمكنت من استيعاب اتحاد سوفياتي نووي. وتابع ان القيادة الايرانية »واقعية وليست انتحارية« في حدود استخدام القوة، وان اتصالا هاتفيا واحدا من واشنطن الى طهران لايصال رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة جاهزة لتوجيه ترسانتها النووية الى ايران في حال قررت استخدام هذا السلاح في مكان ما يكفي لتفهم القيادة الايرانية الرسالة.
ورغم الاجماع حول ضرورة الضغط على القيادات العراقية من اجل المصالح الوطنية، رفض كيسينجر وباول فكرة وضع جدول زمني واضح لانسحاب القوات الاميركية من العراق لان هذا الامر مرتبط بالظروف الامنية على الارض، فيما اعتبر كل من اولبرايت وكريستوفر ان هذا الامر قد يكون بمثابة عامل ضغط على الحكومة العراقية لتحمل مسؤولياتها.
الدعوة الى التحاور مع ايران انسحبت على روسيا ايضا. كيسينجر يرى ان الطلقة الاولى كانت من الجانب الجورجي في ازمة القوقاز لكن رد موسكو كان »مفرطا« وحث الرئيس المقبل »على استكشاف فرص التعاون مع روسيا قبل اتخاذ اي اجراءات«.
واعتبر بايكر ان مصالح مشتركة تجمع بين واشنطن وموسكو لذا »يجب ان نتعاون حين يمكننا ذلك، ونتواجه عندما نستطيع«، مشيرا الى ان ما حصل في جورجيا ليس سببا لقطيعة بين البلدين، فيما قالت اولبرايت ان على الولايات المتحدة اقناع روسيا بأن انضمام جورجيا واوكرانيا الى الحلف الاطلسي ليس تهديدا لها.
وانتقد باول المرشح الجمهوري جون ماكين من دون ان يسميه داعيا الى عدم التسرع في اطلاق المواقف حول جورجيا بل الاخذ بالاعتبار الاطار الاستراتيجي لهذه الازمة. واضاف »روسيا الاتحادية ليست الاتحاد السوفياتي. هذا الفيلم فشل في صالات العرض«، مشيرا الى ان واشنطن وموسكو ستتجاوزان الازمة.
يأتي هذا المنتدى، الذي عقد تحت عنوان »الرئيس المقبل: عالم من التحديات«، في سياق التحضيرات للانتخابات العامة، وقام بادارة الحوار كل من مراسلة قناة »سي ان ان« الاخبارية كريستيان امانبور ومسؤول العلاقات العامة في جامعة واشنطن فرانك سيسنو، وسيعرض على قناة »سي ان ان« السبت المقبل.
وبطبيعة الحال، لم تمر الجلسة من دون التطرق الى السباق ، لاسيما ان اولبرايت تدعم المرشح الديموقراطي باراك اوباما وبايكر يدعم ماكين، لكن باول كشف انه لم يقرر بعد لمن سيعطي صوته بانتظار المناظرات الرئاسية. وهذا ليس امرا جيدا لماكين لان باول جمهوري وصديق قديم. في نهاية المطاف، لا يتأخر اي مراقب بالتنبه الى ان كل مواقف الدبلوماسيين الخمسة تتقاطع بطريقة او بأخرى مع مواقف مرشح الديموقراطيين.
جو معكرون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد