دمشق قصدها لاجئو النكبة فصهرتهم في بوتقة الحنين
حملت (دمشقُ) رسالة العرب
أموية الأعطاف والنســــــــب
شاب الزمان على مشــــارفها
ودمشق في الريعان لم تشــب
هذان البيتان الشهيران هما مطلع قصيدة (دمشق) للشاعر الفلسطيني الكبير عبد الكريم الكرمي الشهير بأبي سلمى... والذي طالما تغنى بدمشق وقد قضى شطراً من حياته قبل نكبة فلسطين وبعدها فيها... وهي قصيدة تؤرخ من جهة أخرى لعلاقة المدينة باللاجئين الفلسطينيين الذين قصدوها منذ أولى فصول النكبة، وخصوصاً حين يخاطبها الشاعر:
أدمشـــــــــق أنا لاجئون ألا
يَشـــجيكِ منظرُ خدّنا الترب
مرت بنا الأعوام مثقلـــــــةً
عبرتْ تجحرُّ دوامي النوَبِ
أوما ترين وراء أدمعـــــــنا
ظلَّ الخيام الســود والطُّنُب!
الهجرة الفلسطينية الأولى: تذكار من حي الصالحية!
والواقع أن لجوء فلسطينيي النكبة إلى دمشق، لم يكن هو الهجرة الأولى في تاريخ العلاقة بين دمشق وفلسطين، فقد سبقته هجرة لم تزل آثارها ماثلة منذ نحو تسعة قرون، وكانت بدافع الاحتلال أيضاً.
الهجرة الأولى كانت عام 1099 م. وإبان الاحتلال الصليبي للقدس، حين قرر مجموعة من سكان بيت المقدس وعلى رأسهم الشيخ أحمد بن قدامة الذي عرف بنشاطه المعادي للاحتلال، أن يلجأوا إلى دمشق هرباً من اضطهاد وبطش الصليبيين الفرنجة. وقد استقر هؤلاء في المدينة، وبنوا حياً في سفح جبل قاسيون عرف باسم (حي الصالحية)، كان في بداية نشوئه أشبه بقرية نائية على سفح جبل قاسيون شمالي دمشق، وقد ذكره ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان فقال:
'والصالحية أيضاً: قرية كبيرة ذات أسواق وجامع في لحف جبل قاسيون من غوطة دمشق، وفيها قبور جماعة من الصالحين، ويسكنها أيضاً جماعة من الصالحين لا تكاد تخلو منهم، وأكثر أهلها ناقلة البيت المقدس على مذهب أحمد بن حنبل'.
وقد كان هؤلاء المهاجرون الفلسطينيون على درجة كبيرة من التقى والصلاح، كما عرفهم أهل الشام، حتى نسبت هذه (المحلة) إليهم وسميت باسمهم.. و لم يمض ثلاثون عاما على استقرار هؤلاء المهاجرين في تلك المنطقة الجبلية المعزولة المسماة (الصالحية) حتى ملأوها بيوتا ومدارس وأسواق ودور علم.. حتى سميت بمدينة العلم والعلماء، إذ بدت مدينة صغيرة مستقلة بذاتها وهي تغص بالمساجد والمدارس والبيوت.. واتخذ الكثير من أعيان دمشق فيها فيما بعد، دوراً صيفية لهوائها العليل وكثرة المنتزهات والبساتين فيها.. قبل أن تتصل بعد قرون بمدينة دمشق، وتصبح امتدادا لها.
وهكذا يؤرخ حي الصالحية العريق في دمشق اليوم إلى الهجرة الفلسطينية الأولى إلى دمشق إبان الحروب الصليبية، بينما تبدو الهجرة الثانية بعد نكبة عام 1948، جزءاً من ذاكرة المدينة كلها، وخصوصاً في نهاية أربعينيات ومطلع خمسينيات القرن العشرين، حيث عاش اللاجئون الفلسطينيون سحر المدينة التي لم تكن قد التهمت بساتين غوطتها، ولا فرطت بإرثها المعماري الفريد.
الهجرة الفلسطينية الثانية: آلام النكبة!
ترى كيف كانت صورة دمشق في ذاكرة اللجوء الفلسطيني... هل كانت خطاب ألم مليء بشكوى ضياع الأرض والوطن؟! هل كانت مجرد صرخة حماسية لمدينة فتحت ذراعيها لاستقبال لاجئي النكبة وما بعدها؟! هل كانت مجرد قصيدة تشيد بنسب دمشق الأموي وحاضرها المتجدد كي ترد حسن الضيافة بحسن الوفاء؟! أم أنها كانت صورة من لحم ودم وذكريات وحنين وحياة؟!
تساؤلات كهذه خطرت ببالي وأنا أستعيد هذا التاريخ، ثم وأنا أقرأ كتاباً صغيراً وشيقاً، وضعه الناقد الفلسطيني المعروف يوسف سامي اليوسف بعنوان: (دمشق التي عايشتها) وصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب العام الماضي، وضمنه الكثير من الذكريات والتأملات عن المدينة العريقة وأهلها، وعن دهشة اللقاء الأول، وسحر الأيام الخوالي، وألق الصورة الزاهية في الذاكرة المترعة بالحب والحنين.
وبعيداً عن أهداف سياسية أو قومية، قررتُ البحث في ثنايا ذاكرة المثقفين والأدباء الفلسطينيين عن صورة دمشق التي كانت، ففي تلك الذاكرة الكثير مما يضيء تفاصيل الزمان والمكان ونسيج العلاقات الاجتماعية والإنسانية، عن دمشق التي تغيرت إلى درجة صارت غريبة حتى عن ذاكرة من لجأوا إليها، وليس ذاكرة أهلها فقط!
يوسف سامي اليوسف: عالم حنون حميم وجميل!
يقول الناقد يوسف سامي اليوسف في توصيف علاقته كلاجئ فلسطيني بدمشق: (ما عشت في بلدي سوى عشر سنوات وحسب، قبل أن تنكبنا تلك الطفيليات المتطفلة على وطننا السليب. ولكني عشت في دمشق ثلاثاً وخمسين سنة حتى الآن.. ولهذا؛ وكذلك لأنني حصلت على حزمة كبيرة من أخبارها وأحطت ببعض أحوالها وأحداثها وعاينت جملة واسعة من آثارها، فإنني كثيراً ما خطر ببالي أن أصنّف كتاباً يستعرض تاريخها منذ أقدم العصور حتى يوم الناس هذا.. وما منعني من ذلك سوى يقيني بأن هذا المشروع الباذخ يحتاج إلى مؤسسة أو جهد جماعي مشترك... وأيا ما كان جوهر الحال، فإن هذا الكتيب الصغير لن يزيد عن كونه مقالاً أو مسرداً وجيزاً لعلاقتي بمدينة لم تنجبني، ولكنني أتيتها لاجئاً مشرداً بغير مناعة أو حصانة.. جئتها أبحث عن مأوى آوي إليه لأشعر بالاستقرار الذي يتمتع به حتى البدو المتجولون، وعن غذاء يسد رمقي ويرد عني غائلة المسغبة... ولكن دمشق أكرمت وفادتي وأسبغت علي نعمتها ومنحتني وافر العطاء، فعشت في شرط شامل هو أفضل بكثير مما كنت أتوقع في بادئ الأمر... ولهذا، أعني لأن هذه المدينة كانت شيئاً فاضلاً كريماً، فإن مما يحز في نفسي ويحرضها على إفراز الشعور بالأسى، أن ذلك العالم الحنون الحميم والجميل اللذيذ في آن، قد فتكت به يد التضخم والتورم فولى إلى غير رجعة).
ويمضي يوسف سامي اليوسف لتتبع جماليات ذلك العالم الحنون الجميل الذي ولى إلى غير رجعة في دمشق، فيصف أحياءها القديمة بأنها: 'متحف كبير قائم بذاته ليشهد على أصالتها وعراقتها وغابر أمجادها' ثم يصف طعم الدهشة التي شعر بها وهو يرى دمشق لأول مرة في منتصف خمسينيات القرن العشرين فيقول:
'تغيّر عليّ كل شيء يوم أبصرت دمشق لأول مرة. فهي تموج بالناس وتمور بالحركة، وتتكدس فيها البضائع من كل صنف، وتزدحم شوارعها بالسيارات، وكذلك بعربات الترامواي الذي كان يخترقها من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. ولعل أولا ما يلاحظه المرء يومئذ، بعد الازدحام والحركة، هو التباين الناصع بين القديم والحديث. فمما لا يخفى أن سوق الحميدية والسوق الطويل والجامع الأموي وسواه من الجوامع يومئذ، ينتمي إلى الماضي العريق الأصيل. ويصدق الكلام نفسه على غالبية البيوت في حي الميدان، وكذلك في حي الشاغور والعمارة... فهي بيوت عربية الطراز ومبنية من اللبن الذي هو طين مضغوط. وربما كان هذا الطين أنسب من سواه لمناخ بلادنا البارد في الشتاء والحار في الصيف، ولأنه قادر على عزل الداخل عن الخارج عزلاً نهائياً على وجه التقريب. أما (المرجة) وما هو إلى الغرب منها، وكذلك الشطر الشمالي من المدينة، فهذا كله ينتمي منذ ذلك الحين، إلى الحداثة التي راحت تجتاح العالم بأسره، وترغم القديم على الانحسار أمام طوفانها العارم'.
ولعل أجمل ما يكتبه يوسف سامي اليوسف عن دمشق، هو الفصل الذي يخصصه للحديث عن الجامع الأموي، والطريقة الذي يحلل بها عمرانياً وفلسفياً وجمالياً هذا الصرح الخالد في ذاكرة الزمان وفي ذاكرته، والذي يشبهه بأهرامات مصر، ومما يقوله في هذا الفصل الذي يروي كذلك جانباً من علاقته بدمشق التي عايشها: 'عدتُ من بعلبك إلى دمشق صبيحة الحادي عشر من شهر آب /اغسطس سنة 1955. واستأجرت غرفة في (بوابة الله) وكانت مدرستي في (باب الجابية) وقد جئتها هذه المرة مقيماً طوال ما تبقى لي من عمر. فلم أغادرها بتاتاً إلا سائحاً وحسب، وها أنا ذا مازلت أعيش فيها حتى يومي هذا، وبعد ذلك رحتُ أصب الكثير من اهتمامي على مساجد دمشق وآثارها، أو على معالمها التاريخية والطبيعية في آن معاً. وصرت أتدرج نحو النضج وصار الوعي في ذهني يتفتح باستمرار. والوعي كالفجر يبزغ رويداً رويداً، ولكنه يظل يبزغ ويشرق مادام المرء على قيد الحياة. واجتذبني الجامع الأموي أيما اجتذاب، فرحت أتردد عليه وأثابر على زيارته منذ تلك السنة الأولى وحتى الزمن الراهن، وذلك لأنه استحضار حقيقي لا للروعة وحدها، ولا حتى للأصالة وكفى، بل لسر أو لغز يعسر على الذهن أن يعثر على كنهه أو فحواه بسهولة.. ولا غلو البتة إذا ما زعمت بأنه معجزة ريازية فاخرة وشديدة الندرة في تاريخ العالم العربي كله. ولهذا قد يتيسر للمرء أن يتخيل بأنه هدية أرسلتها الأزمنة السالفة إلى الأزمنة الراهنة. ويبدو لي أن من هندسه هو إنسان مأهول برعشة القداسة فعلاً، أو لعله أن يكون مسكوناً بالتهجس للسر واللامفهوم. وعندي أن هذا الصرح المعماري الباهر لن يفهم حق الفهم إلا إذا شوهد بوصفه رمزاً كبيراً، أو ملغمة رموز متلاحمة لها دلالة جد عميقة وعظيمة في آن معاً. وهذا يعني أن قراءة الذهن لفحواه لن تكون استبصارية أو استنباطية إلا إذا تمكنت من تفكيك رموزه ابتغاء البلوغ إلى معانيها الأصلية. إنه كأهرام مصر سواء بسواء، محاولة تبذلها النفس للانتصار على الزمن وقواه التدميرية، وهذا يعني أنه رمز للبقاء والاستمرار في الوجود العيني، متحدياً فعل التصرم والزوال. وفضلاً عن ذلك فإن شخصية الأمة التي شيدته قبل مئات السنين، تبتغي أن تؤكد ذاتها بوصفها قوة حضور عظيمة، أو قدرة على الفعل والإنجاز جديرة بالاحترام، ثم إن ضخامة حجمه ما أُنجزت إلا لكي تؤشر إلى كبرياء الله، الذي هو أكبر من كل شيء على الإطلاق'.
د. شوقي أبو خليل: دمشق ذوبتني وصهرتني!
المؤرخ الفلسطيني الدكتور شوقي أبو خليل، يحتفظ في ذاكرته بتفاصيل شديدة الحميمية عن الحياة الاجتماعية في دمشق، وعن قدومه إليها في رحلة اللجوء والشتات، وهو يقول لـ'القدس العربي':
ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي دخلت به أسرتي دمشق في آيار /مايو 1948، أمسكُ بيد والدي عليه رحمة الله، إلى موقع بين نهري يزيد وثورا، شمالي موقع ساحة الأمويين اليوم، وكان الموقع يسمى بساتين كيوان، حيث سكنّا مدة عامين.
كنت في السابعة من عمري، فسُجّلت بمدرسة (طارق بن زياد) في حي المهاجرين، قبالة مسجد الشمسية في الجادة الثالثة، ثم انتقلنا للسكن في المهاجرين (شورى) فاقتربت المسافة بين السكن والمدرسة. وما يُذكر أنني بعد عشرين عاماً عدتُ إلى مدرسة (طارق بن زياد) وإلى الصف الذي كنت فيه تلميذاً... عدتُ معلماً فشعرت بسعادة لا تنسى!
مما أذكره عن دمشق أواخر أربعينات، أوائل خمسينيات القرن الماضي، حافلاتها (التراموايات) التي كانت تسير على الكهرباء.. وكان موقع القصر الجمهوري القديم في آخر المهاجرين، قرب مسجد (الخير) حالياً، آخر ما تصل إليه الحافلة... وفي آخر حي المهاجرين النائم في حضن جبل قاسيون، مقاهٍ شعبية تشرف على دمشق وغوطتها، يأتيها باعة كبار وصغار، يبيعون قلوب الجوز والحبلاس (حب الآس) وبعض أنواع الحلوى. وكنا ندرك أن رمضان اقترب منذ أول شهر رجب، لبدء بيع حلاوة جميلة تسمى (ليلة الله) تباع وتقدم للمشتري، وهي حلقات على عود طوله شبر واحد من نبات القنّب. وأذكر في دمشق حنفيات الماء في كل الأحياء (كباّس الماء أو الفيجة كما كان يسمى) وكيف بعد الظهر يومياً.. يمر رجل يحمل قربة من جلد على ظهره، يملأ ماءها من الكباس أو الفيجة، ويرش الشوارع والحارات.. وبعد ربع ساعة يمر عدد من عمال النظافة، يكنسون الأرض ويجمعون أوساخها أكواماً كل خمسين أو مئة متر، لتمر خلفهم (طنبر الزبالة) ليجمع المسؤول عنه القمامة.
ولا أنسى سوق الجمعة في حي الشيخ محي الدين... حيث ينزل يوم الجمعة مئات الفلاحين رجالاً ونساء بمنتوجات أرضهم للبيع المباشر المستهلك. وأذكر استيقاظنا مبكرين جداً صباح يوم السابع عشر من نيسان (يوم استقلال سورية) للنزول إلى شارع بيروت، أو شارع شكري القوتلي... لنرى العرض العكسري السنوي، حيث سجل على برج كل دبابة اسم شهيد من شهداء الوطن... أما منظر ساحة الشهداء (المرجة) تدور في محيطها لتعود من حيث أتت. وفي موسم تفتح زهور الغوطة أوائل الربيع، كنا نركب في حافلة دوما (ترين دوما) الذي ينطلق من ساحة الشهداء، إلى القصاع فالقابون فجوبر فقرى عربين وحرستا ودوما في ساعة من الزمن أو أكثر... ونعود بالحافلة نفسها إلى دمشق، وعبق زهور الغوطة الجميلة يملأ صدورنا ووجداننا.
أذكر دمشق... أحياءها... حارتها.. وأذكر كيف كانت. أذكر حي (شورى) والحياة المؤدية إليه وليس فيها سيارة واحدة، وأرى الحي اليوم حينما أذهب لزيارة الأقارب، وليس فيه فسحة لوقوف سيارة واحدة!
دمشق تطورت، وأهم ما افتقدناه فيها معظم غوطتها.. لم نعرف البراد ولا المراوح الكهربائية ولا التكييف، للجو اللطيف الرائع الذي كنا نعيشه في صيفها. وكنا نستحي ونحن أطفال- فعل أي أمر لا يليق بسمعة أسرتنا في الحي وخارجه، وكان أي رجل في الحي إذا رأى خطأ من طفل يلعب في الشارع، يوجهه بلطف ومحبة وغيرة.
دمشق عجيبة مدهشة، إنها تصهر وتذّوب من يسكنها، فيندمج بعاداتها وأعرافها وطبيعة عيشها ورقة طباع أهلها، فأنا يندهش من يعرفني حين أقول له: أنا فلسطيني من تولد مدينة بيسان، فيقول لي: والله ليس ما فيك ما يدل على ذلك خصوصاً في لهجتك، فأجيب: ذوبتني دمشق وصهرتني، أحببتها وعشقتها وكلما سافرت أشتاق وأتطلع إلى العودة إليها، كل ذلك دون أن أنسى مسقط رأسي.
أكرم شريم: دمشق والقدس أمي!
الكاتب التلفزيوني أكرم شريم، الذي كتب عن دمشق مسلسل (أيام شامية) الذي أسس منذ مطلع التسعينيات لموجة الحنين إلى البيئة الشامية التي برزت في الدراما السورية... يعتبر أن علاقته كفلسطيني بدمشق كعلاقته بعالمه الداخلي وكعلاقته بأمه، وهو يقول بداية: (دمشق لا تسألني عنها... دمشق والقدس أمي!) ثم يضيف موضحاً:
(أنا من مواليد قلقيلية في طولكرم عام 1943، أي أنني حين لجأت مع أسرتي إلى دمشق عام 1948 كان عمري خمس سنوات... بداية التفتح الطفولي على العالم الخارجي... وكانت دمشق هي بلد التفتح الطفولي في هذا العمر الذي أبني لبناته السادسة والستين فيها. أما عن التغييرات بين ماضيها والحاضر الحالي، فدمشق كانت أذرعاً ممدودة تستقبلنا، وصدوراً رحبة تؤوينا، وقلوباً أوسع وأوسع تحضننا وتخفينا. ولا أدل على صدق ما أقول، كي لا يظنن أحد أنني أبالغ، من أن فلسطينيي دمشق قد صاروا دمشقيين وبكامل الحقوق الأهلية والمحلية، لولا شرف الهوية الفلسطينية التي تنبض في أذهان الجميع وفي كل أنحاء العالم مثل دقات (غرينيتش) أما إذا سألتني عن التغييرات بين ماضي دمشق وحاضرها، فمن المؤكد أن الحضارة أعطتنا الكثير، كما أعطت غيرنا... ولكنها في الوقت نفسه أخذت منا الكثير... أخذت أكثر مما نعرف من الصدقية والحميمية والذي لا أستطيع أن أبوح به، بل سأتركه ينزل معي في قبري كالسر الذي يحب صاحبه، فيصبر ويصبر حتى يغيبا معاً، ثم وقتها يستريحان، يستريح الحنين... وتستريح الذكريات... ويستريح الألم وإلى النهاية).
محمد منصور
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد