10 إخفاقات تاريخية للـ"سي آي ايه" أبعد من الهفوات التكتيكية
كان كافياً أن يطل بول بيلر، العميل القديم في وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي ايه"، عبر مجلة "فورين بوليسي" في مقال مؤيد للمؤسسة التي خدم فيها 28 عاما، بعنوان "لإعادة التفكير في دور الاستخبارات"، ليزيد السجال الأميركي الداخلي حول دور الوكالة، حدّة وصخباً. ربما تعتبر الضربة الموجهة للـ"سي آي ايه" لبنانياً، اثر كشف حزب الله قبل أسبوعين عن عملاء لها بالأسماء والتواريخ والأهداف متهماً إياهم بالتجسس لمصلحة إسرائيل، الأحدث في سجل الفضائح التي طالت الاستخبارات الأميركية، هذا إن لم تُؤخذ "أخطاء" الطائرات الأميركية بدون طيار، التي تحدث هنا وهناك وبشكل شبه دائم، بالاعتبار، غير ان السجال الحاصل في أروقة الإدارة الأميركية أبعد من ذلك. هو جدلٌ ينعكس في صفحات الجرائد ويبدو غير معزول عن محطات تاريخية أميركية مهمة، بدءا بهجوم "بيرل هاربر" ووصولا إلى "غزو العراق"، وهو ما ظهر جليا في ردّ الباحث الاميركي يوري فريدمان على بيلر، عبر المجلة ذاتها.
"يتخذ الرؤساء الأميركيون قرارات مبنية على معلومات الاستخبارات".. "معلومات استخباراتية خاطئة أدت إلى حرب العراق".. "أخطاء الاستخبارات شوّهت سياسة أميركا الخارجية".. "قللت الاستخبارات من أهمية تنظيم القاعدة ما قبل أحداث 11 ايلول".. "تحسّن أداء الاستخبارات بعد أحداث 11 ايلول".. "الاداء الاستخباراتي الجيد بإمكانه إنقاذنا من المفاجآت السيئة"... أفكار يتبناها منتقدو الـ"سي آي ايه" في الولايات المتحدة بشدة، إلا ان بول بيلر ينقضها بالكامل معتبراً ان المشكلة ليست في دور الاستخبارات بل في دور القادة السيئ. فالمسؤولون الكبار يعتمدون وفق بيلر، على حسّ القيادة لديهم وعلى فريق عمل خاص بهم وان إخفاقهم كقادة قد يقحمهم في حروب على غرار ما حصل العام 2003، يوم غزا الرئيس السابق جورج بوش العراق تبعاً لحسابات لم تتلاق مع تقارير استخباراتية رأت في العام 2001 ان لا أسلحة كيميائية أو بيولوجية لدى الرئيس الراحل صدام حسين. كذلك، رأى بيلر ان إخفاقات الاستخبارات الاميركية في القرن العشرين لم تؤثر في صورة أميركا، مذكرا بـ"إنجازات الوكالة التي توقعت حرب الأيام الستة العام 1967 بين اسرائيل والعرب فضلا عن الانتصار الذي حققه الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنري كيسنجر العام 1973 اثر الحرب المصرية - السورية ضد اسرائيل اذ ساهما في تحويلها إلى سلام مصري - اسرائيلي بعد ذلك... أما عن "القاعدة"، فاعتبر بيلر ان الـ"سي آي ايه" لم تتخاذل في هذا الشأن ما قبل هجمات 11 ايلول 2001، اذ كانت في الفترة السابقة تعمل على "فهم" اسامة بن لادن، ولو كان خطأها "تكتيكيا"...
قراءة لأداء الاستخبارات الأميركية استفزّت الباحث يوري فريدمان الذي ردّ على مقال بيلر، مفنّداً 10 أخطاء تاريخية "مخزية" للوكالة وليس للرؤساء، يضاف إليها خطآن لم يمرّ عليهما الوقت، وهما الفشل في توقع الربيع العربي، والغياب الكامل عن سيناريو وفاة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ ايل:
أولا، هجوم "بيرل هاربر". مع بزوغ فجر 7 كانون الأول 1941، ضربت اليابان الأسطول الأميركي في منطقة المحيط الهادئ في بيرل هاربر، في هاواي، ما دفع أميركا بتهوّر الى الحرب العالمية الثانية. لم تكن القاعدة البحرية مستعدة تماما للمعركة، على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت قد تمكنت من فك شفرة الدبلوماسية اليابانية في واشنطن ما قبل الهجوم، كما أن الملحق العسكري في جافا كان قد حذر من الهجوم الياباني، فضلا عن تحذير كل من الفلبين وتايلاند من الأمر ذاته، وهذا ما أظهر استخفاف الأميركيين بشهية اليابان على مثل هذه العملية.
ثانيا، غزو خليج الخنازير. في نيسان 1961، انحرفت جهود وكالة الاستخبارات الأميركية التي خططت بالتنسيق مع المنفيين الكوبيين لإسقاط نظام فيدل كاسترو، بشكل فظيع عن أهدافها. لم تتوقع إدارة جون كينيدي يومها أن يفشل الهجوم الجوي (للكوبيين الذين تدعمهم واشنطن) اثر تعرض اللواء الكوبي 2506، لحظة الهبوط قبالة السواحل الجنوبية، لإطلاق نار كثيف من الجيش الكوبي.
ثالثا، "هجوم تيت". في 31 كانون الثاني 1968، فاجأت قوات فيتنام الشمالية الشيوعية الولايات المتحدة بهجوم المنسق والواسع على فيتنام الجنوبية. وبالرغم من المكاسب العسكرية الشيوعية العابرة، كان "هجوم تيت" المعركة الأكثر حسماً في فيتنام. في ذلك الحين، كان الأميركيون قد سئموا الحرب، ما دفع بصانعي السياسة الأميركية للتركيز على "تقليص" بصمات أميركا في فيتنام. وخلص تحقيق للحكومة الأميركية بعد وقت قصير من "هجوم تيت"، إلى ان الولايات المتحدة وضباط الجيش الفيتنامي الجنوبي ومحللي الاستخبارات فشلوا تماما في توقع "شدة هجوم العدو وتوقيته وترتيبه"، رغم التحذيرات.
رابعا، حرب "يوم الغفران" (حرب تشرين). بعد ست سنوات فقط على تحليل وكالة الاستخبارات حرب الأيام الستة بين إسرائيل والدول العربية في العام 1967، شنت القوات المصرية والسورية هجمات منسقة على القوات الإسرائيلية في صحراء سيناء ومرتفعات الجولان خلال عطلة يوم الغفران اليهودية. أما الوثائق التي جمعتها جامعة "جورج واشنطن" في أرشيف أمني، فكشفت أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية اعتقدت أن القوة العسكرية لإسرائيل متفوقة وقادرة على ردع جيرانها العرب، وان الـ"سي آي ايه" ستواصل "التقليل من احتمال حدوث هجوم عربي على إسرائيل".
خامساً، الثورة الإيرانية. في آب 1978، أي قبل 6 أشهر من هروب الشاه رضى بهلوي، المدعوم من أميركا، الى الخارج، خرجت الـ"سي آي ايه" لتؤكد أن "إيران ليست في وضعية الثورة أو ما قبل الثورة". وبحسب، غاري سيك، أحد أعضاء مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر، فإن الولايات المتحدة قد قلصت عمليات جمع المعلومات داخل إيران في فترة ما قبل الثورة احتراما للشاه.
سادسا، الغزو السوفياتي لأفغانستان. فاجأ الغزو الذي بدأ في كانون الأول 1979، إدارة كارتر كثيرا، خصوصا أن الاستخبارات الأميركية كانت تعتبر آنذاك أن شبح الغرق في مستنقع مكلف يردع السوفيات من غزو أفغانستان.
سابعا، انهيار الاتحاد السوفياتي. يؤخذ على الـ"سي آي ايه" فشلها في توقع انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991 بالرغم من إشارت عدة على ذلك، كضعف الاقتصاد السوفياتي وسقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية...
ثامنا، التجارب النووية الهندية. لم تتمكن الـ"سي آي ايه" من كشف نية الهند القيام بتفجيرات نووية تحت الأرض، الأمر الذي وصفه رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي ريتشارد شيلبي، بـ"الفشل الضخم في جمع المعلومات الاستخباراتية". بعد أسابيع، حاولت الوكالة حفظ ماء الوجه عندما أعلنت أن "باكستان تنوي القيام باختبارات نووية خاصة".
تاسعا، أحداث 11 أيلول 2001. في تقريرها عن أحداث 11 أيلول، قالت "لجنة 9/11" إن أجهزة الاستخبارات "المثقلة بعدد كبير جدا من الأولويات، والميزانيات المسطحة والمنافسات البيروقراطية" قد فشلت في إظهار التهديد الذي يشكله "الإرهاب عبر الحدود" منذ التسعينيات وحتى 11 أيلول 2001. واستجابة لتوصيات اللجنة، أنشأ الكونغرس الاميركي "المركز القومي لمكافحة الإرهاب" لجمع المعلومات.
عاشرا، حرب العراق. في شباط 2003، أي قبل حوالى شهر من غزو العراق، أعلن وزير الخارجية الأميركي آنذاك، كولن باول، استنادا لـ"معلومات استخباراتية مؤكدة"، أن لدى العراق أسلحة للدمار الشامل. في الواقع، خلصت تقديرات الاستخبارات في تشرين الاول 2002 إلى أن العراق يواصل برنامجه لأسلحة الدمار الشامل، ويمكن أن يصنع سلاحاً نووياً "في غضون عدة أشهر إلى سنة" اذا حصل على ما يكفي من المواد الانشطارية. لكن الولايات المتحدة لم تعثر على أدلة لمثل هذا البرنامج بعد الغزو، وهو الفشل الاستخباراتي الذي قال الرئيس الأميركي جورج بوش انه يشعر إزاءه بـ"الأسف الكبير".
السفير نقلاً (عن "فورين بوليسي" بتصرف)
إضافة تعليق جديد