دور المنظمات الدولية في دعم الحقوق العربية
الجمل: تزايدت خلال الفترة الماضية التقارير والتحليلات التي تحدثت عن الناشطين الإقليميين والدوليين, والأدوار الهامة التي ظلوا يقومون بها, هذا, وقد درجت العادة على استخدام مصطلح المنظمات غير الحكومية, في معرض الإشارة إلى الكيانات التنظيمية التي ينطوي تحت لواءها هولاء الناشطين: فما هي طبيعة هذه المنظمات، وماهي أهمية دورها الوظيفي، وكيف تعمل سياقاتها المؤسسية، وماهي تداعياتها على التفاعلات الإقليمية والدولية الحالية والمستقبلية؟
- المنظمات غير الحكومية: الأبعاد السياسية والوظيفية:
ظهرت تسمية منظمات غير حكومية إلى حيز الوجود خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وتزامنت مع نشوء الأمم المتحدة, وفي هذا الخصوص تشير التفسيرات إلى أن السبب الرئيسي لقيام هذه المنظمات هو رغبة المجتمع الدولي آنذاك في تحقيق الآتي:
- الفصل التام بين المنظمات ذات الطابع الحكومي والتي تخدم مصالح الحكومات, والمنظمات غير الحكومية التي تخدم المصالح المرتبطة بالقضايا العامة.
- إنفاذ معايير المجتمع الدولي القائمة على تطبيق مبدأ الإعتراف المتساوي إزاء المنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية.
- تحديد الإختصاصات والصلاحيات إضافة إلى تحقيق الإحترام المتبادل بين المنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية على أساس اعتبارات الإستقلالية وعدم تضارب الاختصاصات.
بدأت العديد من المنظمات غير الحكومية أنشطتها خلال الفترة الماضية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية, وبدءاً من تلك اللحظة وحتى الآن, تزايدت أعداد المنظمات غير الحكومية, إضافة إلى أنها أصبحت أكثر اعتماداً على عامل المبادرة والعمل الطوعي في كافة المجالات. إضافة لذلك لم تتطور السياقات المؤسسية الخاصة بالمنظمات غير الحكومية , وإنما تطورت سياقاتها الوظيفية بما أدى إلى جعلها تمثل عاملاً فاعلاً لجهة التأثير في الملفات والقضايا العابرة للحدود ذات الطابع الإقليمي والدولي.
- النسق الإقليمي الشرق أوسطي: هل من فاعل دولي جديد؟
على خلفية حرب جنوب لبنان صيف عام 2006م, وحرب قطاع غزة شتاء عام 2009م, برزت بشكل متزايد بعض المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال الحقوق الإنسانية والقانونية, وعلى وجه الخصوص في بلدان غرب أوروبا, وهي أكثر اهتماماً لجهة القيام بردع الإنتهاكات الإسرائيلية المتزايدة في المنطقة, وفي هذا الخصوص برزت إهتمامات وتحركات هذه المنظمات لجهة القيام بالآتي:
- تحريك عمليات التعبئة الفاعلة في أوساط الرأي العام الأوروبي والعالمي من أجل إدانة الجرائم الإسرائيلية.
- تحريك الملفات القضائية لجهة ملاحقة القادة الإسرائيلين وتقديمهم للعدالة الجنائية عن الجرائم والإنتهاكات التي ظلت ترتكبها القوات الإسرائيلية في المنطقة.
- إجراء العديد من ورش العمل والندوات والأنشطة الإعلامية لجهة تنوير الرأي العام بالجرائم الإسرائيلية.
هذا, وعلى خلفية العدوان العسكري الإسرائيلي الأخير ضد قافلة الحرية التي سعت لكسر الحصار على غزة وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين المحاصريين, برز إلى الوجود في منطقة الشرق الأوسط, فاعل جديد هو المنظمات الدولية غير الحكومية.
المثير للإهتمام, أن الأطراف العربية لم تسع حتى الآن, لمتابعة ورصد ظاهرة المنظمات الدولية غير الحكومية, وتحديد إستراتيجية عربية للتعامل معها بما يتيح توظيفها بالشكل المطلوب والفاعل في معركة الصراع العربي- الإسرائيلي.
يعود الضعف العربي المتعلق بعدم القدرة على تفعيل إستراتيجية توظيف المنظمات الدولية غير الحكومية إلى العديد من الأسباب, والتي يعود معظمها إلى الآتي:
- ضعف الإدراك: معظم الكوادر الدبلوماسية العربية تعاني من الضعف المتزايد في الأمور المتعلقة بمعرفة اللغات الأجنبية, وثقافة الصراع الدولي, وعدم الإلمام الكافي بمعطيات علم السياسة الخارجية و الدبلوماسية.
- التعامل السطحي: تتعامل الدبلوماسيات العربية بشكل سطحي مع المنظمات الدولية غير الحكومية, وفي أحسن الأحوال تقتصر مشاركة الدول في الإحتفاظ بمبعوث ليقوم بدور الممثل الذي يكتفي بالجلوس دون أن يقدم شيئاً ملموساً.
- الإنغلاق: تتعامل الدبلوماسيات العربية, بشكل منغلق مع معظم المنظمات الدولية غير الحكومية, وعلى سبيل المثال لا الحصر, فإن الكثير من وزارات الخارجية العربية لاتهتم بتقديم المعلومات أو حتى الرد السليم لإنتقادات المنظمات الدولية غير الحكومية.
سعت إسرائيل خلال الحقب الممتدة من لحظة الإعلان في عام 1948م وحتى الآن إلى استغلال وتوظيف المنظمات الدولية غير الحكومية, وذلك على النحو الذي أتاح للإسرائيلين فوائدً ومكاسب هائلة, وطوال هذه الفترة ظلت الدبلوماسيات العربية غائبة تماماً عن ساحة أنشطة وفعاليات المنظمات الدولية غير الحكومية, وفي معظم الأحوال ظلت الحكومات العربية تكيل المزيد من الاتهامات لهذه المنظمات لجهة وصفها بالإرتباط بالصهيونية والإمبريالية العالمية وماشابه ذلك من المصطلحات ذات التقنية الجيو- سياسية المرتفعة الشدة.
على خلفية غياب الدبلوماسيات العربية, حقق الإسرائيلون تفوقاً غير مسبوق, بحيث لم يكتفوا بتشكيل وإقامة المزيد من المنظمات الدولية غير الحكومية التي تقوم بدور الواجهة الإسرائيلية وحسب وإنما استطاعو أيضاً أن يتغلغلوا في القوام المؤسسي الخاص بالعديد من المنظمات الدولية غير الحكومية, وعلى سبيل المثال لا الحصر:
- منظمة العفو الدولية: تغلغل العديد من الخبراء اليهود, وأصبحوا يقومون بإعداد التقارير التي تبالغ في انتقاد أوضاع حقوق الإنسان في البلدان الشرق أوسطية التي تستهدفها إسرائيل.
- منظمة الصليب الأحمر الدولي: تغلغل العديد من الخبراء اليهود, وأصبحوا يعدون التقارير المفبركة، ويقومون بتوجيه المعونات والمساعدات الإنسانية التي تقدمها هذه النظم بما يخدم المصالح الإسرائيلية, وفي هذا الخصوص نشير إلى مدى التجاهل والنظرة الضيقة التي تعاملت بها منظمة الصليب الأحمر الدولي مع ضحايا حرب جنوب لبنان, وضحايا حرب قطاع غزة, والضحايا الفلسطينين الذين يسقطون يومياً بسبب الإنتهاكات الإجرامية الإسرائيلية.
التغلغل الإسرائيلي لم ينحصر فقط في مجال المنظمات الدولية غير الحكومية ذات الطابع المدني المستقل الصرف, وإنما اتجه هذا التغلغل إلى المنظمات الدولية المرتبطة بالأمم المتحدة, مثل وكالة الطاقة الذرية العالمية, والمنظمات التابعة لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان, وشؤون اللاجئين والإغاثة, وما يحدث من اختلال واعتلال في منظمة إغاثة اللاجئين الفلسطينين (الأونروا) يمثل في أحد جوانبه مؤشراً بارزاً على ظاهرة التغلغل الإسرائيلي, وبإلقاء نظرة على محتوى المناهج التعليمية التي تعتمدها مدارس الأونروا لتعليم الأطفال الفلسطينين نلاحظ أن هذه المناهج قد تمت كتابتها بدقة تنسجم تماماً مع المفاهيم الإسرائيلية.
- محاربة إسرائيل في مسرح المنظمات الدولية غير الحكومية: مأزق وزارات الخارجية العربية.
حتى الآن, لم تسع أي وزارة خارجية عربية من أجل إعداد واعتماد (قواعد اشتباك) حقيقية فعالة لمكافحة الخطر الإسرائيلي في مسرح المنظمات الدولية غير الحكومية. وحالياً, توجد العديد من المؤشرات الإيجابية التي تفيد لجهة إمكانية نجاح الدبلوماسيات العربية لجهة مواجهة الإسرائيلين, ومن أبرز هذه المؤشرات نجد الآتي:
- توافر الذرائع: استشراء الجرائم الإسرائيلية في المنطقة بكم هائل من المعلومات التي يمكن استخدامها وتوظيفها في بناء حملة الذرائع ضد الإسرائيلين في أوساط المنظمات الدولية غير الحكومية, ويندرج ضمن ذلك العديد من التقارير والبيانات الموثقة قانونياً ودولياً، ولا حاجة بنا لأن نشير إلى تقرير غولدستون.
- الإنفتاح المعلوماتي: أدى تطور تكنولوجيا الإتصالات إلى سهولة بث المعلومات الجارية وفي وقتها الزمني المحدد, وفي هذا الخصوص, يتوجب توظيف الفضائيات وشبكات الفضائيات العربية والعالمية, بل و وسائط الصحافة الإلكترونية.. هذا, وحتى الآن لم تسع أي وزارة خارجية عربية إلى تزويد الفضائيات والمواقع الإلكترونية العربية بالمعلومات الضرورية اللازمة لتفعيل المواجهة ضد الإسرائيلين بالشكل المطلوب لجهة التأثير على الرأي العام الدولي باعتباره المفتاح الرئيسي في التأثير على المنظمات الدولية غير الحكومية المدنية.
كثيرة هي إخفاقات الدبلوماسيات العربية, والتي لم تسع حتى الآن إلى تصحيح توجهاتها وحسب، وإنما أمعنت في الاهتمام بتفعيل جهودها في إثارة الخلافات الدبلوماسية العربية- البينية, ومن السخرية بمكان أن نشير إلى أن ما حصلت عليه الدبلوماسيات العربية مؤخراً من مكاسب بسبب معركة كسر الحصار ضد غزة، هي مكاسب حدثت حصراً بسبب جهود المنظمات غير الحكومية التركية وجهود بعض المنظمات الدولية غير الحكومية الأخرى.. فهل ستسعى الدبلوماسيات العربية إلى انتهاج وتبني موقفها التقليدي الذي ظل ينظر إلى المنظمات الدولية غير الحكومية باعتبارها منتديات لحضور الأعضاء وإلتهام وجبات "غداء العمل" في الفنادق الفخمة، أم أن الدبلوماسيات العربية سوف تسعى إلى التعامل بإيجابية مع هذه المنظمات والتي أكدت "دماء الأتراك" بأنها منظمات هامة للغاية!!
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد