غيتس ينذر إيران وميتشل يتعهّد التطبيع العربي
أعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في ختام زيارته السريعة إلى إسرائيل أن «الولايات المتحدة ستعمل من أجل تشديد العقوبات على إيران إذا لم تقبل باقتراح الدول الغربية البدء بمباحثات حول نشاطها النووي». وقد شكل هذا الموضوع جوهر النقاشات التي أجراها غيتس مع كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك، فيما كان المبعوث الاميركي جورج ميتشل يدعو بعد محادثاته مع كبار المسؤولين الاسرائيليين الدول العربية الى اتخاذ خطوات جوهرية في اتجاه التطبيع مع اسرائيل.
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن المداولات بين غيتس والمسؤولين الإسرائيليين حول الموضوع النووي الإيراني
دارت حول نقطتين جوهريتين: الجدول الزمني لسياسة الحوار مع إيران والرغبة الأميركية في عدم إقدام إسرائيل على أي فعل يفاجئ أميركا بشأن إيران. ويبدو أن «الموسيقى» التي خرجت من أحاديث غيتس كانت اكثر رقة على آذان الإسرائيليين من «النبرة» القديمة التي كان يتحدث بها. وقد خلت أحاديث غيتس للإسرائيليين من التحذيرات الصريحة والمبطنة وطفحت بالرغبة في التفاهم مع إسرائيل بشأن المشروع النووي الإيراني.
ومعلوم أن غيتس كان من أبرز دعاة الحوار مع إيران ومن خصوم الحل العسكري. ولكن أحاديث غيتس مع الإسرائيليين في الغرف المغلقة أشارت إلى أنه غير مقتنع بأن الحوار وحده مع إيران كفيل بوقف المشروع النووي الإيراني. لكنه يرى أن الحوار ضروري ومطلوب لتجنيد الدعم الدولي، وخصوصا من روسيا والصين، لفرض عقوبات ناجعة على إيران إذا لم تتجاوب مع المقترحات الغربية.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنه خلافا للمرات السابقة لم تبد القيادات الإسرائيلية هوسا في إظهار الرغبة في ضرب إيران بالتعاون مع أميركا. وأشار المعلق العسكري للقناة العاشرة إلى أن إسرائيل كانت قبل عام قد دبت الذعر في نفوس الأميركيين عندما طلبت منهم معدات وأسلحة وخطوات تنسيقية عملانية تمهد لضربة عسكرية ضد إيران. وأوضح أن كل هذه المطالب لم تلب حتى اليوم وهذا سبب تغيير «النبرة» الإسرائيلية أيضا. وأوضح أن ردود غيتس على السيناريوهات الإسرائيلية كانت هذه المرة أقل حدة. كما أن التعامل الإسرائيلي مع المطلب بعدم «مفاجأة» أميركا بخطوات عملية كان أكثر إيجابية. وهكذا تحدد نوع من الجدول الزمني للحوار الأميركي والغربي مع إيران بحيث لا يتجاوز نهاية العام الجاري.
ويبدو أن غيتس كان أكثر صراحة مع الإسرائيليين عندما قال لهم بأنه لا يتوقع أن تنجح أميركا حتى نهاية العام في تجنيد الأسرة الدولية لتنفيذ عقوبات صارمة بحق إيران. وأوضح المسؤولون الإسرائيليون أنه رغم تقديرهم للتصريحات الأميركية بعدم الاستعداد للتسليم بسلاح نووي إيراني إلا أن الفارق كبير بين هذا وبين البدء بفعل ما يجب فعله ضد إيران. وفي كل الأحوال يبدو أن تقاربا كبيرا قد حدث في تقدير الموقف لدى الطرفين الأميركي والإسرائيلي بخصوص محدودية الزمن. وهناك إشارات لارتياح إسرائيل من قناعة الأميركيين أيضا بأن الوقت ضيق.
وأبلغ غيتس نتنياهو أن سياسة «اليد الممدودة» الأميركية لإيران محدودة زمنيا. وأشار بيان صادر عن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية الى أن المباحثات بين غيتس ونتنياهو دارت حول مواضيع تخص الدولتين في الميادين السياسية والأمنية والاستراتيجية في «أجواء بالغة الإيجابية». وأعلن غيتس أن الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتان بشأن الخطر النووي الإيراني مشددا على أن سياسة الحوار مع إيران محدودة زمنيا. وقد ركز نتنياهو على الخطورة التي ترى فيها إسرائيل المطامح النووية الإيرانية والحاجة لاستخدام كل الوسائل لمنع إيران من امتلاك قدرة نووية عسكرية.
وكان غيتس قد اجتمع قبل ذلك مع باراك ووعده بتقديم كل ما يلزم لإسرائيل من أفضل سلاح من أجل الدفاع عن وجودها خاصة وأن «إيران نووية تزعزع استقرار المنطقة». وقال غيتس «سنواصل منح المساعدة العسكرية، الاقتصادية والتكنولوجية بحيث يتوفر لإسرائيل السلاح الأكثر تقدما».
ورد باراك بشكر الإدارة الأميركية على كل المساعدات التي تقدمها للمحافظة على تقدم إسرائيل النوعي لكنه أوضح أن إسرائيل تفضل «الحصول على الأسلحة والدعم وتنفيذ الدفاع عن إسرائيل بأيدينا وتحت مسؤوليتنا». وأضاف في ملاحظة فهمت بأنها تجاوب مع مطلب أميركا بعدم «مفاجأتها»: «لسنا أعمياء عن حقيقة أن أفعالا من جانبنا تؤثر أيضا على جيراننا، لكننا ملتزمون بتأمين المصلحة القومية لإسرائيل».
وقال غيتس في مؤتمره الصحافي بعد لقائه باراك «إننا ندرك أن إيران تحاول كسب الوقت ونحن بانتظار ردها حتى اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول... ونحن متفقون بشأن الآثار السلبية التي قد تنشأ عن وجود إيران نووية، لكننا متفقون أيضا على وجوب بذل كل جهد ممكن لإقناع الإيرانيين بفهم أن مصلحتهم الأمنية تشمل التنازل عن المشروع النووي».
وتواصل اليوم الأميركي الطويل في إسرائيل يوم أمس بعودة المبعوث الرئاسي الخاص جورج ميتشل إلى تل أبيب من القاهرة ولقائه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز. وقال ميتشل في ختام اللقاء إن «على الدول العربية اتخاذ خطوات جوهرية باتجاه التطبيع مع إسرائيل». وأشار من جهة أخرى إلى أن على حكومة بنيامين نتنياهو التزامات بالعمل في مسألة المستوطنات في الضفة الغربية. وامتدح بيريز خطاب أوباما للعالم العربي وقال إن «خطاب أوباما أثار انطباعا عميقا في أوساط شعوب ودول المنطقة. لقد منح أوباما الناس أملا وكرئيس للدولة أؤمن بوجوب العمل وفق رؤيته ومواصلة التقدم».
وقد طلب بيريز من الإدارة الأميركية إبداء مزيد من الصبر إزاء نتنياهو مشيدا بموقفه الذي أبداه في خطاب بار إيلان حول حل الدولتين. واعتبر بيريز خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان ليس مجرد «خطوة إلى الأمام وإنما قفزة إلى الأمام. فهذا تغيير جوهري في السياسة الإسرائيلية». وأشار إلى تحسن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية جراء «التسهيلات الإسرائيلية» معتبرا انها ومساعي رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض «فرقة موسيقية تعزف جيدا لمصلحة الشعب الفلسطيني».
وفي ختام لقاء ميتشل ببيريز توجه الرئيس الإسرائيلي للسوريين مطالبا إياهم بالشروع فورا في مفاوضات مباشرة ومن دون شروط مسبقة. وقال بيريز لميتشل: «لقد أصغيت جيدا لتصريحاتك في سوريا، وموقفي واضح: على سوريا القدوم وإجراء مفاوضات مباشرة وجها لوجه بين القيادة السورية والقيادة الإسرائيلية. ليس ثمة بديل لهذا. وإذا كانوا حقا يريدون السير في طريق السلام، فهذا هو الطريق».
وانتقد بيريز تلميحا المملكة العربية السعودية قائلا أنه «من أجل أن تكون هناك أهمية لمبادرتهم، على السعوديين ألا يكتفوا فقط بالكلام، وأن يقدموا على خطوات عملية».
وبالأمس أكثر من أي وقت مضى بدا أن أحد أهم أهداف «القطار الجوي» الأميركي لإسرائيل هو تأكيد «الصداقة» و«العلاقة الخاصة» رغم الخلافات «هنا وهناك». وهذا ما تبدى في أحاديث وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في الغرف المغلقة وفي كلام ميتشل علنا. وقد أشار ميتشل إلى أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة قوية و«لا يمكن زعزعة الصداقة بين الدولتين».
ومن المقرر أن تتواصل المداولات الأميركية الإسرائيلية اليوم وغدا. وسيجتمع رئيس الحكومة الإسرائيلية اليوم مع ميتشل للإطلاع منه على آخر تطورات مداولاته الإسرائيلية والعربية. ويجتمع نتنياهو غدا مع رئيس مجلس الأمن القومي الجنرال جيمس جونز ومع المستشار السياسي الخاص للرئيس الأميركي دينيس روس.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد