'القدس زهرة المدائن': كتاب موسوعي هام يظلم تاريخ المدينة الفني!
مازال اهتمام السوريين بمواكبة احتفالية (القدس عاصمة ثقافية) يتوالى ويتفاعل على أعلى المستويات... وبينما تواصل الهيئة العامة السورية للكتاب، إصدار سلسلة الكتب الشهرية (آفاق مقدسية ثقافية) المخصصة للقدس، والتي يتوقع أن تبلغ الاثني عشر كتاباً بنهاية هذا العام، قامت هيئة الموسوعة العربية التابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة، بإصدار كتاب موسوعي ضخم في حوالي (700) صفحة عن القدس بعنوان (القدس زهرة المدائن) قام بمتابعته ومراجعة مواده د. نجدة خماش.
وصدرّه الدكتور محمد عزيز شكري المدير العام لهيئة الموسوعة العربية بالقول:
(تعتز هيئة الموسوعة العربية إذ تشارك مدينة القدس عاصمة فلسطين باختيارها عاصمة للثقافة العربية عام 2009 بتقديم كتاب (القدس زهرة المدائن) التزاماً بواجبنا القومي تجاه هذه المدينة وأهلها الرازحين تحت الاحتلال الصهيوني)
وطبع التفاؤل الثوري رؤية وإحساس الدكتور شكري الذي مضى للقول في ختام تصديره للكتاب:
(وإنه مما لا شك فيه أن تساؤلات الشاعر العربي الدمشقي نزار قباني في قصيدته (القدس) إذ يقول: من يوقف العدوان؟ من يغسل الدماء عن حجارة الجدران؟ من ينقذ الإنجيل؟ من ينقذ القرآن؟ من ينقذ المسيح ممن قتلوا المسيح؟ من ينقذ الإنسان؟ ستجد الإجابة عنها قريباً بجهود المقاومين من أبنائها، وحماة فلسطين من القادة المخلصين والأحرار عرباً ومسلمين) ورأى كذلك أن: (مراكز الأبحاث والدراسات الغربية تتنبأ بالعودة القريبة للقدس حرة عربية) ومع احترامنا الشديد لهذا الكلام، وإيماننا من قبل بأن القدس هي عربية من قبل ومن بعد... فإنه لم يوضح لنا الدكتور شكري ما هي هذه المراكز الغربية التي تتنبأ بمثل هذه النبوءات السعيدة التي نأمل أن تتحقق بالتأكيد... وهل هي أمنية في نفوسنا نسقطها على مراكز أبحاث الآخرين.. أم مجرد كلام يلقى جزافاً!!
تناول الكتاب جغرافية المدينة وتاريخها القديم والمعاصر بمراحله المتتالية، والحركة الوطنية في مواجهة مساعي التهويد، إضافة إلى ما له صلة بالحياة الثقافية والتربية والتعليم فيها، وركز باستفاضة على صورة القدس في الأدب العربي من شعر وقصة ورواية ومسرحية، كما تناول رؤية الرحالة العرب والأجانب في رحلاتهم إلى القدس، وما دونوه عنها.
وقد شارك في تأليف بحوث الكتاب اثنا عشر باحثاً هم: حسن حميد- محمد صافيتا- محمد الزين- نجدة خماش- محمد رشاد الشريف- توفيق الصواف- عدنان أبو عمشة- علي أبو زيد- عفيف بهنسي- حمد موعد- أحمد سعيد نجم.
ولعل أول ما يلاحظه المرء هو تفاوت لغة الكتاب ومناهجهم في معالجة موضوعاتهم، وتأرجحها بين اللغة العلمية والنقدية، وتلك الممزوجة بكثير من الإنشائية الفائضة... والمعروف أنه في الكتب الموسوعية من هذا النوع، يتم تحديد حجم تقريبي للمادة يلتزم به كافة الكتاب، من أجل حضهم على التكثيف والالتزام بسياق الموضوع من دون استطرادات... بينما نرى في هذا الكتاب... أن المواد تتفاوت ويصل حجم إحداها إلى أكثر من (110) صفحات كما في (القدس في القصة والرواية والمسرحية) التي يتصدرها تقديم غير ضروري عن تاريخ المدينة الذي تمت تغطيته في فصول سابقة!
ورغم أهمية الجهد المبذول في هذه المادة ودقة التحليل النقدي في مجالي القصة والرواية، فثمة خلط غير دقيق بين الأدب المسرحي كنص، وبين العرض المسرحي كجزء من حركة فنية... ومن المعروف أن هناك فوارق كبيرة بين الاثنين... ليس في العرض والتلقي فقط، بل وفي المعايير النقدية التي تطبق على كليهما!
ومن الملاحظ كذلك أن مادة (القدس في الشعر العربي) غلب عليها الوصف والاستعراض التاريخي، من دون أي استنتاجات نقدية هامة، يسعى الباحث من خلالها لتقيم الشعر الذي تناول القدس من الناحية الفنية، ولا يتعامل مع الموضوع بقدسية قومية أو وطنية بمعزل عن مستواه الفني!
ورغم أهمية هذا الكتاب الموسوعي، وجدية ودأب الباحثين في كتابة فصوله، إلا أن الكتاب ينطوي على نواقص يأسف المرء لوقوعها في كتاب من هذا النوع... أبرزها تجاهل التاريخ الفني لمدينة القدس سواء من خلال الحديث عن تاريخ إذاعة القدس التي يأتي الكتاب على ذكرها عرضاً في سياق حديثه عن المسرح، مغفلا دورها الموسيقي والغنائي، حيث كانت هذه الإذاعة قبلة الفنانين العرب في ثلاثينيات القرن العشرين، ومركز إشعاع موسيقي وثقافي عربي رفيع... أو من خلال صورة القدس في فن الغناء العربي، حيث ساهم في تشكيل هذه الصورة قمم الغناء العربي من فيروز والرحابنة إلى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وسعاد محمد ونجاح سلام وفهد بلان وغيرهم.. وأعتقد أن من المعيب على كتاب يستلهم عنوانه (زهرة المدائن) من قصيدة لأغنية رحبانية، ان يغفل دور الأغنية الرحبانية الهام جداً في مواكبة قضية المدينة المقدسة، وترسيخ حضورها في الوجدان العربي بفنية رفيعة!
ومن نواقص الكتاب أيضاً، غياب اللوحات التشكيلية التي رسمها الغربيون للقدس، وهي لوحات شديدة الأهمية لأنها تصور المناخ العربي للمدينة وأهلها منذ أقدم العصور... وكان يجب أن تلحق بالبحث المخصص عن الرحلات إلى القدس... وخصوصاً أن في الكتاب إمكانية لطبع الصور الملونة بشكل راقٍ كما رأينا في الملزمة المخصصة لصور مدينة القدس... كذلك فإن من الضروري بمكان الاهتمام بالتراث الشعبي للمدينة من ملابس وأزياء وغيرها... ولعل هذه النواقص وغيرها تؤكد ما ذهب إليه د. حسن حميد في تقديمه للكتاب حين اعترف أنه (من الصعوبة بمكان أن يحيط كتاب بمفرده بمدونة القدس الباذخة تاريخياً وعمرانياً واجتماعياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً ومعتقدات، ذلك لأن هذه المدينة مدينة مضياف، فقد عرفت ما لم تعرفه سائر المدن الأخر في العالم، وعاشت ما لم تعشه سائر المدن الأخر، ونالت من القداسة والتقدير ما لم تنله حاضرة من حواضر الدنيا)
لكن رغم هذه النواقص، يبقى الكتاب جهداً طيباً ومشكوراً لكل من شارك في إنجازه، وهو تعبير حقيقي عن إيمان السوريين أفراداً ومؤسسات، بالمعنى الحقيقي لاختيار القدس عاصمة ثقافية عربية وهي تحت هذا الاحتلال الاستيطاني البشع!
محمد منصور
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد