مذابح كيرغيزستان: الخلفيات والنتائج المتوقعة
الجمل: تحدثت التقارير الإخبارية الواردة من منطقة آسيا الوسطى عن سقوط مئات القتلى في مناطق جنوب كيرغيزستان, إضافة إلى نزوح حوالي ربع مليون شخص, وبرغم جم الكارثة الإنسانية, فإن احتمالات خيارات حل الأزمة ماتزال ضئيلة: فإلى أين يسير تدهور الأوضاع في كيرغيزستان, وما هي احتمالات التدخل الخارجي في ظل احتمالات انتقال العدوى إلى بقية المناطق المجاورة؟
توصيف المعلومات الجارية:
شهدت جمهورية كيرغيزستان في يوم 6 نيسان (أبريل) 2010م الماضي اندلاع مظاهرات شعبية غاضبة, أطاحت بنظام الرئيس كرمان بيك بكاييف, وتولت السلطة بدلا عنه زعيمة المعارضة روزا أوتونباييفا, وعلى خلفية انسحاب الرئيس المخلوع كرمان بيك بكاييف إلى مناطق جنوب كيرغيزستان, حيث احتمى بمواطنيه, بدأت عملية تعبئة سلبية فاعلة في أوساط السكان المحليين الموالين له, وعلى وجه الخصوص إثنية الكيرغيز الجنوبيين.
سعت الحكومة الجديدة إلى احتواء الوضع المتوتر في جنوب كيرغيزستان, ولكن جهودها باءت بالفشل, وحتى الآن, وبرغم التحليلات المتزايدة, والتقارير والتسريبات الاستخبارية, فإن بؤرة الأزمة التي تشكلت في جنوب كيرغيزستان, لم تعرف بعد طبيعة "الشرارة" التي أدت إلى انفجار البؤرة واشتعالها, وفي هذا الخصوص نشير إلى التفسيرات الآتية:
• التفسير الأول: يقول بأن أنصار الرئيس المخلوع كرمان بيك بكاييف قد بدأوا في شن المواجهة ضد الحكومة الجديدة, وتمثل المواجهات الدائرة في جنوب كيرغيزستان نقطة البداية, والتي سوف تعقبها عملية التقدم نحو الشمال باتجاه العاصمة بيشكيك.
• التفسير الثاني: يقول بأن عملية الاصطفاف الإثني-العرقي قد بدأت بالفعل قبل أكثر من عشر أعوام, وبأن عمليات التعبئة الإثنية-العدائية قد أخذت شكلا متقدما, بحيث أصبحت الكراهية بين الكيغيز والأوزبك تنطوي على قدر كبير من مشاعر الرغبة في استئصال الآخر, وهو ما حدث بالفعل, خاصة وأن الإطاحة بنظام الرئيس كرمان بيك بكاييف, قد أتاحت الفرصة لجهة إطلاق يد الجماعات الإثنية المتخاصمة وعلى وجه الخصوص الكيرغيز والأوزبك.
• التفسير الثالث: يقول بأن المؤامرة الخارجية هي السبب الرئيسي الذي أشعل شرارة الأزمة, فقد تسلل إلى جنوب كيرغيزستان مجموعة من عناصر المسلحين الكيرغيز, وتحديدا عبر الحدود الكيرغيزية-الأوزبكستانية, وتوزعوا بحيث ذهبت مجموعة إلى أحد الملاهي الليلية وتفاجأ رواد الملهى بوجود جماعة تتحدث الكيرغيزية, وترتدي الثياب الكيرغيزية وتقوم بإطلاق النار على الأوزبك الموجودين في الملهى, وفي مكان آخر تحدثت المعلومات, عن ظهور عناصر ترتدي الثياب الكيرغيزية وتتحدث الكيرغيزية وتقوم بإطلاق النار في بعض المحلات والأماكن العامة ضد السكان الأوزبك, ونفس الشيء حدث على الجانب المقابل, حيث ظهرت العديد من المجموعات التي ترتدي الثياب الأوزبكية وتتحدث الأوزبكية وتقوم بإطلاق النار ضد السكان الكيرغيز.
حتى الآن, لم تستقر التحريات والتحقيقات حول وجهة نظر محددة, ولكن, وكما هو واضح, فإن سبب المواجهات الإثنو-عرقية, الكيرغيزية-الأوزبكية, لم يكن واحدا, وإنما تداخلت العديد من الأسباب والعوامل التي دفعت هذا النوع من العنف الإثنو-سياسي المرتفع الشدة.
سيناريو محور واشنطن-تل أبيب: كيرغيزستان إلى أين؟
تطرقت الكثير من البحوث والدراسات إلى أهمية منطقة آسيا الوسطى بالنسبة لاستراتيجية مشروع الهيمنة الأميركية, وتقول المعلومات والتقارير بأن واشنطن ظلت تابع التطورات الجارية في منطقة آسيا الوسطى منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال دول آسيا الوسطى الخمسة (كازاخستان – تركمانستان – أوزبكستان – طاجيكستان – كيرغيزستان), وذلك لجهة استغلال ظروف هذه البلدان, على النحو الذي يتيح لأميركا التمركز في هذه المنطقة الهامة, والتي تتميز بـ:
• وفرة الموارد المعدنية والنفطية والزراعية.
• الموقع الاستراتيجي الذي يطل على غرب الصين, وجنوب آسيا.
• البنية السكانية غير المستقرة بسبب كثرة العداوات الإثنية.
تقول التسريبات, بأن أميركا قد سعت إلى استصحاب إسرائيل معها في مشروع الهيمنة والنفوذ على آسيا الوسطى, وقد وجه محور واشنطن-تل أبيب ضالته المنشودة في مجتمعات يهود آسيا الوسطى, والموزعين ضمن مجموعات صغيرة بين دولها الخمسة, وأشارت العديد من التسريبات, إلى مدى اهتمام تل أبيب بيهود آسيا الوسطى, وسعي النخب السياسية والدينية الإسرائيلية أضافة إلى الجماعات اليهودية العالمية وجماعات اللوبي الإسرائيلي في أميركا وغرب أوروبا من أجل توفير الدعم المالي والعلمي والثقافي والديني للجماعات اليهودية الموجودة في دول آسيا الوسطى, ولك بما يتيح تعزيز قدرتهم من أجل ممارسة الحضور القومي في مفاعيل عملية صنع واتخاذ القرار السياسي في دول آسيا الوسطى الخمسة.
تقول التقارير والتسريبات, بأن إسرائيل قد قطعت شوطا كبيرا في بناء وإعداد جماعات اللوبي الإسرائيلي في بلدان آسيا الوسطى, وعلى وجه الخصوص في كازاخستان, وطاجيكستان, إضافة إلى كيرغيزستان, أما في أوزبكستان وتركمانستان, فما تزال اللوبيات الإسرائيلية ضعيفة, وذلك بسبب صعود قوة الحركات الإسلامية الجهادية في أوزبكستان, وأيضا بسبب قوة القبضة الحديدية للنظام الحاكم في تركمانستان.
أكدت المعلومات والتقارير أن الجماعات اليهودية في دول آسيا الوسطى, قد تم تنظيم وتنفيذ الترتيبات اللازمة لجهة تعزيز الروابط بينها وإسرائيل, وتحديدا جماعات اليهود الشرقيين الموجودين في إسرائيل, وبتحديد أكثر حزب شاس الإسرائيلي الذي يمثل بؤرة التمركز الديني-السياسي-العرقي لليهود الشرقيين المهاجرين لإسرائيل.
لعبة اللوبي الإسرائيلي في كيرغيزستان بدأت خلال فترة وجود الرئيس السابق عسكر بكاييف, وتحديدا مع الزعيم كرمان بيك بكاييف, والذي كما تقول المعلومات:
• تولى منصب حاكم منطقة جلال أباد الجنوبية.
• تولى منصب رئيس الوزراء خلال خلال فترة الرئيس عسكر أكاييف.
• ساهم سرا في إشعال الثورة الملونة ضد الرئيس عسكر أكاييف.
• تحالف مع الزعيم فيليكس كولوف المرتبط بجماعات اللوبي الإسرائيلي والحليف لمحور واشنطن-تل أبيب.
• جولة الانتخابات العامة التي عقدت على خلفية أحداق الثورة الملونة في عام 2005م, أدت نتائجها إلى صعود كرمان بيك بكاييف إلى منصب الرئيس الكيرغيزي.
• بعد تولي منصب الرئيس أعلن كرمان بكاييف على وجه السرعة عن تعيين فيليكس كولوف في منصب رئيس الوزراء.
برغم وجود القاعدة العسكرية الروسية, فقد سعى بكاييف إلى منح واشنطن مزايا وتسهيلات إقامة القاعدة العسكرية الأميركية الموجودة حاليا في كيرغيزستان, وتقول التقارير بأن هذه القاعدة على المستوى المعلن تستخدم في نقل القوات الأميركية والإمدادات العسكرية الأميركية إلى أفغانستان, ولكنها على المستوى غير المعلن, يتم استخدامها في إعداد وتدريب الجماعات المسلحة ذات التوجهات الموالية لمحور واشنطن-تل أبيب, وفي هذا الخصوص فقد كشفت المعلومات قبل بضعة أشهر, بأن عبد الملك ريفي زعيم حركة جند الله المسلحة الناشطة في إقليم بلوشيستان الإيراني, قد اعتقلته السلطات الإيرانية بعد اعتراضها للطائرة الخاصة التي كانت تنقله من إحدى بلدان الخليج, وتبين أنه كان في طريقه إلى كيرغيزستان, من أجل عقد لقاء في داخل القاعدة العسكرية الأميركية مع بعض المسئولين المخابراتيين الأميركيين والإسرائيليين..
بحلول مطلع عام 2010م, تفاقمت الأزمة السياسية في كيرغيزستان, وكان واضحا أن استمرار وجود الزعيم كرمان بيك بكاييف لم يعد ممكنا, وبالفعل, وعلى وجه السرعة, تولت الأحداث العاصفة التي اطاحت بالرئيس كرمان بيك بكاييف, وصعدت إلى مكانه الزعيمة روزا أوتونباييفا التي تولت في مطلع نيسان (أبريل) 2010م الماضي منصب رئيس الحكومة الموقتة, إلى حين إجراء التعديلات الدستورية, وإجراء الانتخابات العامة.
تقول المعلومات والتقارير بأن الزعيمة روزا أوتونباييفا كانت من الناشطين في الحزب الشيوعي خلال فترة الاتحاد السوفييتي السابق, ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي أصبحت من كبار الناشطين في حركة الثورات الملونة, إضافة إلى نجاحها في بناء الروابط مع الأميركيين والإسرائيليين خلال فترة توليها منصب السفير الكيرغيزستاني في أميركا, ثم توليها بعد ذلك بعض المناصب الرفيعة في المنظمات الدولية الناشطة في منطقة البلقان والقوقاز, وتحديدا في جورجيا, وبكلمات أخرى, فإن الزعيمة روزا أوتونباييفا التي تتولى حاليا منصب الرئيس الكيرغيزي هي أيضا ليست بعيدة عن محور واشنطن-تل أبيب, بدليل أنها قامت بتقديم الموافقة على تجديد فترة وجود القاعدة العسكرية الأميركية في كيرغيزستان برغم معارضة العديد من الأطراف الداخلية والإقليمية.
محور واشنطن-تل أبيب: كيرغيزستان ولعبة الانتظار
نظرت العديد من التحليلات والتقارير بالمزيد من الشك والريبة إزاء ردود الأفعال الدولية والإقليمية لأزمة الصراع الكيرغيزي المندلع حاليا:
• موسكو أعلنت رفضها الصراع لجهة القيام بأي تدخل عسكري.
• واشنطن أعلنت بأنها سوف تستمر في مراقبة الأوضاع عن كثب.
• الصين اكتفت بالصمت البارد الذي يخفي وراءه الشكوك والقلق.
أما ردود فعل الأحلاف العسكرية الإقليمية, فلم يكن بأفضل من ردود أفعال القوى الدولية الثلاثة:
• منظمة معاهدة الأمن الجماعي لم تتطرق للأوضاع المتدهورة في كيرغيزستان, برغم أن كيرغيزستان عضو مؤسس, إضافة إلى أن لهذه المنظمة العديد من القوات والوحدات العسكرية المتمركزة في مناطق جنوب لاوسيا, وتحديدا في مواجهة الحدود الجورجية.
• منظمة حلف الناتو, أبدت المزيد من المخاوف والقلق إزاء احتمالات أن تنتقل عدوى الأوضاع المتدهورة من كيرغيزستان إلى شمال أفغانستان, حيث توجد أعداد أكبر من الأوزبك إضافة إلى احتمالات أن يصل الأمر لجهة التأثير سلبا على فعاليات القاعدة العسكرية الأميركية الموجودة في كيرغيزستان, بما يؤثر سلبا على إمدادات قوات حلف الناتو المنتشرة في مسرح الحرب الأفغانية.
• مجلس الأمن الدولي: لم يحرك ساكنا, وعلى ما يبدو أن وجود الفيتو الأميركي والفيتو الروسي والفيتو الصيني, قد منعه من السعي لجهة احتواء الأوضاع المتدهورة, خاصة وأن لمثلث بكين-واشنطن-روسيا مصالح متعاكسة في كيرغيزستان.
برغم أن التحليلات والتقارير قد ركزت على تأثير العامل الخارجي للصراع الكيرغيزستاني في ملف النفوذ الأميركي على آسيا الوسطى والنفوذ الروسي في آسيا الوسطى, فإن هذه التحليلات قد أهملت الجانب الأكثر خطورة والذي يتعلق بملف الصراع الصيني الداخلي, ويمكن الإشارة إلى هذا الجانب على النحو الآتي:
• ترتبط كيرغيزستان بحدود طويلة مع منطقة شمال غرب الصين ويبلغ طول الشريط الحدودي الكيرغيزي-الصيني أكثر من 500 كم عبر المناطق الجبلية الشديدة الوعورة.
• تقع في شمال غرب الصين مقاطعة سينكيانج, والتي تقطنها أعداد كبيرة من من المسلمين الإيغور والكيرغيز المسلمين المطالبين بالانفصال عن الصين وتكوين مهورية تركستان الشرقية.
• توجد العديد من الفصائل المسلحة المعارضة الصينية المتمركزة في كيرغيزستان, والتي ظلت القاعدة العسكرية الأميركية تقدم لها الدعم والسند, لجهة إعدادها من أجل شن حرب العصابات داخل مقاطعة سينكيانج الصينية, وتقول التقارير والتسريبات بأن الخبراء الإسرائيليين يعملون جنبا إلى جنب مع نظرائهم الاميركيين في تدريب وإعداد الحركات الصينية المسلحة.
حتى الآن, وبرغم وصول بعض إمدادات المساعدات الإنسانية للسكان الأوزبك النازحين من جنوب كيرغيزستان باتجاه حدود أوزبكستان, فإن احتمالات التدخل الأميركي أو التدخل الروسي ما تزال غير متوقعة.
إضافة إلى أن احتمالات تدخل الأحلاف الإقليمية غير واردة ولكن ما هو واضح ومتوقع أن الصين سوف لن تصمت كثيرا, إذا تزايد تدهور الأوضاع بما يمهد بتفكيك بلدان آسيا الوسطى المجاورة لها, وتحديدا كيرغيزستان وطاجكستان, وهو التفكيك الذي يسعى لإحداثه محور واشنطن-تل أبيب, وعلى ما يبدو فإن موسكو أصبحت تنظر إلى ما يجري في كيرغيزستان من تدهور باعتباره يشكل خطرا ثانويا لاستقرار أمن مناطق جنوب روسيا, طالما أن كازاخستان بأراضيها الشاسعة وسكانها الكازاخ المتماسكين سوف تظل تشكل المنطقة العازلة التي تفصل بين روسيا وكل من كيرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد