الأسلمة والتنافس على (الخلافة الرابعة) بين أنقرا والرياض
الجمل: سعت كل من أنقرا والرياض لجهة القيام بتوظيف موجة الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية، وذلك على أساس اعتبارات أن صعود تيار الإسلام السياسي التي سوف تتيح لأنقرا والرياض قدرة القيام بدور القائد الإقليمي الشرق أوسطي: فما هي حقيقة الطموحات التركية، والطموحات السعودية، وما مدى مصداقية أنقرا والرياض في تحقيق هذه الطموحات على أرض الواقع، وكيف يمكن قراءة مشروع النفوذ التركي ومشروع النفوذ السعودي، وإلى أين وصل كل طرف الآن، وهل أصبح الطرفان الآن في خانة الرابحين أم في خانة الخاسرين؟
* إشكالية الوزن الإقليمي: رهانات الإسلامي المدني، والإسلام السلفي
انطلقت فعاليات الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية في تونس وأعقبتها مصر، بما أدى إلى إسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي التونسي، وإسقاط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، وتأسيساً على ذلك، فقد أدى سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك إلى إفساح المجال أمام السؤال الرئيسي القائل: هل ستستطيع القاهرة استعادة وزنها الإقليمي الذي كان لها قبل اتفاقيات كامب ديفيد؟ أم أنها سوف تغرق أكثر فأكثر في مستنقع المشاكل السياسية والاقتصادية والتبعية للقوى الخارجية؟ الأمر الذي أدى إلى توليد سؤال آخر أكثر أهمية حول مستقبل النظام الإقليمي الشرق أوسطي، وتحديداً من سيتولى مكان القائد الإقليمي، هل أنقرا أم الرياض؟
انفتحت شهية حزب العدالة والتنمية لجهة ممارسة النفوذ واستعادة المكانة العثمانية القائدة في الشرق الأوسط، وإن كان ذلك ضمن نسخة جديدة تنسجم مع الوقائع والمعطيات الجديدة، ونفس الشيء بالنسبة للرياض، والتي رأت أن الفرصة متاحة لإقامة ما يمكن أن نطلق عليه تسمية "الخلافة الرابعة" والتي سوف تسعى لتجديد الخلفات الإسلامية الثلاثة السابقة: الخلافة الأموية ـ الخلافة العباسية ـ والخلافة العثمانية. وفي هذا الخصوص فقد أشارت المعطيات إلى الآتي:
• قيام أنقرا بجهود دعم حركات الاحتجاج السياسي الشرق أوسطية، عن طريق استخدام الأحزاب السياسية ذات التوجهات الإسلامية المشابهة لتوجهات حزب العدالة والتنمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: حركة العدالة والبناء السورية ـ حزب العدالة والحرية المصري ـ حزب العدالة والتنمية المغربي، وما شابه ذلك.
• قيام الرياض بجهود دعم حركات الاحتجاج السياسي الشرق أوسطية، عن طريق استخدام الأحزاب السياسية ذات التوجهات السلفية، مثل حزب النور المصري.
هذا، وتشير المعطيات والوقائع إلى أن أنقرا لجأت إلى القيام بعمليات الدعم المباشر والعلني لحلفائها الإقليميين. أما الرياض، فقد لجأت إلى استخدام الدعم غير المعلن، وتحديداً عن طريق الـ(بروكسي) القطري، الذي ظل يقدم السند الإعلامي والدبلوماسي، إضافة إلى توصيل الدعم المالي واللوجستي.
* خارطة طريق الصعود الإقليمي: الصراع أم التحالف
تقول المعلومات الجارية، بأن خارطة الصعود الإقليمي، أصبحت أكثر تعقيداً، وذلك بسبب الآتي:
• دخول أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، الأمر الذي دفع كلاً من الرياض وأنقرا إلى الأخذ في الاعتبار القيام برعاية مصالح هذا المثلث، والتي يتمثل أبرزها في "أمن إسرائيل".
• الفشل في ممارسة السيطرة الفعلية على التطورات الميدانية الجارية في كل من تونس ومصر وليبيا، وحالياً تشير الوقائع إلى أن ما يجري حالياً في هذه البلدان لا ينسجم مع توجهات الرياض وأنقرا.
• عدم القدرة على التعامل بمصداقية مع تطورات الأحداث والوقائع، وبالذات فيما يتعلق بغض النظر عن الأحداث والوقائع الجارية في الساحة البحرينية، والساحة اليمنية.
• السعي لجهة القيام بحماية أمن الأنظمة الداعمة لأمريكا، في المملكة الأردنية والمملكة المغربية.
وإضافة لذلك، تقول التحليلات، بأن طموحات الرياض وأنقرا قد اصطدمت بالصخرة السورية، والتي كما هو واضح، أصبحت عصية على أن تتحطم، برغم الدور الأمريكي الفرنسي البريطاني الداعم لجهود أنقرا والرياض، وتقول التحليلات، بأن عواصم واشنطن ـ لندن ـ باريس ـ أنقرا ـ الرياض، لم تدرك جيداً محتوى المقال التحليلي الهام الذي أعده الخبير الاستراتيجي الأمريكي ريتشارد هاس، والذي قال فيه بالحرف الواحد: إن سوريا سوف تكون نقطة النهاية في الربيع العربي، وبكلمات أخرى، إن الربيع العربي سوف ينتهي في سوريا.
* صراع النفوذ الإقليمي الشرق أوسطي: حسابات الربح والخسارة
تشير التحليلات الجارية، إلى أن أنقرا والرياض سوف تواجهان خلال الأسابيع المقبلة تداعيات حسابات الربح والخسارة التي تترتب على معارك النفوذ الإقليمي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• الموقف بالنسبة للرياض: تقول المعلومات والتقارير بأن الرياض سعت منذ بداية الأمر إلى تطبيق لعبة أن الكأس نصف المليء هو بالضرورة كأس نصف فارغ، وفي هذا الخصوص سعت إلى التعامل مع الحدث الاحتجاجي الشرق أوسطي على النحو الآتي:
ـ إنفاق الأموال الطائلة، وهو ما حدث بالفعل، فقد سعت الرياض إلى دعم كل الحركات السلفية بالأموال والقدرات المختلفة.
ـ توظيف قدرات حلفاء واشنطن، وفي هذا الخصوص فقد سعت الرياض لجهة توظيف فعاليات دبلوماسية الوكالة القطرية، وإعلام الوكالة القطري. إضافة إلى البقاء تحت مظلة التحركات الدبلوماسية الأمريكية الفرنسية البريطانية.
• الموقف بالنسبة لأنقرا: تقول المعلومات والتقارير بأن أنقرا سعت منذ البداية إلى تطبيق لعبة أن "الكأس المليء هو بالضرورة كأس غير فارغ"، وفي هذا الخصوص فقد تقدمت أنقرا وتعاملت بشكل معلن، مشيرة إلى أن دعمها المفتوح والعلني للفعاليات الاحتجاجية السياسية الشرق أوسطية، وبالذات السورية وقبلها الليبية. وفي هذا الخصوص فقد تعاملت أنقرا مع الحدث الاحتجاجي الشرق أوسطي على النحو الآتي:
• استضافة فعاليات حركات المعارضة الاحتجاجية السياسية إضافة إلى عدم التردد في تسهيل فعالياتها العسكرية والأمنية.
• التعاون مع حلف الناتو، وذلك على أساس اعتبارات أن أنقرا تتمتع بالمكانة الرائدة في هذا الحلف.
• تصعيد لهجة الاستعلاء والعجرفة التركية بما يتيح لأنقرا الظهور بمظهر الوصي على الشرق الأوسط.
تشير معادلة حسابات الربح والخسارة إلى النتائج الآتية:
• تورط الرياض في فعاليات الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية، كبّد المملكة العربية السعودية وحلفاءها الخليجيين المزيد من الأموال الطائلة.
• تورط أنقرا في فعاليات الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية كبّد تركيا المزيد من الخسائر الدبلوماسية والرمزية السياسية.
هذا، وتقول المعلومات، بأن الرياض نجحت في استخدام "الدوحة" كغطاء" وواجهة أمامية، وحالياً يمكن الإشارة إلى أن الخسائر الدبلوماسية والرمزية السياسية سوف تتكبدها قطر نيابة عن السعودية، وهو الأمر الذي لم يحدث في الحالة التركية.
وإضافة لذلك، فإن تركيا سوف تواجه المزيد من الخسائر المتسلسلة، وذلك بسبب تورطها السافر في فعاليات الاحتجاجات السورية، وحالياً تقول المعلومات والتقارير بأن جنوب تركيا سوف يشهد أزمة اقتصادية كبيرة بسبب ارتباك حركة النقل التجاري العابرة للحدود بفعل انغلاق الممر الاستراتيجي الحيوي السوري، وأضافت التسريبات بأن أنقرا تحاول حالياً إيجاد البديل المناسب، وذلك عن طريق الآتي:
• تسيير خط ملاحي بين تركيا ومصر.
• تسيير خط بري بين تركيا والعراق.
وبرغم إمكانية قيام أنقرا بذلك، فإن كل الحسابات تقول بأن الخط الملاحي التركي ـ المصري، سوف تترتب عليه المزيد من التكاليف الباهظة، المتعلقة بالشحن في الموانئ التركية، والتفريغ في الموانئ المصرية. ثم الشحن والتوزيع بعد ذلك، أما بالنسبة للخط البري التركي ـ العراقي، فإن المسافة التي سوف تعبرها الناقلات سوف تكون أطول وتستغرق فترة أكبروتكاليف أكثر، إضافة إلى تزايد احتمالات مواجهة المخاطر في مناطق شمال ووسط وجنوب العراق.
وتأسيساً على ذلك أشارت آخر الدراسات الاستراتيجية الصادرة بواسطة المعهد الألماني للعولمة والدراسات المناطقية، إلى أن أنقرا سوف تخسر كثيراً بسبب تورطها في فعاليات الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية، ونفس الشيء أشار إليه الخبير الاستراتيجي كامرافا، بجامعة جورج واشنطن، عندما تحدث في ورقته البحثية الأخيرة قائلاً بأن السعودية تنخرط حالياً في معركتين، الأولى معلنة وهي حماية نفسها والبلدان الخليجية والأردن والمغرب من مخاطر الاحتجاجات، وفي نفس الوقت القيام سراً بتقديم الدعم لحركات الاحتجاج السياسي الناشطة ضد سوريا على غرار ما فعلت مع الحركات التي نشطت ضد نظام القذافي الليبي، وبرغم ذلك، فإن خسارة تركيا سوف تكون هي الأكبر والأكثر خطورة، وذلك لأن أهمية سورية وإيران بالنسبة لأنقرا هي أهمية لا تقدر بثمن. إضافة إلى أن العراق نفسه لن يصلح أن يكون بديلاً لإيران وسوريا، وذلك لأن القوى السياسية المسيطرة في العراق، هي قوى حليفة لإيران وسوريا. وإضافة لذلك، فإن لبنان لن يكون حليفاً لتركيا، ولا حتى مصر، إضافة إلى أن ليبيا أصبحت الآن تواجه شبح الحرب الأهلية الأمر الذي يحمل تركيا المزيد من المسؤولية. وإذا حدث ونجحت ليبيا في تحقيق الاستقرار، فإن فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا لن تترك ليبيا لأنقرا. إضافة إلى أن أنقرا نفسها لا تملك مؤهلات منافسة عواصم الاتحاد الأوروبي في ليبيا وبقية مناطق الشرق الأوسط.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد