دمشق تستضيف لقاءات إيرانية فرنسية
تحت المظلة السورية، تنعقد لقاءات إيرانية فرنسية في دمشق. فمنذ أن طلب الرئيس نيكولا ساركوزي من الرئيس بشار الأسد في الثالث عشر من تموز عام 2008 نقل رسائل إلى إيران، لم يتوقف الطرفان عن تطوير القناة المفتوحة معها، ودبلوماسية موازية لبحث المطالب الحقيقية والاستغناء عن نقل الرسائل، إلى التحدث مباشرة وجهاً لوجه تحت أنظار المضيف السوري.
ورغم أن القناة كانت تعمل ببطء بسبب تردد الفرنسيين في الاستجابة للطلبات الإيرانية، وتباعد مواعيد اللقاءات التي بدأت نهاية الصيف الماضي، إلا أنها لم تتوقف عن العمل على إيقاع تراكم الملفات الخلافية التي كانت تبرز بين باريس وطهران.
وبين الملفات قضية الباحثة الفرنسية كلوتيلد ريس المحتجزة في طهران، والدور الإيراني في أفغانستان، والتوتر على جبهة الملف النووي، والتهديدات الإسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية، حيث يؤدي القطريون دوراً مهماً في نقل الرسائل مباشرة بين الاليزيه والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن طريق ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد.
وقالت مصادر مطلعة إن دمشق استضافت قبل خمسة أشهر لقاءات بين دبلوماسيين أوفدهما إلى العاصمة السورية كل من الاليزيه والرئاسة الإيرانية، ثم عادا قبل ثلاثة أسابيع إلى لقاء آخر لاستكمال المفاوضات وتقديم إجابات، اعتبرت مشجعة من قبل الطرفين، لمواصلة الحوار في تبادل «رهائن الجانبين».
وتحتل قضية ريس حيزاً مهماً في اللقاءات التي ستشهد تطوراً قريباً، بعدما ردت محكمة باريسية طلباً أميركياً لاسترداد المهندس الإيراني مجيد كاكافند، الذي تتهمه الاستخبارات الأميركية بالعمل كواجهة لتزويد البرنامج النووي الإيراني بمعدات يستوردها من شركات أميركية إلى ماليزيا، ومنها إلى طهران. وبفضل اللقاءات الدمشقية، حددت المحكمة الخامس من أيار المقبل موعداً لإصدار قرارها النهائي بشأن السماح له بمغادرة فرنسا وإنهاء إقامته الإجبارية.
وقد تعود ريس إلى باريس من إقامتها الإجبارية في السفارة الفرنسية في طهران عندما يطلق سراح كاكافند، ثم يتبعه على الأرجح علي وكيلي راد، قاتل شاهبور بختيار، رئيس وزراء الشاه الأخير. وأصبح قرار إطلاق سراح راد مرتبطاً بوزير الداخلية بريس هورتفو. وكان القضاة اشترطوا إطلاق سراحه بمجرد أن يتخذ الوزير مرسوماً بإبعاده، إذ لا يحق لهم تحريره وإبقاءه على الأراضي الفرنسية. ويعني ذلك أن مصير الصفقة لم يعد في جزء كبير منه، يرتبط بالقضاء، وإنما بقرارات سياسية، مما يسهل انعقادها وتحقق الغاية من اللقاءات الفرنسية الإيرانية في دمشق.
ولا تقتصر اللقاءات على «الرهائن». بل وتشمل البحث في قضايا العراق وأفغانستان. وتحتل هذه الأخيرة حيزاً مهماً بسبب انخراط ثلاثة آلاف جندي فرنسي في عمليات حلف شمال الأطلسي، وتدريب وحدات الجيش الأفغاني، من دون ان تلوح في الأفق بوادر أي انتصار عسكري أو تسوية سياسية، فيما قد تعود طهران إلى تأدية دور مهم في تسليح بعض أجنحة طالبان، وغض النظر عن نشاط بعض أمراء الحرب الأفغان في المناطق الإيرانية المحاذية لأفغانستان. وكانت واشنطن قد اتهمت طهران على الدوام بالعودة إلى تسليح طالبان.
وتستفيد دبلوماسية الأليزيه بعيداً عن الأضواء والخارجية الفرنسية، من اعتقاد مستجد بأن الفرصة تسنح مرة أخرى للعودة إلى تأدية دور في المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة.
وعلى الرغم من أن لا شيء يشير إلى استئناف هذه المباحثات في زمن قريب، إلا أنه بات راسخاً أن تمسك الأسد بالوسيط التركي وحصره هذا الدور بأنقرة وحدها، لم يعد مناسباً، بعدما أدت المواقف التركية من اسرائيل إثر عدوانها الأخير على غزة، وما تلاه من تداعيات، إلى اعتبار رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وسيطاً غير مرحب به في تل ابيب. وكان الأسد قد رفض طلباً فرنسياً خلال زيارته الأخيرة لفرنسا بالانضمام إلى الأتراك في عملية الوساطة.
وبخسارة الأتراك رصيدهم في سوق الوساطات، يعتقد الاليزيه أن الفرص ارتفعت للعودة إلى طرح مبادرات دبلوماسية جديدة، وتأدية دور ديناميكي بين إسرائيل وسوريا، يبدأ بالعمل على التهدئة في المنطقة، والتحذير من أخطار أي عملية عسكرية قد تقوم بها إسرائيل ضد لبنان.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد